احمد والملكان النكيران











احمد والملکان النکيران



ذکر إبن الجوزي في مناقب أحمد ص 454 عن عبدالله بن أحمد يقول: رأيت أبي في المنام فقلت: ما فعل الله بک؟ قال: غفر لي. قلت: جاءک منکر ونکير؟ قال: نعم، قالا لي: من ربک؟ قلت: سبحان الله أما تستحيان مني؟ فقالا لي: يا أبا عبدالله! أعذرنا بهذا امرنا.

قال الاميني: ما أجرأ الامام علي الملکين الکريمين في ذلک المأزق الحرج؟

[صفحه 140]

وما أجهله بالناموس المطرد من سؤال القبر وانه بأمر من الله العلي العزيز؟ حتي جابه الملکين بذلک القول الخشن، ما أحمد وما خطره؟ وقد جاء في الرواية: ان عمر ارتعد منهما لما دخلا عليه[1] وکان عمر بمحل من المهابة علي حد قول عکرمة: انه دعا حجاما فتنحنح عمرو کان مهيبا فأحدث الحجام، فأعطاه عمر أربعين درهما.[2] .

وعلي الملکين أن يشکرا الله سبحانه علي أن کف الامام عن أن يصفعهما فيفقأ عينهما کما فعل موسي بملک الموت في مزعمة أبي هريرة[3] فرجع إلي ربه فقال: أرسلتني إلي عبد لا يريد الموت، فرد الله إليه عينه. کما في سنن النسائي 118:4.

وفي لفظ الطبري في تاريخه 224:1: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ان ملک الموت کان يأتي الناس عيانا حتي أتي موسي فلطمه ففقأ عينه قال: فرجع فقال: يا رب! إن عبدک موسي فقأ عيني، ولولا کرامته عليک لشققت عليه. فقال: ائت عبدي موسي فقل له: فليضع کفه علي متن ثور فله بکل شعرة وارت يده سنة، وخيره بين ذلک وبين أن يموت الآن. قال: فأتاه فخيره فقال له موسي: فما بعد ذلک؟ قال: الموت. قال: فالآن إذا. قال: فشمه شمة قبض روحه، قال: فجاء بعد ذلک إلي الناس خفيا.

وأخرج الحکيم الترمذي مرفوعا: ان ملک الموت کان يأتي الناس عيانا حتي جاء موسي فلطمه ففقأ عينه فصار يأتي الناس بعد ذلک خفية. ذکره الشعراني في مختصر تذکرة القرطبي ص 29.

[صفحه 141]

ما أعيي هذا الملک (المأخوذ فيه البأس والشدة من الله شديد البطش) حتي تمکن منه إنسان فصفعه وفقأ عينه؟ ثم لم يزل الخوف مزيج نفسيته حتي تخفي عن الذين هم في قبضته، ورهن تصرفه، حيث وکل بهم وبقبض أرواحهم، ولا کرامة لهم علي الله ککرامة موسي النبي عليه السلام فيحاذر الصفعة منهم.

وإن تعجب فعجب ان مرسل ملک الموت وهو الله سبحانه لم لم يعطه بأسا يفوق کل بأس وهو يعلم من خلق، وان فيهم من يجرأ علي رسوله فيصفعه فيفقأ عينه، وفيهم من يخافه الرسول فيخفي نفسه عنه؟ أکان ذلک غفلة؟ أم أن خزانة القدرة قد نفدت؟ أم لم يکن يعلم ما يقع- وهو علام الغيوب- حتي وقعت الواقعة؟ أم لم يکن في صفوف الموظفين بعالم الملکوت أي تدريب حتي يتمکنوا مقابلة الشدايد إلي عهد موسي، ثم اطرد التدريب بإخفاء الموظف نفسه عند تنفيذ وظيفته؟! تعالي الله عما يقول الظالمون علوا کبيرا.

وهلم معي إلي النبي المعصوم موسي علي نبينا وآله وعليه السلام ونراه کيف يتجرأ علي ملک الموت، وهو يعلم انه رسول من الله العظيم، وانه إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وانه لا تجديه الصفعة والفقأة، وعلي فرض أن يهرب عنه هذا الرسول أو ينسحب عنه بانتظام فإنه يأتيه غيره أشد منه بأسا، لان الله سبحانه مميته لا محالة، ولا مرد لمجري قضائه، وهب انه تخلص من بأس هذا الملک فهل يتخلص من بأس مرسله المنتقم القهار، وقد أثار غضبه بمجابهة ممثله؟ أبعد الله الافک والزور عليه سبحانه وعلي رسوله وملائکته، وانتقم من کل أفاک أثيم.

أضف إلي ذلک کله ما قاله سيدنا الحجة شرف الدين العاملي في کتاب أبي هريرة ص 86 مما لفظه:

ونحن لم برئنا من أصحاب الرس وفرعون موسي وأبي جهل وأمثالهم ولعناهم بکرة وأصيلا؟ أليس ذلک لانهم آذوا رسل الله حين جاؤوهم بأوامره؟ فکيف نجوز مثل فعلهم علي أنبياء الله وصفوته من عباده؟ حاشا لله ان هذا لبهتان عظيم.

ثم إن من المعلوم ان قوة البشر بأسرهم، بل قوة جميع الحيوانات منذ خلقها

[صفحه 142]

الله تعالي إلي يوم القيامة لا تثبت أمام قوة ملک الموت فکيف (والحال هذه) تمکن موسي عليه السلام من الوقيعة فيه؟ وهلا دفعه الملک عن نفسه، مع قدرته علي ازهاق روحه، وکونه مأمورا من الله تعالي بذلک؟

ومتي کان للملک عين يجوز أن تفقأ؟!

ولا تنس تضييع حق الملک وذهاب عينه ولطمته هدرا إذ لم يؤمر الملک من الله بأن يقتص من موسي صاحب التوراة التي کتب الله فيها: إن النفس بالنفس، والعين بالعين، والانف بالانف، والاذن بالاذن، والسن بالسن والجروح قصاص[4] ولم يعاتب الله موسي علي فعله هذا بل أکرمه إذ خيره بسببه بين الموت والحياة سنين کثيرة بقدر ما تواريه يده من شعر الثور.

وما أدري ما الحکمة في ذکر شعر الثور بالخصوص؟! الخ.

هذه جملة مما وجدنا من کرامات الامام أحمد، وکم وکم لها من نظير؟ وأنت حدث العاقل بما لا تقبله عقله فإن صافقک عليه فهو معتوه، لکن القوم عقلاء وقبلوها، ونحن إذا عزونا ما هو أخف وأخف وطئة من هذه مما يساعده العقل والمنطق والاعتبار إلي أئمة أهل بيت الوحي عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فهنالک الجلبة واللغط، والترکاض والصخب، وهتاف من شتي الجوانب: هذا لا يکون، هذا غير معقول، حديث واه، هذا قول غلاة الشيعة، هذا قول الرافضة، هذا لا يصح وإن صح إسناده، إسناده صحيح غير ان في قلبي منه شيئا، هذا لا يصح وإن جاء بألف طريق. إلي أمثال هذه التهجمات الفارغة.


صفحه 140، 141، 142.








  1. قال السيد الجرداني في مصباح الظلام ج 2 ص 56: ان الله تعالي أعطي عليا علم البرزخ فلما مات عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلس علي علي قبره ليسمع قوله للملکين، فلما دخلا عليه ارتعد منهما ثم اجاب فقالا له: نم. فقال: کيف أنام وقد أصابني منکما هذه الرعدة؟ وقد صحبت النبي صلي الله عليه وسلم ولکن اشهد عليکما الله وملائکته ان لا تدخلا علي مؤمن إلا في أحسن صورة ففعلا. فقال له علي بن ابي طالب: نم يا ابن الخطاب! فجزاک الله من المسلمين خيرا لقد نفعت الناس في حياتک ومماتک. اقرأ واضحک.
  2. طبقات ابن سعد 206:3، تاريخ بغداد 215:14، تاريخ عمر لابن الجوزي ص 99، کنز العمال 331:6.
  3. راجع صحيح البخاري 158:1 في ابواب الجنائز، وج 163:2 باب وفاة موسي، صحيح مسلم 309:2 باب فضائل موسي، مسند احمد 315:1، العرائس للثعلبي ص 139.
  4. إشارة إلي الآية 45 من سورة المائدة وقد وجدنا في الفقرة ال د 23 من الاصحاح 21 من اصحاحات الخروج من التوراة الموجودة في أيدي اليهود والنصاري في هذه الايام ما هذا لفظه: ان حصلت أذية تعطي نفسا بنفس، وعينا بعين، وسنا بسن، ويدا بيد، ورجلا برجل، وکيا بکي، وجرحا بجرح، ورضا برض..