بعض ما قاله المعتزلي هنا











بعض ما قاله المعتزلي هنا



هذا.. وقد أکد المعتزلي هذه الحقيقة في مواضع من شرحه لنهج البلاغة. ونحن نذکر هنا فقرات من کلامه، ونحيل من أراد المزيد علي ذلک الکتاب، فنقول:

قال المعتزلي: «إن قريشاً اجتمعت علي حربه منذ بويع،

[صفحه 44]

بغضاً له وحسداً، وحقداً عليه؛ فأصفقوا کلهم يداً واحدة علي شقاقه وحربه، کما کانت في ابتداء الإسلام مع رسول الله [صلي الله عليه وآله]، لم تخرم حاله من حاله أبداً»[1] .

وقال: «إنه رأي من بغض الناس له، وانحرافهم عنه، وميلهم عليه، وثوران الأحقاد التي کانت في أنفسهم، واحتدام النيران التي کانت في قلوبهم، وتذکروا الترات التي وترهم فيما قبل بها، والدماء التي سفکها منهم، وأراقها.

إلي أن قال:

وانحراف قوم آخرين عنه للحسد الذي کان عندهم له في حياة رسول الله [صلي الله عليه وآله]، لشدة اختصاصه له، وتعظيمه إياه، وما قال فيه فأکثر من النصوص الدالة علي رفعة شأنه، وعلو مکانه، وما اختص به من مصاهرته وأخوّته، ونحو ذلک من أحواله.

وتنکّر قوم آخرين له، لنسبتهم إليه العجب والتيه ـ کما زعموا ـ واحتقاره العرب، واستصغاره الناس، کما عددوه عليه، وإن کانوا عندنا کاذبين، ولکنه قول قيل، وأمر ذکر..»[2] .

وقال: «فقد رأيت انتقاض العرب عليه من أقطارها، حين بويع بالخلافة، بعد وفاة رسول الله [صلي الله عليه وآله] بخمس

[صفحه 45]

وعشرين سنة، وفي دون هذه المدة تُنسي الأحقاد، وتموت الترات، وتبرد الأکباد الحامية، وتسلوا القلوب الواجدة، ويعدم قرن من الناس، ويوجد قرن، ولا يبقي من أرباب تلک الشحناء والبغضاء إلا الأقل».

«فکانت حاله بعد هذه المدة الطويلة مع قريش کأنها حاله لو أفضت الخلافة إليه يوم وفاة ابن عمه [صلي الله عليه وآله] من إظهار ما في النفوس، وهيجان ما في القلوب، حتي إن الأخلاف من قريش، والأحداث والفتيان، الذين لم يشهدوا وقائعه وفتکاته في أسلافهم وآبائهم، فعلوا به ما لو کانت الأسلاف أحياء لقصرت عن فعله، وتقاعست من بلوغ شأوه»[3] .

وقال: «اجتهدت قريش کلها، من مبدأ الأمر في إخمال ذکره، وستر فضائله، وتغطية خصائصه، حتي مُحي فضله ومرتبته من صدور الإسلام»[4] .

وقال: «إن قريشاً کلها کانت تبغضه أشد البغض..

إلي أن قال:

«ولست ألوم العرب، ولا سيما قريشاً في بغضها له، وانحرافها عنه، فإنه وترها، وسفک دماءها، وکشف القناع في

[صفحه 46]

منابذته. ونفوس العرب وأکبادها کما تعلم!»[5] .

هذا وقد أشار إلي بغض قريش ومنابذتها له في مواضع عديدة أخري من کتابه، فليراجعها من أراد[6] .

واستقصاء النصوص الدالة علي هذا الأمر غير متيسر، بل هو متعذر، بسبب کثرته وتنوعه، وتفرقه في المصادر التي تعد بالمئات.

وبعد ما تقدم:

فإن الوقت قد حان للوقوف علي حقيقة موقف قريش، ومن تابعها، مما جري في قضية [الغدير]، والظرف الذي کان يواجهه الرسول الأعظم [صلي الله عليه وآله] مع هؤلاء، في هذه المناسبة بالذات، فإلي الفصل التالي.

[صفحه 47]



صفحه 44، 45، 46، 47.





  1. شرح النهج ج 16، ص 151.
  2. شرح النهج ج11، ص 112 و 113.
  3. شرح النهج ج 11، ص 114.
  4. شرح النهج ج18، ص 18.
  5. شرح النهج ج 14، ص 299.
  6. راجع شرح النهج ج9، ص 28 و29 و52 وج4، ص 74 ـ 104.