عثمان بن عفان











عثمان بن عفان



«فقام ثالوث القوم، وقام بنو امية يخضمون مال الله خضم الابل نبتة الربيع.. إلي أن انتکث فتله، وأجهز عليه عمله، وکبت به بطنته... فما راعني إلا والناس کعرف الضبع إليّ، ينثالون علي من جانب حتي لقد وطئ الحسنان، وشق عطفاي مجتمعين حولي کربيضة الغنم، فلما نهضت بالامر نکثت طائفة، ومرقت أخري، وقسط آخرون»[1] .

إرتقي عثمان بن عفان منبر النبي بعد وفاة عمر وبالشکل الذي وصفناه في قصة

[صفحه 88]

«الشوري». واول عمل قام به الخليفة الجديد هو: تعيين ذويه واقربائه من الامويين وآل ابي معيط مستشارين، وامراء علي الامصار، وبخاصة اولئک الذين کانت لهم إو لآبائهم سيرة غليظة معروفة في محاربة الاسلام ونبيه، الامر الذي اورثهم احقادا ـ من الجاهلية ـ علي الرسول واهل بيته وتعاليمه، زرعها امية بن عبدشمس ونجله حرب، وتعهدها من بعدهما: ابوسفيان، وزوجه هند بنت عقبة، ونجلهما معاوية الذي حارب النبي في بدر مع ابيه فهرب بعد ان قتل اخ له، واسر آخر کما سنري.

وقد ادي اعتماد عثمان علي اولئک النفر ـ وعلي مروان بن الحکم ـ الي تقويض دعائم الخلافة الاسلامية، وطوح بحياة عثمان وعلي مروان بن الحکم ـ الي تقويض الخلافة الاسلامية، وطوح بحياة عثمان وعلي من بعده، وبالتالي الي اندحار مباديء العدالة الاجتماعية التي تبناها الاسلام، واراد الرسول الکريم بثها بين الناس علي اختلاف اجناسهم ومواقعهم الجغرافية.

وقد زرعت تصرفات الامويين ـ الذين اعتمد عليهم عثمان في تدوير شئون المسلمين، کما سنري، فأصبح الحکام ـ بعد مصرع الخليفة الثالث کما سنري، بذور الفسلد والتفسخ في الخلق العربي عند الحکام والمحکومين علي السواء، فأصبح الحکام ـ بعد مصرع الخليفة الثالث کما سنري ـ يستعملون شتي اساليب الغدر والمواربة، والکذب، والدس ـ واضرابها من الرذائل السياسية والخلقية ـ لکسب ولاء الجماهير لحکمهم الفاسد من جهة، وللايقاع بخصومهم من جهة اخري. والف المحکومون ـ الا ما ندر ـ هذه التصرفات الملتوية، مع توالي الايام، واستحسنوها وکيفوا سلوکهم وفقا لها.

وبما اننا لانؤرخ ـ في هذه الدراسة ـ اثر الامويين[2] في الخلق العربي والاسلامي، وانما نحن بصدد البحث في الدور الذي لعبوه في خلافة عثمان، فسوف

[صفحه 89]

نحصر بحثنا في هذه النقطة المعينة، ولکي تفهم ذلک الاثر علي الوجه الاکمل نري لزاما علينا ان نستعرض مواقفهم من الاسلام في عهد الرسول:

لقد الب الامويون کفار قريش علي حرب النبي صلي الله عليه وسلم ـ فوقعت بدر ـ وقتل منهم حنظلة بن ابي سفيان بن حرب بن امية بن عبدشمس.

والعاص بن سعيد بن العاص بن امية بن عبدشمس، وعبيدة بن سعيد بن العاص ابن امية بن عبدشمس.

والوليد بن عقبة بن ربيعة بن عبدشمس «صهره اخو هند زوج ابي سفيان» وشيبة بن ربيعة بن عبدشمس، وعقبة بن ابي معيط «والد الوليد اخي عثمان لامه»

واسر من الامويين يوم بدر ابوالعاص بن الربيع بن عبدالعزي بن عبدشمس،

والحرث بن وجزة بن ابي عمر بن امية بن عبدشمس.

وکان عمرو بن ابي سفيان ـ زوج بنت عقبة بن ابي معيط ـ من اسري بدر ـ کما ذکرنا ـ فاقترح بعض المقربين الي ابي سفيان ان يفدي عمرواً؟ فأجاب: «ايجمع عليّ مالي ودمي؟ قتلوا حنظلة وافدي عمروا!! دعوه في ايديهم.. وبينما هو ـ اي عمرو ـ کذلک محبوس في المدينة اذ خرج سعد بن النعمان بن اکال اخو بني عمرو بن عوف... معتمرا... وکان شيخا مسلما... فعدا[3] عليه ابوسفيان بمکة فحبسه بابنه عمرو، ثم قال مفتخرا:


ارهط ابن اکال اجيبوا دعـــاءه
تعاقدتموا لاتسلموا السيــد الکهلا


فان بني عمرو لئـــام اذلــة
لئن لم يفکوا عن اسيرهـم الکبلا[4] .

وقالت هند بنت عتبة ـ زوج ابي سفيان، وام معاوية ـ تبکي اباها يوم بدر:

[صفحه 90]

يريـــب علينا دهرنا فيسوؤنـــا
ويــأبي فـما نـأتي بشيء نغـالبه


فـأبلــغ ابا سفيان عنـــي مالکا
فـان الــقه يومـا فـسوف اعاتبه


فقد کان حرب يسعــر الحرب انه
لکل امريء في الناس مولي يطالبه[5] .


وفي ضوء ماذکرنا نستطيع ان نقول ان الامويين قد اصيبوا بنکسة مريعة في بدر، فتحرکت حفائظهم، واثيرت ضغائهم القديمة، واحقادهم الجديدة، فالبوا من جديد کفار قريش، والبهم الکفار، علي حرب النبي.

وکان ابوسفيان «رأس المؤلبين والحاقدين» قد هيا کفار قريش ـ وهيئوه ـ لاعلان حرب جديدة علي النبي!!؟ وتجهز الناس وارسلوا اربعة نفر منهم عمرو بن العاص.. فساروا في العرب يستنفرونهم.

وکان ابوسفيان قائد الناس، فخرج بزوجه هند.. وخرج غيرهم بنسائهم.. الحرث بن المغيرة بفاطمة بنت الوليد اخت خالد... وعمرو بن العاص بريطة بنت منبه.. وکان مع النساء الدفوف يبکين علي قتلي بدر ويحرضن بذلک المشرکين»[6] .

فخرجت قريش «بحدها واحابيشها ومن معها من بني کنانة واهل تهامة وخروجوا معهم بالظعن إلتماس الحفيظة، ولئلا يفروا.

فخرج ابوسفيان بن حرب قائد الناس ومعه هند.. وکانت هند کلما مرت بوحشي ـ او مر بها ـ قالت ايه ابا دسمة! استف واشتف.

واقبل خالد بن الوليد علي خيل المشرکين.. واقبل ابوسفيان يحمل اللات والعزي،[7] وقامت هند في النسوة اللاتي معها واخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال ويحرضنهم وانشدت هند:

[صفحه 91]

ويهاً بنـي عبــد الـدار
ويـهــاً حمــاة الاديار


ضربـــا بکل بتــار

ان تـقبلــوا نعانـــق
ونفــرش النمـــارق


او تـدبـــروا نفـارق
فراق غيــر وامــق[8] .



وانشد عمرو بن العاص يوم احد يصف خروجهم لقتال النبي:



خرجنا مـن الفيفــا عليهم کأننا
مع الصبح رضوي الحبيک المنطق


فما راعهم بالـشر الا نجـــاءة
کراديس خيــل في الازقة تمرق[9] .



ووقفت هند والنسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلي من اصحاب الرسول.

«يجدعن الاذان والانف حتي اتخذت هند من آذان الرجال خدما» «جمع خدمة وهي الخلخال» وقلائد.

وبقرت عن کبد حمزة فلاکتها.. ثم علت صخرة مشرفة فصرخت بأعلي صوتها:



نحــن جزيناکم بيوم بــدر
والحرب بعد الحرب ذات سعر


ما کان عــن عتبة لي صبر
ولا اخي وعمــه وبکــر[10] .



وکان الحليس بن زبان «علي مايروي ابن هشام في سيرة النبي محمد 2 / 44 و 45» قد «مر بأبي سفيان وهو يضرب في شدق حمزة بن عبدالمطلب ـ وهو جثة هامدة ـ ويقول: ذق عقق.

ولما انصرف ابوسفيان ومن معه نادي: ان موعدکم بدرا للعام القادم» ـ ثم التفت الي زوجه هند وانشد مفتخرا[11] :



اباک واخوانا له قد تتابعوا
وحق لهم من عبرة بنصيب

[صفحه 92]

وسلي الذي قد کان في النفس انني
قـتـلت من النجار کل نجيــب


ومـن هاشم قرما کريما ومصعبـا
وکان لدي الهيجاء غير هيــوب


وکانت هند ـ حين انصرف المشرکون منتصرين من احد ـ تنشد:


رجعت وفي نفسي بلابـل جمــه
وقد فـاتني بعض الذي کان مطلبي


ولکننـي قد نلت شيئا ولــم يکن
کما کنت اجو في مسيري ومرکبي[12] .


اما اسلام هند ـ في الظاهر ـ فقد حصل بالشکل التالي:

«لما فتح النبي مکة حضرت اليه هند مع نساء مکة ليبايعنه.

فلما تقدمت هند لمبايعته اشترط شروط الاسلام عليها.. فأجابته بأجوبة قوية

فما قاله لها: تبايعينني علي ان لاتقتلي اولادک؟! فقالت هند:

اما نحن فقد ربيناهم صغارا وقتلتهم کبارا يوم بدر.. فقال: وعلي الا تزنين!؟ فقالت هند: وهل تزني الحرة؟ قالوا: فالتفت رسول الله الي العباس وتبسم»[13] .

يتضح مما ذکرنا جانب من جوانب تعبير الامويين عن مقتهم للدين الحنيف ولصاحبه، فقد شنوها ـ کما رأينا ـ حربا شعواء لاهوادة فيها علي النبي، غير انهم اندحروا في بدر ـ کما رأينا ـ وکادوا ينالون من النبي في موقعة احد.

فقتلو عمه حمزة ومثلوا به علي شکل من الوضاعة والبشاعة قل ان يعثر المرء علي مثلهما في التاريخ. ولولا انه خيل اليهم ان الرسول قد قتل لما رجعوا من المعرکة.

غير انهم سرعان ما اجمعوا امرهم علي الرجوع الي النبي في احد حينما بلغهم انه نجا من سيوفهم الظالمة فلقي «معبد الخزاعي، ابا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء.

[صفحه 93]

وقد اجمعوا الرجعة الي رسول الله واصحابه، وقالوا:

اصبنا جل اصحابه وقادتهم واشرافهم ثم رجعنا قبل ان نستأصلهم، لنکرّنّ علي بقيتهم فلنفرغن منهم ـ فلما رأي ابوسفيان معبدا قال: ماوراءک يا معبد؟

قال: محمد، قد مرج في اصحاب يطلبکم في جمع لم ار مثله قط، يتحرقون عليکم تحرقا... قال: فوالله لقد اجمعنا الکر عليهم لنستأصل بقيتهم.

قال: فاني انهاک عن ذلک... قال: فثني ذلک ابا سفيان ومن معه»[14] .

ولکن اخفاق ابي سفيان «في مؤامرته المسلحة لوَأدِ الاسلام والمسلمين في احد» لم يثنه عن مواصلة الکفاح المرير لاثارة وقائع اخري ضد النبي.

وقد نذر ابوسفيان «ان لا يمس رأسه ماء من جنابة حتي يغزو محمداً[15] في کل فرصة ملائمة للاجهاز عليه، وعلي الدين الحنيف.

فألب الاحزاب في حرب الخندق... ومابعدها... ولم يعلن اسلامه ـ في الظاهر ـ الا حين رأي ان ذلک اجدي من السيف لتحطيم الاسلام.

وهکذا کان ابوسفيان يثيرها حروبا متصلة الحلقات للايقاع بالنبي وبدينه وبصحبه، فأثار حرب بدر، وأحد، والاحزاب في الخندق، وتآمر مع اليهود للوصول الي تحقيق غرضه الدنيء.

لقد مر بنا طرف من حوادث ايذاء قريش ـ وفي مقدمتهم بنو امية من النساء والرجال ـ للنبي، وللمسلمين، وللعقيدة الاسلامية طوال مکوث النبي في مکة «وقد ظهر ذلک الايذاء بشکل فردي مبعثر احيانا، وبشکل جماعي منظم احيانا اخري.

وتفنن المشرکون من الامويين خاصة في ابتداع الوسائل المختلفة لايذاء الرسول

[صفحه 94]

فبعثوا النضر بن الحرث وعقبة بن ابي معيط[16] الي احبار اليهود لتأليبهم علي النبي وتسفيه رسالته، وارسلوا عبدالله بن ابي ربيعة، وعمرو بن العاص[17] الي الحبشة لاقناع النجاشي بطرد المسلمين الذين هاجروا الي الحبشة، تخلصا من ايذاء المشرکين.

وقد نزل قرآن في ذم کثير من اولئک الذين بالغوا في الاعتداء علي الرسول، کأم جميل بنت حرب بن امية حمالة الحطب[18] .

وکان ذلک کله يجري بمکة طوال مکوث النبي فيها.

فلما هاجر النبي الي المدينة واصل کفار قريش ـ تحت زعامة الامويين من النساء والرجال ـ ايذاء الرسول، هذه المرة عن طريق الحرب، فامتشق[19] الامويون الحسام والبوا قريشا، وحاربوا النبي في سلسلة من الحروب الفاشلة التي ذکرناها.

ولما رأي المشرکون ـ من بني امية واتباعهم ـ فشلهم المتواصل لجأوا الي اتّباع اسلوب جديد للايقاع بالاسلام ـ وکان هذا الاسلوب ـ في واقعه ـ اکثر الاساليب ايجاعا للعقيدة الاسلامية.

فتقمص قادتهم الاسلام والتزموا ببعض مظاهره ليتمکنوا من اعلانها حربا شعواء علي الدين من داخله؛ بعد ان اعياهم امره في حربهم اياه من الخارج.

فأسلم ابوسفيان ـ قائدهم ـ في الظاهر يوم فتح مکة بعد ان لجأ الي العباس عم النبي مضطرا والتمسه ان يأخذه الي الرسول، فلما اتي به العباس قال له رسوله الله: الم يأن لک ان تعلم ان لا اله الا الله؟ فقال: بأبي انت وامي ما احلمک واکرمک واوصلک ‍

والله لقد علمت لو کان معه اله غيره اغني عنا ‍! فقال:

[صفحه 95]

ويحک الم يأن لک ان تعلم اني رسول الله؟ قال: بأبي انت وامي ما احلمک واکرمک واوصلک!! اما هذه ففي النفس منها شيء.

فقال العباس: ويحک اسلم قبل ان يضرب عنقک! فأسلم»[20] .

وقد حاول ابوسفيان ان يضبط اعصابه ـ التي نشأت علي الکفر وتشربت ببغض الاسلام ـ فتظاهر بنبذ عبادة الاوثان والاعتراف بالدين الجديد.

ولکن ذلک لم يعصمه في مناسبات کثيرة من غمز الدين الجديد، من ذلک، مثلا: ما ذکره ابن هشام[21] حينما خاطب الحرث بن هشام ابا سفيان بعد فتح مکة بقوله: «اما والله لو اعلم ان محمداً نبي لاتبعته!! فقال ابوسفيان: لا اقول شيئا، لو تکلمت لاخبرت عني الحصا!» فلو کان ابوسفيان مسلما صحيح الاسلام لانبري لتنفيذ زعم ذلک المشرک البغيض.

اما اقراره لرأي الحرث ـ ضمنيا ـ کما يبدو من عبارته فدليل قاطع علي وثنيته.

ذلک ما يتصل بأبي سفيان، اما ما يتصل بغيره من شيوخ الامويين ـ الذين اعتمد عليهم عثمان في تدوير شئون المسلمين ـ فمعروف لدي من لهم ادني المام بالتاريخ الاسلامي في عهد الرسول، فالحکم ـ ابومروان وزير عثمان ـ قد خاض من فحش القول مع الرسول ما يندي من ذکره جبين المسلم ـ الامر الذي اضطر النبي الي نفيه من المدينة الي الطائف، قال البلاذري[22] :

«حدثني محمد بن سعد الواقدي عن محمد بن عبدالله الزهري، وحدثني عباس ابن هشام الکلبي عن ابيه عن جده، ان الحکم بن العاص بن امية عم عثمان ابن عفان کان جارا للنبي في الجاهلية، وکان اشد جيرانه اذي له في الاسلام.

فکان يمر خلف النبي فيغمز به ويحکيه ويخلج بأنفه وفمه، واذا صلي قام خلفه فأشار بأصابعه... واطلع علي ذلک رسول الله ذات يوم في بعض حجر

[صفحه 96]

نسائه فعرفه وخرج اليه... ثم قال: لا يساکني هو ولا ولده فغربهم جميعا الي الطائف، فلما استخلف عثمان ادخلهم المدينة».

وابن ابي سرح الذي اختبره النبي في کتابة الوحي فحرف وبدل في التنزيل، فأهدر النبي دمه.

والوليد بن عقبة بن ابي معيط الذي نزل فيه قرآن يصفه بالنفاق في قضية بني المصطلق المعروفة ـ قال تعالي: «يا ايها الذين آمنو ان جاءکم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة[23] ».

وکان المسلمون في عهد الرسول «يسمون ابا سفيان وامثاله من الذين اسلموا بأخرة، ومن الذين عفا النبي عنهم يوم الفتح بالطلقاء.

ومهما يقال عن معاوية فهو ابن ابي سفيان قائد المشرکين... وابن هند التي اغرت بحمزة حتي قتل ثم بقرت بطنه ولاکت کبده»[24] .

وقد ذکر الزبير بن بکار في الموفقيات «عن المغيرة بن شعبة قال: قال لي عمر يوما: يا مغيرة هل ابصرت بعينک العوراء منذ اصيبت؟ قلت: لا.

قال: اما والله ليعورن بنو امية الاسلام کما اعورت عينک هذه، ثم ليعمينه حتي لايدري اين يذهب ولا اين يجيء»[25] .

وذکرالبخاري في صحيحه 8 / 49» «حدثنا خلاد بن يحيي، حدثنا سفيان عن منصور، والاعمش عن ابي واتل عن ابن مسعود قال: قال رجل يا رسول الله اتؤاخذنا بما عملنا في الجاهلية «قال: من احسن في الاسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية.

ومن اساء في الاسلام اخذ بالاول والاخر».

[صفحه 97]

لقد ظهر من تقريب عثمان للأمر بين خلافته وايثارهم ـ دون غيرهم ـ علي سائر المسلمين اشکالا مختلفة: اوضحها الجانب المالي، والجانب السياسي الاداري ـ وبقدر ما يتعلق الامر بالجانب المالي يمکننا ان نقول: ان عثمان اغدق العطايا علي اقربائه من بيت مال المسلمين دون حساب، من ذلک، مثلا: ان عثمان قد منح مروان بن الحکم ـ زوج ابنته ام ابان، کما منح ابنته عائشة ـ التي زوجها من الحرث بن الحکم اخي مروان ـ يوم العرس «مئتي الف من بيت المال، سوي ما کان قد اقطعه من قطائع، فلما اصبح الصباح جاءه زيد بن ارقم خازنه حزينا.. يرجو ان يقيله.

علي ان هذه الواقعة لم تکن الا حلقة من حلقات سخاء عثمان.

وذات اليوم الاول لخلافته منح ابا سفيان ـ شيخ بني امية ـ مئة الف درهم[26] ،

واعطي عثمان کذلک «رجلا من ذوي قرابته مقدارا ضخما من بيت المال.

واستکثر عامله علي بيت المال هذا المقدار فلم يخرجه، فألح عثمان. فأبي الخازن. فلامه عثمان... وقال: ما انت وذاک؟ انما انت خازن! قال له صاحب بيت المال: ما اراني خازنا لک..

لقد کنت اراني خازنا للمسلمين، ثم اقبل بمفاتيح بيت المال فعلقها علي منبر النبي وجلس في داره»[27] وتفصيل ذلک علي ما رواه البلاذري «انساب الاشراف 5 / 58، 59» انه: «کان علي بيت مال عثمان عبدالله بن الارقم.. فاستسلف عثمان من بيت المال مئة الف درهم.

ثم قدم عليه عبدالله بن اسيد بن ابي العيص من مکة، وناس معه غزاة، فأمر لعبدالله بثلاثمائة الف درهم؛ ولکل رجل من القوم بمئة الف درهم ـ وصک بذلک الي ابن الارقم فاستکثره ورد الصک له.

فقال عثمان: انما انت خازن لنا فما حملک علي ما فعلت؟ فقال ابن الارقم: کنت اراني خازنا للمسلمين؛ وانما خازنک غلامک والله لا الي لک بيت المال ابداً

[صفحه 98]

وجاء بالمفاتيح فعلقها علي المنبر..

وبعث عثمان الي عبدالله بن الارقم ثلاثمائة الف درهم فلم يقبلها».

وقد استمر عثمان علي هذا المنوال من ايثار بني عمومته والمقربين اليه من بيت المال علي حساب المسلمين، حتي تحدث الناس ذات يوم بأن عثمان اخذ من جوهر کان في بيت المال فخلي به بعض اهله فغضب الناس لذلک، ولاموا عثمان فيه حتي اغضبوه، فخطب، فقال: لنأخذ حاجتنا من هذا الفيء وان رغمت انوف اقوام؟

فقال عمار بن ياسر: اشهد الله ان انفي اول راغم من ذلک.

فقال عثمان: أعلي يا ابن المتکأ تجتريء!! خذوه؟ فأخذ.

ودخل عثمان فدعا به فضربه حتي غشي عليه، ثم اخرج محمولا حتي اتي به منزل ام سلمة زوج النبي، وظل مغشيا عليه سائر النهار. ففاته الظهر والعصر والمغرب. فلما افاق توضأ وصلي وقال.

الحمد لله، هذه ليست اول مرة اوذينا فيها في الله، ويقال: ان ام سلمة ـ او عائشة ـ اخرجت شيئا من شعر النبي وثوبا من ثيابه ونعلا من نعاله وقالت:

هذا شعر النبي وثوبه، ونعله لم يبل وانتم تعطلون سنته!!.

وضج الناس، وخرج عثمان عن طوره حتي لا يدري مايقول»[28] .

واذا صحت الرواية المذکورة فان عثمان قد ارتکب خطئين في آن واحد: تبذير اموال المسلمين، والاعتداء علي رجل من خيرة الصحابة.

«ولسنا بحاجة الي ان نناقش في صحة ما جاءت به الرواية من ان عثمان اعطي مروان بن الحکم خمس الغنيمة التي غنمها المسلمون في افريقية.. ومن أنه اعطي الحکم عمه.

واعطي ابنه الحارث ثلثمائة الف.

[صفحه 99]

واعطي عبدالله بن خالد بن اسيد الاموي ثلثمائة الف.

واعطي کل واحد من الذين وفدوا مع عبدالله بن خالد مائة الف.

واعطي الزبير بن العوام ستمائة الف، واعطي طلحة بن عبيد الله مائة الف.

واعطي سعيد بن العاص مائة الف، وزوج ثلاثا او اربعا من بناته لنفر من قريش، فأعطي کل واحد منهم مائة الف دينار»[29] .

ويقول البلاذري في هذا الصدد[30] «حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن اسامة بن زيد بن اسلم، عن نافع مولي الزبير عن عبدالله بن الزبير قال:

اغزانا عثمان سنة 27 افريقية، فأصاب عبدالله بن سعيد بن ابي سرح غنائم جليلة. فأعطي عثمان مروان بن الحکم خمس الغنائم...

وحدثني عباس بن هشان الکلبي عن ابيه.. عمن حدثه قال:

کان عبدالله بن سعد بن ابي سرح اخا عثمان من الرضاعة، وعامله علي المغرب، فغزا افريقية سنة 27 هـ فافتتحها فابتاع خمس الغنيمة بمئة الف او مئتي الف.

فکلم عثمان فوهبها له، فأنکر الناس ذلک علي عثمان...

وحدثني، محمد بن سعد عن الواقدي عن عبدالله بن جعفر، عن ام بکر عن ابيها قالت: قدمت ابل الصدقة علي عثمان فوهبها للحارث بن الحکم بن ابي العاص.

وحدثني محمد بن حاتم بن ميمون، حدثنا الحجاج الاعور عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: کان مما انکروا علي عثمان انه ولي الحکم بن ابي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلثمائة الف درهم فوهبها له حين اتاه بها..

ولما اعطي عثمان مروان بن الحکم ما اعطاه.

[صفحه 100]

واعطي الحارث بن الحکم بن ابي العاص ثلثمائة الف درهم..

واعطي زيد بن ثابت الانصاري مائة الف درهم جعل ابوذر يتلو قول الله:

«والذين يکنزون الذهب،[31] فرفع ذلک مروان بن الحکم الي عثمان..

فأرسل الي ابي ذر نائلا مولاه: ان انته عما بلغني عنک فقال:

اينهاني عثمان عن قراءة کتاب الله وعيب من ترک امر الله فوالله لسخط عثمان احب الي وخير لي من سخط الله».

ولعل تصرف عثمان في بيت المال علي الشکل الذي وصفناه، وايقاعه بالصحابة الذين اعترضوا علي ذلک، يبدو بشکل اوضح مما ذکرناه اذا قارناه ـ حسب قاعدة: وبضدها تتميز الاشياء ـ بتصرف علي اثناء خلافته في بيت المال ـ وبموقفه ممن لامه علي اتباعه الحق، بله الباطل الذي هو اسمي من ان يهبط اليه.

«نزل بالحسين ابنه ضيف، فاستسلف درهما اشتري به خبزا، واحتاج الي الإدام فطلب من قنبر خادمهم ان يفتح لهم زقا من زقاق عسل جاءتهم من اليمن.

فأخذ منها رطلا، فلما طلبها علي ليقسمها، قال: ياقنبر، اظن انه حدث بهذا الزق حدث!، فأخبره، فغضب، وقال: عليّ بحسين. فقال له: ما حملک ان اخذت من قبل القسمة؟ قال: ان لنا فيه حقا فاذا اعطينا رددناه، قال:

وان کان لک حق فليس ان تنفتح بحقک قبل ان ينفتح المسلمون بحقوقهم.. ثم دفع ال قنبر درهما کان مصروا في ردائه، وقال:

اشتر به خير عسل تقدر عليه»[32] .

وذکر عقيل بن ابي طالب لمعاوية بن ابي سفيان عندما التحق به فارا من عدل الامام «اصابتني مخمصة شديدة. فجمعت صبياني وجئت عليا بهم، والبؤس والضر

[صفحه 101]

ظاهران عليهم! فقال ائتني عشية لادفع اليک شيئا، فجئته يقودني احد ولدي، فأمره بالتنحي، ثم قال: الا دونک، فأهويت حريصا قد غلبني الجشع اظنها صرة فوضعت يدي عل حديدة تلتهب نارا، فلما قبضتها نبذتها وخرت کما يخور الثور تحت يد جزار[33] .

والي هذه الحادثة يشير الامام في احدي خطبه:

«رأيت عقيلا وقد املق حتي استماحني من برکم صاعا. ورأيت صبيانه شعث الشعور، غبر الالوان من فقرهم، عاودني مؤکدا وکرر علي القول مرددا، فأصغيت اليه سمعي، فظن اني ابيعه ديني واتبع قياده مفارقا طريقي، فأحميت له حديدة، ثم ادنيتها من جسمه ليعتبر من جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنف من المها..

فقلت له: ثکلتک الثواکل ياعقيل.. اتئن من حديدة احماها انسانها للعبه، وتجرني الي نار سجرها جبارها لغضبه ‍‍‍‍!!»[34] .

ويتجلي اروع مواقف الامام في ضبط النفس في معاملته للخوارج الذين هم علي باطل، من وجهة نظره علي کل حال فلم نشهد له موقفا معهم ـ علي باطلهم ـ يشبه موقف عثمان مع عمار ـ علي حقه ـ يقول الدکتور طه حسين[35] .

«جاء عليا احد الخوارج ـ «وهو الحريث بن راشد السامي ـ فقال له: والله لا اطعت امرک، ولا صليت خلفک.. فلم يغضب علي لذلک، ولم يبطش به انما دعاه الي ان يناظره ويبين له وجه الحق لعله ان يثوب اليه، فقال الحريث: اعود غدا، فقبل منه علي.».

ولم يقف تمزيق عثمان لاموال المسلمين عند حد تفريقه اياها علي الاصهار وذوي القرابة؛ انما تعداه الي الاصدقاء والمقربين والاتباع.

[صفحه 102]

فقد وصل عثمان «الزبير بن العوام بستمائة الف.

ووصل طلحة بمائة الف ونزل عن دين کان له عنده»[36] .

وبقدر ما يتعلق الامر بهذا الجانب من جوانب سياسة ابن عفان يمکننا ان نقول بنشوء هوة سحيقة بين المقربين اليه ـ من الاقرباء والاصهار والاصدقاء من جهة ـ وبين سائر المسلمين من جهة اخري.

فبينما نجد اکثرية المسلمين تعيش علي الطوي ـ ويحرم القسم الکبير منها حقه في بيت المال ـ نري المقربين الي الخليفة ـ بالاضافة الي ذوي قرابته ـ الذين استأثروا بحصة الاسد من غنيمة اموال المسلمين، يبلغ ترفهم وثراؤهم الي الاذقان.

ففي ايام عثمان علي ما يروي المسعودي[37] .

«اقتني جماعة من اصحابه الضياع والدور، منهم: الزبير بن العوام، بني داره بالبصرة وهي المعروفة في هذا الوقت ـ وهو سنة 332 هـ اثنتين وثلاثين وثلثمائة ـ تنزلها التجار وارباب المال..

وابتني ايضا دورا بمصر والکوفة والاسکندرية، وما ذکر من دوره وضياعه فمعلوم..

وبلغ مال الزبير بعد وفاته خمسين الف دينار، وخلف الزبير الف فرس. والف امة..

وکذلک طلحة بن عبيدالله التميمي ابتني داره المشهورة في الکوفة.

وکان غلته من العراق کل يوم الف دينار ـ وقبل اکثر من الف.

وبناحية سراة اکثر مما ذکرنا ـ وشيد داره بالمدينة وبناها بالآجر والجص والساج.

وکذلک عبدالرحمن بن عوف الزهري ابتني داره ووسعها، وکان علي مربطه الف فرس، وله الف بعير وعشرة الاف من الغنم

[صفحه 103]

وبلغ بعد وفاته ربع ثمن ماله اربعة وثمانين الفا».

يتضح مما ذکرنا «ان السياسة المالية التي اصطنعها عثمان منذ ان نهض بالخلافة کانت کلها موضع نقمة وانکار من اکثر الذين عاصروه ومن اکثر الرواة والمؤرخين.

کان عثمان ـ قبل ان يلي الخلافة ـ کثير المال.

فلما تولي الخلافة شغلته عن التجارة.. ولم يکن له بد من ان ينفق علي نفسه واهله وذوي قرابته بعد الخلافة کما کان ينفق قبلها، فکان يري فيما يظهر ان الخلافة يجب الا تغير من سيرته في المال شيئا، فاذا لم يسعفه ماله الخاص وجب ان تسعفه الاموال العامة»[38] .

واذا استباح الخليفة لنفسه ان ينفتع ببيت المال لاغراضه الآنفة الذکر.

فان ذلک قد شجع عماله علي السير في مال المسلمين سيرة امامهم، فأعطوا واقرضوا والتوي بعضهم بالدين، فاستقال عبدالله بن مسعود في الکوفة.

کما استقال عبدالله بن الارقم في المدينة.

واذا اطلق الامام يده واطلق العمال ايديهم في الاموال العامة علي هذا النحو لم يمکن غريبا ان يحتاج الجند الي المال فلا يجدون، وان اضطر الامام ان ينفق علي الحرب من اموال الصدقة فيعرض نفسه لما تعرض اليه من الانکار..

واذا اطلق يده في الاموال العامة علي هذا النحو لم يکن غريبا ان تمتد هذه الايدي الي اموال الصدقة للانفاق علي الحرب بل للعطاء وصلة الرحم.

کما يروي ان عثمان ارسل الحارث بن الحکم مصدقا علي قضاعة. فلما جاء بصدقاتهم وهبها له... علي ان عثمان لم يقتصر علي السائل من المال بل تجاوز الي الجامد ايضا.

فقد نقم الناس من عثمان انه کان يقطع القطائع الکثيرة في الامصار لبني امية.

[صفحه 104]

وقد دافع اهل السنة والمعتزلة عن هذا الاقطاع بأن عثمان انما اقدم عليه استصلاحا لهذه الارض..

ويرد الشيعة عليهم بأن عثمان نفسه لم يدافع عن نفسه هذا الدفاع، وکان من الممکن ان يرد الشيعة ايضا بأن بني امية لم يکونوا اخصائين من دون قريش في استصلاح الارض»[39] .

وفي ضوء ما ذکرنا نستطيع ان نقول مع الدکتور طه حسين[40] «ان السياسة المالية لعثمان کانت تنتهي الي نتيجتين کلتاهما شر: الاولي انفاق الاموال العامة في غير حقها..

والاخري انشاء هذه الطبقة الغنية المسرفة في الغني التي تستجيب لطمع لاحد له، فتتوسع في ملک الارض واستغلال الطبقة العاملة، ثم تري لنفسها من الامتياز ما ليس لها، ثم تتنافس في التسلط».

وقد حدث ذلک بالفعل واستفحل في خلافة الامام علي کما سنري.

ذلک: ما يتعلق بأسلوب عثمان في صرف المال وبسياسته العامة في هذه الناحية.. اما ما يتعلق بسياسته الادارية فمن الممکن ان يقال عنه:

بأن عثمان کان يعتمد ـ بالدرجة الاولي ـ من حيث الولاة والمتنفذين، علي مروان بن الحکم ـ مستشاره ووزيره ـ وعلي ولاة آخرين من اصهاره وذوي قرابته ـ مر بنا ذکر اسمائهم ـ وقد اخذ هؤلاء الولاة القساة الفجرة، بدورهم ـ کما سنري.

يعبثون بشئون المسلمين والاسلام بشکل لم يألفه الناس من قبل.

وعثمان من ورائهم يسندهم ويختلق لهم المعاذير التبرير افعالهم الناشزة.

[صفحه 105]

وانکي من ذلک ان عثمان نفسه کان ـ علي الرغم مما عرف فيه من وداعة ولين ـ علي جانب کبير من القسوة في معاملة اجلة الصحابة، بله عامة الناس..

وموقفه الغليظ من عبدالله بن مسعود، وابي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، معروف لدي الکثيرين.

والانکي من ذلک کله:

ان هؤلاء الرجال الصالحين ـ بشهادة الرسول ـ قد امتهنهم الخليفة واعتدي عليهم بالضرب المبرح والنفي والکلام الجارح، دون ان يقوموا بعمل يستحقون عليه العقاب.

اللهم الا اذا اعتبرنا عتابهم لعثمان علي بعض تصرفاته الناشزة شيئا يستحقون عليه العقاب. قال البلاذري[41] «حدثنا محمد بن عيسي بن سميع عن محمد بن ابي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال:

ولما ولي عثمان کره ولايته نفر من اصحاب رسولالله.. وکان کثيرا ما يولي من بني امية من لم يکن له مع النبي صحبة. وکان يستعتب فيهم فلا يعزلهم فلما کان في الست الاواخر استأثر ببني عمه فولاهم.

وولي عبدالله بن سعد بن ابي سرح مصر فمکث فيها سنين، فجاءه اهل مصر يشکونه ويتظلمون منه... فکتب اليه کتابا يتهدده فيه، فأبي ان ينزع عما نهاه عثمان عنه.

وضرب بعض من کان شکاه الي عثمان من اهل مصر حتي قتله.

فخرج من اهل مصر وفد الي المدينة فنزلوا المسجد وشکوا ما صنع بهم ابن ابي سرح في مواقيت الصلاة الي اصحاب محمد، فقام طلحة الي عثمان فکلمه بکلام شديد.

وارسلت اليه عائشة تسأله ان ينصفهم من عامله».

[صفحه 106]

وقد کتب الي عثمان جماعة من الصحابة فيهم: المقداد، وعمار، وطلحة، والزبير، علي مايقول البلاذري:[42] «کتابا عدوا فيه احداث عثمان وخوفوه ربه واعلموه انهم موائبوه ان لم يقلع، فأخذ عمار الکتاب واتياه به، فقرأ سطرا منه.

فقال له عثمان: اعلي تقدم من بينهم؟ فقال عمار: لاني انصحهم لک.

فقال: کذبت يا ابن سمية، فقال: انا والله ابن سمية وابن ياسر.

فأمر غلمانه فمدوا بيديه ورجليه، ثم ضربه عثمان برجليه وهي في الخفين علي مذاکيره فاصابه الفتق، وکان ضعيفا کبيرا، فغشي عليه».

ويلوح للباحث ـ في ضوء ما ذکرناه ـ ان السياسة العامة للدولة کانت مبنية ـ في جوانبها المالية والاداريه ـ علي العبث بمقدرات المسلمين، وعلي الخروج علي روح الاسلام لکسب ولاء الناس للامويين من جهة، وللتنکيل بمن يناوئونهم او ينتصرون للدين الحنيف وحتي «لسيرة الشيخين» تلک السيرة التي تسلم عثمان الخلافة علي اساس السير وفق مستلزماتها کما ذکرنا ـ عند البحث في الشوري ـ من جهة اخري ـ قال الواقدي[43] :

«انکر الناس علي عثمان اعطاءه سعيد بن العاص منه الف درهم، فکلمه عليّ وآخرون في ذلک، فقال:

ان له قرابة ورحما، قالوا: افما کان لابي بکر وعمر قرابة وذو رحم؟ فقال:

ان ابا بکر وعمر کانا يحتسبان في منع قرابتهما، وانا احتسب في اعطاء قرابتي».

فهل هذه السياسة نتفق مع «سيرة الشيخين»؟ ويبدو الباحث کذلک.. ان سيرة عثمان في رعيته لم تکن ـ في کثير من وجوهها ـ غير منسجمة مع «سيرة الشيخين» فحسب، بل کانت «في کثير من الاحيان» غير متفقة ـ کل الاتفاق ـ مع نصوص القرآن وسنة الرسول ـ وجملة القول:

ان عثمان ـ في کثير من تصرفاته ـ بالاضافة الي سياسته المالية التي ذکرناها «وبالاضافة الي سياسته الادارية التي سنذکرها، کان مجافيا لروح الاسلام

[صفحه 107]

ذلک ما يتصل بالسياسة المالية لابن عفان:

اما ما يتصل بالسياسة الادارية «والسياسية» فقد اعتمد عثمان في ادارته علي ذوي قرابته ـ بالدرجة الاولي ـ وليس في ذلک ضير، وان کان الناس ـ منذ قديم الزمان ـ ينکرون علي حکامهم ايثار ذوي قرباهم بشئون الحکم والادارة وما ينتج عنهما. هذا اذا کان ذوو القرابة من اصحاب الکفاءة والسيرة الحسنة، فکيف بهم اذا کانوا من النوع الذي اعتمد عليه عثمان!؟ فبعضهم نزل بهم قرآن في نفاقهم وکذبهم.

وهانحن نقص علي القاريء جانبا من سيرتهم علي سبيل التمثيل لا الحصر.

لنبدأ بالوليد بن عقبة بن ابي معيط والي الکوفة، متتبعين تاريخه منذ عهد الرسول. ذکر ابن هشام[44] ان النبي بعث «الي بني المصطلق، بعد اسلامهم، الوليد بن عقبة بن أبي معيط... يطالبهم بالصدقة.. فرجع الي الرسول فأخبره ان القوم قد هموا بقتله، ومنعوه ما قبلهم من صدقتهم... فبيناهم علي ذلک قدم وفدهم الي رسول الله، فقالوا:

يارسول الله سمعنا برسولک فخرجنا اليه لنکرمه ونؤدي ما قبلنا من الصدقة، فانشمر راجعا، فبلغنا انه زعم انا خرجنا لنقتله.

فانزل الله فيه: «يا ايها الذين آمنوا ان جاءکم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي مافعلتم نادمين[45] ».

وذکر بعض الرواة[46] ان امرأة الوليد بن عقبة جاءت الي النبي تشتکي اليه الوليد لانه کان يضربها، فأمرها النبي بالرجوع اليه واخباره بأن الرسول قد اجارها، فانطلقت

[صفحه 108]

ثم رجعت «فقالت: انه ما اقلع عني، فقطع الرسول هدية من ثوبه، وقال:

اذهبي بها اليه وقولي: ان رسول الله قد اجارني، فانطلقت، فمکثت ساعة ثم رجعت، فقالت: مازادني الا ضربا».

وذکر المسعودي[47] في معرض التحدث عن هذا المنافق اثناء توليته «من قبل عثمان» امرة الکوفة:

ان الوليد بن عقبة کان يشرب مع ندمائه ومغنيه من اول الليل الي الصباح، فلما اذن المؤذن للصلاة خرج منفصلا في غلائله، فتقدم الي المحراب في صلاة الصبح، فصلي بهم اربعا، وقال: تريدون ان ازيدکم؟ وقيل: انه قال في سجوده وقد اطال: اشرب واسقني؟ فقال له بعض من کان خلفه في الصف الاول:

والله لا اعجب الا ممن بعثک الينا والياً وعلينا اميراً.

وخطب الناس الوليد: فحصبه الناس بحصباء المسجد، فدخل قصره يترنح ويتمثل بأبيات تأبط شراً:


ولست بعيــداً عن مدام وقينــة
ولا بصفا صلد عن الخير معــزل


ولکنني اروي من الخمــر هامتي
وامشي الملا بالساحـب المتسلسل[48] .


وکان الوليد زانيا يشرب الخمر، فشرب بالکوفة وقام ليصلي.. فتقيأ في المحراب بعد ان قرأ بهم رافعا صوته:


علق القلب الربابا
بعد ما شابت وشابا


فشخص اهل الکوفة الي عثمان فأخبروه بخبره وشهدوا عليه بشرب الخمر، فأتي به، فأمر رجلا من المسلمين ان يضربه الحد، فلما دنا منه قال:

نشدتک الله وقرابتي... فترکه، فخاف علي ان يعطل الحد فقام اليه فحده بيده... فخرج رهط من اهل الکوفة الي عثمان في امر الوليد، فقال؛

[صفحه 109]

اکلما غضب رجل علي اميره رماه بالباطل!!.. فاستجاروا بعائشة، واصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا وکلاما فيه بعض الغلظة.

فقال: اما يجد فساق العراق ومراقها ملجأ الا بيت عائشة!! فسمعت عائشة، فرفعت نعل رسول الله وقالت: ترکت سنة صاحب هذا النعل[49] ؟».

ويذکر بعض الرواة ان سبب امارة الوليد بن عقبة الکوفة من قبل عثمان «انه لم يکن يجلس مع عثمان علي سريره الا العباس بن عبد المطلب، وابو سفيان بن حرب، والحکم بن ابي العاص، والوليد بن عقبة.

ولم يکن سريره يسع الا عثمان وواحدا منهم، فأقبل الوليد يوما فجلس فجاء الحکم بن ابي العاص، فأومأ عثمان الي الوليد فرحل له عن مجلسه، فلما قام الحکم قال الوليد:

لقد تلجلج في صدري بيتان قلتهما حين رأيتک آثرت عمک علي ابن عمک.

وکان الحکم عم عثمان، والوليد اخاه لامه، فقام عثمان:

ان الحکم شيخ قريش، فما البيتان؟ قال الوليد:


رأيت لعم المرء زلفــي قرابة
دوين اخيه حادثا لم يـکن قدمـا


فأملت عمرا ان يشب[50] وخالدا
لکي يدعواني يوم نائبــة عمـا


فرق له عثمان، وقال: قد وليتک الکوفة[51] ».

ذلک ما يتصل بالوليد بن عقبة ـ کيفية توليته امارة الکوفة وموقفه من الرسول والاسلام في عهد النبي، وعبثه بالشريعة السمحاء في تصرفاته التي وصفنا طرفا منها،

[صفحه 110]

حتي ليقال ان الوليد بن عقبة «... حين دخل الکوفة واليا عليها مکان سعد قال له سعد: ازائرا ياابا وهب؟ ام اميرا؟

قال الوليد: بل اميرا يا ابا اسحاق، قال سعد:

والله ما ادري، احمقت بعدک، ام کست بعدي؟؟ قال الوليد ما حمقت بعدي، ولا کست بعدک؟ وانما ولي القوم الامر فاستأثروا، قال سعد: ما اراک الا صادقا[52] ».

اما ما يتصل بالولاة الاخرين فمعروف ـ نذکر منهم: عبد الله بن عامر الذي ولاه عثمان البصرة، وکان شابا حدثا «لم يتجاوز سنه الخامسة والعشرين بعد، وان في المهاجرين والانصار وغيرهم من العرب من هم اکبر منه سنا واکثر تجربة واقدم منه سابقا في الدين[53] ».

اما عبد الله بن سعد بن ابي سرح الذي ولاه عثمان مصر فکان عثمان نفسه يعلم ان الله انزل في دمه قرآنا... وان النبي کان قد اهدر دمه يوم الفتح[54] ».

تلک جوانب من تصرفات ولاة عثمان.

اما تصرفات عثمان نفسه تجاه بعض کبار الصحابة الذين انکروا عليه بعض اعماله او اعمال ولاته لعدم انسجامها مع مباديء الدين الحنيف، فهي الاخري کانت علي جانب کبير من الغلظة: فقد خالف عبدالله بن مسعود عثمان بن عفان رأيه في جمع القرآن، فلم يعالجه عثمان بالاقناع او يصرفه بالمعروف.

بل امر به ان يؤدب لاجترائه. فصر به بعض عبيده وضربوا به الارض امعانا منهم في الشدة عليه حتي کسروا اضلاعه. ثم لم تقر عين الخليفة حتي اتبع هذا التعذيب بقطع العطاء عنه.».

[صفحه 111]

وراع ابا ذر اسراف عثمان وتبديده اموال المسلمين علي ذوي قرباه فأنکر ذلک عليه واستکثره واستشهد بآيات من القرآن.

«وقد شکا مروان بن الحکم الي عثمان مقالة ابي ذر هذه، فأرسل عثمان اليه مولاه ينهاه. فقال ابو ذر: لئن ارضي الله بسخط عثمان احب الي من ان ارضي عثمان بسخط الله. فنفاه عثمان الي الربذة فمات هناک.»[55] .

وعندما بلغ عثمان موت أبي ذر بالربذة قال رحمه الله علي ما يحدثنا البلاذري[56] فقال: عمار بن ياسر نعم.. فرحمة الله من کل انفسنا. فقال له عثمان:

يا عاض اير ابيه اتراني ندمت علي تسييره!

وامر فدفع في قفاه وقال: الحق بمکانه، فلما تهيأ للخروج جاء بنو مخزوم الي علي فسألوه ان يکلم عثمان فيه.

فقال له علي: ياعثمان اتق الله فانک سيرت رجلا صالحا من المسلمين فمات في تسييرک. ثم انت الان تريد ان تنفي نظيره.

وجري بينهما کلام حتي قال عثمان لعلي: انت احق بالنفي منه.

فقال علي: رم ذلک ان شئت.

واجتمع المهاجرون فقالوا:

ان کنت کلما کلمک رجل سيرته ونفيته فان هذا شيء لايسوغ. فکف عن عمار.».

وتداول الزبير بن العوام الرأي کما ذکرنا، مع نفر من الصحابة، في سوء الاوضاع العامة فانتهي بهم الامر الي کتاب رفعوه الي عثمان فحمله عمار بن ياسر اليه

فلما دخل عمار علي عثمان ومعه مروان، قال مروان لعثمان:

[صفحه 112]

ان هذا العبدالاسود قد جرأ عليک الناس، وانک ان قتلته نکلت به من وراءه..

فما اسرع ان قره عثمان علي رأيه العجيب البغيض.

وتناول عصاه فضرب بها الشاکي واعانه علي الضرب اهل بيته، ومن حضر مجلسه من بني امية. حتي فتقوا بطن الرجل والقوه علي جانب الطريق في ذلک اليوم البارد الممطر[57] .

وفي ضوء ما ذکرنا نستطيع ان نقول ـ مع الدکتور طه حسين:

ان عثمان ـ مهما يکن اعتذار اهل السنة والمعتزلة عنه ـ فانه قد اسرف وترک عماله يسرفون في العنف بالرعية ضربا ونفيا وحبسا. وهو نفسه قد ضرب ـ او بضرب ـ رجلين من اعلام صحابة النبي.

ضرب عمار بن ياسر حتي اصابه الفتق، وامر من اخرج عبدالله بن مسعود من مسجد النبي اخراجا عنيفا حتي کسر بعض اضلاعه.

ومهما يکن من امر هذين الرجلين الجليلين.. فما نعلم انه حاکمهما واقام عليهما الحجة واباح لاحد منهما الدفاع عن النفس وانما سمع فيهما قول عماله او قول حاشيته. ثم عاقبهما دون ان يقيم البينة.

وليس له من هذا کله شيء.. وهو نفسه شق علي أبي ذر حتي نفاه لا لشيء، الا لانه انکر سياسته العامة في الاموال..

ثم هو أذن لعماله ان يخرجوا الناس من ديارهم کلما آنسوا منهم بعض ما يکرهون. فجعل عماله يتقاذفون فريقا من اهل الکوفة يرسلهم سعيد الي معاوية ثم يردهم معاوية الي سعيد، ثم يرسلهم سعيد الي عبدالرحمن بن خالد دون ان يحاکموا او تقوم عليهم البينة، ويسمع منهم دفاعهم عن انفسهم[58] ».

[صفحه 113]

وقد روي لنا البلاذري[59] قصة عزل عثمان عبدالله بن مسعود عن بيت المال في الکوفة واسباب ذلک العزل ونتائجه. اما التعليق علي ذلک فنترکه للقاريء:

«لما قدم الوليد بن عقبة واليا علي الکوفة الفي ابن مسعود علي بيت المال» فاستقرضه مالا...سس فأقرضه.. ثم انه اقتضاه اياه، فکتب الوليد في ذلک الي عثمان فکتب عثمان الي عبدالله بن مسعود: انما انت خازن لنا فلا تعرض للوليد في اخذ المال. فطرح ابن مسعود المفاتيح وقال:

کنت اظن اني خازن للمسلمين. فأما اذا کنت خازنا لکم فلا حاجة لي في ذلک

واقام بالکوفة بعد القائه مفاتيح بيت المال» فکتب الوليد بذلک الي عثمان «فکتب اليه عثمان يأمره باشخاصه وشيعته اهل الکوفة فأوصاهم بتقوي الله ولزوم القرآن. فقالوا له:

جزيت خيرا. فلقد علمت جاهلنا، وثبت عالمنا، واقرأتنا القرآن، وفقهتنا في الدين...

وقدم أبن مسعود المدينة وعثمان يخطب علي منبر الرسول. فلما رآه قال:

انه قدمت عليکم دويبة سوء..

فقال ابن مسعود: لست کذلک ولکنني صاحب رسول الله:

ثم أمر عثمان به فأخرج من المسجد اخراجا عنيفا وضرب به عبدالله بن زمعة الارض[60] .

فأقام عبدالله بن مسعود بالمدينة «لا يأذن له عثمان في الخروج منها الي ناحية من النواحي... حتي توفي قبل مقتل عثمان بسنتين..

ولما مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه اتاه عثمان عائدا.

فقال: ما تشتکي؟ قال: ذنوبي.

[صفحه 114]

قال فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي. قال: افلا آمر لک بعطائک؟ قال:

منعتنيه وانا محتاج اليه، وتعطنيه وانا مستغن عنه.

قال: يکون لولدک. قال: رزقهم علي الله. فقال عثمان: استغفر الله لي يا ابا عبدالرحمن.

قال: اسأل ان يأخذ لي منک بحقي. واوصي ان لايصلي عليه عثمان»[61] .

لقد أنکر المسلمون علي عثمان تصرفاته التي ذکرنا جانبا منها، لخروجها علي روح الاسلام، وسنة الرسول و «سيرة الشيخين».

کما انکروا تصرفات اخري کثيرة.. کان بعضها خروجا سافرا علي القرآن وسنة النبي.

وقد لخصها الدکتور طه حسين بقوله: «لقد انکر خصوم عثمان عليه انه لم يکن يبدأ خلافته حتي عطل حداَ من حدود الله. وخالف نصا من نصوص القرآن خلافا خطيرا. وذلک حين عفا عن عبيد الله بن عمر بن الخطاب ولم يقتص منه للهرمزان وجفينة، وبنت ابي لؤلؤة.

فقد کان الهرمزان اميرا فارسا مسلما ـ وکان الاخران ذميين. والله قد عصم دماء المسلمين ودماء الذميين ـ وبين الحدود التي تقام حين يعتدي أحد علي بعض أولئک او هؤلاء.. فقال المعارضون: ان اقامة الحد علي عبيد الله واجبة بنص القرآن[62] .

وقال عثمان: قتل ابوه امس واقتله اليوم[63] والمهم هو ان عثمان عفا عن

[صفحه 115]

عبيد الله ثم عاب المسلمون المعاصرون لعثمان عليه بعد هذه القصة مخالفته للسنة المعروفة المستفيضة عن النبي وعن الشيخين وعن عثمان نفسه في صدر من خلافته، وذلک حين اتم الصلاة في مني وقد قصرها النبي، والشيخان وقصرها عثمان نفسه اعواما..

وقد ينبغي ان تعلم ان مصدر هذا الذي اصاب اصحاب النبي حين رأوا عثمان يتم الصلاة بمني هو مخالفة السنة الموروثة اولا. وشيء آخر عظيم الخطر جدا في نفوس المهاجرين، وهو:

ان النبي بعد الهجرة قد اتخذ المدينة له ولاصحابه دار اقامة، واتخذ مکة وما حولها دار غربة، وکره لنفسه واصحابه ان يصلوا الاقامة بمکة حتي لايظن انهم يرجعون او يهمون بالرجوع اليها بعد ان هاجروا منها، وکره ان يموت بعض اصحابه المهاجرين في مکة.

وانکر خصوم عثمان عليه شيئا آخر يتصل برکن آخر من ارکان الدين. فقالوا:

انه اخذ الزکاة علي الخيل، وکان النبي قد اعفي من زکاة الخيل وسار الشيخان سيرته.

وعاب المسلمون علي عثمان انه حمي الحمي، والله ورسوله قد اباحا الماء والهواء والکلأ للناس جميعا..

وهناک اعتراض آخر وجهه خصوم عثمان اليه وهو انه اخذ من اموال الصدقة فأنفق منها في الحرب وفي غير الحرب من المرافق العامة.[64] .

قال المعترضون: ان لاموال الصدقة مصارف معينة بينها الله في قوله:

«انما الصدقات للفقراء، والمساکين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حکيم[65] »

وعاب خصوم عثمان عليه: انه حمل الناس علي مصحف واحد.. فحرق ما عدا هذا المصحف من الصحف التي کتب فيها القرآن.. فليس علي عثمان بأس

[صفحه 116]

في دينه من هذه الناحية. وقد يمکن ان تعترض عليه في انه کلف کتابة المصحف نفرا قليلا من اصحاب النبي وترک جماعة من القراء الذين سمعوا من النبي وحفظوا عنه وعلموا الناس في الامصار.. وهنا نفهم غضب ابن مسعود. فقد کان ابن مسعود من احفظ الناس للقرآن... اخذ من فم النبي سبعين سورة من القرآن ولم يکن زيد بن ثابت قد بلغ الحلم بعد. فايثار عثمان لزيد بن ثابت واصحابه وترکه لابن مسعود وغيره من الذين سبقوا الي استماع القرآن عن النبي وحفظه عنه قد اثار عليه بعض الاعتراض..

وربما تحرج المسلمون من تحريق ما حرق عثمان من الصحف..

واذا لم يکن علي عثمان جناح فيما فعل من جهة الدين ولا من جهة السياسة فقد يکون لنا ان نأسف لتحريق تلک الصحف، لانه ان لم يکن قد اضاع علي الاسلام شيئا من دينهم فقد اضاع علي العلماء والباحثين کثيرا من العلم بلغات العرب ولهجاتها علي ان الامر اعظم خطرا وارفع شأنا من علم العلماء وبحث الباحثين عن اللغات واللهجات..

وانکر المنکرون علي عثمان خصلة اخري ما نعرف ان العذر يمکن ان يقوم له فيها. ذلک انه رد عمه الحکم بن أبي العاص واهله الي المدينة وکان النبي صلي الله عليه وسلم قد اخرجهم منها اخراجا عنيفا.

وکان بيت الحکم بن أبي العاص في الجاهلية مجاورا لبيت النبي. فکان الحکم يؤذي جاره الکريم اشد الاذي واقبحه..

وقد اقبل الحکم بعد فتح مکة مسلما ولکن اسلامه لم يکن الا جنة يتقي بها الموت. وآية ذلک أنه استمر يؤذي النبي بقوله وفعله، فکان يسعي وراءه ويغمزه ويقلد حرکاته ساخرا منه..

فقد کان أيسر الرعاية لحرمة النبي يقتضي الا يرده عثمان الي المدينة، ليساکن النبي فيها ميتا بعد أن أبي النبي أن يساکنه فيها حيا.

وقد دلت سيرة عثمان مع الحکم وبنيه ـ بعد ذلک ـ علي انه انما ردهم الي المدينة

[صفحه 117]

ايثارا لهم بالخير وتکاثرا بهم علي غيره من المسلمين واستعانة بهم علي امور السياسة.

وقد ولي عثمان الحارث بن الحکم شئون المدينة فأسرف علي الناس وعلي نفسه وسار سيرة لاتلائم الامانة، ولا التورع... ثم لا يقف عثمان عند هذا الحد.

وانما اعطي الحارث مالا کثيرا.

ثم اختص عثمان بمروان بن الحکم فأعطاه، وحباه، واتخذه لنفسه وزيرا ومشيرا.. ولم يکن عثمان ليقف بأحداثه عند هذا الحد وانما تجاوزه، هو وعماله الي اشياء کثيرة تمس حقوق الناس ومصالحهم وحرياتهم»[66] .

ومما زاد الوضع الحرج حراجة ان قسما من اهل بيت عثمان ومن المقربين اليه وممن ساعد علي جعله خليفة قد بدأ يؤلب الناس عليه.

«فهذا محمد بن ابي حذيفة.. آذاه ان يؤثر الخليفة عليه سواه من اهله.. فکان يلقي الرجل عائدا من غزوة الروم فيتخابث ويسأل:

امن الجهاد؟ فيجيبه الرجل بنعم، فيشير بابهامه الي ناحية الحجاز ويقول:

لقد ترکنا خلفنا الجهاد.. جهاد عثمان.. حتي مضي وحقده رائده الي مصر يلوذ بجماعات المخالفين،[67] .

والي هذه الحادثة يشير البلاذري[68] بقوله:

«وکانت غزاة ذات الصواري في المحرم سنة 34 وعليها عبدالله بن سعد، فصلي بالناس، فکبر ابن ابي حذيفة تکبيرة افزعه بها.. وجعل ابن ابي حذيفة يقول:

يا اهل مصر انا خلفنا الغزو وراءنا ـ يعني غزو عثمان.

وبعث عثمان الي ابن ابي حذيفة بثلاثين الف درهم ويحمل عليه کسوة.

[صفحه 118]

فأمر به فوضع في المسجد وقال: يامعشر المسلمين الا ترون الي عثمان يخادعني عن ديني ويرشدني عليه فازداد اهل مصر عيبا لعثمان وطعنا عليه».

وذاک عبدالرحمن بن عوف يقول للناس: «لو استقبلت من امري ما استدبرت لما وليت عثمان شسع نعلي.

وقال: وهو علي فراش الموت: عاجلوه.. عاجلوه قبل ان يتمادي في ملکه»[69] .

وذکر البلاذري[70] :

«حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن ابراهيم بن سعد ان ابيه قال:

لما توفي ابو ذر بالربذة، تذکر علي وعبدالرحمن بن عوف فعل عثمان فقال علي:

هذا عملک.

فقال عبدالرحمن: اذا شئت فخذ سيفک وآخذ سيفي. انه قد خالف ما اعطاني

وحدثني مصعب بن عبدالله الزبيري عن ابراهيم بن سعد عن ابيه ان عبدالرحمن اوصي ان لا يصلي عليه عثمان»[71] وذلک عمرو بن العاص، الذي وجد علي عثمان حين عزله عن مصر..

فکان يؤلب الناس ويحرضهم عليه ما وسعه ذلک سرا. علي انه لم يتردد اذ قال لعثمان جهرة في المسجد: انک رکبت بالناس امورا، ورکبناها معک فتب الي الله فنتب. وتلقي عثمان ذلک اسوأ لقاء فلما اشتدت الفتنة، وعرف عمرو انها منتهية الي غايتها آثر ان يعتزلها في طورها ذاک. فخرج الي ارض کان يملکها بفلسطين فأقام فيها وجعل يتنسم الاخبار.

وکان عمرو وابناه علي ماهم عليه بفلسطين حتي جاءهم النبأ بقتل عثمان. فقال

[صفحه 119]

عمرو: انا ابوک عبدالله ما حککت قرحة الا ادميتها. يريد انه مهد للفتنة والثورة لعثمان فأحکم التمهيد وانتهي الامر الي غايته»[72] .

ويحدثنا عمرو نفسه عن بعض ما فعله في التأليب علي عثمان وهو في طريقه الي فلسطين فيقول: والله اني کنت لالقي الراعي فأحرضه علي عثمان!»[73] وقد هدد عمرو بن العاص عثمان، حين حضر الحصار الاول قائلا: انک ياعثمان رکبت بالناس النهابير.

فاتق الله وتب اليه. فقال:

يا ابن النابغة وانک ممن يؤلب علي الطغام لاني عزلتک عن مصر. فخرج الي فلسطين فأقام بها في ماله هناک، وجعل يحرض الناس علي عثمان حتي رعاة الغنم. فلما بلغه مقتله قال:

أنا أبو عبدالله، اني اذا حککت قرحة نکأتها،»[74] .

وتلک عائشة ام المؤمنين خرجت بقميص النبي، فقالت للناس:

للناس «هذا قميص رسول الله لم يبل وعثمان قد ابلي سنته. ثم تقول: اقتلوا نعثلا. قتل الله نعثلا»[75] .

ولقد کانت عائشة «اشد نساء النبي انکارا علي عثمان. ولم تتحرج ان تصيح به من وراء سترها علي المنبر حين عاب عبدالله بن مسعود فأسرف في عيبه.

ولم تکن تتحفظ من الاعتراض علي کثير من أعمال عثمان، ومن سيرة عماله حتي ظن کثير من الناس انها کانت من المحرضين علي الثورة به»[76] .

وکانت عائشة تؤلب الناس علي عثمان «وتدعوا الي قتله بکل مکان.. ولم تبق بالمدينة لتکف عنه أذي الناس حين حصروه بداره.. وتمضي علي الاثر الي مکة فلا يمنعها خروجها لاداء واجب ديني مقدس من محاولة التخذيل عن الشيخ، وبث کراهيته في نفوس الحجيج القادمين من کافة الاقطار..

[صفحه 120]

ثم راحت، وهي بموطن الاحرام لاتني تستنبيء کل قادم، وتتنسم اخبار المدينة بلهفة.

فلما القي اليها ذات يوم بنبأ مکذوب نم عن انتصار الشيخ علي خصومه، وقتله المصريين، صاحت بغضب واستنکار:

ايقتل قوما جاءوا يطلبون الحق وينکرون الظلم؟ «[77] وکانت عائشة، قبل خروجها الي ـ مکة، کما ذکرنا ـ کثيرة النقد لعثمان. وقد اغلظت له ذات يوم علي مايحدثنا البلاذري[78] «واغلظ لها. وقال:

وما أنت وهذا؟ أنما أمرک الله أن تقري في بيتک.. فغضبت واخرجت شعرا من شعر رسول الله وثوبا من ثيابه ونعلا من نعاله. ثم قالت: ما أسرع ما ترکتم سنة نبيکم! وهذا شعره، وثوبه، ونعله، لم يبلي!!».

فنشأ عن ذلک کله تذمر عام انتشر في ارجاء بلاد الاسلام وبخاصة في الحجاز ومصر والعراق. والغريب في الامر هو: ان عثمان لم يصغ لنصح الناصحين من اعلام الصحابة.. بل استمر خاضعا لتوجيهات مروان بن الحکم، وتصرفات عماله وامرائه الذين کانوا ـ في الواقع ـ مصدر القلق وموضع الشکوي في بلاد الاسلام.

ولما اخذ الامر يتفاقم علي عثمان، وبدأ الميزان السياسي بالاختلال، جمع عثمان ـ 34 هـ علي ما يقول الرواة ـ کبار امرائه:

معاوية بن أبي سفيان، وعبدالله بن أبي سرح، وعبدالله بن عامر، وسعيد ابن العاص ليستشيرهم فيما يجب عليه ان يتخذه من الاجراءات لتطليف حدة التوتر بينه وبين رعيته.

«فلما التأمت جماعتهم قال عثمان: أن لکل امام وزراء، وانکم وزرائي..

فامأ معاوية فلم يزد علي أن طلب اليه أن يرد العمال الي امصارهم..

وان يعتمد عليهم في ان يضبط کل واحد مصره ويحزم امره..

واما سعيد بن العاص فأشار عليه ان يقتل قادة المعارضة وزعماء الفتنة.

[صفحه 121]

واما عبدالله بن سعد بن أبي سرح: فأشار عليه ان يترضي الناس ويعطيهم من بيت المال ويأخذهم عن طريق اطماعهم.

واما عبدالله بن عامر: فأشار عليه بأن يرسل الناس الي الجهاد ويشغلهم بالحرب ويطيل اقامتهم بالثغور»[79] .

ويلاحظ القاريء أن هذا المؤتمر ـ بالاضافة الي أن اعضاءه هم مصدر الشکوي والتذمر ـ لم ينجح في الاتفاق علي حل للمشکلة التي واجهها عثمان.

وسبب ذلک علي مايبدو هو: ان اعضاءه لم يتفهموا طبيعة المشکلة التي کانت تهدد خلافة عثمان وحياته علي السواء.

وقد شغل اعضاؤه انفسهم ـ کما رأينا ـ في ابتداع اساليب فاسدة جديدة لالهاء الناس في أمور خارجية وصرفهم عن التحدث بمشکلات الساعة ـ اي ان المؤتمرين واجهوا المشکلة بالهروب عنها وعدم التعرض لها.

ومما يلفت النظر: ان عثمان نفسه لم يبد رأيه في المشکلة اطلاقا، ولم يتخذ اي اجراء ـ وقائي او علاجي ـ لمواجهة الموقف المتأزم، بله محاولة التغلب عليه.

وخطب عثمان في المتذمرين: ولکنه بدلا من ان يعالج الموقف المتأزم قد ساعد علي جعله اکثر تأزما وحراجة حين قال: «اما بعد: فان لکل امة آفة وان لکل نعمة عاهة.

وان آفة هذه الامة وعاهة هذه الملة قوم عيابون طعانون..

اما والله يا معشر المهاجرين والانصار لقد عبتم علي اشياء ونقمتم في امور قد اقررتم لابن الخطاب بمثلها. ولکنه وقمکم وقما..

اما والله لانا اکثر من ابن الخطاب عدداً»..

فعثمان، کما يبدو، من خطابه هذا، يشجب الذين انتقدوا سياسته ـ لعدم

[صفحه 122]

انسجامها مع القرآن والسنة وسيرة الشيخين ـ کما رأينا ـ ويصفهم بأنهم عيابون طعانون، دون ان يشير الي الامور التي يعيبونها عليه ويطعنون بها علي سياسته العامة، ودون ان يناقش تصرفاته، وتصرفات عماله وذوي قرابته في ضوء الاحداث القائمة آنذاک.

وانکي من ذلک ان عثمان حاول تبرير ما اخذه المسلمون عليه بقوله:

ان عمر بن الخطاب کان قد فعل مثله دون ان ينقم المسلمون عليه.

والانکي من کل ذلک انه ختم خطبته بالتهديد والوعيد.

وکان الاولي به ان يختمها بذکره وجوه الاصلاح الذي کان الناس يتوقون اليه، والوعد بالابتعاد عما اعتبره المسلمون المعاصرون لعثمان خروجا علي الدين.

ومهما يکن من الامر فقد ازداد التذمر، وانتشر بين صفوف الجيش في الثغور.

وعاد عبدالله بن سعد ظافراً بقهر اسطول الروم في موقعة ذات الصواري.

ولکنه عاد وقد افسد عليه ـ أبن أبي حذيفة ـ جيشه بما اظهر من النکير عليه وعلي خليفته، وبما کان يقوله للمحاربين:

انکم تسعون الي الجهاد ـ والجهاد وراءکم في المدينة ـ حيث يقيم عثمان فيسوس الامة علي غير کتاب الله، وسنة رسوله، وسياسة صاحبيه.

ويعزل اصحاب رسول الله من العمل، ويولي أمور المسلمين جماعة من الفساق واصحاب المجون.

انظروا الي واليکم وقائدکم الي الجهاد انه نزل القرآن بکفره واهدر النبي دمه.

ولکن عثمان يوليه امرکم علي ذلک لانه اخوه في الرضاعة»[80] .

وقد نتجت عن ذلک کله ـ بالاضافة الي ماذکرنا ـ معارضة شعبية خفية تجري بها الالسنة ولا يعرف صاحبها. کالذي کان حين وسع عثمان مسجد النبي فقال الناس:

[صفحه 123]

يوسع مسجد النبي ويترک سنته، وکالذي کان حين کثر الحمام في المدينة واقبل الشباب علي الرمي فتقدم عثمان الي الناس في ذبح الحمام.

وولي رجلا يمنع الرمي بالبندق، فقال الناس: يأمر بذبح الحمام، ويؤوي طريد رسول الله!! يشيرون بذلک الي ايواء عثمان للحکم بن أبي العاص وبنيه»[81] .

قال البلاذري[82] «حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبدالله عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: خطب عثمان فأمر بذبح الحمام.. فقال الناس: يأمر بذبح الحمام وقد آوي طرداء رسول الله».

والسؤال الذي لابد من طرحه وتلمس الاجابة عليه هو:

«اين نشأت المعارضة لسياسة عثمان؟ انشأت في المدينة مستقر الخلافة؟ ام نشأت في الامصار؟ وبعبارة ادق..

هل نشأت المعارضة بين أصحاب النبي من المهاجرين والانصار ثم انتقلت عنهم الي الجند المرابطين في الامصار؟

ام نشأت في الجند ثم انتقلت الي اصحاب النبي في المدينة؟

وواضح جداً ان للاجابة علي هذا السؤال خطراً وأي خطر.

فان نشأة المعارضة في المدينة معناها: ان اصحاب النبي قد کانوا اول من انکر علي عثمان بعض سياسته فتبعهم الناس.

ونشأة المعارضة في الامصار معناها: ان الجند هم الذين سبقوا الي الخلاف ثم اقحموا فيه وفي نتائجه اصحاب النبي.. ونري ان المعارضة لم تنشأ في المدينة وحدها، وانما نشأت فيها وفي الاقاليم، بل لعلها نشأت في المدينة ثم في اطراف الاقاليم»[83] .

[صفحه 124]

ومن الادلة علي ذلک ما سلف ان ذکرناه من مواقف کبار الصحابة من تصرفات ابن عفان. فقد مر بنا ذکر جانب من موقف ابي ذر، وعبدالله ابن مسعود، وعمار بن ياسر.

وفي التاريخ الاسلامي امثلة کثيرة اخري من هذا القبيل، ويلوح للباحث ان النقمة علي عثمان قد انتقلت ـ في عاصمة النبي ـ من طبقات کبار الصحابة الي من يأتون بعدهم مباشرة في المرکز الاجتماعي والديني.

وموقف جبلة بن عمرو الساعدي وامثاله معروف لدي الکثيرين.

وقد ذکر البلاذري[84] موقف جبلة هذا حين قال: «مر عثمان بن عفان علي جبلة بن عمرو الساعدي وهو علي باب داره وقد انکر الناس عليه ما انکروه. فقال: يا نعثل والله لاقتلک ولاحملنک علي قلوص جرباء.. اطمعت الحارث ابن الحکم السوق وفعلت ما فعلت!!

وکان عثمان ولي الحارث بن الحکم السوق. فکان يشتري الحليب بحکمه ويبيعه بسومه ويجبي مقاعد المتسوقين، ويصنع صنيعا منکراً.

فکلم في اخراج السوق من يده فلم يفعل. وقيل لجبلة في امر عثمان وسئل الکف عنه فقال: والله لا القي الله غداً فأقول: انا اطعنا سادتنا وکبراءنا فأضلونا السبيلا»[85] .

وقد دفع ذلک الامتعاض والاضطراب الذي حدث في بعض الاقاليم الاسلامية اصحاب الرأي فيها الي ان يرسلوا بعض وجوههم وفوداً الي عاصمة الخلافة لمقابلة عثمان والتداول معه في الامر لايجاد مخرج من هذه الازمة الحادة والفتنة الغليظة المظلمة.

غير أن تصرفات مروان بن الحکم ـ وزير الخليفة وموضع سره ومصدر توجيهه ـ قد أفسدت الامر. ومع ذلک فقد رجعت الوفود الي امصارها يحدوها اليأس الذي لا يخلو من أمل في الاصلاح، وتساورها الرهبة من البطش ممزوجة بالرغبة في التريث وانتظار مجريات الامور.

[صفحه 125]

ولکن مؤامرات مروان لم تقف عند حد فاختلق علي لسان الخليفة کتابه المعروف للايقاع بأهل مصر.

واطلع هؤلاء علي المؤامرة قبل أن تطأ اقدامهم أرض الکنانة فانقلبوا راجعين.. فثار الناس علي عثمان فقتلوه..[86] .

لقد مر بنا التحدث عن مقتل عثمان ويجمل بنا ـ قبل أن نتطرق الي ذکر انتقال الخلافة الي علي بن ابي طالب ـ أن ننبه القاريء الي أن مروان بن الحکم، ومعاوية بن أبي سفيان قد بدءا ـ منذ ان سمعا بمقتل عثمان، وبيعة المسلمين لعلي ـ بالتهيؤ للخروج علي امام زمانهما متذرعين بالمطالبة بدم الخليفة القتيل.

وکانت باکورة اعمالهما ارسال جملة کتب الي من آنسا فيهم القدرة علي مشارکتهما اساليبهما واهدافهما تمهيداً للقيام بعصيان مسلح ضد الخليفة الجديد.

والي القاريء نبذاً من تلک الرسائل:

کتب مروان الي معاوية.. «اني کتبت اليک هذا الکتاب بعد مقتل عثمان.

[صفحه 126]

بعد أن وثبوا عليه وسفکوا دمه وانقشعوا عنه انقشاع سحابة قد افرغت ماءها منکفئين قبل ابن ابي طالب انکفاء الجراد ابصر المرعي.

فأخلق ببني أمية أن يکونوا من هذا الامر بمجري العيوق فان لم يثأره ثائر فان شئت أبا عبدالرحمن أن تکونه فکنه».

فلما ورد الکتاب علي معاوية امر بجمع الناس ثم خطبهم خطبة ابکي منها العيون وقلقل القلوب حتي علت الرنة وارتفع الضجيج وهم النساء ان يتسلحن.

ثم کتب الي طلحة بن عبيد الله، والزبير بن والعوام، وسعيد بن العاص، وعبدالله ابن عامر، والوليد بن عقبة، ويعلي بن امية. فکان کتاب طلحة:

«أما بعد فانک اقل قريش في قريش وتراً مع صباح وجهک، وسماحة کفک، وفصاحة لسانک، فأنت بازاء من تقدمک في السابقة، وخامس المبشرين بالجنة، ولک يوم أحد وشرفه، وفضله، فسارع الي ما تقلدک الرعية من أمرها مما لا يسعفک التخلف عنه ولا يرضي الله منک الا بالقيام به. فقد احکمت لک الامر من قبلي، والزبير غير متقدم عليک بفضل. وايکما قدم صاحبه فالمقدم الامام وامر من بعده للمقدم له».

وکتب الي الزبير: أما بعد فانک الزبير ابن عمة رسول الله وحواريه وسلفه وصهر ابي بکر وفارس المسلمين.

اعلم ان الرعية اصبحت کالغنم المتفرقة لغيبة الراعي. فسارع الي حقن الدماء.

فقد احکمت لک الامر من قبلي ولصاحبک، علي ان الامر المتقدم ثم لصاحبه من بعده..

ثم کتب معاوية الي مروان بن الحکم: أما بعد.. فقد وصل الي کتابک بشرح خبر أمير المؤمنين.. فاذا قرأت کتابي هذا فکن کالفهد لايصطاد الا غيلة ولا يتشازر الا عن حيلة، وکالثعلب لا يفلت الا روغاناً.

[صفحه 127]

واخف نفسک منهم اخفاء القنفذ رأسه عند لمس الاکف. وامتهن نفسک امتهان من ييأس القوم من نصره وانتصاره... وانفل الحجاز فاني منفل الشام..

وکتب الي سعيد بن العاص.. يابني امية عما قليل تسألون ادني العيش من ابعد المسافة فينکرکم من کان بکم عارفا ويصد عنکم من کان لکم واصلا، متفرقين في الشعاب تتمنون لمظة المعاش. ان امير المؤمنين عتب عليه فيکم وقتل في سبيلکم. ففيم القعود عن نصرته والطلب بدمه؟!

وانتم بنو ابيه ذوو رحمة واقربوه وطلاب ثأره اصبحتم مستمسکين بشظف معاش زهيد عما قليل ينزع منکم عند التخاذل.. وکتب الي عبدالله بن عامر..

کأني بکم يابني امية شعار يرک کالاوراک تقودها الحدأة.. فثب الآن قبل أن يستشري الفساد..

واجعل اکبر عدتک الحذر، وأحد سلاحک التحريض، واغضض عن العوراء وسامح اللجوج، واستعطعف الشارد، ولاين الاشوس، وقو عزم المريد..

وکتب الي الوليد به عقبة.. فلو قد استتب هذا الأمر لمريده ألفيت کشريد النعام يفزع من ظل الطائر. وعن قليل تشرب الرنق وتستشعر الخوف.

وکتب الي يعلي بن امية.. فکان اعظم ما نقموا علي عثمان وعابوه عليه ولايتک علي اليمن وطول مدتک عليها.. حتي ذبحوه ذبح النطيحة.. وهو صائم معانق المصحف.. علي غير جرم.. وأنت تعلم ان بيعته في اعناقنا وطلب ثأره لازم لنا.. فشمر لدخول العراق.

فأما الشام فقد کفيتک أهلها، واحکمت امرها.

وقد کتبت الي طلحة بن عبيد الله ان يلقاک بمکة حتي يجتمع رأيکما علي اظهار الدعوة والطلب بدم عثمان المظلوم.

[صفحه 128]

وکتبت الي عبدالله بن عامر يمهد لکم العراق..

واعلم يا ابن امية ان القوم قاصدوک باديء بدء لاستنزاف ما حوته يداک من المال.

وکتب اليه مروان جوابا علي کتابه.. زعيم العشيرة وحامي الذمار.. أنا علي صحة نيتي، وقوة عزيمتي، وتحريک الرحم لي، وغليان الدم مني غير سابقک يقول ولا متقدمک بفعل.

وأنت ابن حرب طلاب التراث وابي الضين. وکتابي اليک.

وانا کحرباء السبسب الهجير يرقب عين الغزالة، وکالسبع المفلت من الشرک يفرق من صوت نفسه.

منتظرا لما تصح به عزيمتک، ويرد به أمرک فيکون العمل به والمحتذي عليه..

وکتب اليه عبدالله بن عامر.. فان امير المؤمنين کان الجناح الحاضنة تأوي اليها فراخها. فلما اقصده للسهم صرنا کالنعام الشارد.. والذي اخبرک به ان الناس في هذا الامر تسعة لک وواحد عليک.

ووالله للموت في طلب العز احسن من الحياة في الذلة. وانت ابن حرب فتي الحروب، ونصار بني عبد شمس، والهمم بک منوطة وانت منهضها.. ولنعم مؤدب العشيرة انت، وانا لنرجوک بعد عثمان.

وها انا اتوقع ما يکون منک لامتثله واعمل عليه.

وکتب الوليد بن عقبة.. فانک اسد قريش عقلا، واحسنهم فهما واصوبهم رأيا. معک حسن السيرة وانت موضع الرئاسة، تورد بمعرفة وتصدر عن منهل.

واما اللين فهيهات.. والعار منقصة، والضعف ذل.. قد عقلت نفسي علي الموت عقل البعير، واحتسبت اني ثاني عثمان او أقتل قاتله.

[صفحه 129]

فعملي علي ما يکون من رأيک فانا منوطون بک متبعون عقبک...

وکتب اليه يعلي بن امية: انا وانتم يابني امية کالحجر؛ لا يبني بغير مدر، وکالسيف لايقطع؛ الا بضاربه... ثکلتني من انا ابنها ان تمت عن طلب وتر عثمان..

اري العيش بعد قتل عثمان مراً..

اما سعيد بن العاص فانه کتب بخلاف ماکتب هؤلاء»[87] .

[صفحه 130]

خلافة الامام

«لقد کان علي موفقا کل التوفيق، ناصحا للاسلام کل النصح..

صبر نفسه علي ما کانت تکره.

وطابت نفسه للمسلمين بما کان يراه حقا..

بايع علي ثاني الخلفاء کما بايع اولهم کراهية للفتنة.. ونصحا للمسلمين.

ولم يظهر مطالبته بما کان يراه حقا له. ونصح لعمر کما نصح لابي بکر..

وقد بايع عثمان کما بايع الشيخين. وهو يري انه مغلوب علي حقه. ولکنه علي ذلک لم يتردد في البيعة، ولم يقصر في النصح للخليفة الثالث، کما لم يقصر في النصح للشيخين من قبله.. فکان طبيعيا اذن حين قتل عثمان ان يفکر علي في نفسه، وفيم غلب عليه من حقه.

ولکنه مع ذلک لم يطلب الخلافة، ولم ينصب نفسه للبيعة حين استکره علي ذلک استکراها.

وحين هدده بعض الذين ثاروا بعثمان بأن يبدوا به فيلحقوه بصاحبه المقتول»[88] .

أما کيفية مبايعة المسلمين لعلي بالخلافة فيصفها الطبري[89] بقوله:

«حين قتل عثمان واجتمع المهاجرون والانصار ومنهم طلحة والزبير، فأتوا علياً وقالوا: يا أبا الحسن هل نبايعک؟ فقال: لاحاجة لي في امرکم، فمن اخترتم فقد رضيت به..

[صفحه 131]

فقالوا: مانختار غيرک.. فاختلفوا اليه بعد ما قتل عثمان مراراً..

وخرج علي الي السوق في يوم السبت لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة فاتبعه الناس وبشوا في وجهه. فدخل حائط بني عمرو بن مبذول وقال لابي عمرة ابن عمر بن محصن: اغلق الباب. فجاء الناس فقرعوا فدخلوا وفيهم طلحة والزبير فقالا: ياعلي ابسط يدک فبايعه طلحة والزبير.

فنظر حبيب بن ذئب الي طلحة حين بايعه فقال: اول من بدأ بالبيعة يد شلاء»

وقد اوجز الامام سياسته العامة في اول خطبة خطبها حين استخلف فقال:

«ان الله انزل کتابا هاديا يبين فيه الخير والشر. فخذوا الخير ودعوا الشر.

والفرائض ادوها.. اتقوا الله عباد الله في عباده وبلاده..

وانکم مسئولون حتي عن البقاع والبهائم»[90] .

کلمات قصار ولکنها تتضمن اجراء تغيير واسع المدي، وعميق الغور في علاقات المسلمين ببعضهم وبالخليفة.

ومما تجدر الاشارة اليه في هذا الصدد ان الامام ـ کما يحدثنا مؤرخوه ـ قد اعتذر مرارا عن قبول الخلافة علي الرغم من الحاح المسلمين عليه.

وقد مر بنا طرف من ذلک.

ولقد اشار الامام نفسه الي ذلک في مواطن شتي من «نهج البلاغة» قال يصف تزاحم المسلمين عليه والحاحهم الشديد علي مبايعته:

«دعوني والتمسوا غيري. فانا مستقبلون امرا له وجوه والوان، لاتقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وان الآفات قد اغامت، والمحجة قد تنکرت.

واعلموا اني ان اجبتکم رکبت بکم ما اعلم، ولم اصغ الي قول القائل، وعتب العاتب»[91] فلما اصر القوم علي مبايعته، ورأي ان واجبه الديني يدعوه الي

[صفحه 132]

تلبية الدعوة کشف لهم عن حقيقة نفسه ـ فراعهم والب الکثيرين منهم عليه ـ حين قال: «ذمتي بما اقول رهينة وانا به زعيم. ان من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات احجزته التقوي عن تقحم الشبهات.

الا وان بليتکم قد عادت لهيئتها يوم بعث الله نبيکم..

والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة. ولتسلطن سوط القدر حتي يعود اسفلکم اعلاکم، واعلاکم اسفلکم. وليسبقن سباقون کانوا قصروا، وليقصرن قاصرون کانوا سبقوا[92] »

فالامام اذن يري انهم سوف يضيقون به ذرعا لعدالته وشدته في التزام الحق فيعصون امره، ولا يستطيعون ان يثنوه عن خطته.

ثم يصف الامام: «في خطبة اخري» اقبال المسلمين علي مبايعته فيقول:

«وبسطتم يدي فکففتها. ومددتموها فقبضتها. ثم تداککتم عليّ تداک الابل الهيم علي حياضها يوم وردها، حتي انقطع النعل وسقط الرداء ووطيء الضعيف»[93] .

واشار الامام «في خطبة اخري» الي المعني نفسه حين قال: «فما راعني الا والناس کعرف الضبع ينثالون الي من کل جانب.

ـ ولقد وطيء الحسنان وشق عطفاي ـ مجتمعين حولي کربيضة الغنم.

فلما نهضت بالامر نکثت طائفة، ومرقت اخري، وقسط آخرون»[94] .

[صفحه 134]



صفحه 88، 89، 90، 91، 92، 93، 94، 95، 96، 97، 98، 99، 100، 101، 102، 103، 104، 105، 106، 107، 108، 109، 110، 111، 112، 113، 114، 115، 116، 117، 118، 119، 120، 121، 122، 123، 124، 125، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 134.





  1. ابن ابي الحديد: «شرح نهج البلاغة» 1 / 50 ـ 67، الخضم: اکل بکل الفم، وضده القضم وهو: أکل بأطراف الاسنان ـ وقيل: الخضم اکل الشيء الرطب، والقضم أکل الشيء اليابس ـ والمراد ـ علي التفسيرين ـ لا يختلف، وهو: انهم علي قدم عظيمة من التهم وشدة الاکل وامتلاء الافواه.

    قال أبو ذر عن بني أمية: يخضمون ونقضم.

    وانتکث قتله: انتقض ـ واجهز عليه عمله: ثم قتله ـ وکبت به بطنته، کبا الجواد: إذا سقط بوجهه، والبطنة. الاسراف في الشبع ـ وثالث القوم عثمان... والعطفان. الجانبان من المنکب إلي الورک... والمعني. خدش جانباي، لشدة الاحتکاک منهم والازدحام... وعرف الضبع ثخين، ويضرب به المثل في الازدحام ـ وينثالون. يتتابعون.. وکربيضة الغنم. يصف شدة ازدحامهم حوله، وجئومهم بين يديه.. فأما طائفة الناکثين. فهم أصحاب الجمل ـ والقاسطين، أصحاب صفين. والمارقين. أصحاب النهروان.

  2. ربما ساعدتنا الظروف في المستقبل فقمنا بدراسة ذلک بشيء من التفصيل، راجع الصراع بين الامويين ومباديء الاسلام ـ المؤلف.
  3. ابن هشام «سيرة النبي محمد» 2 / 294.
  4. علي الرغم مما بين الطرفين من عهد بعدم التعرض للحجيج او المعتمرين الا بخير.
  5. ابن هشام: سيرة النبي محمد 2 / 414، 415.
  6. ابن الاثير: الکامل في التاريخ 2 / 103.
  7. الطبري: تاريخ الامم والملوک 3 / 10، 14.
  8. ابن هشام «سيرة النبي محمد» 3 / 12 و 13.
  9. المصدر نفسه 3 / 11.
  10. المصدر نفسه 3 / 41.
  11. المصدر نفسه 3 / 21، 22.
  12. ابن هشام )سيرة النبي محمد( 3 / 159.
  13. ابن الطقطقي الفخري في «الاداب السلطانية» ص 76 و 77 لعل ابتسامة النبي تشير الي حادثة الزني التي رمي بها الفاکهة بن المغيرة زوجه هند، فطلقها فتزوجها ابوسفيان.
  14. الطبري «تاريخ الامم والملوک» 3 / 28 و 29.
  15. ابن الاثير «الکامل في التاريخ» 2 / 98.
  16. ابن هشام: «سيرة النبي محمد» 1 / 320.
  17. المصدر نفسه 1 / 357 ـ 360.
  18. المصدر نفسه 1 / 376 ـ 378.
  19. امتشقته: اقتطعته، صحاح اللغة مادة «مشق».
  20. ابن خلدون «کتاب العبر»... الخ 2 / 234.
  21. سيرة النبي محمد 4 / 33.
  22. انساب الاشراف 5 / 27.
  23. الحجرات: 6.
  24. الدکتور طه حسين: الفتنة الکبري، علي وبنوه 155.
  25. ابن ابي الحديد «شرح نهج البلاغة» 3 / 115.
  26. عبدالفتاح عبدالمقصود «الامام علي بن ابي طالب» 2 / 20 و 21.
  27. الدکتور طه حسين «الفتنة الکبري، علي وبنوه» ص 94.
  28. الدکتور طه حسين: «الفتنة الکبري» عثمان بن عفان 167، والبلاذري «انساب الاشراف» 5 / 48.
  29. الدکتور طه حسين «الفتنة الکبري، عثمان بن عفان» ص 193.
  30. انساب الاشراف 5 / 27 / 28 / 52.
  31. التوبة: 34.
  32. ابن ابي الحديد: «شرح نهج البلاغة» 3 / 81 ـ 83 هذا النص مخالف لما عليه الشيعة الامامية «الناشر».
  33. ابن ابي الحديد «شرح نهج البلاغة».
  34. المصدر نفسه 3 / 80.
  35. «الفتنة الکبري علي وبنوه» ص 125.
  36. الدکتور طه حسين «الفتنة الکبري، عثمان بن عفان» ص 77.
  37. مروج الذهب ومعادن الجوهر، 2 / 222.
  38. الدکتور طه حسين. «الفتنة الکبري، عثمان بن عفان» ص 190.
  39. الدکتور طه حسين: «الفتنة الکبري، عثمان بن عفان» ص 193 و 194.
  40. المصدر نفسه: عثمان بن عفان ص 195.
  41. انساب الاشراف 5 / 25 ـ 26.
  42. البلاذري «انساب الاشراف» 5 / 49.
  43. المصدر نفسه 5 / 27.
  44. سيرة النبي محمد 3 / 340 و 341.
  45. الحجرات: 6.
  46. ابن ابي الحديد: «شرح نهج البلاغة» المجلد الرابع ص 195 طبعة مصر.
  47. المسعودي: مروج الذهب 2 / 224 و 225.
  48. ويذکر المسعودي في «مروج الذهب 2 / 225» ان ابا الوليد کان يهوديا.
  49. المسعودي: مروج الذهب 2 / 224.
  50. يعني عمراً، وخالدا، ابني عثمان بن عفان.
  51. ابن ابي الحديد «شرح نهج البلاغة» 4 / 193.
  52. الدکتور طه حسين «الفتنة الکبري، عثمان بن عفان» ص 187.
  53. المصدر نفسه: عثمان بن عفان ص 188.
  54. عبد الفتاح عبدالمقصود «الامام علي بن ابي طالب» 2 / 33.
  55. الدکتور طه حسين «الفتنة الکبري، عثمان بن عفان» ص 163.
  56. انساب الاشراف 5 / 54 و 55.
  57. عبد الفتاح عبد المقصود «الامام علي بن ابي طالب» 2 / 34 و 35.
  58. الدکتور طه حسين «الفتنة الکبري، عثمان بن عفان» ص 198 و 199.
  59. انساب الاشراف 5 / 54 و 55.
  60. المصدر نفسه 5 / 36.
  61. البلاذري «انساب الاشراف» 5 / 37.
  62. البقرة والنساء والمائدة.
  63. وليس في القرآن ما يشير الي استثناء الشخص الذي يقتل ابوه من التعرض لاقامة الحدود الدينية بسبب ذلک القتل. وجريرة عبيد الله انه ـ بعد أن قتل ابو لؤلؤة أباه ـ تناول السيف فقتل ابا لؤلؤة، کما قتل الهرمزان، وجفينة، وبنت أبي لؤلؤة دون ان يثبت اشتراکهم في القتل.

    وکان الواجب علي عبيد الله ان يتقدم بالشکوي الي الخليفة حسب الاصول المعروفة.

  64. اعتراض غير وجيه لان الانفاق من الصدقات سواء کان في الحرب او في غيره من المرافق العامة «الناشر».
  65. التوبة: 60.
  66. الدکتور طه حسين «الفتنة الکبري. عثمان بن عفان» ص 175 ـ 176.
  67. عبدالفتاح عبدالمقصود «الامام علي بن ابي طالب» 2 / 48.
  68. انساب الاشراف 5 / 50 و 51.
  69. عبدالفتاح عبدالمقصود الامام علي بن ابي طالب 2 / 47.
  70. انساب الاشراف 5 / 74.
  71. فصلي عليه الزبير بن العوام علي رواية، وسعد بن ابي وقاص علي اخري، وکان ذلک سنة 32 هـ.
  72. الدکتور طه حسين: «الفتنة الکبري، علي وبنوه» ص 67 و 68.
  73. عباس محمود العقاد «عبقرية الامام» ص 83.
  74. البلاذري «انساب الاشراف» 5 / 74.
  75. ابن ابي الحديد «شرح نهج البلاغة» 458.
  76. الدکتور طه حسين «الفتنة الکبري، علي وبنوه» ص 29.
  77. عبدالفتاح عبدالمقصود «الامام علي بن ابي طالب» 2 / 276 ـ 278.
  78. انساب الاشراف / 48 و 49.
  79. الدکتور طه حسين: «الفتنة الکبري: عثمان بن عفان» ص 206 و 207.
  80. الدکتور طه حسين «الفتنة الکبري، عثمان بن عفان» ص 128.
  81. الدکتور طه حسين:«الفتنة الکبري» عثمان بن عفان ص 168.
  82. «انساب الاشراف» 5 / 27.
  83. الدکتور طه حسين «الفتنة الکبري، عثمان بن عفان» ص 136.
  84. انساب الاشراف 5 / 47.
  85. الأحزاب: 67.
  86. يجد القاريء نص الکتاب وملابسات القضية موجودة في أمهات کتب التاريخ، وقد وجدنا تلخيصاً جميلاً لذلک کله في «الاصابة في تمييز الصحابة» 2 / 455 و 456، لابن حجر العسقلاني، وفي کتاب «الوزراء والکتاب» للجهشياري ص 22 ـ 30 مطبعة مصطفي محمد، الطبعة الاولي بمصر عام 1938 م، قال الجهشياري: «لما صار المصريون بأيلة راجعين عن عثمان مر بهم راکب انکروا شأنه فأخذوه، فاذا هو غلام لعثمان علي جمل له معروف، وکان عثمان يحج عليه، ففتشوه فوجدوا معه قصبة من رصاص فيها صحيفة عليها خاتم عثمان، ففتحوا الصحيفة فاذا فيها کتاب من عثمان الي عبدالله بن سعد عامله علي مصر فيه: اذا قدم عليک فلان وفلان، وفلان وفلان فاضرب اعناقهم، وفلان وفلان فاقطع أيديهم وأرجلهم... فکروا راجعين... فأقرءوا الکتاب اصحاب النبي، فعاتب قوم عثمان علي ذلک، فقال: أما الخط فخط کاتبي مروان، وأما الخاتم فخاتمي، والله ما أمرت بذلک... فقال القوم: ان کنت کاذباً فلا امامة لک، وان کنت صادقاً فليس يجوز أن يکون اماما من کان بهذه المنزلة من الغفلة».
  87. ابن ابي الحديد «شرح نهج البلاغة» 580 / 583.
  88. الدکتور طه حسين «الفتنة الکبري، علي وبنوه» ص 20 ـ 22.
  89. تاريخ الامم والملوک 5 / 152 و 153.
  90. ابن ابي الحديد «شرح نهج البلاغة» 3 / 157 طبعة مصر الاولي.
  91. المصدر نفسه 2 / 170.
  92. ابن ابي الحديد: «شرح نهج البلاغة» 1 / 90 الطبعة الاولي بمصر.
  93. المصدر نفسه 3 / 181 التداک: الازدحام. الهيم: العطاش.
  94. المصدر نفسه 1 / 50 ـ 67 لقد مر بنا شرح کلامه في فصل سابق.