تحريض الإمام أصحابه علي القتال











تحريض الإمام أصحابه علي القتال



2470- تاريخ دمشق عن ابن عبّاس: عقم النساء أن يأتين بمثل أميرالمؤمنين عليّ ابن أبي طالب، واللَّه ما رأيت ولا سمعت رئيساً يوزن به، لرأيته- يوم صفّين- وعلي رأسه عمامة قد أرخي طرفيها کأنّ عينيه سراجا سليط وهو يقف علي شرذمة يحضّهم حتي انتهي إليَّ وأنا في کنف من الناس فقال:

معاشر المسلمين! استشعروا الخَشية، وغضّوا الأصوات، وتجَلبَبوا السکينة، واعملوا الأسنّة، وأقلقوا السيوف قبل السلّة، واطعنوا الرخر،[1] ونافِحوا بالظُّبا، وصِلُوا السيوف بالخُطا، والنبال بالرماح، فإنّکم بعين اللَّه ومع ابن عمّ نبيّه صلي الله عليه و آله.

عاودوا الکَرّ، واستحيوا من الفرّ؛ فإنّه عارٌ باقٍ في الأعقاب والأعناق، ونار يوم الحساب، وطِيبوا عن أنفسکم أنفساً، وامشوا إلي الموت أسححاً،[2] وعليکم بهذا السواد الأعظم، والرواق المطيّب، فاضربوا ثَبَجَه؛[3] فإنّ الشيطان

[صفحه 107]

راکب صعبه، ومفرش ذراعيه، قد قدّم للوثبة يداً، وأخّر للنُّکوص رجلاً، فصمداً صمداً حتي يتجلّي لکم عمود الدين «وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ اللَّهُ مَعَکُمْ وَ لَن يَتِرَکُمْ أَعْمَلَکُمْ».[4] [5] .

2471- الکافي عن مالک بن أعين: حرّض أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه الناس بصفّين فقال:

إنّ اللَّه عزّ وجلّ دلّکم علي تجارة تنجيکم من عذاب أليم، وتشفي بکم علي الخير: والإيمان باللَّه والجهاد في سبيل اللَّه، وجعل ثوابه مغفرة للذنب، ومساکن طيّبة في جنّات عدن، وقال عزّ وجلّ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ ي صَفًّا کَأَنَّهُم بُنْيَنٌ مَّرْصُوصٌ».[6] .

فسوّوا صفوفکم کالبنيان المرصوص، فقدّموا الدارع وأخّروا الحاسر، وعضّوا علي النواجذ؛ فإنّه أنبي للسيوف عن الهام،[7] والتووا علي أطراف الرماح؛ فإنّه أموَرُ[8] للأسنّة، وغضّوا الأبصار؛ فإنّه أربط للجأش وأسکن للقلوب، وأميتوا الأصوات؛ فإنّه أطرد للفشل وأولي بالوقار، ولا تميلوا براياتکم، ولا تزيلوها، ولا تجعلوها إلّا مع شجعانکم؛ فإنّ المانع للذمار، والصابر عند نزول الحقائق، هم أهل الحفاظ...

[صفحه 108]

واعلموا أنّ أهل الحفاظ هم الذين يحفّون براياتهم ويکتنفونها ويصيرون حفافيها ووراءها وأمامها، ولا يضيعونها؛ لا يتأخّرون عنها فيسلّموها، ولا يتقدّمون عليها فيفردوها.

رحم اللَّه امرأً واسي أخاه بنفسه، ولم يکلّ قرنه إلي أخيه فيجتمع قرنه وقرن أخيه، فيکتسب بذلک اللائمة، ويأتي بدناءة، وکيف لا يکون کذلک وهو يقاتل الاثنين؟! وهذا ممسک يده قد خلّي قرنه علي أخيه هارباً منه ينظر إليه، وهذا فمن يفعله يمقته اللَّه، فلا تعرضوا لمقت اللَّه عزّ وجلّ فإنّما ممرّکم إلي اللَّه، وقد قال اللَّه عزّ وجلّ: «لَن يَنفَعَکُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً».[9] .

وايمُ اللَّه، لئن فررتم من سيوف العاجلة لا تسلمون من سيوف الآجلة، فاستعينوا بالصبر والصدق؛ فإنّما ينزل النصر بعد الصبر، فجاهدوا في اللَّه حقّ جهاده ولا قوّة إلّا باللَّه.[10] .



صفحه 107، 108.





  1. کذا في المصدر، وفي نهج البلاغة: «الشَّزْر». والطَّعن الشَّزْر: ما کان عن يمين وشمال (لسان العرب: 404:4).
  2. کذا في المصدر، ولعلّها من سَحَّ الماءَ وغيره يسحّه سَحّاً: إذا صبّه صبّاً متتابعاً کثيراً (لسان العرب: 476:2). وفي نهج البلاغة: «سُجُحاً». والسُّجُح: السَّهلة (النهاية: 342:2).
  3. الثَّبجَ: هو معظم الشي ء وعواليه (مجمع البحرين: 238:1).
  4. محمّد: 35.
  5. تاريخ دمشق: 460:42، مروج الذهب: 389:2، عيون الأخبار لابن قتيبة: 110:1؛ نهج البلاغة: الخطبة 66 وفيه من «معاشر المسلمين»، خصائص الأئمّة عليهم السلام: 75، بشارة المصطفي: 141 کلّها نحوه.
  6. الصفّ: 4.
  7. في المصدر: «أنبأ للسيوف علي الهام»، والصحيح ما أثبتناه کما في بحارالأنوار نقلاً عن الکافي.
  8. مَارَ الشي ء مَوْراً: اضطرب وتحرّک (لسان العرب: 186:5).
  9. الأحزاب: 16.
  10. الکافي: 4:39:5، نهج البلاغة: الخطبة 124 وفيه من «فقدّموا الدارع...»، وقعة صفّين: 235 عن عبد الرحيم بن عبد الرحمن عن أبيه، بحارالأنوار: 468:562:32؛ تاريخ الطبري: 16:5 عن أبي عمرة الأنصاري وکلّها نحوه.