احياء العلوم للغزالي











احياء العلوم للغزالي



عن الامام أبي الحسن المعروف بابن حرازم- ويقال: ابن حرزم- وکان مطاعا في بلاد المغرب انه لما وقف علي (إحياء العلوم) للغزالي أمر باحراقه. وقال: هذا بدعة مخالف للسنة، فأمر باحضار ما في تلک البلاد من نسخ الاحياء، فجمعوا وأجمعوا علي إحراقها يوم الجمعة، وکان إجماعهم يوم الخميس، فلما کان ليلة الجمعة رأي

[صفحه 162]

ابوالحسن في المنام کأنه دخل من باب الجامع، ورأي في رکن المسجد نورا وإذا بالنبي صلي الله عليه وآله وأبي بکر وعمر جلوس والامام الغزالي قائم وبيده (الاحياء) وقال: يا رسول الله! هذا خصمي ثم جثا علي رکبتيه وزحف عليهما إلي أن وصل إلي النبي صلي الله عليه وآله فناوله (کتاب الاحياء) وقال: يا رسول الله! انظر فيه فإن کان فيه بدعة مخالفة لسنتک کما زعم تبت إلي الله، وإن کان شيئا تستحسنه حصل لي من برکتک فأنصفني من خصمي، فنظر فيه رسول الله صلي الله عليه وآله ورقة ورقة إلي آخره ثم قال: والله إن هذا شيئ حسن، ثم ناوله أبابکر رضي الله عنه فنظر فيه کذلک، ثم قال: نعم، والذي بعثک بالحق يارسول الله! إنه لحسن. ثم ناوله عمر رضي الله عنه فنظر فيه کذلک ثم قال کما قال أبوبکر رضي الله عنه. فأمر رسول الله صلي الله عليه وآله بتجريد أبي الحسن وضربه حد المفتري فجرد وضرب ثم شفع فيه أبوبکر بعد خمسة أسواط وقال: يا رسول الله!إنما فعل ذلک إجتهادا في سنتک وتعظيما. فعفا عنه أبوحامد عند ذلک، فلما استيقظ أبوالحسن من منامه وأصبح أعلم أصحابه بما جري ومکث قريبا من الشهر متألما من الضرب ثم سکن عنه الالم ومکث إلي أن مات وأثر السياط علي ظهره وصار ينظر کتاب (الاحياء) ويعظمه وينتحله أصلا أصيلا.

وفي لفظ اليافعي: وبقيت متوجعا لذلک خمسا وعشرين ليلة، ثم رأيت النبي صلي الله عليه وآله جاء ومسح علي وتوبني فشفيت ونظرت في (الاحياء) ففهمته غير الفهم الاول. و ذکره السبکي في طبقاته 132:4 وقال: هذه حکاية صحيحة حکاها لنا جماعة من ثقات مشيختنا عن الشيخ العارف ولي الله سيدي ياقوت الشاذلي، عن شيخنا السيد الکبير ولي الله أبي العباس المرسي، عن شيخه الشيخ الکبير ولي الله أبي الحسن الشاذلي قدس الله تعالي اسرارهم[1] .

وذکره المولي احمد طاش کبري زاده في مفتاح السعادة 209:3، واليافعي في مرآت الجنان 322:3:

وقال السبکي في طبقاته: 113:4: کان في زماننا شخص يکره الغزالي ويذمه

[صفحه 163]

ويستعيبه في الديار المصريه فرأي النبي صلي الله عليه وسلم في المنام وأبابکر وعمر رضي الله عنهما بجانبه والغزالي جالس بين يديه وهو يقول: يا رسول الله! هذا يتکلم في، وان النبي صلي الله عليه وسلم قال: هاتوا السياط، وأمر به فضرب لاجل الغزالي، وقام هذا الرجل من النوم وأثر السياط علي ظهره، ولم يزل کان يبکي ويحکيه للناس. وسنحکي منام أبي الحسن ابن حرزم المغربي المتعلق بکتاب (الاحياء) وهو نظير هذا.

قال الاميني: نعما هي لو صدقت الاحلام؟ إنا نحن نربأ صاحب الرسالة عن الاصفاق علي تصديق مثل هذا الکتاب الذي هو في کثير من مواضيعه علي الطرف النقيض لما صدع به من شريعته المقدسة، وليست أباطيل الغزالي بألغاز لا يحلها إلا الفني فيها، وإنما هي سرد متعارف يعرفها کل من وقف عليها من أهل العلم، وليس فهمها قصرا علي قوم دون آخرين، فهي فتق لا يرتق، وصدع لا يرأب.

قال ابن الجوزي في المنتظم 169:9: أخذ في تصنيف کتاب (الاحياء) في القدس ثم أتمه بدمشق إلا انه وضعه علي مذهب الصوفية وترک فيه قانون الفقه مثل انه ذکر في محو الجاه ومجاهدة النفس: ان رجلا أراد محو جاهه فدخل الحمام فلبس ثياب غيره، ثم لبس ثيابه فوقها، ثم خرج يمشي علي محل حتي لحقوه فأخذوها منه وسمي سارق الحمام، وذکر مثل هذا علي سبيل التعليم للمريدين قبيح، لان الفقه يحکم بقبح هذا فإنه متي کان للحمام حافظ وسرق سارق قطع، ثم لا يحل لمسلم أن يتعرض بأمر يأثم الناس به في حقه. وذکر ان رجلا اشتري لحما فرأي نفسه تستحيي من حمله إلي بيته فعلقه في عنقه ومشي، وهذا في غاية القبح، ومثله کثير ليس هذا موضعه، وقد جمعت أغلاط الکتاب وسميته (إعلام الاحياء بأغلاط الاحياء) وأشرت إلي بعض ذلک في کتابي المسمي (بتلبيس ابليس) مثل ما ذکر في کتاب النکاح: ان عائشة قالت للنبي صلي الله عليه وسلم: أنت الذي تزعم انک رسول الله. وهذا محال.

إلي أن قال:

وذکر في کتاب (الاحياء) من الاحاديث الموضوعة وما لا يصح غير قليل، وسبب ذلک قلة معرفته بالنقل، فليته عرض تلک الاحاديث علي من يعرف، وإنما نقل نقل حاطب ليل. وکان قد صنف للمستظهر کتابا في الرد علي الباطنية، وذکر في آخر

[صفحه 164]

مواعظ الخلفاء فقال: روي ان سليمان بن عبدالملک بعث إلي أبي حازم: ابعث إلي من إفطارک. فبعث إليه نخالة مقلوة فبقي سليمان ثلاثة أيام لا يأکل، ثم أفطر عليها وجامع زوجته، فجاءت بعبد العزيز، فلما بلغ ولد له عمر بن عبدالعزيز. وهذا من أقبح الاشياء لان عمر ابن عم سليمان وهو الذي ولاه، فقد جعله ابن ابنه، فما هذا حديث من يعرف من النقل شيئا أصلا. الخ.

وقال ابن الجوزي في (تلبيس ابليس) ص 352: قد حکي أبوحامد الغزالي في کتاب) الاحياء) قال: کان بعض الشيوخ في بداية إرادته يکسل عن القيام فألزم نفسه القيام علي رأسه طول الليل لتسمح نفسه بالقيام عن طوع. قال: وعالج بعضهم حب المال بأن باع جميع ماله ورماه في البحر إذا خاف من تفرقته علي الناس رعونة الجود ورياء البذل. قال: وکان بعضهم يستأجر من يشتمه علي ملا من الناس ليعود نفسه الحلم. قال: وکان آخر يرکب البحر في الشتاء عند اضطراب الموج ليصير شجاعا. ثم قال:

قال المصنف رحمه الله: أعجب من جميع هؤلاء عندي أبوحامد کيف حکي هذه الاشياء ولم ينکرها؟ وکيف ينکرها وقد أتي بها في معرض التعليم؟ وقال قبل أن يورد هذه الحکايات: ينبغي للشيخ أن ينظر إلي حالة المبتدئ فإن رأي معه مالا فاضلا عن قدر حاجته أخذه وصرفه في الخير، وفرغ قلبه منه حتي لا يلتفت إليه. وإن رأي الکبرياء قد غلب عليه أمره أن يخرج إلي السوق للکد ويکلفه السؤال والمواظبة علي ذلک. وإن رأي الغالب عليه البطالة استخدمه في بيت الماء وتنظيفه وکنس المواضع القذرة وملازمة المطبخ ومواضع الدخان. وإن رأي شره الطعام غالبا عليه الزم الصوم، وإن رآه عزبا ولم تنکسر شهوته بالصوم أمره أن يفطر ليلة علي الماء دون الخبز وليلة علي الخبز دون الماء ويمنعه اللحم رأسا. فقال:

قلت: وإني لاتعجب من (أبي حامد) کيف يأمر بهذه الاشياء التي تخالف الشريعة؟ وکيف يحل القيام علي الرأس طول الليل فينعکس الدم إلي وجهه ويورثه ذلک مرضا شديدا؟ وکيف يحل رمي المال في البحر؟ وقد نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن إضاعة المال. وهل يحل سب مسلم بلا سبب؟ وهل يجوز للمسلم أن يستأجر علي ذلک

[صفحه 165]

وکيف يجوز رکوب البحر زمان اضطرابه؟ وذاک زمان قد سقط فيه الخطاب بأداء الحج، وکيف يحل السؤال لمن يقدر أن يکتسب؟ فما أرخص ما باع أبوحامد الغزالي الفقه بالتصوف؟.

وقال: وحکي أبوحامد: ان أبا تراب النخشبي قال لمريد له: لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة کان أنفع لک من رؤية الله سبعين مرة. فقال: قلت: وهذا فوق الجنون بدرجات.

هذه جملة من کلمات ابن الجوزي حول (إحياء العلوم) ومن أمعن النظر في أبحاث هذا الکتاب يجده أشنع مما قاله ابن الجوزي، وحسبک ما جاء به من حلية الغناء والملاهي وسماع صوت المغنية الاجنبية والرقص واللعب بالدرق والحراب، ونسبة کل ذلک إلي نبي القداسة رسول الله صلي الله عليه وآله فقال[2] بعد سرد جملة من الموضوعات تدعيما لرأيه السخيف: فيدل هذا علي ان صوت النساء غير محرم تحريم صوت المزامير، بل إنما يحرم عند خوف الفتنة، فهذه المقاييس والنصوص تدل علي إباحة الغناء، والرقص، والضرب بالدف، واللعب بالدرق والحراب، والنظر إلي رقص الحبشية والزنوج في أوقات السرور کلها قياسا علي يوم العيد فانه وقت سرور، وفي معناه يوم العرس، والوليمة، والعقيقة، والختان، ويوم القدوم من السفر، وسائر أسباب الفرح وهو کل ما يجوز به الفرح شرعا، ويجوز الفرح بزيارة الاخوان ولقائهم واجتماعهم في موضع واحد علي طعام أو کلام فهو ايضا مظنة السماع. ثم ذکر سماع العشاق تحريکا للشوق وتهييجا للعشق وتسلية للنفس. وفصل القول في ذلک بما لا طائل تحته، وخلط الحابل بالنابل، وجمع فيه بين الفقه المزيف وبين السلوک بلا فقاهة.

ومن طامات کتاب (الاحياء) أو من شواهد جهل مؤلفه المبير ومبلغه من الدين والورع رأيه الساقط في اللعن قال في ج 121:3: وعلي الجملة ففي لعن الاشخاص خطر فليجتنب، ولا خطر في السکوت عن لعن ابليس مثلا فضلا عن غيره، فإن قيل: هل يجوز لعن يزيد لانه قاتل الحسين أو أمره به؟ قلنا: هذا لم يثبت أصلا، فلا يجوز

[صفحه 166]

أن يقال: إنه قتله، أو أمر به ما لم يثبت فضلا عن اللعنة، لانه لا تجوز نسبة مسلم إلي کبيرة من غير تحقيق ثم ذکر أحاديث في النهي عن لعن الاموات فقال:

فإن قيل: فهل يجوز أن يقال: قاتل الحسين لعنه الله، أو الآمر بقتله لعنه الله؟ قلنا: الصواب أن يقال: قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله لانه يحتمل أن يموت بعد التوبة، فإن وحشيا قاتل حمزة عم رسول الله صلي الله عليه وسلم قتله وهو کافر، ثم تاب عن الکفر والقتل جميعا، ولا يجوز أن يلعن والقتل کبيرة، ولا تنتهي إلي رتبة الکفر، فاذا لم يقيد بالتوبة واطلق کان فيه خطر، وليس في السکوت خطر فهو أولي.

فهلم معي أيها القارئ الکريم إلي هذه التافهات المودوعة في غضون (إحياء العلوم) هل يراها النبي الاعظم صلي الله عليه وآله شيئا حسنا، وحلف بذلک؟ وهل سره دفاع الرجل عن ابليس اللعين أو عن جروه يزيد الطاغية الذي أبکي عيون آل الله وعيون صلحاء امة محمد صلي الله عليه وآله في ريحانته إلي الابد؟!

وهل يحق لمسلم صحيح ينزه عن النزعة الاموية الممقوتة، ويطلع علي فقه الاسلام وطقوسه، ويعلم تاريخ الامة، ويعرف نفسيات أبناء بيت امية الساقط، ولا يجهل أو لا يتجاهل بما أتت به يد يزيد الطاغية الاثيمة، وما نطق به ذلک الفاحش المتفحش وما أحدثه في الاسلام من الفحشاء والمنکر، وما ثبت عنه من أفعاله وتروکه، وما صدر عنه من بوائق وجرائم وجرائر، أن يدافع عنه بمثل ما أتي به هذا المتصوف الثرثار البعيد عن العلوم الدينية وحياتها؟ وهو لا يبالي بما يقول، ولا يکترث لمغبة ما خطته يمناه الخاطئة، والله من وراءه حسيب، وهو نعم الحکم العدل، والنبي الاعظم، ووصيه الصديق، والشهيد السبط المفدي هم خصماء الرجل يوم يحشر للحساب مع يزيد الخمور والفجور- ومن أحب حجرا حشره الله معه- وسيذوق وبال مقاله ويري جزاء محاماته.

ولست أدري إلي الغاية ان حد المفتري الذي أقامه رسول الله صلي الله عليه وآله علي أبي الحسن ابن حرازم إن کان بحق- ولابد أن يکون ما يفعله النبي حقا- فلما ذا درأته عنه شفاعة الشيخ أبي بکر؟ ولا شفاعة في الحدود. وإن لم يکن أبوالحسن مستحقا

[صفحه 167]

له فبماذا أقامه رسول الله صلي الله عليه وآله؟ ولماذا أرجأ الشيخ رأيه في اجتهاد ابن حرازم إلي أن جرد وضرب خمسة أسواط؟ وکيف خفي علي رسول الله صلي الله عليه وآله ما يدرأ به الحد من شبهة الاجتهاد؟ ومن سنته الثابته درألحدود بالشبهات. وهل تقام الحدود في عالم الطيف؟


صفحه 162، 163، 164، 165، 166، 167.








  1. کذا حکي عن السبکي والمطبوع من طبقاته يخالفه في بعض الالفاظ.
  2. راجع احياء العلوم 276:2.