الرواية 003











الرواية 003



إذا ملکت فأحسن

فهي وما في معناها من رواية: إن وليت فاتق الله واعدل[1] ورواية: أما انک ستلي أمر امتي بعدي فإذا کان ذلک فاقبل من محسنهم، واعف عن مسيئهم. تنتهي طرقها جميعا إلي نفس معاوية، ولم يشترک في روايتها أحد غيره من الصحابة، فالاستناد إليه في إثبات أي فضيلة له من قبيل استشهاد الثعلب بذنبه، علي أن الرجل غير مقبول الرواية ولا مرضيها فانه فاسق فاجر منافق کذاب مهتوک ستره بشهادة ممن عاشره وباشره، وسبر غوره ودرس کتاب نفسه، وفيهم مثل مولانا أميرالمؤمنين صلوات الله عليه وآخرون من الصحابة العدول، وقد تقدم نص کلماتهم في هذا الجزء ص 148 تا 177 وتکفي في الجرح واحدة من تلکم الشهادات المحفوظة أهلها بالتورع عن کل سقطة في القول أو العمل، فکيف بها جمعاء؟

وتؤيد هاتيک الشهادات بما اقترفه الرجل من الذنوب، وکسبته يده الاثيمة من جرائر وجرائم، ولفقها في سبيل شهواته من شهادات مزورة، وکتب افتعلها علي اناس من الصحابة، ونسب مکذوبة کان يريد بها تشويه سمعة الامام صلوات الله عليه- وأني له

[صفحه 383]

بذلک؟- إلي آخر ما أوقفناک علي تفاصيله.

وإن أخذناه بما حکاه إبن حجر في تهذيب التهذيب 509:1 عن يحيي بن معين من قوله: کل من شتم عثمان أو طلحة أو أحدا من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم دجال لا يکتب عنه، وعليه لعنة الله والملائکة والناس أجمعين. إلي کلمات اخري مرت ص 267 من هذا الجزء، فمعاوية في الرعيل الاول من الدجالين الذين لا يکتب عنهم، وعليهم لعنة الله والملائکة والناس أجمعين، إذ هو الذي فعل ذلک المحظور بمثل مولانا أميرالمؤمنين وشبليه الامامين، وحبر الامة عبدالله بن العباس، وقيس بن سعد وهؤلاء کلهم أعيان الصحابة ووجهائهم، لا يعدوهم أي فضل سبق لاحدهم، ولا ينتأون عن أي مکرمة لحقت بواحد منهم، وکان معاوية قد استباح شتمهم، والوقيعة فيهم وفي کل صحابي إحتذي مثالهم في ولاية أميرالمؤمنين عليه السلام، ولم يقنعه ذلک حتي قنت بلعنهم في صلواته، ورفع عقيرته به علي صهوات المنابر، وأمر بذلک حتي عمت البلية البلاد والعباد، واتخذوها بدعة مخزية إلي أن لفظ نفسه الاخير، واحتقبها من بعده خزاية موبقة ما دامت لآل حرب دولة، واکتسحت معرتهم من أديم الارض.

أفمثل هذا السباب الفاحش المتفحش تجوز الرواية عنه، ويخضع لما يرويه في دين أو دنيا؟

علي أن في اسناد رواية «إن ملکت فأحسن» عبدالملک بن عمر، وقد جاء عن أحمد: انه مضطرب الحديث جدا مع قلة روايته ما أري له خمسمائة حديث وقد غلط في کثير منها. وقال ابن منصور: ضعفه أحمد جدا. وعن ابن معين: مخلط. وقال العجلي: تغير حفظه قبل موته. وقال ابن حبان: مدلس[2] .

وفيه: اسماعيل بن ابراهيم المهاجر، ضعفه ابن معين والنسائي وابن الجارود، وقال أبوداود: ضعيف ضعيف أنا لا اکتب حديثه. وقال أبوحاتم: ليس بقوي. وقال ابن حبان: کان فاحش الخطاء. وقال الساجي: فيه نظر[3] .

فلمکان الرجلين نص الحافظ البيهقي علي ضعفها، وأقره الخفاجي في شرح الشفا 161:3، وعلي القاري في شرحه هامش شرح الخفاجي 161:3.

[صفحه 384]

وأما مؤدي هذه الروايات الثلاث فکبقية أخبار الملاحم، لا يستنتج منها مدح لصاحبها أو قدح، إلا إذا قايسناها بأعمال معاوية المبائنة لها في الخارج، المضادة لما جاء فيها من العهد والوصية، فلم يکن ممن ملک فأحسن، ولا ممن ولي فاتقي وعدل، ولا ممن قبل من محسن، وعفي عن مسئ، فماذا عسي أن يجديه مثل هذه البشائر وليست هي ببشائر بل إقامة حجة عليه وهو غير متصف بما امر به فيها؟ وکل ما ناء به في منتئ عن الاحسان والعدل والتقوي، وکان صلي الله عليه وآله وسلم يعلم أنه لا يعمل بشيئ من ذلک لکنه أراد إتمام الحجة عليه علي کونها تامة عليه بعمومات الشريعة وإطلاقاتها، فأين هي من التبشير بأن ما يليه من الملک العضوض ملوکية صالحة، فضلا عن الخلافة عن الله ورسوله صلي الله عليه وآله؟ وقد جاء عنه صلي الله عليه وآله في ذلک الملک قوله: إن فيه هنات وهنات وهنات[4] وقوله صلي الله عليه وآله: يا معاوية إنک إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو کدت أن تفسدهم[5] إلي کلمات اخري فيه وفي ملکه.

ولو کان ابن حجر ممن يعرف لحن الکلام ومعاريض المحاورات، ولم يکن في اذنه وقر، وفي بصره عمي؟ لعلم أن الروايات المذکورة بأن تکون ذموما لمعاوية أولي من أن تکون مدائح له لما قلناه، وإلا لما أمر صلي الله عليه وآله بقتله إذا رأي علي منبره، ولما أعلم الناس بأنه وطغمته هم الفئة الباغية المتولية قتل عمار، ولما رآه وحزبه من القاسطين الذين يجب قتالهم، ولما أمر خليفته حقا الامام أميرالمؤمنين عليه السلام بقتاله، ولما حث صحابته العدول بمناضلته ومکاشفته، ولما ولما...

ولو کانت هذه الروايات صادقة، وکانت بشائر، وقد عرفتها صحابة رسول الله صلي الله عليه وآله کذلک، فلما ذا کان ذلک اللوم والتأنيب له من وجوه الصحابة؟ لما منته هواجسه بتسنم عرش الخلافة، والاقعاء علي صدر دستها، وليس ذلک إلا من ناحية إدعائه ما ليس له، وطمعه فيما لم يکن له بحق، ونزاعه في أمر ليس للطلقاء فيه نصيب.

هذه عمدة ما جاء به ابن حجر في الدفاع عن معاوية، وأما بقية کلامه المشوه بالسباب المقذع فنمر بها کراما، إقرأ واحکم.

[صفحه 385]

ها هنا قصرنا عن القول

وأمسکناه عن الافاضة بانتهاء الجزء العاشر

وأرجأنا بقية البحث عن موبقات معاوية إلي الجزء الحادي

عشر، وسيوافيک في المستقبل العاجل

ان شاء الله تعالي

والحمد لله أولا وآخرا وله الشکر


صفحه 383، 384، 385.








  1. مر الکلام حول هذه الرواية في ص 362 من هذا الجزء.
  2. تهذيب التهذيب 412:6.
  3. تهذيب التهذيب 279:1.
  4. الخصائص الکبري 116:2.
  5. سنن أبي داود 299:2.