كتب معاوية في بيعة يزيد











کتب معاوية في بيعة يزيد



کتب معاوية إلي مروان بن الحکم: إني قد کبرت سني، ودق عظمي، وخشيت الاختلاف علي الامة بعدي، وقد رأيت أن أتخير لهم من يقوم بعدي، وکرهت أن أقطع أمرا دون مشورة من عندک، فأعرض ذلک عليهم وأعلمني بالذي يردون عليک. فقام مروان في الناس فأخبرهم به فقال الناس: أصاب ووفق، وقد أجبنا أن يتخير لنا فلا يألو. فکتب مروان إلي معاوية بذلک فأعاد إليه الجواب يذکر «يزيد» فقام مروان فيهم وقال: إن أميرالمؤمنين قد اختار لکم فلم يأل وقد استخلف ابنه يزيد بعده فقام عبدالرحمن بن أبي بکر فقال: کذبت والله يا مروان وکذب معاوية، ما الخيار أردتما لامة محمد ولکنکم تريدون أن تجعلوها هرقلية کلما مات هرقل قام هرقل. فقال مروان: هذا الذي أنزل الله فيه: والذي قال لوالديه اف لکما. الآية، فسمعت عائشة مقالته من وراء الحجاب وقالت: يا مروان يا مروان فأنصت الناس وأقبل مروان بوجهه فقالت: أنت القائل لعبد الرحمن انه نزل فيه القرآن کذبت والله ما هو به و لکنه فلان بن فلان، ولکنک أنت فضض من لعنة نبي الله[1] .

وقام الحسين بن علي فأنکر ذلک، وفعل مثله ابن عمر، وابن الزبير، فکتب مروان بذلک إلي معاوية، وکان معاوية قد کتب إلي عماله بتقريظ يزيد ووصفه وأن يوفدوا إليه الوفود من الامصار فکان فيمن أتاه محمد بن عمرو بن حزم من المدينة، و الاحنف بن قيس في وفد أهل البصرة، فقال محمد بن عمرو لمعاوية: إن کل راع مسؤل عن رعيته فانظر من تولي أمر امة محمد فأخذ معاوية بهر[2] حتي جعل يتنفس في يوم شات ثم وصله وصرفه. وأمر الاحنف أن يدخل علي يزيد فدخل عليه فلما خرج من عنده قال له: کيف رأيت ابن أخيک؟ قال: رأيت شبابا ونشاطا وجلدا ومزاحا، ثم إن

[صفحه 237]

معاوية قال للضحاک بن قيس الفهري: لما اجتمع الوفود عنده اني متکلم فإذا سکت فکن أنت الذي تدعو إلي بيعة يزيد وتحثني عليها. قلما جلس معاوية للناس تکلم فعظم أمر الاسلام وحرمة الخلافة وحقها وما أمر الله به من طاعة ولاة الامر ثم ذکر يزيد وفضله وعلمه بالسياسة وعرض ببيعته فعارضه الضحاک، فحمد الله وأثني عليه ثم قال: يا أميرالمؤمنين انه لابد للناس من وال بعدک وقد بلونا الجماعة والالفة فوجدناهما أحقن للدماء، وأصلح للدهماء، وآمن للسبل، وخيرا في العاقبة، والايام عوج رواجع والله کل يوم هو في شأن، ويزيد ابن أميرالمؤمنين في حسن هديه وقصد سيرته علي ما علمت، وهو من أفضلنا علما وحلما وأبعدنا رأيا، فوله عهدک، واجعله لنا علما بعدک، ومفزعا نلجأ إليه، ونسکن في ظله، وتکلم عمرو بن سعيد الاشدق بنحو من ذلک، ثم قام يزيد بن المقنع العذري فقال: هذا أميرالمؤمنين وأشار إلي معاوية، فإن هلک فهذا وأشار إلي يزيد، ومن أبي فهذا وأشار إلي سيفه، فقال معاوية: اجلس فأنت سيد الخطباء. وتکلم من حضر من الوفود

فقال معاوية للاحنف: ما تقول يا أبا بحر؟ فقال: نخافکم إن صدقنا، ونخاف الله إن کذبنا، وأنت أميرالمؤمنين أعلم بيزيد في ليله ونهاره وسره وعلانيته ومدخله و مخرجه، فإن کنت تعلمه لله تعالي وللامة رضا فلا تشاور فيه، وإن کنت تعلم فيه غير ذلک فلا تزوده الدنيا وأنت صائر إلي الآخرة، وإنما علينا أن نقول: سمعنا وأطعنا. وقام رجل من أهل الشام فقال: ما ندري ماتقول هذه المعدية العراقية، وإنما عندنا سمع وطاعة وضرب وازدلاف. فتفرق الناس يحکون قول الاحنف، وکان معاوية يعطي المقارب، ويداري المباعد ويلطف به، حتي استوثق له أکثر الناس وبايعه[3] .

صورة اخري

قالوا: ثم لم يلبث معاوية بعد وفاة الحسن رحمه الله إلا يسيرا أن بايع ليزيد بالشام، وکتب بيعته إلي الآفاق، وکان عامله علي المدينة مروان بن الحکم فکتب إليه يذکر الذي قضي الله به علي لسانه من بيعة يزيد، ويأمره بجمع من قبله من قريش وغيرهم من أهل المدينة يبايعوا ليزيد.

[صفحه 238]

فلما قرأ مروان کتاب معاوية أبي من ذلک وأبته قريش فکتب لمعاوية: ان قومک قد أبوا إجابتک إلي بيعتک ابنک فأرني رأيک. فلما بلغ معاوية کتاب مروان عرف ذلک من قبله فکتب إليه يأمره أن يعتزل عمله، ويخبره أنه قد ولي المدينة سعيد بن العاص، فلما بلغ مروان کتاب معاوية أقبل مغاضبا في أهل بيته وناس کثير من قومه حتي نزل بأخواله بني کنانة فشکا إليهم وأخبرهم بالذي کان من رأيه في أمر معاوية وفي عزله و استخلافه يزيد ابنه عن غير مشاورة مبادرة له، فقالوا: نحن نبلک في يدک، وسيفک في قرابک، فمن رميته بنا أصبناه، ومن ضربته قطعناه، الرأي رأيک، ونحن طوع يمينک. ثم أقبل مروان في وفد منهم کثير ممن کان معه من قومه وأهل بيته حتي نزل دمشق فخرج حتي أتي سدة معاوية وقد أذن للناس، فلما نظر الحاجب إلي کثرة من معه من قومه وأهل بيته منعه من الدخول، فوثبوا إليه فضربوا وجهه حتي خلي عن الباب، ثم دخل مروان ودخلوا معه حتي إذا کان معاوية بحيث تناله يده، قال بعد التسلبم عليه بالخلافة: إن الله عظيم خطره، لا يقدر قادر قدره، خلق من خلقه عبادا جعلهم لدعائم دينه أوتادا، هم رقباؤه علي البلاد، وخلفاؤه علي العباد، أسفر بهم الظلم وألف بهم الدين، وشدد بهم اليقين، ومنح بهم الظفر، ووضع بهم من استکبر، فکان من قبلک من خلفائنا يعرفون ذلک في سالف زماننا، وکنا نکون لهم علي الطاعة اخوانا، وعلي من خالف عنا أعوانا، يشد بنا العضد، ويقام منا الاود، ونستشار في القضية، ونستأمر في أمر الرعية، وقد أصبحنا اليوم في امور مستخيرة، ذات وجوه مستديرة، تفتح بأزمة الضلال، وتجلس بأسوأ الرجال، يؤکل جزورها ونمق أحلابها، فما لنا لا نستأمر في رضاعها ونحن فطامها وأولاد فطامها؟ وأيم الله لولا عهود مؤکدة ومواثيق معقدة لاقمت أود وليها، فأقم الامر يابن أبي سفيان واهدأ من تأميرک الصبيان، وأعلم أن لک في قومک نظرا وإن لهم علي مناوأتک وزرا.

فغضب معاوية من کلامه غضبا شديدا ثم کظم غيظه بحلمه وأخذ بيد مروان ثم قال: إن الله قد جعل لکل شيئ أصلا، وجعل لکل خير أهلا، ثم جعلک في الکرم مني محتدا والعزيز مني والدا، اخترت من قروم قادة،، ثم استللت سيد سادة، فأنت

[صفحه 239]

ابن ينابيع الکرام[4] فمرحبا بک وأهلا من ابن عم، ذکرت خلفاء مفقودين شهداء صديقين، کانوا کما نعت، وکنت لهم کما ذکرت، وقد أصبحنا في امور مستخيرة ذات وجوه مستديرة، وبک والله يابن العم نرجو استقامة أودها، وذلولة صعوبتها، وسفور ظلمتها، حتي يتطأطأ جسيمها، ويرکب بک عظيمها، فأنت نظير أميرالمؤمنين بعده وفي کل شيئ عضده، وإليک بعد عهده، فقد وليتک قومک، وأعظمنا في الخراج سهمک، وأنا مجيز وفدک، ومحسن رفدک، وعلي أميرالمؤمنين غناک، والنزول عند رضاک.

فکان أول ما رزق ألف دينار في کل هلال، وفرض له في أهل بيته مائة مائة.


صفحه 237، 238، 239.








  1. راجع ما أسلفناه في الجزء الثامن ص 253 و 252 ط 1.
  2. البهر: انقطاع النفس من الاعياء.
  3. العقد الفريد 302:2 تا 304، الکامل لابن الاثير 214:3 تا 216.
  4. قايس بين هذه الاطرائات الفارغة المکذوبة وبين قوله صلي الله عليه وآله لذلک الطريد بن الطريد الوزغ بن الوزغ، اللعين بن اللعين. ونحن لو اعطينا لمعاوية حق المقام لقلنا: مکره أخوک لا بطل.