کلام في إصابة الإمام في جميع حروبه
وهذان القولان مرويّان من طريقي العامّة والخاصّة والمنتسبة من أصحاب الحديث إلي السنّة، والمنتسبين منهم إلي الشيعة، لم يعترض أحد من العلماء الطعن علي سندهما، ولا ادّعي إنسان من أهل المعرفة بالآثار کذب رواتهما. [صفحه 63] وما کان هذا سبيله وجب تسليمه والعمل به، إذ لو کان باطلاً لما خلت الاُمّة من عالم منها ينکره ويکذّب رواته، ولا سلم من طعن فيه، ولعرف سبب تخرّصه وافتعاله، ولاُقيم دليل اللَّه سبحانه علي بطلانه، وفي سلامة هذين الخبرين من جميع ما ذکرناه حجّة واضحة علي ثبوتهما حسبما بيّنّاه. ومن ذلک: الرواية المستفيضة عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال لأمير المؤمنين عليه السلام: «تقاتل يا عليّ علي تأويل القرآن، کما قاتلتَ علي تنزيله».[3] . وقوله- لسهيل بن عمرو ومن حضر معه لخطابه علي ردّ من أسلم من مواليهم-: لتنتهِنّ يا معشر قريش أو ليبعث اللَّه عليکم رجلاً يضربکم علي تأويل القرآن کما ضربتُکم علي تنزيله. فقال له بعض أصحابه: من هو يا رسول اللَّه، هو فلان؟ قال: لا. قال: ففلان؟ قال: لا، ولکنّه خاصف[4] النعل في الحجرة. [صفحه 65] فنظروا فإذا عليّ عليه السلام في الحجرة يخصف نعل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.[5] . ومن ذلک: قوله صلي الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام: «تقاتل بعدي الناکثين والقاسطين والمارقين». والقول في هذه الرواية کالأخبار التي تقدّمت، قد سلمت من طاعن في سندها بحجّةٍ، ومن قيام دليل علي بطلان ثبوتها، وسلّم لروايتها الفريقان فدلّ علي صحّتها. ومن ذلک: قوله صلي الله عليه و آله: «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ، اللهمّ أدر الحقّ مع عليّ حيثما دار».[6] وهذا أيضاً خبر قد رواه محدّثو العامّة، وأثبتوه في الصحيح عندهم، ولم يعترض أحدهم لتعليل سنده، ولا أقدم منهم مقدم علي تکذيب ناقله، وليس توجد حجّة في العقل ولا السمع علي فساده، فوجب الاعتقاد بصحّته وصوابه. ومن ذلک: قوله صلي الله عليه و آله: «اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، [صفحه 66] واخذل من خذله»[7][8] وهذا في الرواية أشهر من أن يحتاج معه إلي جمع السند له، وهو أيضاً مسلّم عند نقلة الأخبار. وقوله صلي الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: «قاتلَ اللَّهُ من قاتلک، وعادي اللَّهُ من عاداک».[9] والخبر بذلک مشهورٌ وعند أهل الرواية معروفٌ مذکور. ومن ذلک: قوله صلي الله عليه و آله: «من آذي عليّاً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي اللَّه تعالي».[10] فَحکمَ أنّ الأذي له عليه السلام أذي اللَّه، والأذي للَّه جلّ اسمه هلاک مخرج عن الإيمان، قال اللَّه عزّ وجلّ: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ و لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَ الْأَخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا».[11] . وأمثال ما أثبتناه- من هذه الأخبار في معانيها الدالّة علي صواب أميرالمؤمنين عليه السلام وخطأ مخالفيه- کثيرة، إن عملنا علي إيراد جميعها، طال به الکتاب وانتشر به الخطاب، وفيما أثبتناه منه للحقّ کفاية للغرض الذي نأمله، إن شاء اللَّه تعالي.[12] . [صفحه 67] أقول: راجع کلام ابن أبي الحديد في أنّ الإمامة بعد النبيّ صلي الله عليه و آله حقّ الإمام عليّ عليه السلام وأنّه لو سلّ سيفه لحکمنا بهلاک کلّ من خالفه؛ لأنه قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنه قال: «علي مع الحق، والحق مع علي يدور حيثما دار، وقال له غير مرة: «حربک حربي وسلمک سلمي».[13] . [صفحه 69]
قال أبو عبداللَّه محمّد بن محمّد بن النعمان الملقّب بالمفيد: ومن الدليل علي أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام کان مصيباً في حروبه کلّها، وأنّ مخالفيه في ذلک علي ضلال، ما تظاهرت به الروايات عن النبيّ صلي الله عليه و آله من قوله: «حربک يا عليّ حربي، وسلمک يا عليّ سلمي»،[1] وقوله صلي الله عليه و آله: «يا عليّ أنا حرب لمن حاربک وسلم لمن سالمک».[2] .
صفحه 63، 65، 66، 67، 69.