بقية البحث عن مناقب الخلفاء الثلاثة











بقية البحث عن مناقب الخلفاء الثلاثة



أخرج البخاري في کتاب المناقب من صحيحه ج 243:5 باب فضل أبي بکر بعد النبي من طريق عبدالله بن عمر قال: کنا نخير بين الناس في زمن النبي صلي الله عليه وسلم فنخير أبا بکر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم.

وذکر في باب مناقب عثمان ج 262:5 عن ابن عمر أيضا بلفظ: کنا في زمن النبي صلي الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بکر أحدا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترک أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم. وبهذا اللفظ حکاه الحافظ العراقي عن الصحيحين في طرح التثريب 82:1.

وأخرج في تاريخه ج 1 قسم 14:1 بلفظ: کنا في عهد النبي صلي الله عليه وسلم وبعده نقول: خير أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم أبوبکر ثم عمر ثم عثمان. وأخرج أحمد في مسنده 14:2 عن ابن عمر قال: کنا نعد ورسول الله صلي الله عليه وسلم حي وأصحابه متوافرون: أبوبکر وعمر وعثمان ثم نسکت.

وأخرج ابن داود والطبراني عن ابن عمر: کنا نقول ورسول الله صلي الله عليه وسلم حي: أفضل امة النبي صلي الله عليه وسلم بعده أبوبکر، ثم عمر، ثم عثمان، فيسمع رسول الله صلي الله عليه وسلم ذلک فلا ينکره[1] .

وروي ابن سليمان في فضائل الصحابة من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن ابن عمر: کنا نقول: إذا ذهب أبوبکر وعمر وعثمان استوي الناس. فيسمع

[صفحه 4]

النبي صلي الله عليه وسلم ذلک فلا ينکره.[2] .

وفي لفظ البزار: کنا نقول في عهد النبي صلي الله عليه وسلم: أبوبکر وعمر وعثمان. يعني بالخلافة[3] وفي لفظ الترمذي: کنا نقول ورسول الله صلي الله عليه وسلم حي[4] .

وفي لفظ البخاري في تاريخه اقسم 49:1 کنا نقول في زمن النبي صلي الله عليه وسلم:

من يلي هذا الامر بعد النبي صلي الله عليه وسلم؟ فيقال: أبوبکر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نسکت.

قال الاميني: هذه الرواية عمدة ما تمسک به القوم فيما وقع من الانتخاب الدستوري في الاسلام، وقد اتخذها المتکلمون حجة لدي البحث عن الامامة، واتبع أثرهم المحدثون، ولهم عند إخراجها تصويب وتصعيد، وتبجح وابتهاج، وجاء کثيرون وقد أطنبوا وأسهبوا في القول لدي شرحها، وجعلوها کحجر أساسي علوا عليها أمر الخلافة الراشدة، واحتجوا بها علي صحة البيعة التي عم شومها الاسلام، وحفت بهناة ووصمات وشتتت شمل المسلمين، وفتت في عضد الدين، وفصمت عراه، وجرت الويلات علي امة محمد حتي اليوم، فلنا عندئذ أن نبسط القول، ونوقف القارئ علي جلية الحال، ليهلک من هلک عن بينة ويحيي من حي عن بينة، والله ولي التوفيق.

کان عبدالله بن عمر علي العهد النبوي الذي ادعي انه کان يخير فيه فيختار في ابان شبيبته حتي انه کان لم يبلغ الحلم في جملة من سنيه، ولذلک رده رسول الله صلي الله عليه وآله عن الجهاد يوم بدر واحد واستصغره، وأجاز له يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة کما ثبت في الصحيح[5] وهو علي جميع الاقوال في ولادته وهجرته ووفاته لم يکن مجاوزا العشرين يوم وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وهو في مثل هذا السن لا يخير عادة في التفاضل بين مشيخة الصحابة ووجوه الامة، ولا يتخذ حکما يمضي رأيه في الخيرة، لان الحکم الفاصل في مثل هذا يستدعي ممارثة طويلة، ووقوفا علي تجاريب متتابعة مقرونة بعقلية ناضجة، وتمييز بين مقتضيات الفضيلة، وعرفان لنفسيات الرجال

[صفحه 5]

وقوة في النفس لا يتمايل بها الهوي، وابن عمر کان يفقد کل هذه لما ذکرناه من صغر سنه يوم ذاک المانع عن کل ما ذکرناه، وروايته هذه أقوي شاهد علي فقدانه تلکم الملکات الفاضلة، قال أبوغسان الدوري: کنت عند علي بن الجعد فذکروا عنده حديث ابن عمر: کنا نفاضل علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم فنقول: خير هذه الامة بعد النبي أبوبکر وعمر وعثمان فيبلغ النبي صلي الله عليه وسلم فلا ينکر. فقال علي بن الجعد: انظروا إلي هذا الصبي هو لم يحسن أن يطلق امرأته يقول: کنا نفاضل[6] .

ومن عرف ابن عمر وقرأ صحيفة تاريخه السوداء عرفه بضئولة الرأي، واتباع الهوي، وبفقدانه کل تلکم الخلل يوم بلغ أشده وکبر سنه فضلا عن عنفوان شبابه، وسيوافيک نزر من آرائه السخيفة.

دع ابن عمر ومن لف لفه يختار ويتقول، وربک يخلق ما يشاء ويختار، ما کان لهم الخيرة، وما کان لمؤمن ومؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يکون لهم الخيرة من أمرهم[7] .

ودع البخاري ومن حذا حذوه يصحح الباطل، ولا يعرف الحي من اللي، واسمع لغواهم ولا تخف طغواهم، ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والارض ومن فيهن، قد جئناک بآية من ربک، والسلام علي من اتبع الهدي.

قال أبوعمر في الاستيعاب في ترجمة علي عليه السلام ج 467:2: من قال بحديث ابن عمر: کنا نقول علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أبوبکر ثم عمر ثم عثمان ثم نسکت. يعني فلا نفاضل، وهو الذي أنکر ابن معين وتکلم فيه بکلام غليظ لان القائل بذلک قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنة من السلف والخلف من أهل الفقه والاثر ان عليا أفضل الناس بعد عثمان رضي الله عنه، وهذا مما لم يختلفوا فيه وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان، واختلف السلف ايضا في تفضيل علي وأبي بکر، وفي اجماع الجميع الذي وصفنا دليل علي أن حديث ابن عمر وهم وغلط وانه لا يصح معناه وإن کان إسناده صحيحا.ه.

وقال ابن حجر بعد ذکر محصل کلام أبي عمر هذا: وتعقب ايضا بانه لا يلزم من

[صفحه 6]

سکوتهم اذ ذاک عن تفضيله عدم تفضيله علي الدوام، وبان الاجماع المذکور إنما حدث بعد الزمن الذي قيده ابن عمر فيخرج حديثه عن أن يکون غلطا.ه.

عزب عن ابن حجر ومن تعقب أبا عمر ان الاجماع الحادث المذکور لم يکن إلا لتلکم السوابق التي کان يحوزها مولانا أميرالمؤمنين يوم سکت ابن عمر عن اختياره ولم تکن لها جدة: وإنما هي هي التي أثني عليها الکتاب والسنة، فيلزم من سکوتهم إذ ذاک عن تفضيله بعد الثلاثة عدم تفضيله علي الدوام، فإن کان مدار الاجماع علي اختياره عليه السلام يوم اختاروه هو ملکاته ونفسياته وسبقه في الفضائل والفواضل المفصلة في الکتاب والسنة فهي لا تفارقه عليه السلام وهو المختار بها علي الکل في أدوار حياته يوم فارق النبي صلي الله عليه وآله الدنيا وهلم جرا، وإن کان المدار غير ذلک من الشيخوخة والکبر وأمثالهما فذلک شيئ لا نعرفه، ولا نفضله عليه السلام علي غيره بهذه التافهات التي هي شرک القوم اقتنصت بها بسطاء امة محمد صلي الله عليه وآله يوم بيعة أبي بکر حتي اليوم.

وليت من تعقب ابن عبدالبر إن لم يکن يأخذ بکل ما جاء في علي أميرالمؤمنين من الکتاب والسنة الصحيحة الثابتة کان يأخذ بما جاء به قومه عن أنس فحسب ثم يحکم فيما جاء به ابن عمر قال انس: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن الله إفترض عليکم حب أبي بکر، وعمر، وعثمان، وعلي کما افترض الصلاة والزکاة والصوم والحج، فمن انکر فضلهم فلا تقبل منه الصلاة ولا الزکاة ولا الصوم ولا الحج[8] «الرياض النضرة 29:1«.

وشتان بين رأي ابن عمر وبين قول أبيه في علي عليه السلام هذا مولاي ومولي کل مؤمن، من لم يکن مولاه فليس بمؤمن، راجع ما مضي ج 341:1 ط 1، و 382 ط 2. ولعل القوم سترا علي عوار إختيار ابن عمر، وتخلصا عن نقد أبي عمر المذکور اختلقوا من طريق جعدبة[9] بن يحيي عن العلاء بن البشير العبشمي عن ابن أبي اويس عن مالک عن نافع عن ابن عمر انه قال: کنا علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم نفاضل فنقول: أبوبکر وعمر وعثمان وعلي.

[صفحه 7]

واختلقوا من طريق محمد أبي البلاط[10] عن زهد بن أبي عتاب عن ابن عمر ايضا: قال: کنا نقول في زمن النبي صلي الله عليه وسلم: يلي الامر بعده أبوبکر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم نسکت.

ولعل الواقف علي أجزاء کتابنا هذا وبالاخص الجزء السادس وهلم جرا يعلم ويذعن بان اختيار ابن عمر ومن رأي رأيه باطل في غاية السخافة، ولو کان معظم الصحابة لم يعدل بأبي بکر أحدا في زمن نبيهم فما الذي زحزحهم عن رأيهم ذلک يوم السقيفة؟ وما الذي أرجأهم عن بيعته؟ ومن أين أتاهم ذلک الخلاف الفاحش الذي جر الاسواء علي الامة حتي اليوم؟ وقد عرفناک في الجزء السابع ص 76 و 93 و 141 ط 1[11] .

ان عيون الصحابة من المهاجرين والانصار لما لم تکن تجد لابي بکر يوم تقمص الخلافة فضيلة يستحق بها الخلافة، وتدعم بها الحجة علي الناس في بيعته تقاعست وتقاعدت عنها وما مدت اليها منهم يد، ولم تکن لهم فيها قدم، وما بايعه يومها الاول الا رجلين أو أربعة أو خمسة، ثم حدت الامة إليها الدعوة المشفوعة بالارهاب والترعيب، وما کان في أفواه الدعاة إليها إلا الترهيب بالقتل والضرب والحرق، أو قولهم: إن أبا بکر السباق المسن، صاحب رسول الله في الغار، وکانت هذه غاية جهدهم في عد فضائل أبي بکر، قال ابن حجر في فتح الباري 178:13: وهي- فضيلة کونه ثاني اثنين في الغار- أعظم فضائله التي استحق بها أن يکون الخليفة من بعد النبي صلي الله عليه وسلم، ولذلک قال عمر بن الخطاب: إن أبا بکر صاحب رسول الله، ثاني اثنين، فانه أولي المسلمين بامورکم.ه.

ألا مسائل ابن حجر عن أن صحبة يومين في الغار التي تتصور علي أنحاء، وللقول فيها مجال واسع، صحبة ما أمکنت الرجل من أن يصف صاحبه لما جاءه اليهود وقالوا: صف لنا صاحبک. فقال: معشر اليهود لقد کنت معه في الغار کاصبعي هاتين، ولقد صعدت معه جبل حراء وأن خنصري لفي خنصره، ولکن الحديث عنه صلي الله عليه وسلم شديد، وهذا علي ابن أبي طالب. فأتوا عليا فقالوا: يا أبا الحسن؟ صف لنا ابن عمک، فوصفه. الحديث[12] .

[صفحه 8]

کيف استحق الرجل بمثل هذه الصحبة الخلافة وصار بذلک أولي الناس بامورهم؟ واما صحبة علي عليه السلام اياه منذ نعومة أظفاره إلي آخر نفس لفظه صلي الله عليه وآله حتي عاد منه کالظل من ذيه، وعد نفسه في الکتاب العزيز، وقرنت ولايته بولاية الله وولاية نبيه وجعلت مودته أجر الرسالة، فلم تستوجب استحقاقه بها الخلافة والاولوية بامور الناس بعد قوله صلي الله عليه وآله: من کنت مولاه فعلي مولاه؟ إن هذا لشئ عجاب.

وإني لست أدري ان هذه المفاضلة المتسالم عليها بين الصحابة في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لماذا نسيها اولئک العدول بموته صلي الله عليه وآله؟ ولماذا لم يصفقوا علي ذلک الاختيار الذي کان يسمعه رسول الله صلي الله وعليه وآله وسلم فلا ينکره؟ ووقع الخلاف والتشاح والتلاکم والتشاتم والنزاع حتي کاد أن يقتل صنو النبي الاعظم في تلک المعمعة، ورأت بضعته الصديقة ما رأت، ووقعت وصمات لا تنسي طيلة حياة الدنيا، وارجئ دفن رسول الله صلي الله عليه وآله ثلاثا، وکانت الصحابة بمعزل عنه صلي الله عليه وآله وعن إجنانه، وما حضر الشيخان دفنه[13] قال النووي في شرح صحيح مسلم[14] کان عذر أبي بکر وعمر وسائر الصحابة واضحا لانهم رأوا المبادرة بالبيعة من أعظم مصالح المسلمين وخافوا من تأخيرها حصول خلاف ونزاع تترتب عليه مفاسد عظيمة، ولهذا أخروا دفن النبي، صلي الله عليه وسلم حتي عقدوا البيعة لکونها کانت أهم الامور کيلا يقع نزاع في مدفنه أو کفنه أو غسله أو الصلاة عليه أو غير ذلک.

ثم لو کان الامر کما زعم ابن عمر من الاختيار فتقديم أبي بکر يوم السقيفة الرجلين:

عمر وأبا عبيدة علي نفسه وقوله: بايعوا أحد الرجلين. أو قوله: قد رضيت لکم أحد هذين الرجلين فبايعوا ايهما شئتم. لماذا؟ ولماذا قول أبي بکر لابي عبيدة الجراح حفار. القبور: هلم ابايعک فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: إنک أمين هذه الامة؟ تاريخ ابن عساکر 160:7.

ولماذا قول أبي بکر في خطبة له: أما والله ما أنا بخيرکم ولقد کنت لمقامي هذا کارها؟ أو قوله: ألا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحد منکم فراعوني؟ أو قوله: إني

[صفحه 9]

وليت عليکم ولست بخيرکم؟ أو قوله: أقيلوني أقيلوني لست بخيرکم[15] .

ولماذا ورم أنف کل الصحابة يوم اختيار أبي بکر عمر بن الخطاب للامر بعده، و أراد کل منهم أن يکون الامر له دونه؟[16] .

ولماذا جابه طلحة بن عبيد الله- أحد العشرة المبشرة- أبا بکر يوم استخلف عمر فقال طلحة: ما تقول لربک وقد وليت عليها فظا غليظا؟

ولماذا ندم أبوبکر في اخريات أيامه عن خلافته قائلا: وددت اني يوم سقيفة بني ساعدة کنت قذفت الامر في عنق أحد الرجلين- يريد عمر وأبا عبيدة- فکان أحدهما أميرا وکنت وزيرا؟ راجع ج 170:7 ط 2

ولماذا أتي عمر أبا عبيدة الجراح يوم وفاة النبي صلي الله عليه وآله فقال: أبسط يدک فلابايعک فانک أمين هذه الامة علي لسان رسول الله صلي الله عليه وسلم؟[17] .

وما الذي دعي عمر بن الخطاب إلي قوله لابن عباس: أما والله يا بني عبدالمطلب؟ لقد کان علي فيکم أولي بهذا الامر مني ومن أبي بکر، راجع ج 346:1 ط 1، و ص 389 ط 2

ولماذا قال عمر لما طعن: إن ولوها الاجلح سلک بهم الطريق الاجلح- يعني عليا-فقال له ابن عمر: ما منعک أن تقدم عليا؟ قال: أکره أن أحملها حيا وميتا؟[18] .

ولماذا قال لاصحاب الشوري: لله درهم إن وسوها الاصيلع، کيف يحملهم علي الحق، قالوا: أتعلم ذلک منه ولا تستخلفه؟ قال: إن أستخلف فقد أستخلف من هو خير مني، وإن أترک فقد ترک من هو خير مني.؟[19] .

ولماذا تمني عمر يوم طعن سالم بن معقل أحد الموالي قائلا: لو کان سالم حيا

[صفحه 10]

ما جعلتها شوري؟[20] وفي لفظ الطبري: استخلفته. وفي لفظ للباقلاني: لرأيت أني قد أصبت الرأي، وما تداخلني فيه الشکوک.

ولماذا کان يقول: لو ادرکني أحد رجلين فجعلت هذا الامر إليه لوثقت به: سالم مولي أبي حذيفة، وأبي عبيدة الجراح؟[21] .

ولماذا قال للقائلين له(لو عهدت يا أميرالمؤمنين): لو أدرکت أبا عبيدة الجراح ثم وليته ثم قدمت علي ربي فقال لي: لم استخلفته علي امة محمد؟ لقلت: سمعت عبدک وخليلک يقول لکل امة أمين، وإن أمين هذه الامة أبوعبيدة الجراح، ولو أدرکت خالدا ثم وليته ثم قدمت علي ربي فقال لي: من استخلفت علي امة محمد؟ لقلت: سمعت عبدک وخليلک يقول لخالد: سيف من سيوف الله سله الله علي المشرکين[22] .

ولماذا قوله: لو أدرکت أبا عبيدة لاستخلفته وما شاورت، فإن سئلت عنه قلت: استخلفت أمين الله وأمين رسوله؟[23] .

ومر في الجزء الخامس ص 311 ط 1، و 362 ط 2 ان عائشة قالت لعبد الله بن عمر: يا بني ابلغ عمر سلامي وقل له: لا تدع امة محمد بلا راع استخلف عليهم ولا تدعهم بعدک هملا، فاني أخشي عليهم الفتنة، فأتي عبدالله فأعلمه فقال: ومن تأمرني أن استخلف؟ لو ادرکت أبا عبيدة الجراح باقيا لاستخلفته ووليته، فإذا قدمت علي ربي فسألني وقال لي: من وليت علي امة محمد؟ قلت: أي رب سمعت عبدک ونبيک يقول: لکل امة أمين وأمين هذه الامة ابوعبيدة بن الجراح. ولو أدرکت معاذ بن جبل استخلفته فإذا قدمت علي ربي فسألني: من وليت علي امة محمد؟ قلت: أي رب سمعت عبدک ونبيک يقول: ان معاذ بن جبل يأتي بين يدي العلماء يوم القيمة، ولو أدرکت خالد بن الوليد لوليته، فإذا قدمت علي ربي فسألني: من وليت علي امة محمد؟ قلت: أي رب سمعت عبدک ونبيک يقول: خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله علي المشرکين.

[صفحه 11]

ولماذا ساوي عمر بين أصحاب الشوري، ولما قيل له: استخلف. قال: ما أجد أحدا أحق بهذا الامر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمي عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا و عبدالرحمن؟. صحيح البخاري 267:5.

وأين هذا من قول عبدالرحمن بن عوف لعلي وعثمان: إني قد سألت الناس عنکما فلم أجد أحدا يعدل بکما أحدا. وقوله: ايها الناس اني سألتکم سرا وجهرا بأمانيکم فلم أجدکم تعدلون بأحد هذين الرجلين إما علي وإما عثمان؟.[24] .

ولماذا بدء عبدالرحمن بن عوف بعلي عليه السلام أولا للبيعة وقدمه علي عثمان يوم الشوري غير أنه اشترط عليه صلوات الله عليه القيام بسيرة الشيخين فلم يقبله وقبله عثمان فبايعه علي ذلک؟[25] وقد مر الکلام حول هذا الشرط في الجزء التاسع ص 90 و 88 ط 2.

ولماذا قال أبووائل لعبد الرحمن بن عوف: کيف بايعتم عثمان وترکتم عليا؟ أخرجه أحمد في مسنده ص 75.

ولماذا قال معاوية: إنما کان هذا الامر لبني عبد مناف، لانهم أهل رسول الله صلي الله عليه وسلم فلما مضي رسول الله صلي الله عليه وسلم ولي الناس أبا بکر وعمر من غير معدن الملک والخلافة.

يأتي تمام کلامه في هذا الجزء.

ولماذا قال العباس عم النبي لعلي عليه السلام يوم قبض النبي صلي الله عليه وسلم: ابسط يدک فلنبايعک؟[26] .

ولماذا قال العباس لابي بکر: فإن کنت برسول الله طلبت؟ فحقنا أخذت، و إن کنت بالمؤمنين طلبت؟ فنحن منهم، متقدمون فيهم. وإن کان هذا الامر إنما يجب لک بالمؤمنين؟ فما وجب إذ کنا کارهين؟ إلي آخر ما مر في ج 320:5 ط 1. ولماذا تقاعد عمار وشتم أبا سرح لما قال: إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع

[صفحه 12]

عثمان؟ وخالف مقداد وجمع آخر من عيون الصحابة عن بيعة عثمان وتمت بالارهاب والترعيد وقال عمار لعبد الرحمن: إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع عليا. فقال المقداد: صدق عمار إن بايعت عليا قلنا سمعنا وأطعنا[27] وقال علي لعبد الرحمن: حبوته حبو دهر ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان علي ما تصفون والله ما وليت عثمان إلا ليرد الامر إليک، والله کل يوم هو في شأن؟ (تاريخ الطبري 37:5).

ولماذا قال سعد بن أبي وقاص لعبد الرحمن بن عوف: إن کنت تدعوني والامر لک وقد فارقک عثمان علي مبايعتک؟ کنت معک، وإن کنت إنما تريد الامر لعثمان؟ فعلي أحق بالامر وأحب إلي من عثمان، بايع لنفسک وأرحنا وأرفع رؤسنا؟. انساب البلاذري 20:5، تاريخ الطبري 36:5، الکامل لابن الاثير 29:3، فتح الباري 168:13.

ولماذا قال الزبير: لو مات عمر لبايعت طلحة فوالله ما کان بيعة أبي بکر إلا فلتة فتمت؟[28] .

ولماذا جابه الزبير يوم قال عمر: أکلکم يطمع في الخلافة بعدي بقوله ما الذي يبعدنا منها؟ وليتها أنت فقمت بها ولسنا دونک في قريش ولا في السابقة ولا في القرابة (شرح ابن أبي الحديد 62:1) واين يقع قول علي أميرالمؤمنين عليه السلام علي صهوة المنبر: أما والله لقد تقمصها ابن ابي قحافة وانه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحي؟ (إلي آخر الخطبة الشقشقية)، إلي کلمات اخري له تضاد هذه المفاضلة.

ولماذا کان أبوعبيدة أحب إلي رسول الله بعد الشيخين من أصحابه کما في صحيحة جاء بها ابن ماجة في سننه 1 ص 51، والترمذي في صحيحه 126:13 عن ابن شقيق قال: قلت لعايشة رضي الله عنها: أي أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم کان احب إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ قالت: أبوبکر. قلت: ثم من؟ قالت: عمر. قلت: ثم من؟ قالت: أبوعبيدة ابن الجراح قلت: ثم من؟ فسکتت؟

[صفحه 13]

وأخرجها أحمد في مسنده 218:6، وابن عساکر في تاريخه 161:7.

وشتان بين اختيار ابن عمر وبين ما جاء عن ابن ابي مليکة قال: قيل لعائشة: من کان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مستخلفا لو استخلف؟ قالت: أبوبکر. قيل لها: ثم من؟ قالت، عمر. فقيل لها: ثم من؟ قالت: أبوعبيدة. وانتهت إلي هذه؟[29] .

وأين کان ابن عمر عن اناس کانوا يفضلون بلال الحبشي علي أبي بکر حتي قال: کيف تفضلوني عليه وإنما أنا حسنة من حسناته؟[30] .

وأني اختيار ابن عمر من قول کعب بن زهير:


صهر النبي وخير الناس کلهم
وکل من رامه بالفخر مفخور


صلي الصلاة مع الامي اولهم
قبل العباد ورب الناس مکفور؟


ومن قول ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب:


ما کنت أحسب أن الامر منتقل
عن هاشم ثم منها عن أبي حسن


أليس أول من صلي لقبلتهم
وأعلم الناس بالآيات والسنن؟


وآخر الناس عهدا بالنبي ومن
جبريل عون له في الغسل والکفن؟


من فيه ما فيهم ما تمترون به
وليس في القوم ما فيه من الحسن


ماذا الذي ردکم عنه؟ فنعلمه
ها ان بيعتکم من أول الفتن


ومن قول الفضل بن أبي لهب:


ألا إن خير الناس بعد محمد
مهيمنه التاليه في العرف والنکر


وخيرته في خيبر ورسوله
بنبذ عهود الشرک فوق أبي بکر


وأول من صلي وصنو نبيه
وأول من أردي الغواة لدي بدر


فذاک علي الخير من ذا يفوقه؟
أبوحسن حلف القرابة والصهر


ومن قول عبدالله بن ابي سفيان بن الحارث:


کان ولي الامر بعد محمد
علي وفي کل المواطن صاحبه


وصي رسول الله حقا وجاره
وأول من صلي ومن لان جانبه

[صفحه 14]

ومن قول النجاشي أحد بني الحرب بن کعب من ابيات له:


جعلتم عليا وأشياعه
نظير ابن هند أما تستحونا؟


إلي أفضل الناس بعد الرسول
وصنو الرسول من العالمينا


وصهر الرسول ومن مثله
إذا کان يوم يشيب القرونا؟


ومن قول جرير بن عبدالله البجلي من أبيات له:


فصلي الاله علي أحمد
رسول المليک تمام النعم


وصلي علي الطهر من بعده
خليفتنا القائم المدعم


عليا عنيت وصي النبي
يجالد عنه غواة الامم


له الفضل والسبق والمکرما
ت وبيت النبوة لا يهتضم


ومن قول زجر بن قيس إلي خاله جرير:


جرير بن عبدالله لا تردد الهدي
وبايع عليا إنني لک ناصح


فإن عليا خير من وطئ الحصي
سوي أحمد والموت غاد ورائح


ومما قيل علي لسان الاشعث بن قيس الکندي:


أتانا الرسول رسول الوصي
علي المهذب من هاشم


رسول الوصي وصي النبي
وخير البرية من قائم


وزير النبي وذو صهره
وخير البرية في العالم


له الفضل والسبق بالصالحات
لهدي النبي به يأتمي


وأنت تري من جراء ذلک الاختيار الباطل الذي جاء به ابن عمر أن تدهورت السياسة فصار الانتخاب نصا، وانقلبت الدمقراطية- إن کانت- إلي دکتاتورية محضة رضيت الامة أم غضبت، ثم عاد الامر شوري ويا لله وللشوري وسيف عبدالرحمن بن عوف هو العامل الوحيد يوم ذاک، إلي أن أصبح ملکا عضوضا، ووصلت النوبة إلي الطلقاء وأبناء الطلقاء، إلي رجال العيث والفساد، إلي أبناء الخمور والفجور، إلي أن تمکن معاوية الخمر والربا من استخلاف يزيد العرة والشره قائلا: من أحق منه بالخلافة في فضله وعقله وموضعه وما أظن قوما ينتهين حتي تصيبهم بوائق تجتث

[صفحه 15]

اصولهم، وقد أنذرت إن أغنت النذر[31] .

لم يکن لاعيان الامة، ووجوه الصحابة، وصلحاء الملة، وخيرة الناس في أمر تلکم الادوار القاتمة حل ولا عقد، بل کانوا مضطهدين مقهورين مبتزين يرون حکم الله مبدلا، وکتابه منبوذا، وفرائضه محرفة عن جهات أشراعه، وسنن نبيه متروکة.

سبحانک اللهم ما أجرأهم علي الرحمن وانتهاک حرمة النبي وکتابه باختيار يضاده نداء القرآن الکريم، کتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون؟ باختيار کذبه ما جاء عن النبي الاقدس صلي الله عليه وآله من النصوص علي اختيار الله عليا وانه أحد الخيرتين، وانه خير البشر بعده صلي الله عليه وآله، وانه أحب الناس إلي الله وإليه صلي الله عليه وآله، وانه منه بمنزلته من ربه، وانه منه بمنزلة الرأس من جسده، وانه منه بمنزلة هارون من موسي إلا انه لا نبي بعده، وان لحمه لحمه ودمه دمه والحق معه، وان طاعته طاعته ومعصيته معصيته، وانه سلم لمن سالمه، وحرب لمن حاربه[32] وانه ممسوس في ذات الله[33] إلي نصوص کثيرة تضاد اختيار ابن عمر ومن شاکله في تمني الحديث. أليست هذه الاحاديث إلي أمثالها المعدودة بالمئات إنکارا من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لقولهم- إن کان هناک قول-: إذا ذهب أبوبکر وعمر وعثمان استوي الناس؟

أليست آي المباهلة والتطهير والولاية وأضرابها إلي ثلاثمائة آية النازلة في علي عليه السلام[34] تضاد ذلک القول القارص؟

هل يستوي الاعمي والبصير؟ أم هل تستوي الظلمات والنور؟[35] هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟[36] أفمن کان مؤمنا کمن کان فاسقا؟ لا يستوون[37] مثل الفريقين کالاعمي والاصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا؟[38] أفمن کان علي بينة

[صفحه 16]

من ربه کمن زين سوء عمله؟[39] أفمن يمشي مکبا علي وجهه أهدي؟ أمن يمشي سويا علي صراط مستقيم؟[40] قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبک کثرة الخبيث[41] لا يستوي القاعدون من الرجال غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله[42] لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة[43] ما يستوي الاعمي والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات[44] أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالها؟[45] .

[صفحه 17]


صفحه 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10، 11، 12، 13، 14، 15، 16، 17.








  1. فتح الباري 13:7، طرح التثريب 82:1 ذکر زيادة الطبراني.
  2. فتح الباري 13:7.
  3. تاريخ ابن کثير 205:7.
  4. صحيح الترمذي 161:13.
  5. صحيح البخاري 74:6، تاريخ الطبري 296:2، عيون الاثر 7 و 6: 2، فتح الباري 232:7.
  6. تاريخ الخطيب 363:11.
  7. سورة القصص: 68، الاحزاب: 36.
  8. أثبتنا في محله ان هذه المنقبة لا تصح في غير علي عليه السلام وهي فيمن سواه تخالف الکتاب والسنة والعقل والمنطق، ولا تساعدها سيرتهم مدي حياتهم الدنيا.
  9. جعدبة متروک يروي عن العلاء مناکير، والعلاء ضعيف حديثه غير صحيح. راجع لسان الميزان 105:2 وج 183:4.
  10. لا يعرف لا يدر رجال الجرح والتعديل من هو. لسان الميزان 96:5.
  11. وفي ص 75 تا 82 و 93 و 141 ط 2.
  12. الرياض النضرة 195:2.
  13. راجع ما اسفلناه في الجزء السابع ص 75 ط 1.
  14. في کتاب الجهاد، باب قول النبي: لا نورث ما ترکنا فهو صدقة، عند قول علي عليه السلام لابي بکر: لکنک استبددت علينا بالامر وکنا نحن نري لنا حقا لقرابتنا من رسول الله.
  15. راجع الجزء السابع ص 118 ط 1.
  16. جاء في صحيحة مرت في ج 358:5 ط 2، وج 7 ص 168 ط 1.
  17. أخرجه أحمد وابن سعد وابن جرير وابن الاثير وابن الجوزي وابن حجر والحلبي راجع کنز العمال 140:3، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 48، الغدير 316:5 ط 1، و 369 ط 2.
  18. الانساب 16:5، الاستيعاب في ترجمة عمر 4 ص 419، فتح الباري 7 ص 55، شرح ابن ابي الحديد 170:3.
  19. الرياض 241:2.
  20. التمهيد للباقلاني ص 204، طرح التثريب 49:1،تاريخ الطبري 34:5.
  21. طبقات ابن سعد ط ليدن 248:3.
  22. تاريخ ابن عساکر 102:5.
  23. تاريخ ابن عساکر 160:7.
  24. تاريخ الطبري 40:5، تاريخ ابن کثير:164.
  25. مسند احمد 75:1، تمهيد الباقلاني ص 209، تاريخ الطبري 40:5، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 104، الصواعق ص 63، فتح الباري 168. 13.
  26. تاريخ ابن عساکر 245:7.
  27. تاريخ ابن جرير الطبري 5 تا 37، الکامل لابن الاثير 28:3.
  28. أصل الحديث في صحيح البخاري، راجع شرح بهجة المحافل 85:1.
  29. صحيح مسلم 110:7. تاريخ ابن عساکر 161:7.
  30. تاريخ ابن عساکر 314:3.
  31. الکامل لابن الاثير 217:3.
  32. کل هذه الاحاديث مرت في الاجزاء الماضية.
  33. حلية الاولياء للحافظ أبي نعيم الاصبهاني 230:1.
  34. تاريخ الخطيب 221:6، السيرة الحلبية 230:2.
  35. سورة الرعد: 16.
  36. سورة الزمر: 8.
  37. سورة السجدة: 18.
  38. سورة هود: 24.
  39. سورة محمد: 14.
  40. سورة الملک: 22.
  41. سورة المائدة: 100.
  42. سورة النساء: 95.
  43. سورة الحشر: 20.
  44. سورة غافر: 58.
  45. سورة محمد: 24.