ادب مجد الدين ابن حميل











ادب مجد الدين ابن حميل



لا ريب في أن ضياع أدب الاديب من إمارات ضياع ترجمته أو استبهامها، وقد غبرنا دهرا نبحث عن ترجمة هذا الاديب الکبير فلم نعثر إلا علي ما ذکرنا من الاخبار والسيرة المختصرة، فأين مجموع نثره وديوان شعره والمقامات التي أنشأها إنها في ضمير الغيب، ولم يصل إلي منها إلا ما أنا ناشره بعد هذا، کتب مجد الدين محمد بن جميل إلي جده إبن واصل المذکور:

إن أخذ الخادم في شکر الانعام الزيني[1] قصر عن غايته وقصر دون نهايته، وإن تعرض لوصف تلک الخلال الشريفة، والاخلاق اللطيفة، والالفاظ المستعذبة المألوفة مکنونا من عيه، ولکنه نشر ما لعله کان مطويا من حصره وفيها هنة لکنه يقول علي ثقة من مسامحته:

[صفحه 406]

قصدت ربعي فتعالي به
قدري فدتک النفس من قاصد


فما رأي العالم من قبلها
بحرا مشي قط إلي وارد


فلله هو من بحر خضم عذب ماؤه وسري نسيما هواؤه فأمن سالکوه من خطره ورأوا عجائبه وفازوا بدرره، وإن کنت في هذا المقام کالمنافس علي قول ابن قلاقس[2] .


قبل بنان يمينه
وقل: ألسلام عليک بحرا


وغلطت في تشبيهه
بالبحر أللهم غفرا


والله تعالي يسبغ الظل الظليل، ويبقي ذلک المجد الاثيل، ويستخدم الدهر لخدمه ومحبيه، ويمتعهم ببلوغ الآمال منه وفيه بمنه وکرمه[3] .

هذه هي الرسالة الاخوانية الوحيدة التي عثرت عليها لمجد الدين ابن جميل، وله توقيع کتبه في سنة 604 أيام کان کاتبا في المخزن في تولية ضياء الدين أحمد بن مسعود الترکستاني الحنفي التدريس بمدرسة الامام أبي حنيفة المجاورة لقبره يومذاک قال فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم، ألحمد لله المعروف بفنون المعروف والکرم، ألموصوف بصنوف الاحسان والنعم، ألمتفرد بالعظمة والکبرياء والبقاء والقدم، الذي اختص الدار العزيزة- شيد الله بناها، وأشاد مجدها وعلاها- بالمحل الاعظم والشرف الاقدم، وجمع لها شرف البيت العتيق ذي الحرم، إلي شرف بيت هاشم الذي هشم، جاعل هذه الايام الزاهرة الناظرة، والدولة القاهرة الناصرة، عقدا في جيد مناقبها وحليا يجول علي ترائبها- أدامها الله تعالي ما انحدر لثام الصباح، وبرح خفاء براح- أحمده حمد معترف بتقصيره عن واجب حمده، مغترف من بحر عجزه مع بذل وسعه وجهده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريک له، وهو الغني عن شهادة عبده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي صدع بأمره، وجاء بالحق من عنده، صلي الله عليه صلاة تتعدي

[صفحه 407]

إلي أدني ولده وأبعد جده، حتي يصل عقبها إلي أقصي قصيه ونزاره ومعده. وبعد: فلما کان الاجل السيد الاوحد العالم ضياء الدين شمس الاسلام رضي الدولة عز الشريعة علم الهدي رئيس الفريقين تاج الملک فخر العلماء أحمد بن مسعود الترکستاني- أدام الله علوه- ممن أعرق في الدين منسبه، وتحلي بعلوم الشريعة أدبه، واستوي في الصحة مغيبه ومشهده وشهد له بالامانة لسانه ويده، وکشف الاختبار منه عفة وسدادا، وأبت مقاصده إلا أناة واقتصادا، رأي الاحسان إليه والتعويل عليه في التدريس ب (مشهد أبي حنيفة)- رحمة الله عليه- ومدرسته وأسند إليه النظر في وقف ذلک أجمع لاستقبال حادي عشري ذي القعدة سنة أربع وستمائة الهلالية وما بعدها وبعدها. وأمر بتقوي الله- جلت آلاؤه وتقدست أسماءه- التي هي أزکي قربات الاولياء، وأنمي خدمات النصحاء، وأبهي ما استشعره أرباب الولايات، وأدل الادلة علي سبل الصالحات، وفاعلها بثبوت القدم خليق، وبالتقديم جدير قال الله تعالي: إن أکرمکم عند الله أتقاکم إن الله عليم خبير.

وأن يذکر الدرس علي أکمل شرائط وأجمل ضوابط، مواظبا علي ذلک سالکا فيه أوضح المسالک مقدما عليه تلاوة القرآن المجيد علي عادة الختمات في البکر و الغدوات، متبعا ذلک بتمجيد آلاء الله وتعظيمها والصلاة علي نبيه- صلي الله عليه صلاة يضوع أرج نسيمها- شافعا ذلک بالثناء علي الخلفاء الراشدين والائمة المهديين- صلوات الله عليهم أجمعين- والاعلان بالدعاء للمواقف الشريفة المقدسة النبوية الامامية الطاهرة الزکية المعظمة المکرمة الممجدة الناصرة لدين الله تعالي- لا زالت منصورة الکتب والکتائب، منشورة المناقب، مسعودة الکواکب والمواکب، مسودة الاهب، مبيضة المواهب، ما خطب إلي جموع الاکابر وعلي فروع المنابر خطيب وخاطب- وأن يذکر من الاصول فصلا يکون من سهام الشبه جنة. ولنصر اليقين مظنة، متبعا من المذهب ومفرداته ونکته ومشکلاته ما ينتفع به المتوسط والمبتدي، ويتبينه ويستضئ به المنتهي، وليذکر من المسائل الخلافية ما يکون داعيا إلي وفاق المعاني والعبارات، هاديا لشوارد الافکار إلي موارد المنافسات ناظما عقود التحقيق في سلوک المحاققات[4] مصوبا أسنة البديهة إلي ثغر الاناة، معتصما في جميع أمره بخشية الله

[صفحه 408]

وطاعته، مستشعرا ذلک في علنه وسريرته.

والمفروض له عن هذه الخدمة في کل شهر للاستقبال المقدم ذکره من حاصل الوقف المذکور لسنة تسع وتسعين الخراجية وما يجري مجراها من هلالية وما بعدها اسوة بما کان لعبد اللطيف ابن الکيال من الحنطة کيل البيع- ثلاثون قفيزا- ومن العين الامامية- عشرة دنانير- يتناول ذلک شهرا فشهرا مع الوجوب والاستحقاق للاستقبال المقدم ذکره من حاصل الوقف المعين للسنة المبينة الخراجية وما بعدها بموجب ما استؤمر فيه من المخزن المعمور- أجله الله تعالي- وإذن: فليجر علي عادته المذکورة وقاعدته، ولتکن صلاته وجماعته في جامع القصر الشريف[5] في الضفه التي لاصحاب أبي حنيفة- رحمة الله عليه- وليصرف حاصل الوقوف المذکورة في سبلها بمقتضي شرط الواقف المذکور في کتاب الوقفية من غير زيادة فيها ولا عدول عنها ولا حذف شئ منها، عالما انه مسؤول في غده عن يومه وأمسه، وإن أفعال المرء صحيفة له في رمسه وليبذل جهده في عمارة الوقوف المذکورة واستنمائها واستثمار حاصلها وارتفاعها مستخيرا من يستخدمه فيها من الاجلاد الامناء ذوي العفة والغناء متطلعا إلي حرکاتهم و سکناتهم، مؤاخذا لهم علي ما لعله يتصل به من فرطاتهم، لتکون الاحوال متسقة النظام، والمال محروسا من الانثلام، وليبتدئ بعمارة المشهد والمدرسة المذکورين وإصلاح فرشها ومصابيحها، وأخذ القوام علي الخدمة بها، وإلزام المتفقهة بملازمة الدروس و تکرارها، وإتقان المحفوظات وإحکامها، وليثبت بخزانة الکتب من المجلدات وغيرها معارضا ذلک بفرسته متطلبا ما عساه قد شذ منها، وليأمر خازنها بعد استصلاحه بمراعاتها و نفضها في کل وقت ومرمة شعثها، وأن لا يخرج منها إلا إلي ذي أمانة مستظهر بالرهن عن ذلک، وليتلق هذه الموهبة بشکر يرتبطها ويدبر اخلافها واجتهاد يضبطها ويؤمن إخلافها وليعمل بالمحدود له في هذا المثال من غير توقف فيه بحال- إن شاء الله تعالي- وکتب لسبع بقين من ذي القعدة من سنة أربع وستمائة، وحسبنا الله ونعم الوکيل وصلي الله علي نبينا محمد وآله الطاهرين الاکرمين وسلم[6] .

[صفحه 409]


صفحه 406، 407، 408، 409.








  1. کذ ورد وقد قدمنا ان لقبه تاج الدين فلعله بدل لقبه بعد ذلک کما کان جاريا في الدولة العباسية.
  2. هو أبوالفتح نصر الله بن عبدالله بن مخلوف بن علي بن عبدالقوي بن قلاقس الاديب الشاعر المجيد، ولد سنة 532، وتوفي بعيذاب سنة 563. وقصر عمره يدل علي نبوغه، وله الديوان المطبوع.
  3. أصول التاريخ والادب 23 ص 57.
  4. کذا ورد بفک الادغام والصواب الادغام وشذ قولهم «تجانن فلان» أي اظهر الجنون وليس به.
  5. هو جامع سوق الغزل الحالي ولکنه کان أوسع اقطارا وأوعب للناس.
  6. الجامع المختصر 9 ص 233 -6.