ترك التكبير المسنون في الصلوات











ترک التکبير المسنون في الصلوات



أخرج الطبراني (وفي نيل الاوطار: الطبري) عن أبي هريرة: إن اول من ترک التکبير معاوية، وروي أبوعبيد: ان أول من ترکه زياد.

وأخرج ابن أبي شيبة من طريق سعيد بن المسيب انه قال: أول من نقص التکبير معاوية.[1] .

قال ابن حجر في فتح الباري 215:2: هذا لا ينافي الذي قبله، لان زيادا ترکه بترک معاوية. وکان معاوية ترکه بترک عثمان[2] وقد حمل ذلک جماعة من أهل العلم علي الاخفاء.

وفي الوسائل إلي مسامرة الاوائل ص 15: أول من نقص التکبير معاوية کان إذا قال: سمع الله لمن حمده. انحط إلي السجود فلم يکبر، وأسنده العسکري عن الشعبي، وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: اول من نقص التکبير زياد.

وفي نيل الاوطار للشوکاني 266:2: هذه الروايات غير متنافية، لان زيادا ترکه بترک معاوية، وکان معاوية ترکه بترک عثمان وقد حمل ذلک جماعة من اهل العلم علي الاخفاء، وحکي الطحاوي: ان بني امية کانوا يترکون التکبير في الخفض دون الرفع، وما هذه بأول سنة ترکوها.

وأخرج الشافعي في کتابه «الام» 93:1 من طريق أنس بن مالک قال: صلي معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقرائة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم لام القرآن ولم يقرا بها للسورة التي بعدها حتي قضي تلک القرائة، ولم يکبر حين يهوي حتي قضي تلک الصلاة، فلما سلم ناداه من سمع ذلک من المهاجرين من کل مکان: يا معاوية؟ أسرقت الصلاة أم نسيت؟ فلما صلي بعد ذلک قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد ام القرآن وکبر حين يهوي ساجدا.

وأخرج في کتاب «الام» 94:1. من طريق عبيد بن رفاعة: أن معاوية قدم المدينة

[صفحه 202]

فصلي بهم فلم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم ولم يکبر إذا خفض وإذا رفع، فناداه المهاجرون حين سلم والانصار: أن يا معاوية سرقت صلاتک؟ أين بسم الله الرحمن الرحيم؟ وأين التکبير إذا خفضت وإذا رفعت؟ فصلي بهم صلاة اخري، فقال: ذلک فيما الذي عابوا عليه.

وأخرجه من طريق انس صاحب «الانتصار» کما في البحر الزخار 249:1.

قال الاميني: تنم هذه الاحاديث عن أن البسملة لم تزل جزئا من السورة منذ نزول القرآن الکريم، وعلي ذلک تمرنت الامة، وانطوت الضمائر، وتطامنت العقائد، و لذلک قال المهاجرون والانصار لما ترکها معاوية: انه سرق ولم يتسن لمعاوية أن يعتذر لهم بعدم الجزئية حتي إلتجأ إلي إعادة الصلاة مکللة سورتها بالبسملة، أوانه إلتزم بها في بقية صلواته، ولو کان هناک يومئذ قول بتجرد السورة عنها لاحتج به معاوية لکنه قول حادث ابتدعوه لتبرير عمل معاوية ونظرائه من الامويين الذين اتبعوه بعد تبين الرشد من الغي.

وأما التکبير عند کل هوي وانتصاب فهي سنة ثابتة عن رسول الله صلي الله عليه وآله عرفها الصحابة کافة فانکروا علي معاوية ترکها، وعليها کان عمل الخلفاء الاربعة، واستقر عليها إجماع العلماء وهي مندوبة عندهم عدا ما يؤثر عن أحمد في إحدي الروايتين عنه من وجوبها وکذلک عن بعض أهل الظاهر، واليک جملة مما ورد في المسألة:

1- عن مطرف بن عبدالله قال: صليت خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنا وعمران بن حصين فکان إذا سجد کبر، وإذا رفع رأسه کبر، وإذا نهض من الرکعتين کبر، فلما قضي الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين فقال: قد ذکرني هذا صلاة محمد، أو قال: لقد صلي بنا صلاة محمد صلي الله عليه وسلم.

وفي لفظ لاحمد: قال عمران: ما صليت منذ حين. أو قال: منذ کذا کذا أشبه بصلاة رسول الله صلي الله عليه وسلم من هذه الصلاة. صلاة علي.

وفي لفظ آخر له: عن مطرف عن عمران قال: صليت خلف علي صلاة ذکرني صلاة صليتها مع رسول الله صلي الله عليه وسلم والخليفتين قال: فانطلقت فصليت معه فإذا هو يکبر کلما سجد وکلما رفع رأسه من الرکوع فقلت: يا أبا نجيد من أول من ترکه؟ قال عثمان بن عفان رضي الله عنه حين کبر وضعف صوته ترکه.

[صفحه 203]

صحيح البخاري 70 و 57: 2، صحيح مسلم 8:2، سنن أبي داود 133:1، سنن النسائي 204:2، مسند أحمد 444 و 440 و 432 و 429 و 428: 4، البحر الزخار 254:1.

2- عن أبي هريرة انه کان يصلي بهم فيکبر کلما خفض ورفع فإذا انصرف قال: إني لاشبهکم صلاة برسول الله. وفي لفظ للبخاري: فلم تزل تلک صلاته حتي لقي الله.

راجع صحيح البخاري 58 و 57: 2، صحيح مسلم 7:2 بعدة طرق وألفاظ، سنن النسائي 235 و 181: 2، سنن أبي داود 133:1، سنن الدارمي 285:1، المدونة الکبري 73:1، نصب الراية 372:1، البحر الزخار 255:1.

3- عن عکرمة قال: رأيت رجلا عند المقام يکبر في کل خفض ورفع وإذا قام وإذا وضع فأخبرت ابن عباس رضي الله عنه قال: أو ليس تلک صلاة النبي صلي الله عليه وسلم لا ام لک.

وفي لفظ: عن عکرمة صليت خلف شيخ بمکة فکبر ثنتين وعشرين تکبيرة، فقلت لابن عباس: إنه أحمق فقال: ثکلتک امک سنة أبي القاسم صلي الله عليه وسلم.

صحيح البخاري 58 و 57: 2، مسند أحمد 218:1، البحر الزخار 255:1.

قال الاميني: يظهر من هذه الرواية ان تغيير الامويين هذه السنة الشريفة وفي مقدمهم معاوية کان مطردا بين الناس حتي کادوا أن ينسوا السنة فحسبوا من ناء بها أحمقا، أو تعجبوا منه کأنه أدخل في الشريعة ما ليس منها، کل ذلک من جراء ما اقترفته يدا معاوية وحزبه الاثيمتان، وجنحت إليه ميولهم وشهواتهم، فبعدا لاولئک القصيين عما جاء به محمد صلي الله عليه وآله وسلم. 4- عن علي وابن مسعود وأبي موسي الاشعري وأبي سعيد الخدري وغيرهم: ان النبي صلي الله عليه وسلم کان يکبر عند کل خفص ورفع.

صحيح البخاري 70:2، سنن الدارمي 285:1، سنن النسائي 233 و 230 و 205: 2، المدونة الکبري 73:1، نصب الراية 372:1، بدايع الصنايع 207:1، منتقي الاخبار لابن تيمية، البحر الزخار 254:1.

5- أخرج أحمد وعبدالرزاق والعقيلي من طريق عبدالرحمن بن غنم قال: إن أبا

[صفحه 204]

مالک الاشعري (الصحابي الشهير بکنيته) قال لقومه: قوموا حتي اصلي بکم صلاة النبي صلي الله عليه وسلم فصففنا خلفه وکبر. إلي آخر الحديث المذکور بطوله في ج 181:8 وفيه انه کبر في کل خفض ورفع.

6- عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: کان رسول الله صلي الله عليه وسلم يکبر کلما خفض ورفع، فلم تزل تلک صلاته حتي قبضه الله.

المدونة الکبري 73:1، نصب الراية 372:1.

7- في المدونة الکبري 72:1: ان عمر بن عبدالعزيز کتب إلي عماله يأمرهم أن يکبروا کلما خفضوا ورفعوا في الرکوع والسجود إلا في القيام من التشهد بعد الرکعتين لا يکبر حتي يستوي قائما مثل قول مالک.

هذه سنة الله ورسوله صلي الله عليه وآله في تکبير الصلوات عند کل هوي وانتصاب، وبها أخذ الخلفاء، وإليها ذهبت أئمة المذاهب، وعليها استقر الاجماع، غير أن معاوية يقابلها بخلافها ويغيرها برأيه ويتخذ الامويون احدوثته سنة متبعة تجاه ما جاء به نبي الاسلام.

قال ابن حجر في فتح الباري 215:2 استقر الامر علي مشروعية التکبير في الخفض والرفع لکل مصل، فالجمهور علي ندبية ما عدا تکبيرة الاحرام، وعن أحمد وبعض اهل العلم بالظاهر يجب کله.

وقال في ص 216: أشار الطحاوي إلي أن الاجماع استقر علي أن من ترکه فصلاته تامة، وفيه نظر لما تقدم عن أحمد، والخلاف في بطلان الصلاة بترکه ثابت في مذهب مالک إلا أن يريد إجماعا سابقا.

وقال النووي في شرح مسلم: اعلم أن تکبيرة الاحرام واجبة وما عداها سنة لو ترکه صحت صلاته لکن فاتته الفضيلة وموافقة السنة، هذا مذهب العلماء کافة إلا أحمد بن حنبل رضي الله عنهم في إحدي الروايتين عنه ان جميع التکبيرات واجبة.

وقال الشوکاني في نيل الاوطار 265:2: حکي مشروعية التکبير في کل خفض ورفع عن الخلفاء الاربعة وغيرهم ومن بعدهم من التابعين قال: وعليه عامة الفقهاء والعلماء، وحکاه ابن المنذر عن أبي بکر الصديق، وعمر بن الخطاب، وابن مسعود،

[صفحه 205]

وابن عمر، وجابر، وقيس بن عباد، والشافعي، وأبي حنيفة، والثوري، والاوزاعي، ومالک، وسعيد بن عبدالعزيز، وعامة أهل العلم، وقال البغوي في شرح السنة: اتفقت الامة علي هذه التکبيرات.

وعن ابن عبدالبر في شرح الموطأ للزرقاني 145:1: وقد اختلف في تارکه فقال ابن القاسم: إن اسقط ثلاث تکبيرات سجد لسهوه وإلا بطلت، وواحدة أو اثنتين سجد أيضا، فإن لم يسجد فلا شيئ عليه، وقال عبدالله بن عبد الحکم وأصبغ: إن سها سجد فإن لم يسجد فلا شيئ عليه، وعمدا أساء وصلاته صحيحة، وعلي هذا فقهاء الامصار من الشافعيين والکوفيين واهل الحديث والمالکيين إلا من ذهب منهم مذهب ابن القاسم.


صفحه 202، 203، 204، 205.








  1. فتح الباري 215:2، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 134، نيل الاوطار 266:2، شرح الموطأ للزرقاني 145:1.
  2. أخرج حديثه أحمد في مسنده من طريق عمران کما يأتي في المتن بعيد هذا.