مواقف معاوية مع أبي محمد الحسن السبط











مواقف معاوية مع أبي محمد الحسن السبط



إن لابن آکلة الاکباد مع السبط المجتبي مواقف تقشعر منها الجلود، وتقف منها الشعور، وتندي منها جبهة الانسانية، ويلفظها الدين الحفاظ، وينبذها العدل و الاحسان، وينکرها کرم الارومة وطيب المحتد، ارتکبها معاوية مستسهلا کل ذلک، مستهينا بامر الدين والمروءة.

من هو الحسن عليه السلام؟

لا أقل من أن يکون هو سلام الله عليه أوحديا من المسلمين، وأحد حملة القرآن، وممن أسلم وجهه لله وهو محسن، يحمل بين أضالعه علوم الشريعة، ومغازي الکتاب والسنة، والملکات الفاضلة جمعاء، وهو القدوة والاسوة في مکارم الاخلاق، ومعالم الاسلام المقدس، فمن المحظور في الدين الحنيف النيل منه، والوقيعة فيه، وايذائه، ومحاربته، علي ما جاء لهذا النوع من المسلمين من الحدود في شريعة الله، فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم.

أضف إلي ذلک: انه صحابي مبجل ليس في أعيان الصحابة بعد أبيه الطاهر من يماثله ويساجله، ودون مقامه الرفيع ما للصحابة عند القوم من العدالة والشأن الکبير، وأعظم فضائله: أنه ليس بين لابتي العالم من يستحق الامامة والاقتداء به واحتذاء مثاله يومئذ غيره، لفضله وقرابته. فهو أولي صحابي ثبت له ما أثبتوه لهم من الاحکام، فلا يجوز

[صفحه 4]

منافرته والصد عنه، والاعراض عن آرائه وأقواله، وارتکاب مخالفته، وما يجلب الاذي اليه من السب له، والهتک لمقامه، واستصغار أمره.

زد عليه: أنه سبط رسول الله وبضعته من کريمته سيدة نساء العالمين، لحمه من لحمه، ودمه من دمه. فيجب علي معتنقي تلک النبوة الخاتمة حفظ صاحب الرسالة فيه، والحصول علي مرضاته، وهو لا يرضي إلا بالحق الصراح والدين الخالص.

وهو عليه السلام قبل هذه کلها أحد أصحاب الکساء الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

وهو أحد من أثني عليهم الله بسورة هل أتي، الذين يطعمون الطعام علي حبه مسکينا ويتيما وأسيرا.

وهو من ذوي قربي رسول الله صلي الله عليه وآله الذين أوجب الله مؤدتهم وجعلها أجر الرسالة.

وهو أحد من باهل بهم رسول الله صلي الله عليه وآله نصاري نجران کما جاء في الذکر الحکيم. وهو أحد الثقلين اللذين خلفهما النبي الاعظم صلي الله عليه وآله بين امته ليقتدي بهم و قال: ما إن تمسکتم بهما لن تضلوا أبدا.

وهو من أهل بيت مثلهم في الامة مثل سفينة نوح من رکبها نجا ومن تخلف عنها غرق.

وهو من الذين أوجب الله الصلاة عليهم في الفرائض، ومن لم يصل عليهم لا صلاة له.

وهو أحد من خاطبهم النبي صلي الله عليه وآله بقوله: أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم.

وهو أحد أهل خيمة خيمها رسول الله صلي الله عليه وآله فقال: معشر المسلمين! أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم، لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد، ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ الولادة.

[صفحه 5]

وهو أحد ريحانتي رسول الله صلي الله عليه وآله کان يشمهما ويضمهما اليه.

وهو وأخوه الطاهر سيدا شباب اهل الجنة.

وهو حبيب رسول الله صلي الله عليه وآله کان يأمر بحبه قائلا: اللهم اني احبه فاحبه، واحب من يحبه.

وهو أحد السبطين کان جدهما صلي الله عليه وآله يأخذهما علي عاتقه ويقول: من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني.

وهو أحد اللذين أخذ رسول الله صلي الله عليه وآله بيدهما فقال: من أحبني واحب هذين وأباهما وامهما کان معي في درجتي يوم القيامة.

وهو أحد ابني رسول الله کان يقول صلي الله عليه وآله: الحسن والحسين ابناي من أحبهما أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبعضني ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار[1] .

هذا هو الامام الحسن المجتبي عليه السلام واما معاوية ابن آکلة الاکباد فهو صاحب تلک الصحيفة السوداء التي مرت عليک في الجزء العاشر ص 178 وأما جنايات معاوية علي ذلک الامام المطهر فقد سارت بها الرکبان، وحفظ التاريخ له منها صحائف مشوهة المجلي، مسودة الهندام. فهو الذي باينه وحاربه وانتزع حقه الثابت له بالنص والجدارة، وخان عهوده التي اعترف بها عندما تنازل الامام عليه السلام له بالصلح حقنا لدماء شيعته، وحرسا علي کرامة اهل بيته، وصونا لشرفه الذي هو شرف الدين، وما کان يرمق اليه معاوية ويعلمه الامام عليه السلام بعلمه الواسع من ان الطاغية ليس بالذي يقتله إن استحوذ عليه، لکنه يستبقيه ليمن بذلک عليه، ثم يطلق سراحه، و هو بين أنيابه ومخالبه، حق يقابل به ما سبق له ولاسلافه طواغيت قريش يوم الفتح، فملکهم رسول الله صلي الله عليه وآله أرقاء له، ثم من عليهم وأطلقهم، فسموا الطلقاء وبقي ذلک سبة عليهم إلي آخر الدهر، فراق داهية الامويين أن تکون تلک الشية ملصقة ببني هاشم سبة عليهم، لکنه أکدت آماله، وأخفقت ظنونه، وفشل ما ارتآه بهذا الصلح

[صفحه 6]

الذي کان من ولائده الابقاء علي شرف البيت الهاشمي، ودرأ العار عنهم، إلي نتايج مهمة، کل منها کان يلزم الامام عليه السلام بالصلح علي کل حال، وإن کان معاوية هو الخائن المائن في عهوده ومواثيقه، والکائد الغادر بإله وذمته، فعهد اليه ان لا يسب أباه علي منابر المسلمين، وقد سبه وجعله سنة متبعة في الحواضر الاسلامية کلها.

وعهد إليه أن لا يتعرض بشيعة أبيه الطاهر بسوء، وقد قتلهم تقتيلا، واستقرأهم في البلاد تحت کل حجر ومدر، فطنب عليهم الخوف في کل النواحي بحيث لو کانيقذف الشيعي باليهودية لکان أسلم له من انتسابه إلي أبي تراب سلام الله عليه.

وعهد إليه أن لا يعهد إلي أحد بعده وکتب اليه سلام الله عليه: إن أنت أعرضت عما أنت فيه وبايعتني وفيت لک بما وعدت، وأجريت لک ما شرطت، وأکون في ذلک کما قال أعشي بني قيس:


وإن أحد أسدي اليک أمانة
فأوف بها تدعي إذ امت وافيا


ولا تحسد المولي إذا کان ذا غني
ولا تجفه إن کان في المال فانيا


ثم الخلافة لک من بعدي، فأنت أولي الناس بها[2] ومع هذا عهد إلي جروه ذلک المستهتر الماجن بعد ما قتل الامام السبط ليصفو له الجو.

ولما تصالحا کتب به الحسن کتابا لمعاوية صورته:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما صالح عليه الحسن بن علي رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان، صالحه علي أن يسلم اليه ولاية المسلمين، علي أن يعمل فيها بکتاب الله تعالي وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلي أحد من بعده عهدا، بل يکون الامر من بعده شوري بين المسلمين، وعلي ان الناس آمنون حيث کانوا من أرض الله تعالي في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وعلي ان اصحاب علي وشيعته آمنون علي أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث کانوا، وعلي معاوية بن

[صفحه 7]

ابي سفيان بذلک عهد الله وميثاقه، وأن لا يبتغي للحسن بن علي ولا لاخيه الحسين ولا لاحد من بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم غائلة سرا وجهرا، ولا يخيف أحدا منهم في افق من الآفاق، اشهد عليه فلان ابن فلان وکفي بالله شهيدا[3] فلما استقر له الامر ودخل الکوفة وخطب أهلها فقال: يا أهل الکوفة! أتراني قاتلتکم علي الصلاة والزکاة و الحج؟ وقد علمت انکم تصلون وتزکون وتحجون، ولکنني قاتلتکم لاتأمر عليکم وعلي رقابکم (إلي أن قال): وکل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين[4] .

وقال أبواسحاق السبيعي: ان معاوية قال في خطبته بالنخيلة: ألا ان کل شئ أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به[5] قال ابواسحاق: وکان والله غدارا.[6] .

وکان الرجل ألد خصماء ذلک السبط المفدي، وقد خفر ذمته، واستهان بأمره واستصغره، وهو الامام العظيم، وقطع رحمه، وما راعي فيه جده النبي العظيم، ولا أباء الوصي المقدم، ولا امه الصديقة الطاهرة، ولا نفسه الکريمة التي اکتنفتها الفضائل والفواضل من شتي نواحيها، ولم ينظر فيه ذمة الاسلام، ولا حرمة الصحابة، ولا مقتضي القرابة، ولا نصوص رسول الله صلي الله عليه وآله فيه، ولعمر الحق لو کان مأمورا بقطعه وبغضه ومباينته لما وسعه أن يأتي بأکثر مما جاء به، وناء بعبأه، وباء بإثمه، فقد قنت بلعنه في صلواته التي تلعن صاحبها قال ابوالفرج: حدثني أبوعبيد محمد ابن أحمد قال: حدثني الفضل بن الحسن المصري قال: حدثني يحيي بن معين قال: حدثني أبوحفص اللبان عن عبدالرحمن بن شريک عن اسماعيل بن أبي خالد عن حبيب بن أبي ثابت قال: خطب معاوية بالکوفة حين دخلها والحسن والحسين جالسان تحت المنبر فذکر عليا فنال منه، ثم نال من الحسن، فقام الحسين ليرد عليه فأخذه الحسن بيده فأجلسه ثم قام فقال: أيها الذاکر عليا! أنا الحسن وأبي علي، وأنت معاوية و

[صفحه 8]

أبوک صخر، وامي فاطمة وامک هند، وجدي رسول الله وجدک عتبة بن ربيعة، و جدتي خديجة قتيلة، فلعن الله أخملنا ذکرا، وألامنا حسبا، وشرنا قديما وحديثا، وأقدمنا کفرا ونفاقا. فقال طوائف من أهل المسجد: آمين. قال الفضل: قال يحيي بن معين: وأنا أقول: آمين. قال ابوالفرج: قال أبوعبيد قال الفضل: وأنا أقول: آمين، ويقول علي بن الحسين الاصفهاني: آمين. قلت: ويقول عبدالحميد بن ابي الحديد مصنف هذا الکتاب: آمين[7] قال الاميني: وأنا أقول: آمين.

وآخر ما نفض به کنانة غدر الرجل أن دس إليه عليه السلام السم النقيع، فلقي ربه شهيدا مکمودا، وقد قطع السم أحشاؤه.

قال ابن سعد في الطبقات: سمه معاوية مرارا، لانه کان يقدم عليه الشام هو وأخوه الحسين.

وقال الواقدي: انه سقي سما ثم أفلت، ثم سقي فأفلت، ثم کانت الآخرة توفي فيها، فلما حضرته الوفاة قال الطبيب وهو يختلف اليه: هذا رجل قطع السم امعائه، فقال الحسين: يا أبا محمد! أخبرني من سقاک؟! قال. ولم يا أخي؟ قال: أقتله والله قبل أن أدفنک، وإن لا أقدر عليه أو يکون بأرض أتکلف الشخوص إليه. فقال: يا أخي! إنما هذه الدنيا ليال فانية، دعه حتي ألتقي أنا وهو عند الله، وأبي أن يسميه. وقد سمعت بعض من يقول: کان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما.[8] .

وقال المسعودي: لما سقي السم فقام لحاجة الانسان ثم رجع فقال: لقد سقيت السم عدة مرار فما سقيت مثل هذه، لقد لفظت طائفة من کبدي فرأيتني اقلبه بعود في يدي، فقال له الحسين: يا أخي! من سقاک؟ قال: وما تريد بذلک؟ فإن کان الذي أظنه فالله حسيبه، وإن کان غيره فما احب أن يؤخذ بي برئ، فلم يلبث بعد ذلک إلا ثلاثا حتي توفي رضي الله عنه. وذکر: أن امرأته جعدة بنت أشعث بن قيس الکندي سقته السم، وقد کان معاوية دس اليها انک إن احتلت في قتل الحسن وجهت اليک

[صفحه 9]

بمائة ألف درهم، وزوجتک يزيد فکان ذلک الذي بعثها علي سمه، فلما مات الحسن وفي لها معاوية بالمال وأرسل اليها: إنا نحب حياة يزيد ولولا ذلک لوفينا لک بتزويجه.

وذکر: ان الحسن قال عند موته: لقد حاقت شربته، وبلغ امنيته، والله ما وفي بما وعد، ولا صدق فيما قال. وفي فعل جعدة يقول النجاشي الشاعر وکان من شيعة علي في شعر طويل:


جعدة بکيه ولا تسأمي
بعد بکاء المعول الثاکل[9] .


لم يسبل الستر علي مثله
في الارض من حاف ومن ناعل


کان إذا شبت له ناره
يرفعها بالسند الغاتل[10] .


کيما يراها بائس مرمل
وفرد قوم ليس بالآهل


يغلي بنئ اللحم حتي إذا
أنضج لم يغل علي آکل


أعني الذي أسلمنا هلکه
للزمن المستخرج الماحل[11] .


قال أبوالفرج الاصبهاني: کان الحسن شرط علي معاوية في شروط الصلح: أن لا يعهد إلي أحد بالخلافة بعده، وأن تکون الخلافة له من بعده، وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يکن شيئ أثقل عليه من أمر الحسن بن علي وسعد بن أبي وقاص فدس اليهما سما فماتا منه، ارسل إلي ابنة الاشعث اني مزوجک بيزيد ابني علي أن تسم الحسن. وبعث إليها بمائة ألف درهم، فسوغها المال ولم يزوجها منه. مقاتل الطالبيين ص 29. وحکاه عنه ابن ابي الحديد في شرح النهج 17 و 11: 4 من طرق مغيرة و أبي بکر بن حفص.

وقال ابوالحسن المدائني: کانت وفاته في سنة 49 وکان مريضا أربعين يوما وکان سنه سبعا وأربعين سنة، دس إليه معاوية سما علي يد جعدة بنت الاشعث زوجة

[صفحه 10]

الحسن، وقال لها: إن قتلتيه بالسم فلک مائة الف، وازوجک يزيد إبني. فلما مات وفي لها بالمال ولم يزوجها من يزيد، وقال: أخشي أن تصنعي بابني ما صنعت بابن رسول الله صلي الله عليه وآله (شرح ابن ابي الحديد 4:4)

وقال: کان الحصين بن المنذر الرقاشي يقول: والله ما وفي معاوية للحسن بشئ مما أعطاه، قتل حجرا وأصحاب حجر، وبايع لابنه يزيد، وسم الحسن. شرح ابن ابي الحديد 7:4.

وقال أبوعمر في الاستيعاب 141:1: قال قتادة وابوبکر بن حفص: سم الحسن بن علي، سمته امرئته بنت الاشعث بن قيس الکندي. وقالت طائفة: کان ذلک منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلک وکان لها ضرائر فالله أعلم. ثم ذکر صدر ما رواه المسعودي.

وقال سبط ابن الجوزي في التذکرة ص 121: قال علماء السير منهم: ابن عبدالبر سمته زوجته جعدة بنت الاشعث بن قيس الکندي. وقال السدي: دس إليها يزيد بن معاوية أن سمي الحسن وأتزوجک. فسمته فلما مات ارسلت إلي يزيد تسئله الوفاء بالوعد فقال: أنا والله ما أرضاک للحسن، أفنرضاک لانفسنا؟ وقال الشعبي: إنما دس اليها معاوية فقال: سمي الحسن وأزوجک يزيد واعطيک مائة الف درهم، فلما مات الحسن بعثت إلي معاوية تطلب انجاز الوعد، فبعث إليها بالمال وقال: إني احب يزيد، وأرجو حياته، ولولا ذلک لزوجتک إياه.

وقال الشعبي: ومصداق هذا القول: ان الحسن کان يقول عند موته وقد بلغه ما صنع معاوية: لقد عملت شربته وبلغت امنيته، والله لا يفي بما وعد، ولا يصدق فيما يقول. ثم حکي عن طبقات ابن سعد: ان معاوية سمه مرارا کما مر.

وقال ابن عساکر في تاريخه 229:4 يقال:: إنه سقي السم مرارا کثيرا فافلت منه ثم سقي المرة الاخيرة فلم يفلت منها. ويقال: إن معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما فسقاه فأثر فيه حتي کان يوضع تحته طست ويرفع نحوا من أربعين مرة. وروي محمد بن المرزبان: ان جعدة بنت الاشعث بن القيس کانت متزوجة بالحسن فدس

[صفحه 11]

اليها يزيد أن سمي الحسن وأنا أتزوجک ففعلت، فلما مات الحسن بعثت إلي يزيد تسأله الوفاء بالوعد فقال لها: إنا والله لم نرضک للحسن فکيف نرضاک لانفسنا؟ فقال کثير، ويروي انه للنجاشي:


يا جعدة! ابکي ولا تسأمي
بکاء حق ليس بالباطل


لن تستري البيت علي مثله
في الناس من حاف ولا ناعل


أعني الذي أسلمه أهله
للزمن المستخرج الماحل


کان إذا شبت له ناره
يرفعها بالنسب الماثل


کيما يراها بائس مرمل
او وفد قوم ليس بالآهل


يغلي بنئ اللحم حتي إذا
أنضج لم يغل علي آکل


وروي المزي في تهذيب الکمال في أسماء الرجال عن ام بکر بنت المسور قالت: سقي الحسن مرارا وفي الآخرة مات فانه کان يختلف کبده، فلما مات أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهرا. وفيه عن عبدالله بن الحسن: قد سمعت من يقول: کان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما. وقال أبوعوانة عن مغيرة عن أم موسي: إن جعدة بنت الاشعث سقت الحسن السم فاشتکي منه أربعين يوما.

وفي (مرئاة العجائب وأحاسن الاخبار الغرائب)[12] قيل: کان سبب موت الحسن ابن علي من سم سم به يقال: إن زوجته جعدة بنت الاسود بن قيس الکندي سقته إياه، ويذکر والله اعلم بحقيقة امورهم: ان معاوية دس اليها بذلک علي أن يوجه لها مائة الف درهم ويزوجها من ابنه يزيد، فلما مات الحسن وفي لها معاوية بالمال وقال: إني احب حياة يزيد. وذکروا: ان الحسن قال عند موته: لقد حاقت شربته والله لا وفاء لها بما وعد ولا صدق فيما قال. وفي سمه يقول رجل من الشيعة:


تعرفکم لک من سلوة
تفرج عنک قليل الحزن


بموت النبي وقتل الوصي
وقتل الحسين وسم الحسن

[صفحه 12]

وقال الزمخشري في (ربيع الابرار) في الباب الحادي والثمانين: جعل معاوية لجعدة بنت الاشعث امرأة الحسن مائة الف درهم حتي سمته، ومکث شهرين وانه يرفع من تحته طستا من دم وکان يقول: سقيت السم مرارا ما أصابني فيها ما أصابني في هذه المرة، لقد لفظت کبدي.

وفي (حسن السريرة):[13] لما کان سنة سبع وأربعين من الهجرة دس معاوية إلي جعدة بنت الاشعث بن قيس الکندي زوجة الحسن بن علي أن تسقي الحسن السم ويوجه لها مائة الف ويزوجها من ابنه يزيد. ففعلت ذلک.

کان معاوية يري أمر الامام السبط عليه السلام حجر عثرة في سبيل امنيته الخبيثة بيعة يزيد، ويجد نفسه في خطر من ناحيتين: عهده إليه عليه السلام في الصلح معه بأن لا يعهد إلي أحد من جانب، وجدارة أبي محمد الزکي ونداء الناس به من ناحية اخري، فنجي نفسه عن هذه الورطة بسم الامام عليه السلام، ولما بلغه نعيه غدا مستبشرا، وأظهر الفرح والسرور وسجد وسجد من کان معه.

قال ابن قتيبة: لما مرض الحسن بن علي مرضه الذي مات فيه، کتب عامل المدينة إلي معاوية يخبره بشکاية الحسن، فکتب اليه معاوية: إن استطعت أن لا يمضي يوم بي يمر إلا يأتيني فيه خبره فأفعل. فلم يزل يکتب اليه بحاله حتي توفي فکتب اليه بذلک، فلما أتاه الخبر أظهر فرحا وسرورا حتي سجد وسجد من کان معه، فبلغ ذلک عبدالله ابن عباس وکان بالشام يومئذ فدخل علي معاوية فلما جلس قال معاوية: يا ابن عباس هلک الحسن بن علي؟ فقال ابن عباس: نعم هلک، إنا لله وإنا إليه راجعون. ترجيعا مکررا، وقد بلغني الذي أظهرت من الفرح والسرور لوفاته، أما والله ما سد جسده حفرتک، ولا زاد نقصان أجله في عمرک، ولقد مات وهو خير منک، ولئن اصبنا به لقد اصبنا بمن کان خيرا منه جده رسول الله صلي الله عليه وسلم فجبر الله مصيبته، وخلف علينا من بعده أحسن الخلافة. ثم شهق ابن عباس وبکي. الحديث.[14] .

[صفحه 13]

وفي العقد الفريد 298:2: لما بلغ معاوية موت الحسن بن علي خر ساجدا لله، ثم أرسل إلي ابن عباس وکان معه في الشام فعزاه، وهو مستبشر. وقال له: ابن کم سنة مات أبومحمد؟ فقال له: سنه کان يسمع في قريش فالعجب من أن يجهله مثلک قال: بلغني انه ترک أطفالا صغارا، قال: کل ما کان صغيرا يکبر، وإن طفلنا لکهل وإن صغيرنا لکبير، ثم قال: مالي أراک يا معاوية! مستبشرا بموت الحسن بن علي؟ فوالله لا ينسأ في أجلک، ولا يسد حفرتک، وما أقل بقائک وبقائنا بعده؟ وذکره الراغب في المحاضرات 224:2.

وفي حياة الحيوان 58:1، وتاريخ الخميس 294:2، وفي ط: 328: قال ابن خلکان: لما مرض الحسن کتب مروان بن الحکم إلي معاوية بذلک وکتب إليه معاوية: أن أقبل المطي إلي بخبر الحسن، فلما بلغ معاوية موته سمع تکبيرة من الخضراء فکبر أهل الشام لذلک التکبير فقالت فاختة بنت قريظة لمعاوية: أقر الله عينک، ما الذي کبرت لاجله؟ فقال: مات الحسن. فقالت: أعلي موت ابن فاطمة تکبر؟ فقال: ما کبرت شماتة بموته، ولکن استراح قلبي.[15] ودخل عليه ابن عباس فقال: يا ابن عباس! هل تدري ما حدث في أهل بيتک؟ قال: لا أدري ما حدث إلا اني أراک مستبشرا وقد بلغني تکبيرک، فقال: مات الحسن. فقال ابن عباس: رحم الله أبا محمد. ثلاثا، والله يا معاوية! لا تسد حفرته حفرتک، ولا يزيد عمره في عمرک، ولئن کنا اصبنا بالحسن فلقد اصبنا بامام المتقين وخاتم النبيين، فجبر الله تلک الصدعة وسکن تلک العبرة، وکان الخلف علينا من بعده.

وکان ابن هند جذلانا مستبشرا بموت الامام أميرالمؤمنين عليه السلام قبل ولده الطاهر السبط، فبلغ الحسن عليه السلام وکتب اليه فيما کتب: قد بلغني انک شمت بما لا يشمت به ذووالحجي، وإنما مثلک في ذلک کما قال الاول:


وقل للذي يبقي خلاف الذي مضي
:تجهز لاخري مثلها فکأن قد

[صفحه 14]

وإنا ومن قد مات منا لکالذي
يروح فيمسي في المبيت ليقتدي


ولارضاء معاوية منع ذلک الامام الزکي عن أن يقوم؟ أخوه الحسين السبط بانجاز وصيته ويدفنه في حجرة أبيه الشريفة التي هي له، وهو أولي إنسان بالدفن فيها، قال ابن کثير في تاريخه 44:8: فأبي مروان أن يدعه، ومروان يومئذ معزول يريد أن يرضي معاوية. وقال ابن عساکر 226:4 قال (مروان): ما کنت لادع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله، قد دفن عثمان بالبقيع، ومروان يومئذ معزول يريد أن يرضي معاوية بذلک، فلم يزل عدوا لبني هاشم حتي مات.

هذه نماذج من جنايات معاوية علي ريحانة الرسول صلي الله عليه وآله ولعل فيما أنساه التاريخ أضعافها، وهل هناک مسائل ابن حرب عما اقترفه السبط المجتبي سلام الله عليه من ذنب استحق من جرائه هذه النکبات والعظائم؟ وهل يسع ابن آکلة الاکباد أن يعد منه شيئا في الجواب؟ غير انه عليه السلام کان سبط محمد صلي الله عليه وآله وقد عطل دين آباء الرجل الذي فارقه کرها ولم يعتنق الاسلام إلا فرقا، وانه شبل علي خليفة الله في أرضه بعد نبيه صلي الله عليه وآله وهو الذي مسح أسلافه الوثنيين بالسيف، وأثکلت امهات البيت الاموي بأجريتهم، ولما ينقضي حزن معاوية علي اولئک الطغمة حتي تشفي بأنواع الاذي التي صبها علي الامام المجتبي إلي أن اغتاله بالسم النقيع، ولم يملک نفسه حتي استبشر بموته، وسجد شکرا، وأنا لا أدري أللاته سجد أم لله سبحانه؟ وان لسان حاله کان ينشد ما تظاهر به مقول نغله يزيد:


قد قتلت القرم من ساداتهم
وعدلنا ميل بدر فاعتدل


ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الاسل


لعبت هاشم بالملک فلا
خبر جاء ولا وحي نزل


وانه بضعة الزهراء فاطمة الصديقة حبيبة رسول الله صلي الله عليه وآله ومنها نسله الذين ملاوا الدنيا أوضاحا وغررا من الحسب الوضاء، والشرف الباذخ، والدين الحنيف، کل ذلک ورغبات معاوية علي الضد منها، وما تغنيه الآيات والنذر.

وفي الذکر الحکيم: سأصرف عن آياتي الذين يتکبرون في الارض بغير الحق،

[صفحه 15]

وإن يروا کل آية لا يؤمنوا بها، وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا، وإن

يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا، ذلک بأنهم کذبوا بآياتنا

وکانوا عنها غافلين.

الاعراف: 146

[صفحه 16]


صفحه 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10، 11، 12، 13، 14، 15، 16.








  1. هذه الاحاديث تأتي باسانيدها ومصادرها في مسند المناقب ومرسلها انشاء الله.
  2. شرح ابن ابي الحديد 4:13.
  3. الصواعق لابن حجر ص 81.
  4. راجع ما مر في الجزء العاشر ص 329.
  5. شرح ابن ابي الحديد 16:4.
  6. راجع ما اسلفناه في الجزء العاشر ص 262.
  7. شرح ابن ابي الحديد 16:4.
  8. تاريخ ابن کثير 43:8.
  9. في تاريخ ابن کثير: بکاء حق ليس بالباطل.
  10. في تاريخ ابن کثير: يرفعها بالنسب الماثل.
  11. مروج الذهب 50:2.
  12. تأليف الشيخ أبي عبدالله محمد بن عمر زين الدين.
  13. ألفه الشيخ عبدالقادر بن محمد بن الطبري ابن بنت محب الدين الطبري مؤلف الرياض النضرة.
  14. الامامة والسياسة 144:1.
  15. إلي هاهنا ذکره الزمخشري ايضا في (ربيع الابرار) في الباب الحادي والثمانين، و البدخشي في (نزل الابرار).