تسيير حجر واصحابه إلي معاوية ومقتلهم











تسيير حجر واصحابه إلي معاوية ومقتلهم



دفع زياد حجر بن عدي وأصحابه إلي وائل بن حجر الحضرمي وکثير بن شهاب وأمرهما أي يسيرا بهم إلي الشام فخرجوا عشية وسار معهم صاحب الشرطة حتي أخرجهم من الکوفة فلما انتهوا إلي جبانة عرزم نظر قبيصة بن ضبيعة العبسي إلي داره وهي في جبانة عرزم فإذا بناته مشرفات فقال لوائل وکثير: ائذنا لي فاوصي أهلي. فأذنا له، فلما دنا منهن وهن يبکين سکت عنهن ساعة ثم قال: اسکن فسکتن. فقال: اتقين الله عزوجل واصبرن فاني أرجو من ربي في وجهي هذا إحدي الحسنيين: إما الشهادة وهي السعادة، وإما الانصراف إليکن في عافية، وإن الذي يرزقکن ويکفيني مؤنتکن هو الله تعالي وهو حي لا يموت، أرجو أن لا يضيعکن وأن يحفظني فيکن. ثم انصرف فمر بقومه فجعل القوم يدعون الله له بالعافية.

فساروا حتي انتهوا بهم إلي مرج عذراء عند دمشق وهم اثني عشر رجلا:

حجر بن عدي، الارقم بن عبدالله، شريک بن شداد، صيفي بن فسيل، قبيصة بن ضبيعة، کريم بن عفيف، عاصم بن عوف، ورقاء بن سمي، کدام بن حيان، عبدالرحمن بن حسان، محرز بن شهاب، عبدالله بن حوية. وأتبعهم زياد برجلين مع عامر بن الاسود فتموا أربعة عشر رجلا فحبسوا بمرج عذراء فبعث معاوية إلي وائل بن حجر وکثير بن شهاب فأدخلهما وأخذ کتابهما فقرأه علي أهل الشام فإذا فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم لعبدالله معاوية بن أبي سفيان أميرالمؤمنين من زياد بن أبي سفيان أما بعد: فإن الله قد أحسن عند أميرالمؤمنين البلاء، فأدا له من عدوه وکفاه مؤنة من بغي عليه،

[صفحه 50]

إن طواغيت الترابية الصبائية رأسهم حجر بن عدي خالفوا أميرالمؤمنين، وفارقوا جماعة المسلمين، ونصبوا لنا الحرب، فأظهرنا الله عليهم وأمکننا منهم وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم وذوي النهي والدين فشهدوا عليهم بما رأوا وعلموا، وقد بعثت بهم إلي أميرالمؤمنين وکتبت شهادة صلحاء أهل المصر وخيارهم في أسفل کتابي هذا.

فلما قرأ معاوية الکتاب وشهادة الشهود عليهم قال: ماذا ترون في هؤلاء النفر الذين شهد عليهم قومهم بما تسمعون؟ فقال له يزيد بن أسد البجلي: أري أن تفرقهم في قري الشام فيکفيکهم طواغيتها وکتب معاوية إلي زياد: أما بعد: فقد فهمت ما اقتصصت به من أمر حجر وأصحابه وشهادة من قبلک عليهم فنظرت في ذلک فأحيانا أري قتلهم أفضل من ترکهم، وأحيانا أري العفو عنهم أفضل من قتلهم، والسلام.

فکتب إليه زياد مع يزيد بن حجية التميمي: أما بعد: فقد قرأت کتابک وفهمت رأيک في حجر وأصحابه فعجبت لاشتباه الامر عليک فيهم وقد شهد عليهم بما قد سمعت من هو أعلم بهم، فإن کانت لک حاجة في هذا المصر فلا تردن حجرا وأصحابه إلي.

فأقبل يزيد بن حجية حتي مر بهم بعذراء، فقال: يا هؤلاء! أما والله ما أري براءتکم ولقد جئت بکتاب فيه الذبح فمروني بما أحببتم مما ترون انه لکم نافع أعمل به لکم وأنطق به. فقال حجر أبلغ معاوية: أنا علي بيعتنا لا نستقيلها ولا نقيلها، وإنما شهد علينا الاعداء والاظناء فقدم يزيد بالکتاب إلي معاوية وأخبره بقول حجر فقال معاوية. زياد أصدق عندنا من حجر. فقال عبدالرحمن بن ام الحکم الثقفي. ويقال: عثمان بن عمير الثقفي: جذاذها جذاذها. فقال له معاوية: لا تعن أبرا. فخرج أهل الشام ولا يدرون ما قال معاوية وعبدالرحمن فأتوا النعمان بن بشير فقالوا له مقالة ابن ام الحکم فقال النعمان: قتل القوم.

أقبل عامر بن الاسود العجلي وهو بعذراء يريد معاوية ليعلمه بالرجلين اللذين بعث بهما زياد ولحقا بحجر وأصحابه فلما ولي ليمضي قام إليه حجر بن عدي يرسف في القيود فقال: يا عامر! اسمع مني أبلغ معاوية: إن دماءنا عليه حرام. وأخبره أنا قد اومنا وصالحناه فليتق الله ولينظر في أمرنا. فقال له نحوا من هذا الکلام فأعاد عليه حجر مرارا. فدخل عامر علي معاوية فأخبره بأمر الرجلين فقام يزيد بن أسد البجلي فاستوهب

[صفحه 51]

الرجلين وکان جرير بن عبدالله کتب في أمر الرجلين انهما من قومي من أهل الجماعة و الرأي الحسن سعي بهما ساع ظنين إلي زياد وهما ممن لا يحدث حدثا في الاسلام ولا بغيا علي الخليفة فلينفعهما ذلک عند اميرالمؤمنين. فوهبهما له وليزيد بن اسد.

وطلب وائل بن حجر في الارقم الکندي فترکه.

وطلب أبوالاعور في عتبة بن الاخنس فوهبه له.

وطلب حمزة بن مالک الهمداني في سعيد بن نمران فوهبه له.

وطلب حبيب بن مسلمة في عبدالله بن حوية التميمي فخلي سبيله.

فقام مالک بن هبيرة فسأله في حجر فلم يشفعه فغضب وجلس في بيته، فبعث معاوية هدبة بن فياض القضاعي من بني سلامان بن سعد والتحصين بن عبدالله الکلابي وأبا شريف البدي- في الاغاني: أبا حريف البدري- فأتوهم عند المساء فقال الخثعمي حين رأي الاعور مقبلا: يقتل نصفنا وينجو نصفنا. فقال سعيد بن نمران: أللهم اجعلني ممن ينجو وأنت عني راض. فقال عبدالرحمن بن حسان العنزي: أللهم اجعلني ممن تکرم بهوانهم وأنت عني راض فطالما عرضت نفسي للقتل فأبي الله إلا ما أراد. فجاء رسول معاوية إليهم بتخلية ستة وبقتل ثمانية، فقال لهم رسل معاوية: إنا قد امرنا أن نعرض عليکم البراءة من علي واللعن له فإن فعلتم هذا ترکناکم وإن أبيتم قتلناکم، وان أميرالمؤمنين يزعم ان دماءکم قد حلت له بشهادة أهل مصرکم عليکم غير انه قد عفا عن ذلک فابرؤا من هذا الرجل نخل سبيلکم قالوا: لسنا فاعلين فامروا بقيودهم فحلت، وبقبورهم فحفرت، وادنيت أکفانهم، فقاموا الليل کله يصلون فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء! قد رأيناکم البارحة أطلتم الصلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولکم في عثمان؟ قالوا: هو أول من جار في الحکم، وعمل بغير الحق. فقال: أصحاب معاوية أميرالمؤمنين کان أعلم بکم، ثم قاموا إليهم وقالوا: تبرؤن من هذا الرجل؟ قالوا: بل نتولاه فأخذ کل رجل منهم رجلا ليقتله فوقع قبيصة بن ضبيعة في يدي أبي شريف البدي فقال له قبيصة: إن الشر بين قومي وقومک أمن - أي: آمن- فليقتلني غيرک فقال له: برتک رحم فأخذ الحضرمي فقتله. وقتل القضاعي صاحبه.

قال لهم حجر: دعوني اصلي رکعتين، فأيمن الله ما توضات قط إلا صليت رکعتين.

[صفحه 52]

فقالوا له: صل. فصلي ثم انصرف فقال: والله ما صليت صلاة قط أقصر منها ولو لا أن تروا ان ما بي جزع من الموت لاحببت أن أستکثر منها. ثم قال: أللهم إنا نستعديک علي امتنا فإن أهل الکوفة شهدوا علينا، وإن أهل الشام يقتلوننا، أما والله لئن قتلتموني بها اني لاول فارس من المسلمين سلک في واديها، وأول رجل من المسلمين نبحته کلابها. فمشي إليه هدبة الاعور بالسيف فارعدت فصائله فقال: کلا زعمت انک لا تجزع من الموت فأنا أدعک فابرأ من صاحبک. فقال: مالي لا أجزع؟ وأنا أري قبرا محفورا، وکفنا منشورا، وسيفا مشهورا، واني والله إن جزعت لا أقول ما يسخط الرب فقيل له: مد عنقک. فقال: إن ذلک لدم ما کنت لاعين عليه، فقدم فضربت عنقه وأقبلوا يقتلونهم واحدا واحدا حتي قتلوا ستة.


صفحه 50، 51، 52.