حد من حدود الله متروك











حد من حدود الله متروک



ذکر الماوردي وآخرون: إن معاوية أتي بلصوص فقطعهم حتي بقي واحد من بينهم فقال:


يميني أميرالمؤمنين اعيذها
بعفوک أن تلقي نکالا يبينها


يدي کانت الحسناء لو تم سترها
ولا تعدم الحسناء عينا يشينها


فلا خير في الدنيا وکانت حبيبة
إذا ما شمالي فارقتها يمينها


فقال معاوية: کيف أصنع بک؟ قد قطعنا أصحابک. فقالت ام السارق: يا أمير

[صفحه 214]

ألمؤمنين إجعلها في ذنوبک التي تتوب منها. فخلي سبيلها، فکان أول حد ترک في الاسلام[1] .

قال الاميني: أفهل عرف معاوية من هذا اللص خصوصية إستثنته من حکم الکتاب النهائي العام «السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما»؟ أم أن الرأفة بامه ترکت حدا من حدود الله لم يقم؟ وفي الذکر الحکيم: من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه[2] تلک حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فاولئک هم الظالمون[3] ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها[4] أم أنه کان لمعاوية مؤمن من العقاب غدا وإن تعمد اليوم بإلغاء حد من حدود الله؟ وهل نية التوبة عن المعصية تبيح إجتراح تلک السيئة؟ أن هذا لشيئ عجاب، ومن ذا الذي طمنه بأنه سيوفق للتوبة عنها ولا يحول بينه وبينها ذنوب تسلبه التوفيق، أو عظائم تسلبه الايمان، أو استخفاف بالشريعة ينتهي به إلي نار الخلود؟ ويظهر منه أن التعمد باقتراف الذنوب بأمل التوبة کان مطردا عند معاوية، وهذا مما يخل بأنظمة الشريعة، ونواميس الدين، وطقوس الاسلام، فان النفوس الشريرة إنما تترک أکثر المعاصي خوفا من العقوبة الفعلية، فإن زحزحت عنها بأمثال هذه التافهات لم يبق محظور (يفسد النفوس، ويقلق السلام، ويعکر صفو الاسلام) إلا وقد عمل به، و هذا نقص لغاية التشريع، وإقامة الحدود الکابحة لجماح الجرأة علي الله ورسوله. وهب أن التوبة مکفرة للعصيان في الجملة، ولکن من ذا الذي أنبأه إنها من تلک التوبة المقبولة؟ إنما التوبة علي الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فاولئک يتوب الله عليهم، وکان الله عليما حکيما، وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتي إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم کفار، اولئک اعتدنا لهم عذابا أليما[5] .

[صفحه 215]


صفحه 214، 215.








  1. الاحکام السلطانية ص 219، تاريخ ابن کثير 136:8، محاضرة السکتواري ص 164.
  2. سورة الطلاق: 1.
  3. سورة البقرة: 229.
  4. سورة النساء: 14.
  5. سورة النساء: 18 و 17.