معاوية يأكل الربا











معاوية يأکل الربا



1- أخرج مالک والنسائي وغيرهما من طريق عطاء بن يسار: ان معاوية رضي الله عنه باع سقاية من ذهب أو ورق بأکثر من وزنها، فقال له أبوالدرداء رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم عن مثل هذا إلا مثلا بمثل. فقال معاوية: ما أري بهذا بأسا. فقال له أبوالدرداء رضي الله عنه: من يعذرني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يخبرني عن رأيه، لا اساکنک بأرض أنت بها، ثم قدم أبوالدرداء رضي الله عنه علي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذکر له ذلک فکتب عمر إلي معاوية: أن لا تبع ذلک إلا مثلا بمثل، وزنا بوزن.

راجع موطأ مالک 59:2، اختلاف الحديث للشافعي هامش کتابه الام 23:7، سنن النسائي 279:7، سنن البيهقي 280:5.

2- وأخرج مسلم وغيره من طريق أبي الاشعث قال: غزونا غزاة وعلي الناس معاوية فغنمنا غنايم کثيرة فکان فيما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس فتسارع الناس في ذلک فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال: إني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم ينهي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربي، فرد

[صفحه 185]

الناس ما أخذوا، فبلغ ذلک معاوية فقام خطيبا فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أحاديث قد کنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه؟ فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلي الله عليه وسلم وإن کره معاوية، أو قال: وإن رغم، ما ابالي ان لا أصحبه في جنده ليلة سوداء.

راجع صحيح مسلم 43:5، سنن البيهقي 277:5، تفسير القرطبي 349:3.

3- وأخرج البيهقي وغيره من طريق حکيم بن جابر عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: الذهب الکفة بالکفة، والفضة الکفة بالکفة حتي خص ان الملح بالملح فقال معاوية: إن هذا لا يقول شيئا. فقال عبادة رضي الله عنه: أشهد أني سمعت رسول صلي الله عليه وسلم يقول ذلک.

وزاد النسائي: قال عبادة: إني والله ما ابالي أن لا أکون بأرض يکون بها معاوية، وفي لفظ ابن عساکر: إني والله ما ابالي أن أکون بأرضکم هذه.

راجع مسند أحمد 319:5، سنن النسائي 277:7، سنن البيهقي 278:5، تاريخ ابن عساکر 206:7.

4- وأخرج ابن عساکر في تاريخه 212:7: من طريق الحسن قال: کان عبادة بن الصامت بالشام فرأي آنية من فضة، يباع الاناء بمثلي ما فيه، أو نحو ذلک فمشي إليهم عبادة فقال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا عبادة ابن الصامت، ألا واني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم في مجلس من مجالس الانصار ليلة الخميس في رمضان ولم يصم رمضان بعده يقول: الذهب بالذهب، مثلا بمثل، سواء بسواء، وزنا بوزن، يدا بيد، فما زاد فهو ربا، والحنطة بالحنطة، قفيز بقفيز، يد بيد، فما زاد فهو ربا، والتمر بالتمر قفيز بقفيز، يد بيد، فما زاد فهو ربا. قال: فتفرق الناس عنه. فاتي معاوية فاخبر بذلک فأرسل إلي عبادة فأتاه فقال له معاوية: لئن کنت صحبت النبي صلي الله عليه وسلم وسمعت منه لقد صحبناه وسمعنا منه فقال له عبادة: لقد صحبته وسمعت منه، فقال له معاوية: فما هذا الحديث الذي تذکره؟ فأخبره به، فقال له معاوية: اسکت عن هذا الحديث ولا تذکره فقال له: بلي، وإن رغم أنف معاوية، ثم قام فقال له معاوية: ما نجد شيئا أبلغ فيما بيني وبين أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم من الصفح عنهم.

[صفحه 186]

5- عن قبيصة بن ذؤيب: ان عبادة أنکر علي معاوية شيئا فقال: لا اساکنک بأرض، فرحل إلي المدينة فقال له عمر: ما أقدمک؟ فأخبره فقال له عمر: ارحل إلي مکانک فقبح الله أرضا لست فيها وأمثالک، فلا إمرة له عليک.

تاريخ ابن عساکر کما في کنز العمال 78:7، والاستيعاب 412:2، اسد الغابة 106:3.

قال الاميني إن من ضروريات الدين الحنيف الثابتة کتابا وسنة وإجماعا حرمة الربا، وانه من أکبر الکبائر قال الله تعالي: الذين يأکلون الربا لا يقومون إلا کما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلک بأنهم قالوا: إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا.[1] .

وقال عزوجل: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن کنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله.[2] .

وتواترت السنة الشريفة في المسألة وبلغت حدا لا يسع لاي مسلم ولو کان قرويا أن يدعي الجهل به فضلا عمن يدعي إمرة المؤمنين. ومنها:

1- جاء من غير طريق إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعن آکل الربا وموکله وشاهديه وکاتبه.[3] .

2- صح عنه صلي الله عليه وآله وسلم إجتنبوا السبع الموبقات. قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرک بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأکل مال اليتيم، وأکل الربا. الحديث[4] .

3- أخرج البزار من طريق أبي هريرة مرفوعا: الکبائر سبع: أولهن الشرک بالله. وقتل النفس بغير حقها، وأکل الربا.

[صفحه 187]

4- أخرج البخاري وأبوداود عن أبي جحيفة: لعن رسول الله صلي الله عليه وسلم: الواشمة والمستوشمة، وآکل الربا وموکله.

5- أخرج الحاکم بإسناد صحيح عن أبي هريرة مرفوعا: أربع، حق علي الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، وآکل الربا، وآکل مال اليتيم بغير حق، والعاق لوالديه.

6- أخرج الحاکم والبيهقي باسناد صحيح من طريق ابن مسعود مرفوعا: الربا ثلاث وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينکح الرجل امه.

7- أخرج البزار بإسناد صحيح مرفوعا: الربا بضع وسبعون بابا والشرک مثل ذلک. 8- أخرج البيهقي بإسناد لا بأس به من طريق أبي هريرة مرفوعا: الربا سبعون بابا أدناها کالذي يقع علي امه.

9- أخرج الطبراني في الکبير عن عبدالله بن سلام مرفوعا: الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاثة وثلاثين زنية يزنيها في الاسلام. وعن عبدالله موقوفا: الربا أثنان وسبعون حوبا، أصغرها حوبا کمن أتي امه في الاسلام. ودرهم من الربا أشد من بضع وثلاثين زنية. قال: ويأذن الله بالقيام للبر والفاجر يوم القيامة إلا آکل الربا فانه لا يقوم إلا کما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس.

10- أخرج أحمد والطبراني في الکبير ورجال أحمد رجال الصحيح من طريق عبدالله بن حنظلة غسيل الملائکة مرفوعا: درهم ربا يأکله الرجل وهو يعلم، أشد من ستة وثلاثين زنية.

11- أخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي من طريق أنس بن مالک قال: خطبنا رسول الله صلي الله عليه وسلام فذکر أمر الربا وعظم شأنه وقال: إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل. 12- أخرج الطبراني في الصغير والاوسط من طريق إبن عباس مرفوعا: من أکل درهما من ربا فهو مثل ثلاثة وثلاثين زنية.

[صفحه 188]

وفي لفظ البيهقي: ان الربا نيف وسبعون بابا أهونهن بابا مثل من أتي امه في الاسلام، ودرهم من ربا أشد من خمس وثلاثين زنية.

13- أخرج الطبراني في الاوسط من طريق البراء بن عازب مرفوعا: الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل امه.

14- أخرج ابن ماجة والبيهقي وابن أبي الدنيا من طريق أبي هريرة مرفوعا: الربا سبعون حوبا أيسرها أن ينکح الرجل امه.

15- أخرج الحاکم بإسناد صحيح عن ابن عباس مرفوعا: إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله.

وفي لفظ أبي يعلي بإسناد جيد من طريق ابن مسعود: ما ظهر في قوم الزنا و الربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله.

16- أخرج أحمد من طريق عمرو بن العاصي مرفوعا: ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا اخذوا بالسنة[5] .

17- أخرج أحمد وابن ماجة مختحرا والاصبهاني من طريق أبي هريرة مرفوعا: رأيت ليلة اسري بي لما انتهينا السماء السابعة فنظرت فوقي فإذا أنا بزعد وبروق وصواعق فأتيت علي قوم بطونهم کالحيات تري من خارج بطونهم قلت: يا جبريل: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء أکلة الربا. وأخرج الاصبهاني من طريق أبي سعيد الخدري بلفظ قريب من هذا.

18- أخرج الطبراني بإسناد رواته رواة الصحيح عن ابن مسعود مرفوعا: بين يدي الساعة يظهر الربا والزنا والخمر.

19- أخرج الطبراني والاصبهاني من طريق عوف بن مالک مرفوعا: إياک والذنوب التي لا تغفر، (إلي أن قال:) وآکل الربا، فمن أکل الربا بعث يوم القيامة مجنونا يتخبط ثم قرأ: الذين يأکلون الربا لا يقومون إلا کما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس.

20- روي عبدالله بن أحمد في زوائده من طريق عبادة بن الصامت مرفوعا: والذي

[صفحه 189]

نفسي بيدي ليبيتن اناس من امتي علي أشر وبطر ولعب ولهو، فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم المحارم واتخاذهم القينات، وشربهم الخمر، وبأکلهم الربا. هذه جملة من أحاديث الباب جمعها وغيرها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 247:2 تا 251.

21- صح عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من خطبة له في حجة الوداع قوله: ألا و إن کل شئ من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين، وربا الجاهلية موضوع، و أول ربا أضعه ربا العباس بن عبدالمطلب وانه موضوع کله.[6] .

22- وروي أئمة الحديث واللفظ لمسلم عن أبي سعيد الخدري مرفوعا: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر والبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد واستزاد فقد أربي، والآخذ والمطعي فيه سواء.

راجع صحيح مسلم 44:5، سنن النسائي 278 و 277: 7، سنن البيهقي 278:5.

23- ومن طريق أبي سعيد مرفوعا: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها علي بعض. ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل. الحديث.

راجع صحيح مسلم 42:5، صحيح البخاري 288:3، کتاب الام للشافعي 25:3، سنن النسائي 278:7، سنن البيهقي 278 و 276: 5، بداية المجتهد 194:2.

24- من طريق ابن عمر: الذهب بالذهب لا فضل بينها، بهذا عهد صاحبنا إلينا وعهدنا إليکم. کتاب الام للشافعي، سنن البيهقي 279:5.

25- من طريق أبي هريرة مرفوعا: الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل، والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربي.

صحيح مسلم 45:5، سنن النسائي 278:7، سنن ابن ماجة 34:2.

26- من طريق عبادة بن الصامت مرفوعا: الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها، والبر بالبر مدي بمدي، والشعير بالشعير مدي بمدي، والتمر بالتمر مدي بمدي، والملح بالملح مدي بمدي، فمن زاد أو ازداد فقد أربي.

سنن أبي داود 85:2، وبلفظ قريب من هذا عن عبادة في کتاب الام للشافعي 12:3.

[صفحه 190]

وعلي هذه السنة الثابتة جرت الفتاوي قال القرطبي في تفسيره 5:349: أجمع العلماء علي القول بمقتضي هذه السنة وعليها جماعة فقهاء المسلمين إلا في البر والشعير، فإن مالکا جعلهما صنفا واحدا.

وقال ابن رشد في بداية المجتهد 194:2: أجمع العلماء علي ان بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة لا يجوز إلا مثلا بمثل.

وفي الفقه علي المذاهب الاربعة 245:2: لا خلاف بين أئمة المسلمين في تحريم ربا النسيئة، فهو کبيرة من الکبائر بلا نزاع، وقد ثبت ذلک بکتاب الله تعالي وسنة رسوله وإجماع المسلمين. الخ

وفي ص 247: أما ربا الفضل وهو أن يبيع أحد الجنسين بمثله بدون تأخير في القبض فهو حرام في المذاهب الاربعة.

هذا ما عند الله وعند رسوله وعند المسلمين أجمع لکن معاوية بلغت به الرفعة مکانا يقول فيه: قال الله ورسوله وقلت، هما يحرمان الربا بأشد التحريم، ويستحله معاوية، وينهي عن رواية سنة جاءت فيه، ويشدد النکير عليها وعلي من رواها حتي يغادر الصحابي الصالح من جرائه عقر داره، فماذا للقائل أن يقول فيمن يحاد الله ورسوله، ويستحل ما حرماه، ويتعد حدودهما؟ أو يقول فيمن يسمع آيات الله تتلي عليه ثم يصر مستکبرا کأن لم يسمعها.

ولان صح للجاحظ إکفار معاوية لمحض مخالفته للسنة الثابتة باستلحاق زياد کما سيوافيک شرحه فهو بما ذکرناه هنا وفي غير واحد من موارده ومصادره أکفر کافر.

ولنا حق النظر إلي ناحية اخري من هذه القصة وهي بيع آنية الفضة من دون کسرها المحرم في شريعة الاسلام تحريما باتا لا خلاف فيه راجع المحلي لابن حزم 514:8، نعم: هذا حکم الاسلام ومعاوية لا يبالي به فيبيع ما يشاء کيف يشاء، وسيري وبال أمره يوم يقوم الناس لرب العالمين، يوم لا تملک نفس لنفس شيئا والامر يومئذ لله.


صفحه 185، 186، 187، 188، 189، 190.








  1. سورة البقرة 275.
  2. سورة البقرة 279.
  3. صحيح مسلم 50:5، سنن أبي داود 83:2، جامع الترمذي، المحلي 468:8، سنن ابن ماجة 40:2، سنن البيهقي 285 و 275: 5، الترغيب والترهيب 247:2، تيسير الوصول 68:1.
  4. صحيح مسلم 271:1، وفي ط 50:5، المحلي لابن حزم 468:8، الترغيب و الترهيب 247:2.
  5. السنة: العام المقحط.
  6. صحيح مسلم 41:4، سنن البيهقي 247:5، سنن أبي داود 83:2.