الموقف، الفضحية











الموقف، الفضحية



ولا نشک في أن طائفة الأخيار، والمتقين الأبرار من صحابة النبي [صلي الله عليه وآله] کانت تلتزم بأوامره [صلي الله عليه وآله]، وتنتهي بنواهيه، وتسلم له [صلي الله عليه وآله] في کل ما يحکم ويقضي به.

[صفحه 71]

ولکن هؤلاء کانوا فئة قليلة إذا قيست بالفئة الأخري، المتمثلة بأصحاب الأهواء، وطلاب اللبانات، وذوي الطموحات، ممن لم يسلموا، ولکنهم غلبوا علي أمرهم، فاستسلموا، وأصبح کثير منهم يتظاهر بالورع، والدين والتقوي، والطاعة والتسليم لله، ولرسوله، متخذاً ذلک ذريعة للوصول إلي مآربه، وتحقيق أهدافه.

أما هؤلاء، الذين کانوا يظهرون خلاف ما يبطنون، ويسرون غير ما يعلنون، فقد کان لا بد من کشف زيفهم وإظهار خداعهم بصورة أو بأخري.

وقد رأينا:

کيف أن هؤلاء الذين کانوا يتبرکون بفضل وضوء رسول الله [صلي الله عليه وآله]، وحتي ببصاقه، ونخامته، ويدّعون الحرص علي امتثال أوامر الله سبحانه بتوقيره، وبعدم رفع أصواتهم فوق صوته[1] ، وبالتأدّب معه، وبأن

[صفحه 72]

لا يقدموا بين يدي الله ورسوله و.. و..

لقد رأينا أن هؤلاء بمجرد إحساسهم بأنه [صلي الله عليه وآله] يريد الحديث عن الأئمة الاثني عشر، وبيان مواصفاتهم ـ ويتجه نحو تحديدهم بصورة أدق، وأوفي وأتـم ـ کيف ثارت ثائرتهم. وأن خشيتهم من إعلان إمامة من لا يرضون إمامته، وخلافة من يرون أنه قد وترهم، وأباد خضراءهم في مواقفه المشهورة، دفاعاً عن الحق والدين ـ ألا وهو علي أمير المؤمنين [عليه السلام]، قد أظهر حقدهم، فعلا ضجيجهم، وزاد صخبهم، والتعبيرات التي وردت في الروايات واصفة حالهم، هي مثل:

«ثم لغط القوم وتکلموا».

أو: «وضج الناس».

أو: «فقال کلمة أصمّينها الناس».

أو: «فصرخ الناس، فلم أسمع ما قال».

أو: «فکبر الناس، وضجوا».

أو: «فجعل الناس يقومون، ويقعدون».

نعم، لقد کان هذا هو موقفهم من الرسول، وهؤلاء هم الذين يدعي البعض لهم مقام العصمة عن کل ذنب، ويمنحهم وسام الاجتهاد في الشريعة والدين!!.

[صفحه 73]



صفحه 71، 72، 73.





  1. راجع سورة الحجرات: الآية 1 و2.

    وقد ورد أنّ هذه الأيات نزلت حينما حصل اختلاف فيما بين أبي بکر وبين عمر حول تأمير بعض الأشخاص من قبل النبي، فأصر أحدهما علي شخص وأصر الآخر علي آخر، حتي ارتفعت أصواتهما.

    راجع: الدر المنثور ج6، ص 83 ـ 84 عن البخاري وابن المنذر وابن مردويه، وأسباب النزول ص 218، وصحيح البخاري ج3، ص 122، والجامع الصحيح ج5، ص387، وتفسير القرآن العظيم ج4، ص 205 ـ 206، ولباب التأويل ج4، ص 164، وفتح القدير ج5، ص 61، والجامع لأحکام القرآن ج16، ص 300 ـ 301 وغرائب القرآن [مطبوع بهامش جامع البيان] ج 26، ص 72.