اسلام همدان علي يديه











اسلام همدان علي يديه



ومن ذلک ما أجمع عليه أهلُ السير[1] : أنّ النبيَ صلّي اللّه عليه وآله

[صفحه 62]

بعث خالِد بن الوليد إلي أهل اليَمَن يَدْعوهم إلي الإسلام، وأنفذ معه جماعةٌ من المسلمين فيهم البَراء بن عازِب - رحمه اللّه - فاقام خالد علي القوم ستّةَ أشْهُريَدْعُوهم، فلم يُجبْه أحدٌ منهم، فساء ذلک رسولَ صلّي اللّه عليه واله فدعا أميرَ المؤمنين علَي بن أبي طالب عليه السلام وأمَرَهُ أن يُقْفِلَ[2] خالداً ومن معه. وقال له: «إن أراد أحدٌ ممن مع خالد أن يُعقِّبَ معک فاتْرُکْه».

قال البراء: فکنتُ فيمن عَقَّبَ معه، فلمّا انتهينا إلي أوائل أهل اليمن، بَلَغَ القوم الخبرُفتجمّعوا له، فصلّي بنا عليُّ بن أبي طالب عليه السلام الفجرَ ثمّ تقدّم بين أيدينا، فحَمِد اللّه وأثني عليه، ثمّ قرأ علي القوم کتابَ رسولِ اللّه صلّي اللّه عليه وآله فأسلمت هَمْدان کلُّها في يومٍ واحد، (وکتب بذلک أميرالمؤمنين عليه السلام إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله)[3] فلمّا قَرَأ کتابَه استبشر وابتهج، وخَرَّ ساجداً شکراً للّه عزّ وجلّ ثمّ رَفَعَ رأسَه فجلس وقال: «السلامُ علي هَمْدان السلام علي هَمْدان» وتتابع بعد إسلام هَمْدان أهلُ اليمن علي الإسلام[4] .

وهذه أيضاً منقبة لأميرالمؤمنين عليه السلام ليس لأحد من الصحابة مثلها ولا مقاربُها، وذلک أنّه لمّا وَقَفَ الأمر فيما بُعِث له خالد وخيف الفسادُ به، لم يوُجَدْ من يَتَلافي ذلک سوي أميرالمؤمنين عليه السلام فَنُدِبَ له فقام به أحسنُ قيام، وجرَي علي عادة اللّه عنده في التوفيق لما

[صفحه 63]

يلائم إيثارَ النبي صلّي اللّه عليه وآله وکان بيمنه ورِفقه وحُسن تدبيره، وخلوصِ نيّته في طاعة الله. هدايةُ من اهتدي بهداه[5] من الناس، واجابةُ من أجاب إِلي الإسلام، وعِمارةُ الدين، وقوّةُ الإيمان، وبلوغُ النبي صلّي الئهُ عليهِ والهِ ممّا آثره (من المراد)[6] وانتظام الأمر فيه علي ما قَرّت به عينُه، وظَهَرَ استبشارهُ به وسرورُه بتمامه لکافّة أهل الإسلام.

وقد ثبت أنّ الطاعة تتعاظم بتعاظم النفع بها، کما تَعْظُم المعصية بتعاظم الضرر بها، ولذلک صارت الأنبياءُ عليهم السلام أعظمُ الخلق ثواباً، لتعاظم النفع بدعوتهم علي سائر المنافع بأعمال من سواهم.


صفحه 62، 63.








  1. في «م» وهامش «ش»: السيرة.
  2. القفول: الرجوع من السفر. «الصحاح ـ قفل ـ 5: 1803».
  3. في هامش «ش» و «م»: (وکتب أميرالمؤمنين عليه السلام بذلک کتاباً الي رسول الله).
  4. اُنظر صحيح البخاري 5: 206، دلائل النبوة 5: 396، تاريخ الطبري 3: 131.

    الکامل في التاريخ 2: 300، دخائر العقبي: 109.

  5. في «م»: بهديه.
  6. في هامش «ش» و «م»: المراد.