ترجمة أبي الرضا ابن بشارة











ترجمة أبي الرضا ابن بشارة



أبوالرضا الشيخ محمد علي بن بشارة من آل موحي الخيقاني النجفي، أوحدي حقت له العبقرية والنبوغ، وفذ من أفذاذ الفضيلة، برع في فنون الشعر والادب، ورث فضله الکثار وأدبه الموصوف عن أبيه العلامة الشاعر المفلق الشيخ بشاره، وعاصر نوابغ العلم وأساتذة البيان وأخذ منهم، ونال من الفضل حظه الوافر، ونصيبه المقدر، فأطروه و وأثنوا عليه، وعد من رجال تلک الحلقة، وأبقي شعره وأدبه له ذکري خالدة، وسجلت آثاره القيمة العلمية والادبية في صفحة التاريخ له غررا ودررا تذکر وتشکر، منها (نشوة السلافة ومحل الاضافة) قرظها السيد حسين بن الامير رشيد الآتي ذکره، وقال الشيخ أحمد النحوي الحلي مقرظا إياها:


يا أخا الفضل والمکارم والسؤ
دد والمجد والعلي والشرافه


والاديب الاريب المصقع المد
ره رب الکمال رب الظرافه


أي در أودعت في صدف الطر
س غدا الدر حاسدا أوصافه؟


لو رأي هذه الرياض زهير
لتمني من زهرهن اقتطافه


لودري عرفهن صاحب عرف الطيب
أبدي لطيبهن اعترافه


لو رأي جمعها علي[1] رأي الفضل
علي جمعه لکم والانافه


قال: جمعي صبابة في إناء
من سلاف وذا حباب السلافه


أي مستمتع لذي الفضل فيها
وبشتي نکاتها واللطافه؟


جئتها طاوي الحشا فأضافتني
وقالت: هذا محل الاضافه


ومنها: نتائج الافکار. قرظها المدرس الاوحد السيد نصر الله الحائري بقوله:


حير عقلي ذا الکتاب الانيق
فليس للوصف إليه طريق


رقيق لفظ جزل معني له
کل مجاميع البرايا رقيق


ما هو إلا روضة غضة
شقيقها ليس له من شقيق


صاداتها الغدران همزاتها
حمايم تشدو بلحن أنيق

[صفحه 375]

کم نشق العشاق من نفحها
نسيم أخبار اللوي والعقيق؟


کم قد جلت أکؤس الفاظها
معانيا يخجل منها الرحيق؟


رصعها صوب يراع الذي
أصبح دوح الفضل فيه وريق


مولي جليل القدر في شانه
قد اغتدي صاحب فکر دقيق


لازال (نصر الله) طول المدي
له رفيقا فهو نعم الرفيق


ومنها: شرح نهج البلاغة، وريحانة النحو. ذکرهما الشيخ أحمد النحوي الحلي في قصيدته التي مدحه بها أولها:


برزت فيا شمس النهار تستري
خجلا ويا زهر النجوم تکدري


فهي التي فاقت محاسن وجهها
حسن الغزالة والغزال الاحور


يقول فيها:


من آل موح شهب أفلاک العلي
وبدور هالات الندي والمفخر


وهم الغطارفة الذين لبأسهم
ذهل الوري عن سطوة الاسکندر


وهم البرامکة الذين بجودهم
نسي الوري فضل الربيع وجعفر


لم يخل عصر منهم أبدا فهم
مثل الاهلة في جباه الاعصر


لاسيما العلم الذي دانت له الأعلام
ذوالفضل الذي لم ينکر


ولقد کسا (نهج البلاغة) فکره
شرحا فأظهر کل خاف مضمر


وعجبت من (ريحانة النحو) التي
لم يذو ناصرها مرور الاعصر


فذروا (السلافة)[2] ان في ديوانه
في کل بيت منه حانة مسکر


ودعوا (اليتيمة)[3] ان بحر قريضه
قذفت سواحله صنوف الجوهر


ما (دمية القصر)[4] التي جمع الاولي
کخرائد برزت بأحسن منظر؟


يا صاحب الشرف الاثيل ومعدن الکرم
الجزيل وآية المستبصر


خذها إليک عروس فکرزفها
صدق الوداد لکم وعذر مقصر

[صفحه 376]

فاسلک علي رغم العدي سبل العلي
واسحب علي کيوان ذيل المفخر


ومنها: ديوان شعره الذي وصفه السيد المدرس الحائري بقوله:


ديوان نجل المقتدي بشاره
لسائر الشعر غدا إکليلا


ما هو إلا جنة قد أزهرت
(وذللت قطوفها تذليلا)


وقوله فيه:


ألا قد غدا ديوان نجل بشارة
طراز دواوين الانام بلا ريب


مهذبة أبياته کخلائقي
فليس به عيب سوي عدم العيب


وللسيد العلامة المدرس الحائري عدة قواف في الثناء علي شاعرنا ابن بشارة منها:


سلام يسحب الاذيال تيها
علي هام الدراري الثاقبات


أخص به شقيق الصبح بشرا
سليل بشارة ذي المنقبات


فتي أضحت بغيث نداه تزهو
أزاهير الاماني للعفاة


وراحت في صباح الرأي منه
تجابات دياجي المشکلات


شأي قسا بلفظ راق رصفا
ومعنا بالهبات الوافرات


له فکر بأدني الارض لکن
له عزم بأعلي النيرات


ونظم يشبه الازهار لو لم
تعد بعد النضارة ذابلات


وبعد فإن روض العيش أضحي
هشيما ذا نواح شاحبات


وقد کانت نواحيه قديما
بطل البشر منکم زاهيات


وأمسي يا شهاب سما المعالي
مريد الوجد مخترقا جهاتي


فعوذني بکتبک من أذاه
فمالي غيرها من راقيات


ولا زالت جلابيب المعالي
بمجدکم المبجل معلمات


ومنها قوله:


سلام کزهر الروض إذ جاده القطر
وکالدر في اللالاء إذ حازه البحر


أخص به المولي سليل بشارة
أخي الفضل من في مدحه يزدهي الشعر


سحاب الندي السهم الذي فاقت السها
عزائمه وانقاد قنا له الدهر

[صفحه 377]

فتي فاز بالقدح المعلي من العلي
وحاز علوما لا يحيط بها الحصر


فما (القطب) ما (الرازي) وما جوهريهم
إذا مابه قيسوا وما العضد ما الصدر؟


مناقبه غر مواهبه حيا
منازله خضر مناصله حمر


طوي سبل العلياء في متن سابق
لهمته القعساء عثيره الفخر


وبعد: فإن الحال من بعد بعدکم
کحال رياض الحزن فارقها القطر


فلله ليلات تقضت بقربکم
ولم يندمن روضات وصلکم الزهر


وإذ مورد اللذات صاف وناظري
يزيل قذاه منظر منکم نضر


فلا تقطعوا يوما عن الصب کتبکم
ففي نشرها للميت من بعدکم نشر


ولا برحت تبدو بافق جبينکم
نجوم السعود الزهر ما نجم الزهر


ومنها قوله مهنئا له بعيد النحر:


نشر الربيع مطارف الازهار
في طيها نفحات مسک داري[5] .


وخرائد الاغصان بالاکمام قد
رقصت بتشبيب النسيم الساري


وصوادح الاوراق في الاوراق قد
غنت بأعواد بلا أوتار


والظل ظل محاکيا بدبيبه
خط العذار بوجنة الانهار


فبدار نجلو خمره تجلو العنا
عنا ولا ترکن إلي الاعذار


بکر إذا ما قلدت بحبابها
حلت يمين مديرها بسوار


شمس يطوف بافق مجلسنا بها
قمر تقلد نحره بدراري


سلب السلاف مذاقها وفعالها
برضابه وبطرفه السحار


ساق تخال الثغر منه لئالئا
أو اقحوانا لاح غب قطار


أو أحرفا رقمت بکف المجتبي
أعني سليل بشارة المغوار


ماء الطلاقة في أسرة وجهه
يجري ونار سطاه ذلت شرار


مولي بافق سما المناقب قد بدا
قمرا ولکن لم يرع بسرار


فبذاک يثمر قصد کل مؤمل
وبهذه تصلي مني الفخار


شهم لبيب لم تلد ام العلي
ندا له في سائر الاعصار

[صفحه 378]

ندس بديع بنانه قد راح عن
وجه المعاني کاشف الاستار


ولقد غدا صرف الزمان يصد عن
من نحوه أضحي مريد جوار


نعم تعم عموم هطال الحيا
لکنها جلت عن الاضرار


وشمائل کالروض لولا انه
يذوي لفقد العارض المدرار


أقلامه قد قلمت ما طال للاخطاب
والاخطار من أظفار


ودواته أدوت وداوت کاشحا
ومؤملا جدواه ذا اعسار


من آل خاقان الذين وجوههم
عند اسوداد النقع کالاقمار


قوم إذا شاموا الصوارم اغمدت
في جيد کل مملک کرار


وإذاهم اعتقلوا الذوابل في الوغي
آبت نواضر بالنجيع الجاري


أخبارهم بسواد کل دجنة
حررن فوق بياض کل نهار


يا من له بأس يحاکي الصخر في
خلق أرق من النسيم الساري


وعلا تناسق کابرا عن کابر
يحکي أنابيب القنا الخطار


وافاک عيد النحر طلقا وجهه
يحکي رقيق نسيمه أشعاري


عبد يعود عليکم بمسرة
محمودة الايراد والاصدار


لازالت الايدي تشير إليکم
شبه الهلال عشية الافطار


وبقيت ترفل من علاک بحلة
فضفاضة قد طرزت بفخار


وله مراسلا إياه لازما الجناس المذيل قوله:


لعمرک إن دمع العين جار
لاني حنظل التفريق جارع


ومالي غير شهد الوصل شاف
فهل لي في اجتناء منه شافع؟


وقلبي للوصول إليک صاد
ونظمي بالثناء عليک صادع


وهمي ليثه الفتاک ضار
ولولاه لما أمسيت ضارع


ولوني أصغر والد مع قان
وطرفي منکم بالطيف قانع


ومذ غبتم فصبحي شبه قار
لدي وإصبعي للسن قارع


وإني للتواصل منک راج
فهل ذاک الزمان العذب راجع؟


وإني بالذي تهواه راض
ايا مولي لدر الفضل راضع!

[صفحه 379]

فيالک من کريم الاصل سام
لهمس المجتدين نداه سامع


هزبر عنه سيف الضد ناب
وينبوع الفضائل منه نابع


وطرف الخائف المذعور ساج
بمغناه وطير المدح ساجع


وبحر علومه للناس طام
فکل منهم بالري طامع


وغيث نداه طول الدهر هام
وغيث الافق بعض العام هامع


ومعشره اولو سلم وضال[6] .
لديهم سابق الکرماء ضالع


له سيف غداة الحرب دام
وطرف خشية الجبار دامع


ونسک من رياء الخدع خال
وطبع للخلاعة راح خالع


وشعر رائق کشراب جام
لحسن نفائس الاشعار جامع


وقلب قلب في الحرب ساط
ووجه في ظلام الخطب ساطع


واحسان لحر المدح شار
ورمح عزيمة ما زال شارع


حليم للعدي بالصفح جاز
ومن هول الحوادث غير جازع


وزاک علمه للجهل ناف
وطب إن يضرک فهو نافع


وشهم ماله في الناس زار
للحب هواه في الاحشاء زارع


لما لا يرتضيه الله قال
ألم تره لضرس هواه قالع؟


وقاه الله نظرة کل راء
فإن جماله للعقل رائع


ومنها قوله حينما اهدي إليه ماء ورد:


ياأيها المولي الذي
هو من (أياس) اليوم أذکي


وجهت نحوک ماء ور
د من أريج المسک أذکي


فاقبله من حب جواه
في حشاه النار أذکي


ومنها قوله مراسلا إياه.


سلام لا لاوله بدايه
ولا يلفي لآخره نهايه


علي ابن بشارة المولي الذي قد
تجاوز في المعالي کل غايه


فتي برق البشاشة في المحيا
علي طيب الارومة منه آيه

[صفحه 380]

جليل القدر محمود السجايا
علي کل القلوب له الولايه


روي الاحسان عن جد فجد
وقد صحت له تلک الروايه


فلو وافاه يوم الجدب عاف
أباح له حمي روض الرعايه


إذا ما جن للاشکال ليل
تري مثل الصباح الطلق رأيه


وإن حسرت لثاما حرب بحث
فليس لها بکف سواه رايه


له وجه حکاه البدر حسنا
وما من ريبه في ذي الحکايه


وفي العهد زاکي الجد مولي
سلامة ذاته أقصي منايه


ولما کان في ذا العصر فردا
مدحناه بعنوان الکنايه


وأني يمکن التصريح باسم
بأعلي العرش خطته العنايه؟


فسدد رأيه يا رب لطفا
وجنبه الضلالة والغوايه


وألبسه من الانعام بردا
موشي بالکلائة والحمايه


إلي غيرها من قصائد توجد في ديوان الشريف السيد المدرس في ثناء المترجم له، وهي تعرب عن مکانته العالية في الفضائل والفواضل، وتحليه بنفسيات کريمة و ملکات فاضلة.

ومن شعر شاعرنا (ابن بشارة) قوله في کتابه (نشوة السلافة) يمدح به مولانا اميرالمؤمنين عليه السلام، جاري به قصيدة السيد علي خان المدني المذکورة ص 350:


من ظلمة الليل لي المأنس
إذ فيه تبدو الشهب الکنس


والطيف يأتيني به زائرا
وتارة صاحبه بغلس[7] .


ولم نراقب من رقيب الهوي
خوفا ولا تبصرنا الحرس


ومن رياض الوصل کم نجتني
زواهرا تحيي بها الانفس


کم ليلة بت بظلمائها
معانقا للحب لا أدنس[8] .


حتي هوت للغرب شهب الدجا
والنجم في اسرائه ينعس[9] .

[صفحه 381]

وانتشر الصبح بأنواره
وانجاب عن أضواء الحندس[10] .


فارقني خشية أعداؤه
وقد خلا من جمعنا المعرس[11] .


لا أقبل الصبح باسفاره
لانه الفضاح والاوکس


والليل لو جن به جنتي
وجنتي طاب بها المأنس


موسي رأي النار به سابقا
من جانب الطور لها غرنس


وقد أتاها طالبا جذوة
حتي دنا من قربها يقبس


نودي بالشاطي غربيها
: أنا الاله الخالق الاقدس


ونار موسي سرها حيدر
العالم الخنذيذ والدهرس[12] .


والاسد المغوار يوم الوغي
تفرق من صولته الاشوس[13] .


لو قامت الحرب علي ساقها
قال إليها وهو لا ينکس


کم قد في صارمه فارسا
وصير السيد له ينهس؟[14] .


هو ابن عم المصطفي والذي
قد طاب من دوحته المغرس


عيبة علم الله شمس الهدي
ونوره الزاهر لا يطمس


مهبط وحي لم ينل فضله
وکنهه في الوهم لا يحدس


قد طلق الدنيا ولم يرضها
ما همه المطعم والملبس


يقطع الليل بتقديسه
يزهو به المحراب والمجلس


وفي الندي بحر بلا ساحل
وفي المعالي الاصيد الارءس


إذا رقي يوما ذري منبر
وألسن الخلق له خرس


يريک من ألفاظه حکمة
يحتار فيها العالم الکيس


فيالها من رتب نالها
من دونها کيوان والاطلس؟

[صفحه 382]

قد شرفت کوفان في قبره
ولم تکن أعلامها تدرس


إن أنکر الجاحد قولي أقل
: يا صاح هذا المشهد الاقدس[15] .


أما تري النور به مشرقا
قرت به الاعين والانفس

والله لولا حيدر لم يکن
في الارض ديار ولا مکنس


فليس يحصي فضله ناثر
أو ناظم في شعره منبس


لو کان ما في الارض أقلامه
والابحر السبع له مغمس

سمعا أبا السبطين منظومة
غراء من غصن النقا أميس


تختال من مدحک في حلة
لم يحکها في نسجها السندس


أرجو بها منک الجزا في غد
فإن من والاک لا يبخس


صلي عليک الله ما أشرقت

شمس الصحي وانکشف الحندس

ومن شعره في تقريظ (المطول) للتفتازاني قوله:


إن المطول بحر فاض ساحله
فلا يحيط به وصفي وانجازي


فرقان أهل المعاني في بلاغته
وفي الدلائل منه أي إعجاز

[صفحه 383]


صفحه 375، 376، 377، 378، 379، 380، 381، 382، 383.








  1. يعني السيد علي خان المدني صاحب (سلافة العصر) التي ألف ابن بشارة نشوته تتميما لها.
  2. هي (سلافة القصر) للسيد علي خان المدني شارح الصحيفة الشريفة الآنف ذکره في هذا الجزء ص 344.
  3. هي (يتيمة الدهر) للثعالبي کتاب أدبي ضخم فخم مطبوع في اربع مجلدات.
  4. (دمية القصر) تأليف الباخرزي مطبوع سائر دائر.
  5. الداري: العطار. نسبة إلي دارين بالبحرين کان يحمل إليها المسک من الهند.
  6. السلم والضال: نوعان من الشجر.
  7. الغلس: ظلمة آخر الليل أغلس: صار يغلس.
  8. دنس: تلطخ بمکروه أو قبيح.
  9. من تناعس البرق: فتر.
  10. الحندس: الظلمة جمع حنادس.
  11. المعرس: الموضع الذي يعرس فيه القوم أي نزلوا فيه للاستراحة.
  12. الخنذيذ: الخطيب البليغ. العالم بايام العرب اشعارهم السيد الحليم. الشجاع البهمة الدهرس: الداهية.
  13. الاشوس: الجري علي القتال الشديد.
  14. السيد: الذئب، الاسد، والسيد تخفيف السيد.
  15. هذا مستهل قصيدة السيد علي خان.