كتاب معاوية إلي سعيد











کتاب معاوية إلي سعيد



إن معاوية کتب إلي سعيد بن العاص وهو علي المدينة يأمره أن يدعو أهل المدينة إلي البيعة ويکتب إليه بمن سارع ممن لم يسارع، فلما أتي سعيد بن العاص الکتاب دعا الناس إلي البيعة ليزيد وأظهر الغلظة، وأخذهم بالعزم والشدة، وسطا بکل من أبطأ عن ذلک، فأبطأ الناس عنها إلا اليسير لاسيما بني هاشم فإنه لم يجبه منهم أحد، وکان ابن الزبير من أشد الناس انکارا لذلک، وردا له، فکتب سعيد بن العاص إلي معاوية:

أما بعد: فإنک أمرتني أن أدعو الناس لبيعة يزيد ابن أميرالمؤمنين وأن أکتب إليک بمن سارع ممن أبطأ، وإني اخبرک ان الناس عن ذلک بطاء لاسيما أهل البيت من بني هاشم، فإنه لم يجبني منهم أحد، وبلغني عنهم ما أکره، وأما الذي جاهر بعداوته وإبائه لهذا الامر فعبد الله بن الزبير، ولست أقوي عليهم إلا بالخيل والرجال، أو تقدم بنفسک فتري رأيک في ذلک، والسلام،

فکتب معاوية إلي عبدالله بن العباس، وإلي عبدالله بن الزبير، وإلي عبدالله بن جعفر، والحسين بن علي رضي الله عنهم کتبا وأمر سعيد بن العاص أن يوصلها إليهم ويبعث بجواباتها وکتب إلي سعيد بن العاص:

[صفحه 240]

أما بعد: فقد أتاني کتابک وفهمت ما ذکرت فيه من إبطاء الناس عن البيعة ولا سيما بني هاشم وما ذکر ابن الزبير، وقد کتبت إلي رؤسائهم کتبا فسلمها إليهم وتنجز جواباتها وابعث بها حتي أري في ذلک رأيي، ولتشد عزيمتک، ولتصلب شکيمتک، و تحسن نيتک، وعليک بالرفق، وإياک والخرق، فإن الرفق رشد، والخرق نکد، وانظر حسينا خاصة فلا يناله منک مکروه، فإن له قرابة وحقا عظيما لا ينکره مسلم ولا مسلمة، وهو ليث عرين، ولست آمنک أن تشاوره أن لا تقوي عليه. فأما من يرد مع السباع إذا وردت، ويکنس إذا کنست فذلک عبدالله بن الزبير، فاحذره أشد الحذر، ولا قوة إلا بالله، وأنا قادم عليک إن شاء الله. والسلام[1] .

قال الاميني: يقولون بأفواهم ماليس في قلوبهم. نعم: والحق ان للحسين و لابيه وأخيه قرابة وحقا عظيما لا ينکره مسلم ولا مسلمة إلا معاوية وأذنابه الذين قلبوا عليهم ظهر المجن بعد هذا الاعتراف الذي جحدوا به واستيقنته أنفسهم، بعد أن حليت الايام لهم درتها، فضيعوا تلک القرابة، وأنکروا ذلک الحق العظيم، وقطعوا رحما ماسة إن کان بين الطلقاء وسادات الامة رحم.


هيهات لا قربت قربي ولا رحم
يوما إذا أقصت الاخلاق والشيم


کانت مودة سلمان له رحما
ولم يکن بين نوح وابنه رحم[2] .


صفحه 240.








  1. الامامة والسياسة لابن قتيبة 144:1 تا 146.
  2. من قصيدة للامير أبي فراس الشهيرة.