الحدث الخالد











الحدث الخالد



إن من طبيعة الزمن في حرکته نحو المستقبل، وابتعاده عن قضايا الماضي، هو أن يؤثر في التقليل من أهمية الأحداث الکبيرة، التي يمر بها، وتمر به، ويساهم في أفولها شيئاً فشيئاً، حتي تصبح علي حد الشبح البعيد البعيد، ثم قد ينتهي بها الأمر

[صفحه 19]

إلي أن تختفي عن مسرح الذکر والذاکرة، حتي کأن شيئاً لم يکن.

ولا تحتاج کبريات الحوادث في قطعها لشوط کبير في هذا الاتجاه إلي أکثر من بضعة عقود من الزمن، مشحونة بالتغيرات والمفاجآت.

وحتي لو احتفظت بعض معالمها ـ لسبب أو لآخر ـ بشيء من الوضوح، ونالت قسطاً من الاهتمام، فلا يرجع ذلک إلي أن لها دوراً يذکر في حياة الإنسان وفي حرکته، وإنما قد يرجع لأنها أصبحت تاريخاً مجيداً، يبعث الزهو والخيلاء لدي بعض الناس، الذين يرون في ذلک شيئاً يشبه القيمة، أو يعطيهم بعضاً من الاعتبار والمجد بنظرهم، وربما يکون ثمة أسباب أخري أيضاً.

ولکن قضية الغدير، رغم مرور الدهور والأحقاب، وبعد ألف وأربع مائة سنة زاخرة بالتقلبات العجيبة، وبالقضايا الغريبة، ومشحونة بالحروب والکوارث، وبالعجيب من القضايا والحوادث.

ورغم المحاولات الجادة، والمتتابعة للتعتيم عليها، وإرهاقها بالتعليلات والتعللات غير المعقولة، باردة کانت أو ساخنة، بهدف حرفها عن خطها القويم، وعن الاتجاه الصحيح والسليم.

وکذلک رغم ما عاناه ويعانيه المهتمون بها من اضطهاد

[صفحه 20]

وغربة، وتشريد ومحنة، وما يصب علي رؤوسهم من بلايا ومصائب، وکوارث ونوائب.

نعم، رغم ذلک کله وسواه، فإن هذه الحادثة بما تمثله من قضية کبري للإيمان وللإنسان، قد بقيت ولسوف تبقي القضية الأکثر حساسية وأهمية، لأنها الأکثر صلة بالإيمان وبالإنسان، والأعمق تأثيراً في حياة هذا الکائن، وفي بنية شخصيته من الداخل، وعلي علاقاته بکل من وما يحيط به، أو يمت إليه بأدني صلة أو رابطة من الخارج.

وهي کذلک القضية الأکثر مساساً وارتباطاً بمستقبل هذا الإنسان، وبمصيره، إنْ في الدنيا، وإنْ في الآخرة.

وهذا بالذات هو السر في احتفاظ هذه القضية بکل حيويتها، وحساسيتها بالنسبة إليه، علي مر الدهور، وتعاقب العصور، ولسوف تبقي کذلک کما سيتضح فيما يأتي.



صفحه 19، 20.