يصلي معاوية الجمعة يوم الاربعاء











يصلي معاوية الجمعة يوم الاربعاء



إن رجلا من أهل الکوفة دخل علي بعير له إلي دمشق في حال منصرفهم عن صفين فتعلق به رجل من دمشق فقال: هذه ناقتي أخذت مني بصفين. فارتفع أمرهما إلي معاوية وأقام الدمشقي خمسين رجلا بينة يشهدون انها ناقته فقضي معاوية علي الکوفي وأمره بتسليم البعير إليه فقال الکوفي: أصلحک الله انه جمل وليس بناقة فقال معاوية: هذا حکم قد مضي، ودس إلي الکوفي بعد تفرقهم فأحضره وسأله عن ثمن بعيره

[صفحه 196]

فدفع إليه ضعفه وبره وأحسن إليه وقال له: أبلغ عليا أني اقابله بمائة الف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل. ولقد بلغ من أمرهم في طاعتهم له أنه صلي بهم عند مسيرهم إلي صفين الجمعة في يوم الاربعاء وأعاروه رؤسهم عند القتال وحملوه بها ورکنوا إلي قول عمرو بن العاص: ان عليا هو الذي قتل عمار بن ياسر حين أخرجه لنصرته، ثم ارتقي بهم الامر في طاعته إلي أن جعلوا لعن علي سنة ينشأ عليها الصغير ويهلک عليها الکبير[1] .

قال الاميني: اشتملت هذه الصحيفة السوداء علي أشياء تجد البحث عن بعضها في طيات کتابنا هذا کاتخاذ لعن علي أميرالمؤمنين سنة يدؤب عليها، وکتأويل عمرو ابن العاص قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعمار: تقتلک الفئة الباغية، بأن عليا عليه السلام هو الذي قتل عمارا لالقائه بين سيوف القوم ورماحهم، وکبيان ما يعرب عن حال أصحاب معاوية ومبلغهم من العقل والدين، وهذه کلمة معاوية ومعتقده فيهم، وهو علي بصيرة منهم، وقد کان يستفيد من اولئک الهمج بضؤلة عقليتهم، وخور نفسياتهم، وبعدهم عن معالم الدين ونواميس الشريعة المقدسة، فيجمعهم، علي قتال إمام الحق تارة وللشهادة بأنه عليه السلام هو الذي قتل عثمان طورا إلي موارد کثيرة من شهادات الزور التي کان يغريهم بها کقصة حجر بن عدي وأمثالها.

والذي يهمنا هاهنا أولا حکمه الباطل علي ناقة لم تکن توجد هنالک، وإنما الموجود جمل قد شاهده وعلم به وانه خارج عن موضوع الشهادة، لکنه نفذ الحکم الباطل المبتني علي خمسين شهادة، زور کلها، ويقول بمل ء فمه: هذا حکم قد مضي. والحقيقة غير عازبة عنه ويتبجح انه يقابل إمام الهدي عليه السلام بمائة ألف من اولئک الحمر المستنفرة لکنه لم يقابل إمام الحق بهم فحسب، وإنما کان يقابل النبي الاعظم ودينه الاقدس وکتابه العزيز بتلکم الرعرعة الدهماء.

ويهمنا ثانيا تغييره وقت صلاة الجمعة عند مسيره إلي صفين (في تلک السفرة المحظورة التي انشأت علي الضد من رضي الله ورسوله) إلي يوم الاربعاء، وإلي الغاية لم يظهر لي سر هذا التغيير، هل نسي يوم الجمعة فحسب يوم الاربعاء انه يوم الجمعة؟ ومن العجب انه لم يذکره أحد من ذلک الجيش اللجب، ولا ذکره منهم

[صفحه 197]

أحد. أو أنه کان يبهضه ما جاء عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في فضل يوم الجمعة وفضل ساعاته والاعمال الواردة فيه، وقد اتخذه هو صلي الله عليه وآله والمسلمون من بعده عيدا تمتاز به هذه الامة عن بقية الامم؟ وما کان ابن هند يستسهل أن يجري في الدنيا سنة للنبي متبعة لم يولها إخلالا وعبثا، فبدر إلي ذلک التبديل عتوا منه، وما أکثر عبثه بالدين وحيفه بالمسلمين؟

ولعله اختار يوم الاربعاء لما ورد فيه من أنه أثقل الايام، يوم نحس مستمر[2] .

فأراد أن يرفع النحوسة بصلاة الجمعة، ولم يعبأ باستلزام ذلک تغيير سنة الله التي لا تبديل لها، والجمعة سيد الايام خير يوم طلعت عليه الشمس.[3] .

وبهذا وأمثاله يستهان بما يؤثر عن الرجل من تقديم وقت الجمعة إلي الضحي[4] .

ووقتها المضروب لها في شريعة الاسلام الزوال لا غيره، وهي بدل الظهر، ووقتها وقتها وهذه سنة رسول الله صلي الله عليه وآله الثابتة المتبعة، فعن سلمة بن الاکوع قال: کنا نجمع مع النبي صلي الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتبع الفئ[5] .

وعن سلمة أيضا قال: کنا نصلي مع النبي صلي الله عليه وسلم يوم الجمعة وليس للحيطان فيئا يستظل به[6] .

وعن جابر بن عبدالله لما سئل متي کان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي الجمعة؟ قال: کان يصلي ثم نذهب إلي جمالنا لنريحها حين تزول الشمس[7] .

وعن أنس بن مالک قال: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم کان يصلي الجمعة حين يميل الشمس.[8] .

وعن الزبير بن العوام قال: کنا نصلي مع رسول الله صلي الله عليه وسلم الجمعة ثم نبتدر الفئ فما يکون إلا موضع القدم أو القدمين. وفي رواية أبي معاوية: ثم نرجع فلا نجد

[صفحه 198]

في الارض من الظل إلا موضع أقدامنا[9] .

وقال البخاري في صحيحه: باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس، وکذلک روي عن عمر وعلي والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث رضي الله عنهم.

وقال البيهقي في سننه الکبري 191:3: ويذکر هذا القول عن عمر وعلي ومعاذ ابن جبل والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث أعني في وقت الجمعة إذا زالت الشمس.

وقال ابن حزم في المحلي 42:5: الجمعة هي ظهر يوم الجمعة، ولا يجوز أن تصلي إلا بعد الزوال، وآخر وقتها آخر وقت الظهر في سائر الايام.

وقال ابن رشد في البداية 1 ص 152: أما الوقت فإن الجمهور علي أن وقتها وقت الظهر بعينه أعني وقت الزوال، وأنها لا تجوز قبل الزوال، وذهب قوم إلي أنه يجوز أن تصلي قبل الزوال وهو قول أحمد بن حنبل.

وقال النووي في شرح صحيح مسلم[10] بعد سرد بعض أحاديث الباب: قال مالک وأبوحنيفة والشافعي وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم: لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس، ولم يخالف في هذا إلا أحمد بن حنبل وإسحاق فجوزاها قبل الزوال، قال القاضي: وروي في هذا أشياء عن الصحابة لا يصح منها شيئ إلا ما عليه الجمهور.

وقال القسطلاني: هو مذهب عامة العلماء وذهب أحمد إلي صحة وقوعبا قبل الزوال متمسکا بما روي عن أبي بکر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أنهم کانوا يصلون الجمعة قبل الزوال من طريق لا تثبت[11] .

طرق ما تمسک به أحمد تنتهي إلي عبدالله بن سيدان السلمي زيفها الحفاظ لمکان ابن سيدان قال الزيلعي في نصب الراية 196:2: فهو حديث ضعيف. وقال النووي. في الخلاصة: اتفقوا علي ضعف ابن سيدان. وقال ابن حجر في فتح الباري 309:2: انه تابعي کبير إلا أنه غير معروف العدالة، قال ابن عدي: شبه المجهول. وقال البخاري:

[صفحه 199]

لا يتابع علي حديثه بل عارضه ما هو أقوي منه. ثم ذکر من عمل أبي بکر وعمر وعلي علي خلاف حديث ابن سيدان بأسانيد صحيحة.

فالسنة الثابتة في توقيت الجمعة هي السنة المتبعة في صلاة الظهر، وإقامة معاوية الجمعة في الضحي خروج عن سنة النبي صلي الله عليه وآله وهديه، وشذوذ عن سيرة السلف کشذوذه في بقية أفعاله وتروکه.


صفحه 196، 197، 198، 199.








  1. مروج الذهب 72:2.
  2. راجع ثمار القلوب ص 522 و 521.
  3. أخرجه الحاکم والترمذي والنسائي وأبوداود.
  4. راجع فتح الباري 309:2، نيل الاوطار 320 و 319: 3.
  5. صحيح مسلم 9:3، سنن البيهقي 190:3، نصب الراية 195:2.
  6. صحيح مسلم 9:3، سنن البيهقي 191:3.
  7. مسند أحمد، سنن النسائي، صحيح مسلم 9 و 8: 3، سنن البيهقي 190:3، المحلي 44:5.
  8. صحيح البخاري، مسند أحمد، سنن أبي داود، سنن النسائي، سنن البيهقي 190:3 نصب الراية 195:2.
  9. سنن البيهقي 191:3.
  10. هامش ارشاد الساري 162:4.
  11. ارشاد الساري 164:2.