ترجمة أبي الحسين الجزار











ترجمة أبي الحسين الجزار



يحيي بن عبدالعظيم بن يحيي بن محمد بن علي جمال الدين أبوالحسين الجزار المصري. أحد شعراء الشيعة المنسيين، ولقد شذت عن ذکره معاجم السلف بالرغم من إطراد شعره في کتب الادب وفي المعاجم أيضا استطرادا متحليا بالجزالة والبراعة، فإن غفل عن تاريخه المترجمون فقد عقد هو لنفسه ترجمة ضافية الذيول خالدة مع الدهر فلم يترک لمن يقف علي شعره ملتحدا عن الاعتراف له بالعبقرية والنبوغ، والاخبات إليه بالتقدم في التورية والاستخدام، قال إبن حجة في الخزانة: تعاهد هو والسراج الوراق والحمامي وتطارحوا کثيرا وساعدتهم صنائعهم وألقابهم في نظم التورية، حتي انه قيل للسراج الوراق: لولا لقبک وصناعتک لذهب نصف شعرک. ودون مقامه ما يوجد من جميل ذکره في الخزانة لابن حجة، وفوات الوفيات للکتبي 319:2، والبداية والنهاية لابن کثير 293:13، وشذرات الذهب 346:5، ونسمة السحر لليمني، والطليعة في شعراء الشيعة للعلامة السماوي، وقد جمع له شيخنا السماوي من شعره

[صفحه 427]

ديوانا يربو علي ألف ومائتين وخمسين بيتا. وکان له ديوان وصف بالشهرة في معاجم السلف، وله ارجوزة في ذکر من تولي مصر من الملوک والخلفاء وعمالها ذکرها له صاحب نسم دة السحر فقال: مفيدة. فکأنها توجد في مکتبات اليمن، وقد وقف عليها صاحب النسمة. ومن شعره قوله في رثاء الامام السبط عليه السلام في تمام المتون للصفدي ص 156 وغيره:


ويعود عاشورا يذکرني
رزء الحسين فليت لم يعد


يوم سيبلي حين أذکره
أن لا يدور الصبر في خلدي


يا ليت عينا فيه قد کحلت
في مرود لم تنج من رمد


ويدا به لشماتة خضبت
مقطوعة من زندها بيدي


أما وقد قتل الحسين به
فأبو الحسين أحق بالکمد


وله في حريق الحرم النبوي قوله:


لا تعبأوا أن يحترق في طيبة
حرم النبي بقول کل سفيه


لله في النار التي وقعت به
سر عن العقلاء لا يخفيه


إذ ليس تبقي في فناه بقية
مما بنته بنو امية فيه


إحترق المسجد الشريف النبوي ليلة الجمعة أول ليلة من شهر رمضان سنة 654 بعد صلاة التراويح علي يد الفراش أبي بکر المراغي بسقوط ذبالة من يده فأتت النار علي جميع سقوفه ووقعت بعض السواري وذاب الرصاص وذلک قبل أن ينام الناس واحترق سقف الحجرة الشريفة ووقع بعضه فيها، وقال فيه الشعراء شعرا، ولعل ابن تولو المغربي أجاب عن أبيات المترجم المذکورة بقوله:


قل للروافض بالمدينة: مالکم
يقتادکم للذم کل سفيه


ما أصبح الحرم الشريف محرقا
إلا لذمکم الصحابة فيه


کانت بين شاعرنا- الجزار- وبين السراج الوراق مداعبة فحصل للسراج رمد فأهدي الجزار له تفاحا وکمثري وکتب مع ذلک:


اکافيک عن بعض الذي قد فعلته
لان لمولانا علي حقوقا


بعثت خدودا مع نهود وأعينا
ولا غرو أن يجزي الصديق صديقا

[صفحه 428]

وإن حال منک البعض عما عهدته
فما حال يوما عن ولا نوقا


بنفسج تلک العين صار شقائقا
ولؤلؤ ذاک الدمع عاد عقيقا


وکم عاشق يشکو انقطاعک عندما
قطعت علي اللذات منه طريقا


فلا عدمتک العاشقون فطالما
أقمت لاوقات المسرة سوقا


وذکر له إبن حجة قوله موريا في صناعته:


ألا قل للذي يسأ
ل عن قومي وعن أهلي


لقد تسأل عن قوم
کرام الفرع والاصل


ترجيهم بنو کلب
وتخشاهم بنو عجل


ومثله قوله:


إني لمن معشر سفک الدماء لهم
دأب وسل عنهم إن رمت تصديقي


تضيي بالدم اشراقا عراصهم
فکل أيامهم أيام تشريق


ومثله قوله:


أصبحت لحاما وفي البيت لا
أعرف ما رائحة اللحم


واعتضت من فقري ومن فاقتي
عن التذاد الطعم بالشم


جهلته فقرا فکنت الذي
أضله الله علي علم


وظريف قوله:


کيف لا اشکر الجزارة ما عش
ت حفاظا وأرفض الآدابا


وبها صارت الکلاب ترجي
ني وبالشعر کنت أرجو الکلابا


ومثله قوله:


معشر ما جاءهم مسترفد
راح إلا وهو منهم معسر


أنا جزار وهم من بقر
ما رأوني قط إلا نفروا


کتب اليه الشيخ نصير الدين الحمامي موريا عن صنعته:


ومذ لزمت الحمام صرت بها
خلا يداري من لا يداريه


أعرف حر الاشياء وباردها
وآخذ الماء من مجاريه


فأجابه أبوالحسين الجزار بقوله:

[صفحه 429]

حسن التأني مما يعين علي
رزق الفتي والحظوظ تختلف


والعبد مذ صار في جزارته
يعرف من أين تؤکل الکتف


وله في التورية قوله:


أنت طوقتني صنيعا واسمع
تک شکرا کلاهما ما يضيع


فإذا ما شجاک سجعي فإني
أنا ذاک المطوق المسموع


ومن لطائفة ما کتب به إلي بعض الرؤساء وقد منع من الدخول إلي بيته:


أمولاي ما طباعي الخروج
ولکن تعلمته من خمول


أتيت لبابک أرجو الغني
فأخرجني الضرب عند الدخول


ومن مجونه في التورية قوله في زواج والده:


تزوج الشيخ أبي شيخة
ليس لها عقل ولا ذهن


لو برزت صورتها في الدجا
ما جسرت تبصرها الجن


کأنها في فرشها رمة[1] .
وشعرها من حولها قطن


وقائل لي قال: ما سنها؟
فقلت: ما في فمها سن


وله قوله في داره:


ودار خراب بها قد نزل
ت ولکن نزلت إلي السابعه


طريق من الطرق مسلوکة
محجتها للوري شاسعه


فلا فرق ما بين أني أکون
بها أو أکون علي القارعه


تساررها هفوات النسيم
فتصغي بلا اذن سامعه


وأخشي بها أن اقيم الصلاة
فتسجد حيطانها الراکعه


إذا ما قرأت إذا زلزلت
خشيت بأن تقرأ الواقعه


وله في بعض ادباء مصر وکان شيخا کبيرا ظهر عليه جرب فالتطخ بالکبريت قوله ذکره له إبن خلکان في تاريخه 1 ص 67:


أيها السيد الاديب دعاءا
من محب خال من التنکيت


أنت شيخ وقد قربت من النار
فکيف أدهنت بالکبريت

[صفحه 430]

وله قوله:


من منصفي من معشر
کثروا علي وأکثروا


صادقتهم وأري الخرو
ج من الصداقة يعسر


کالخط يسهل في الطرو
س ومحوه يتعذر


وإذا أردت کشطته
لکن ذاک يؤثر


ومن قوله في الغزل:


بذاک الفتور وهذا الهيف
يهون علي عاشقيک التلف


أطرت القلوب بهذا الجمال
وأوقعتها في الاسي والاسف


تکلف بدر الدجي إذ حکي
محياک لو لم يشنه الکلف


وقام بعذري فيک العذار
وأجري دموعي لما وقف


وکم عاذل أنکر الوجد فيک
علي فلما رءاک اعترف


وقالوا: به صلف زائد
فقلت: رضيت بذاک الصلف


لئن ضاع عمري في من سواک
غراما فإن عليک الخلف


فهاک يدي إنني تائب
فقل لي: عفي الله عما سلف


بجوهر ثغرک ماء الحياة
فماذا يضرک لو يرتشف


ولم أر من قبله جوهرا
من البهرمان[2] عليه صدف


اکاتم وجدي حتي أراک
فيعرف بالحال لا من عرف


وهيهات يخفي غرامي عليک
بطرف همي وبقلب رجف


ومنه قوله:


حمت خدها والثغر عن حائم شج
له أمل في مورد ومورد


وکم هام قلبي لارتشاف رضابها
فأعرف عن تفصيل نحو المبرد


ومن بديع غزله قوله:


وما بي سوي عين نظرت لحسنها
وذاک لجهلي بالعيون وغرتي


وقالوا: به في الحب عين ونظرة
لقد صدقوا عين الحبيب ونظرتي

[صفحه 431]

وله قوله يرثي حماره:


ماکل حين تنجح الاسفار
نفق[3] الحمار وبادت الاشعار


خرجي علي کتفي وها أنا دائر
بين البيوت کأنني عطار


ماذا علي جري لاجل فراقه
وجرت دموع العين وهي غزار


لم أنس حدة نفسه وکأنه
من أن تسابقه الرياح يغار


وتخاله في القفر جنا طائرا
ما کل جن مثله طيار


وإذا أتي للحوض لم يخلع له
في الماء من قبل الورود عذار


وتراه يحرس رجله من زلة
برشاشها يتنجس الحضار


ويلين في وقت المضيق فيلتوي
فکأنما بيديک منه سوار


ويشير في وقت الزحام برأسه
حتي يحيد أمامه النظار


لم أدر عيبا فيه إلا أنه
مع ذا الذکاء يقال عنه حمار


ولقد تحامته الکلاب وأحجمت
عنه وفيه کل ما تختار


راعت لصاحبه عهودا قد مضت
لما علمن بأنه جزار


وقال في موت حمار صديق له:


مات حمار الاديب قلت لهم
:مضي وقد فات منه ما فاتا


من مات في عزه استراح ومن
خلف مثل الاديب ما ماتا


وله قوله:


لا تعبني بصنعة القصاب
فهي أذکي من عنبر الآداب


کان فضلي علي الکلاب فمذ صر
ت أديبا رجوت فضل الکلاب


کان کمال الدين عمر بن أحمد بن العديم[4] إذا قدم مصر يلازمه أبوالحسين الجزار فقال بعض أهل عصره حسدا عليه:


يا بن العديم عدمت کل فضيلة
وغدوت تحمل راية الادبار

[صفحه 432]

ما إن رأيت ولا سمعت بمثلها
نفس تلذ بصحبة الجزار


قال الصفدي في تمام المتون ص 181 بعد ذکره قول هارون الرشيد (إن الکريم إذا خادعته انخدعا): ذکرت هنا قضية جرت لابي الحسين الجزار وهي: انه توجه الجزار إلي ابن يعمور بالمحلة وأقام عنده مدة ثم انه أعطاه ورده وجاء ليودعه فاتفق أن حضر في ذلک الوقت وکيل إبن يعمور علي أقطاعه فقال له: ما أحضرت؟ قال کذا وکذا دراهم. فقال: اعطه الخزندار. فقال: کذا وکذا غلة. فقال:احملها إلي الشونة. قال: کذا وکذا خروف. فقال: اعطها الجزار. فقام الجزار وقبل الارض وقال: يا مولانا: کم وکم تتفضل. فتبسم إبن يعمور وانخدع وقال: خذها.

وذکر له الصفدي في تمام المتون شرح رسالة ابن زيدون ص 35 من أبيات له:


وحقک مالي من قدرة
علي کشف ضري إذ مسني


فکم أخذتني عيون الظبا
ء بعد الانابة من مأمني


وفي ص 46 من تمام المتون قوله:


اطيل شکا يأتي إلي غير راحم
وأهل الغني لا يرحمون فقيرا


وأشکر عيشي للوري خوف شامت
کذا کل نحس لا يزال شکورا


وله في تمام المتون ص 212 قوله:


لست أنسي وقد وقفت فأنشدت
قصيدا تفوق نظم الجمان


کل بيت يزري علي خلف الاحمر
بالحسن وهو شيخ بن هاني


ببديع يحار في نظمه الطائي
بل مسلم صريع الغواني


ومديح ما نال جودته قدما
زياد في خدمة النعمان


قمت وسط الايوان بين يدي
ملک تسامي علي أنوشروان


وله في تمام المتون ص 220 قوله:


ولقد کسوتک من قريضي حلة
جلت عن التلفيق والترقيع


حسنت برقم من جلالک فاغتدت
کالروض في التسهيم والترصيع


وذکر في تمام المتون ص 226 قوله:


احمل قلبي کل يوم وليلة
هموما علي من لا أفوز بخيره

[صفحه 433]

کما سود القصار في الشمس وجهه
حريصا علي تبييض ثوب لغيره


قال ابن حجة في «الخزانة» ص 338: ولد سنة 601 وتوفي 672 بمصر. وزاد فيه إبن کثير في «البداية والنهاية» يوم وفاته وشهره: ثاني عشر شوال، وهکذا أرخ ولادته ووفاته من أرخهما من المؤلفين غير أن صاحب «شذرات الذهب» شذ عنهم وعده ممن توفي سنة 679 وقال: توفي في شوال وله ست وسبعون سنة أو نحوها ودفن بالقرافة. والله العالم.

[صفحه 434]


صفحه 427، 428، 429، 430، 431، 432، 433، 434.








  1. الرمة بالکسر والفتح: ما بلي من العظام.
  2. البهرمان: الياقوت الاحمر.
  3. نفقت الدابة: خرجت روحها.
  4. ابوالقاسم الوزير الرئيس الکبير الحلبي الحنفي سمع الحديث وحدث وتفقه وافتي ودرس وصنف، ولد سنة 586 وتوفي 660.