قتل عمرو بن الحمق











قتل عمرو بن الحمق



خرج عمرو بن الحمق ورفاعة بن شداد حتي نزلا المدائن ثم ارتحلا حتي أتيا الموصل فأتيا جبلا فکمنا فيه وبلغ عامل ذلک الرستاق يقال له: عبيدالله بن أبي بلتعة خبرهما فسار إليهما في الخيل فخرجا إليه، فأما عمرو فکان بطنه قد استسقي فلم يکن عنده إمتناع. وأما رفاعة فکان شابا قويا فوثب علي فرس له جواد وقال لعمرو: اقاتل عنک؟ قال: وما ينفعني أن تقتل؟! انج بنفسک. فحمل عليهم فأفرجوا له حتي أخرجه فرسه وخرجت الخيل في طلبه وکان راميا فلم يلحقه فارس إلا رماه فجرحه أو عقره فانصرفوا عنه، وأخذ عمرو بن الحمق فسألوه من أنت؟ فقال: من إن ترکتموه کان أسلم لکم، وإن قتلموه کان أضر عليکم. فسألوه فأبي أن يخبرهم فبعث به إبن أبي بلتعة إلي عامل الموصل وهو عبدالرحمن بن عبدالله بن عثمان الثقفي فلما رأي عمرا عرفه وکتب إلي معاوية بخبره فکتب إليه معاوية: انه طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص کانت معه وإنا لا نريد أن نعتدي عليه فأطعنه تسع طعنات کما طعن عثمان. فاخرج فطعن تسع طعنات فمات في الاولي منهن أو في الثانية وبعث برأسه إلي معاوية فکان رأسه أول رأس حمل في الاسلام.

[صفحه 42]

قال الاميني: هذا الصحابي العظيم (عمرو بن الحمق) الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة[1] محکوم عليه عند القوم وغيرهم بالعدالة وکون أقواله وأفعاله حجة لولا أن عدالة الصحابة تمطط إلي اناس معلومين بالخلاعة والمجون کمغيرة بن شعبة، والحکم بن أبي العاص، والوليد بن عقبة، وعبدالله بن أبي سرح، وزياد بن أبيه، واغيلمة قريش من الشباب الزائف ممن جرت المخازي إليهم الويلات، وتتقلص عن آخرين أنهکتهم العبادة، وحنکتهم الشريعة، وأبلتهم الطاعة کعمرو بن الحمق، وحجر بن عدي، وعدي بن حاتم، وزيد وصعصعة ابني صوحان، ولداتهم.

أنا لا أدري ما کان المبرر للنيل من عمرو وقتله؟ وأي جريمة أوجبت أن يطعن بالطعنات التسع اللاتي أجهزت عليه اولاهن أو ثانيتها؟ أما واقعة عثمان فکانت الصحابة مجمعين عليها بين سبب ومباشر کما قدمناه لک في الجزء التاسع ص 69 تا 169 فلم لم يؤاخذوا عليها واختصت المقاصة اناسا انقطعوا إلي ولاء مولانا أميرالمؤمنين ولاء الله وولاء رسوله صلي الله عليه وآله؟ ولم يجهز معاوية الجيوش ولا بعث البعوث علي طلحة والزبير وهما أشد الناس في أمر عثمان وأوغلهم في دمه؟! ومن ذا الذي أودي بعثمان غير معاوية نفسه في تثبطه عن نصره وتربصه به حتي بلغ السيف منه المحز؟[2] ولماذا کان يندد ويهدد ويؤاخذ أهل المدينة وغيرهم بأنهم تخاذلوا عن نصرته ولا يفعل شيئا عن ذلک بنفسه المتهاونة عن أمر الرجل؟ نعم: کانت تلکم الافاعيل علي من يوالي عليا صلوات الله عليه، فهي منکمشة عمن يعاديه ويقدمهم إبن آکلة الاکباد.

هل لمعاوية أن يثبت ان هلاک عثمان کان بطعنات عمرو؟ وهؤلاء المؤرخون ينصون علي أن المهجز عليه هو کنانة بن بشر التجيبي، وقد جاء في شعر الوليد بن عقبة:


ألا إن خير الناس بعد ثلاثة
قتيل التجيبي الذي جاء من مصر


وقال هو أو غيره:


علاه بالعمود أخو تجيب
فأوهي الرأس منه والجبينا[3] .

[صفحه 43]

وأخرج الحاکم في المستدرک 106:3 باسناده عن کنانة العدوي قال: کنت فيمن حاصر عثمان قال: قلت: محمد بن أبي بکر قتله؟ قال: لا، قتله جبلة بن الايهم رجل من أهل مصر. قال: وقيل: قتله کبيرة السکوني فقتل في الوقت. وقيل: قتله کنانة بن بشر التجيبي، ولعلهم اشترکوا في قتله لعنهم الله، وقال الوليد بن عقبة:


ألا إن خير الناس بعد نبيهم
قتيل التجيبي الذي جاء من مصر


وفي الاستيعاب 478 و 477: 2: کان أول من دخل الدار عليه محمد بن أبي بکر فأخذ بلحيته فقال: دعها يابن أخي والله لقد کان أبوک يکرمها. فاستحي وخرج، ثم دخل رومان به سرحان رجل أزرق قصير محدود عداده في مراد وهو من ذي أصبح معه خنجر فاستقبله به وقال: علي أي دين أنت يا نعثل؟! فقال عثمان: لست بنعثل ولکني عثمان ابن عفان وأنا علي ملة إبراهيم حنيفا مسلما وما أنا من المشرکين قال: کذبت وضربه علي صدغه الايسر فقتله فخر.

وقال: اختلف فيمن باشر قتله بنفسه فقيل: محمد بن أبي بکر ضربه بمشقص. وقيل بل حبسه محمد بن أبي بکر وأسعده غيره، وکان الذي قتله سودان بن حمران وقيل: بل ولي قتله رومان اليمامي. وقيل: بل رومان رجل من بني أسد بن خزيمة. وقيل: بل ان محمد بن أبي بکر أخذ بلحيته فهزها وقال: ما أغني عنک معاوية، وما أغني عنک ابن أبي سرح، وما أغني عنک ابن عامر فقال له: يا ابن أخي! أرسل لحيتي فوالله انک لتجبذ لحية کانت تعز علي أبيک وما کان أبوک يرضي مجلسک هذا مني. فيقال: انه حينئذ ترکه وخرج عنه. ويقال: إنه حينئذ أشار إلي من کان معه فطعنه أحدهم وقتلوه. والله أعلم.

وأخرج أيضا ما رويناه عن المستدرک بلفظ: فقال محمد بن طلحة فقلت لکنانة: هل ندي محمد بن أبي بکر بشئ من دمه؟ قال: معاذ الله دخل عليه فقال له عثمان: يا ابن اخي لست بصاحبي وکلمه بکلام فخرج ولم يند بشئ من دمه. قال: فقلت لکنانة: من قتله؟ قال: قتله رجل من أهل مصر يقال له: جبلة بن الايهم ثم طاف بالمدينة ثلاثا يقول: أنا قاتل نعثل.

[صفحه 44]

وذکر المحب الطبري في رياضه 130:2 ما أخرجه أبوعمر في (الاستيعاب) من استحياء محمد بن أبي بکر وخروجه من الدار ودخول رومان بن سرحان وقتله عثمان. فقال: وقيل: قتله جبلة بن الايهم. وقيل: الاسود التجيبي وقيل: يسار بن غلياض. وأخرج ابن عساکر في حديث ذکره ابن کثير في تاريخه 175:7: وجاء رجل من کندة من أهل مصر يلقب حمارا ويکني بأبي رومان. وقال قتادة: اسمه رومان. وقال غيره: کان أزرق أشقر. وقيل: کان إسمه سودان بن رومان المرادي. وعن ابن عمر قال: کان اسم الذي قتل عثمان أسود بن حمران ضربه بحربة وبيده السيف صلتا. إلخ.

وقال ابن کثير في تاريخه 198:7: أما ما يذکره بعض الناس من أن بعض الصحابة أسلمه ورضي بقتله فهذا لا يصح[4] عن أحد من الصحابة انه رضي بقتل عثمان رضي الله عنه بل کلهم کرهه ومقته وسب من فعله لکن بعضهم کان يود لو خلع نفسه من الامر کعمار بن ياسر، ومحمد بن أبي بکر، وعمرو بن الحمق وغيرهم.

ثم أي مبرر لابن هند في أمره باتمام الطعنات التسع بعد الطعنة المودية به؟ وهل في الشريعة تعبد بأن يفعل بالمقتص منه مثل ما فعله بمن يقتص له؟ أو يکتفي بما هو المقصود من القصاص من إعدام القاتل؟ ولعل عند فقيه بني امية مسوغا لا نعرفه أضف إلي ذلک حمل رأسه من بلد إلي بلد، وهو أول رأس مطاف به في الاسلام[5] .

قال النسابة أبوجعفر محمد بن حبيب في کتاب (المحبر) ص 490: ونصب معاوية رأس عمرو بن الحمق الخزاعي وکان شيعيا ودير به في السوق. وکان عبدالرحمن بن ام الحکم أخذه بالجزيرة. وقال ابن کثير: فطيف به في الشام وغيرها، فکان أول رأس طيف به ثم بعث معاوية برأسه إلي زوجته آمنة بنت الشريد- وکانت في سجنه- فالقي في حجرها. فوضعت کفها علي جبينه ولثمت فمه وقالت: غيبتموه عني طويلا ثم أهديتموه إلي قتيلا، فأهلا بها من هدية غير قالية ولا مقلية.

[صفحه 45]

نعم: هذه الافاعيل إلي أمثالها من نماذج فقه امه آکلة الاکباد الذي سوغ لها ما فعلت بعم النبي الاعظم سيد الشهداء حمزة سلام الله عليه، واقتص أثر أبيه يزيد بن معاوية فيما ارتکبه من سيد شباب أهل الجنة الحسين السبط صلوات الله عليه، فقتله و آله وصحبه الاکرمين أشنع قتلة وطيف برؤسهم الکريمة في الامصار علي سمر القنا فأعقبهما خزاية لا يغسلها مر الدهور، وشية قورن ذکرها بالخلود.

علي انه لو کان هناک قصاص فهو لاولياء الدم وهم ولد عثمان، وإن لم يکن هناک ولي أو انه عجز عن تنفيذ الحکم فيقوم به خليفة الوقت فإنه ولي الدم وأولي بالمؤمنين من أنفسهم، وهو يومئذ وقبله مولانا أميرالمؤمنين علي عليه السلام فهو موکول إليه، وکان عمرو ابن الحمق في کنفه يراه ويبصر موقفه وخضوعه له، فلو کان عليه قصاص أجراه عليه و هو الذي لم تأخذه في الله لومة لائم، وساوي عدله القريب والبعيد، وکانت يده مبسوطة عند ذاک، وعمرو أخضع له من الظل لذيه، ومعاوية عندئذ أحد أفراد الامة- إن صدق انه أحد أفرادها- لا يحويه عير ولا نفير، ولا يناط به حکم من أحکام الشريعة، غير أنه قحمه في الورطات حب الوقيعة في محبي علي أميرالمؤمنين عليه السلام والله من ورائه حسيب.


صفحه 42، 43، 44، 45.








  1. کذا وصفه الامام السبط الحسين عليه السلام فيما مر من کتاب له إلي معاوية.
  2. راجع الجزء التاسع ص 150 تا 153.
  3. الانساب للبلاذري 98:5، تاريخ الطبري 132:5.
  4. راجع ما أسلفناه في الجزء التاسع فتعرف الصحيح من السقيم وتقف علي جلية الحال في القضية.
  5. معارف ابن قتيبة 127، الاستيعاب 404:2، الاصابة 533:2 وقال: ذکره ابن حبان بسند جيد، تاريخ ابن کثير 48:8.