غثيثة التزوير











غثيثة التزوير



هذه مأثورات القوم في حجرهم الاساسي الذي عليه ابتنوا ما علوه من هيکل الافک وما شادوه وأشادوا بذکره من بنية الزور، وقد عرفت شهادة الاعلام بأنها أساطير موضوعة لا مقيل لها من الصحة، ويساعد ذلک الاعتبار لان البرهنة الوحيدة عند القوم في باب الخلافة هو الاجماع والانتخاب فحسب، ولم تجد منهم أي شاذ يعتمد علي النص فيها، وتراهم بسطوا القول حول إبطال النص وتصحيح الاختيار وأحکامه، وقد يعزي لديهم إنکار النص إلي امة من الشيعة فضلا عن جمهورهم، قال الباقلاني في «التمهيد» ص 165: وعلمنا بأن جمهور الامة والسواد الاعظم منها ينکر ذلک- النص- ويجحده و يبرأ من الدائن به، ورأينا أکثر القائلين بفضل علي عليه السلام من الزيدية ومعتزلة البغداديين وغيرهم ينکر النص عليه ويجحده مع تفضيله عليا علي غيره.

وقال الخضري في «المحاضرات» ص 46: ألاصل في إنتخاب الخليفة رضا الامة فمن ذلک يستمد قوته، هکذا رأي المسلمون عند وفاة رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد انتخبوا أبا بکر الصديق إختيارا منهم لا استنادا إلي نصر أو أمر من صاحب الشريعة صلي الله عليه وسلم، وبعد أن انتخبوه بايعوه ومعني ذلک عاهدوه علي السمع والطاعة فيما فيه رضا الله سبحانه، کما انه عاهدهم علي العمل فيهم بأحکام الدين من کتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهذا التعاهد المتبادل بين الخليفة والامة هو معني البيعة تشبيها له بفعل البائع والمشتري فإنهما کانا يتصافحان بالايدي عند إجراء عقد البيع.

فمن هذه البيعة تکون قوة الخليفة الحقيقية وکانوا يرون الوفاء بها من ألزم ما يوجبه الدين وتحتمه الشريعة.

وقد سن أبوبکر رضي الله عنه طريقة اخري في إنتخاب الخليفة وهي أن يختار هو من يخلفه ويعاهده الجمهور علي السمع والطاعة، وقد وافق الجمهور الاسلامي علي هذه الطريقة، ورأي أن هذا مما تجب الطاعة فيه وذلک العمل هو ولاية العهد. اه.

فمن هنا يتجلي ان تاريخ ولادة هذه المرويات بعد انعقاد البيعة واستقرار الخلافة

[صفحه 358]

لمن تقمصها، ولذلک لم ينبس أحد منهم يوم السقيفة ولا بعده بشئ من ذلک علي ما احتدم هنالک من الحوار والتنازع والحجاج، وليس ببدع أن لا يعرفها أحد قبل ولادتها، وإنما العجب من أن البحاثة وعلماء الکلام من بعد ذلک التاريخ- إلا الشذاذ منهم- لم يأبهوا بها في إثبات أصل الخلافة وإن لم يألوا جهدا في التصعيد والتصويب جهد مقدرتهم، وما ذلک إلا لانهم لم يعرفوا تلکم المواليد المزورة، نعم يوجد من المؤلفين من يذکرها في مقام سرد الفضايل تمويها علي الحق.

وهناک أحاديث جمة صحيحة- عند القوم- تضادها وتکذبها مثل ما صح عن أبي بکر انه قال في مرضه الذي توفي فيه: وددت إني سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم لمن هذا الامر؟ فلا ينازعه أحد، ووددت إني کنت سألت هل للانصار في هذا الامر نصيب[1] .

فلو کان أبوبکر سمع النص علي خلافته من رسول الله کما هو صريح بعض تلکم المنقولات لما کان مجال لتمنيه هذا إلا أن يکون قد غلبه الوجع أو انه کان هجرا من القول کما احتملوه في حديث الکتف والدواة.

2- وما أخرجه مالک عن عائشة قالت: لما احتضر أبوبکر رضي الله عنه دعا عمر فقال: إني مستخلفک علي أصحاب رسول الله يا عمر! وکتب إلي امراء الاجناد: وليت عليکم عمر ولم آل نفسي ولا المسلمين إلا خيرا[2] .

فإن کان هناک نص علي خلافة عمر فما معني نسبة أبي بکر الاستخلاف والتولية إلي نفسه

3- وما رواه عبدالرحمن بن عوف قال: دخلت يوما علي أبي بکر الصديق رضي الله تعالي عنه في علته التي مات فيها، فقلت له: أراک بارئا يا خليفة رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: أما اني علي ذلک لشديد الوجع، ولما لقيت منکم يا معشر المهاجرين! أشد علي من وجعي، إني وليت امورکم خيرکم في نفسي، فکلکم ورم أنفه أن يکون له الامر من

[صفحه 359]

دونه. إلي أن قال: فقلت خفض عليک يا خليفة رسول الله! صلي الله عليه وسلم فإن هذا يهيضک[3] إلي ما بک فو الله مازلت صالحا مصلحا، لا تأسي علي شيئ فاتک من أمر الدنيا، ولقد تخليت بالامر وحدک فما رأيت إلا خيرا[4] .

تورم أنف الصحابة إما لاعترافهم بعدم النص وإن الخيرة قد عدتهم من غير ما أولوية في المختار- بالفتح- أو: لاعتقادهم وجود النص لکنه لم يعمل به بل اعملت الاثرة والمحاباة فنقموا بأنها قد عدتهم. وإما لاعتقادهم إن الامر لا يکون إلا باختيار الامة فغاضهم التخلف عنه. وإما لاعتقادهم وجود النص علي علي أميرالمؤمنين عليه السلام خاصة فغضبوا له و أسخطهم أن يتقدم عليه غيره.وإما لانهم رأوا ان الناس لا يعتمدون علي النص، ولا يجزي الانتخاب علي اصوله، وان الانتخاب الاول کان فلتة بنص من عمر، والاختيار الشخصي ما کان معهودا، فإذا کان السائد وقتئذ الفوضوية فلکل أحد يري لنفسه حنکة التقدم أن يطمع في الامر کما قال عبدالرحمن بن عوف في حديث أخرجه البلاذري في «الانساب» 20:5: يا قوم أراکم تتشاحون عليها وتؤخرون إبرام هذا الامر، أفکلکم رحمکم الله يرجو أن يکون خليفة؟.

4- وما أخرجه ابن قتيبة في حديث يأتي کملا من قول أبي بکر: إن الله بعث محمدا صلي الله عليه وسلم نبيا وللمؤمنين وليا فمن الله تعالي بمقامه بين أظهرنا حتي اختار له الله ما عنده فخلي علي الناس أمرهم ليختاروا لانفسهم في مصلحتهم متفقين لا مختلفين فاختاروني عليهم واليا ولامورهم راعيا. الامامة والسياسة 15:1.

5- وما صح عن عمر انه قال: ثلاث لان يکون رسول الله بينهن أحب إلي من حمر النعم: ألخلافة. ألکلالة. ألربا. وفي لفظ: أحب إلي من الدنيا وما فيها.

6- وما جاء عن عمر صحيحا من قوله: لان أکون سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عن ثلاث أحب إلي من حمر النعم: ومن الخليفة بعده. ألحديث[5] .

7- وما صح عن عمر انه قال: إن الله تعالي يحفظ دينه واني إن لا أستخلف فإن

[صفحه 360]

رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يستخلف، وإن أستخلف؟ فإن أبا بکر رضي الله عنه قد استخلف. قال- عبدالله بن عمر-: فوالله ما هو إلا أن ذکر رسول الله وأبا بکر فعلمت أنه لا يعدل برسول الله صلي الله عليه وسلم أحدا وأنه غير مستخلف[6] .

8- وما صح من أن عمر لما طعن قيل له: لو استخلفت فقال: أتحمل أمرکم حيا وميتا إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبوبکر. وإن أترک فقد ترک من هو خير مني رسول الله صلي الله عليه وسلم. قال عبدالله فعلمت أنه غير مستخلف[7] .

9- وما أخرجه مالک من خطبة عمر:أيها الناس! إني لا اعلمکم من نفسي شيئا تجهلونه أنا عمر ولم أحرص علي أمرکم ولکن المتوفي أوحي إلي بذلک والله ألهمه ذلک، وليس أجعل أمانتي إلي أحد ليس لها بأهل ولکن اجعلها من تکون رغبته في ال دتوفير للمسلمين، أولئک هم أحق بهم ممن سواهم، تيسير الوصول 2 ص 48.

فشتان بين هذه الخطبة وبين تلک المفتعلات فإن عمر يري خلافته وحيا من أبي بکر لا وحيا من الله جاء به جبريل إلي النبي الاعظم، وصدع به صلي الله عليه وآله في الملا الديني، وأذن به بلال کما کان نص بعضها.

10- وما أخرجه الطبري في تاريخه ج 5 ص 33: إن عمر بن الخطاب لما طعن قيل له:يا أميرالمؤمنين لو استخلفت؟ قال من أستخلف؟ لو کان أبوعبيدة ابن الجراح حيا إستخلفته. فإن سألني ربي قلت: سمعت نبيک يقول: إنه أمين هذه الامة، ولو کان سالم مولي أبي حذيفة حيا إستخلفته فإن سألني ربي قلت: سمعت نبيک يقول: إن سالما شديد الحب لله. فقال له رجل: أدلک عليه عبدالله بن عمر فقال: قاتلک الله والله ما أردت الله بهذا ويحک کيف أستخلف رجلا عجز عن طلاق إمرأته لا إرب لنا في امورکم ما حمدتها فأرغب فيها لاحد من أهل بيتي، إن کان خيرا فقد أصبنا منه، وإن کان شرا

[صفحه 361]

فشرعنا إلي عمر، بحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد ويسئل عن أمر امة محمد،لقد جهدت نفسي وحرمت أهلي، وإن نجوت کفافا لا وزر ولا أجر إني لسعيد، وانظر فإن استخلفت؟ فقد استخلف من هو خير مني، وإن أترک؟ فقد ترک من هو خير مني، ولن يضيع الله دينه. فخرجوا ثم راحوا فقالوا: يا أميرالمؤمنين! لو عهدت عهدا؟ فقال: قد کنت أجمعت بعد مقالتي لکم أن انظر فاولي رجلا أمرکم هو أحراکم أن يحملکم علي الحق- وأشار إلي علي- ورهقتني غشية فرأيت رجلا دخل جنة قد غرسها فجعل يقطف کل غضة ويانعة فيضمه إليه ويصيره تحته، فعلمت أن الله غالب أمره، ومتوف عمر، فما اريد أن أتحملها حيا وميتا، عليکم هؤلاء الرهط. ألحديث.

وذکره إبن عبد ربه في العقد الفريد 2:256.

ليتني أدري وقومي کيف تطلب الصحابة من عمر الاستخلاف وتصفح عن تلکم النصوص الجمة وکيف يخالفها عمر ويري أبا عبيدة وسالما أهلا للخلافة ويتمني حياتهما ثم يجعلها شوري ثم کيف يري الحديثين في فضل الرجلين حجة لاستخلافهما ولم ير ما ورد في الکتاب والسنة من الوف المناقب في علي عليه السلام عذرا عند ربه إن سئل عن استخلافه وکيف لم يجد من نطق القرآن بعصمته، ونزلت فيه آية التطهير، وعده الکتاب نفس النبي الاقدس أهلا للاستخلاف؟ وما باله لم يستخلف عبدالله بن عمر لجهله بمسألة واحدة؟ وکان أکثر علما من أبيه، ولم يکن عمر يري الخليفة إلا خازنا وقاسما غير مفتقر إلي أي علم کما صح عنه في خطبة له من قوله:

أيها الناس من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت ابي بن کعب. ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت. ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله جعلني خازنا وقاسما[8] .

11-وما عن إبن عمر إنه قال لعمر: إن الناس يتحدثون انک غير مستخلف ولو کان لک راعي إبل أو راعي غنم ثم جاء وترک رعيته رأيت أن قد فرط، ورعية الناس أشد من رعية الابل والغنم، ماذا تقول لله عزوجل إذا لقيته ولم تستخلف علي عباده؟ قال: فأصابه کآبة ثم نکس رأسه طويلا ثم رفع رأسه وقال: إن الله تعالي حافظ الدين وأي

[صفحه 362]

ذلک أفعل فقد سن لي. إن لم استخلف فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يستخلف، وإن أستخلف فقد استخلف أبوبکر. قال عبدالله: فعرفت انه غير مستخلف.

أخرجه أبونعيم في «الحلية» 1 ص 44، وابن السمان في «الموافقة» کما في «الرياض النضرة» 2 ص 74، م- وأخرجه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم وغيره عن عبدالرزاق، والبخاري من وجه آخر عن معمر کما في «سنن البيهقي 149:8»، وفي لفظة: قلت له: إني سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لک: زعموا انک غير مستخلف وقد علمت أنه لو کان لک راعي غنم فجاءک وقد ترک رعايته رأيت أن قد ضيع فرعاية الناس أشد. قال: فوافقه قولي فأظرق مليا ثم رفع رأسه فقال: إن الله يحفظ دينه وإن لا أستخلف؟ فإن رسول الله لم يستخلف وإن استخلف فإن أبا بکر قد استخلف. ألحديث. وبهذا اللفظ ذکره إبن الجوزي في سيرة عمر ص 190.

12- وما أخرجه أبوزرعة في کتاب «العلل» عن إبن عمر قال: لما طعن عمر قلت: يا أميرالمؤمنين لو اجتهدت بنفسک وأمرت عليهم رجلا؟ قال: اقعدوني. قال عبدالله فتمنيت لو ان بيني وبينه عرض المدينة فرقا منه حين قال: اقعدوني. ثم قال: والذي نفسي بيده لاردنها إلي الذي دفعها إلي أول مرة. ألرياض النضرة 74:2.

13- وما روي إبن قتيبة في «الامامة والسياسة» ص 22 من أن عمر لما أحس بالموت قال لابنه عبدالله: اذهب إلي عائشة واقرئها مني السلام واستأذنها أن اقبر في بيتها مع رسول الله ومع أبي بکر فأتاها عبدالله فأعلمها فقالت: نعم وکرامة، ثم قالت: يا بني أبلغ عمر سلامي وقل له: لا تدع امة محمد بلا راع، إستخلف عليهم ولا تدعهم بعدک هملا، فإني أخشي عليهم الفتنة. فأتي عبدالله فأعلمه فقال: ومن تأمرني أن أستخلف لو أدرکت أبا عبيدة بن الجراح باقيا، استخلفته ووليته فإذا قدمت علي ربي فسألني وقال لي: من وليت علي امة محمد قلت: أي رب! سمعت عبدک ونبيک يقول: لکل امة أمين وأمين هذه الامة أبوعبيدة إبن الجراح. ولو أدرکت معاذ بن جبل إستخلفته فإذا قدمت علي ربي فسألني: من وليت علي امة محمد قلت: أي رب سمعت عبدک ونبيک يقول: إن معاذ بن جبل يأتي بين يدي العلماء يوم القيامة، ولو أدرکت خالد بن وليد لوليته فإذا قدمت علي ربي فسألني: من وليت علي امة محمد قلت:

[صفحه 363]

أي رب سمعت عبدک ونبيک يقول: خالد بن وليد سيف من سيوف الله سله علي المشرکين ولکني سأستخلف النفر الذي توفي رسول الله وهو عنهم راض. ألحديث. وذکر في أعلام النساء 876:2.

قال الاميني: ليت عمر بن الخطاب کان علي ذکر مما سمعه من رسول الله صلي الله عليه وآله في علي أميرالمؤمنين ولو حديثا واحدا مما أخرجه عنه الحفاظ فکان يستخلفه ويراه عذرا عند ربه حينما سأله عمن ولاه امة محمد، ولعله کان يکفيه ذکر ما أجمعت الامة الاسلامية عليه من قوله صلي الله عليه وآله وسلم: إني مخلف فيکم الثقلين- أو تارک فيکم خليفتين- إن تمسکتم بهما لن تضلوا أبدا: کتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتي يردا علي الحوض. وعلي سيد العترة.

م- أليس عمر هو راوي ما جاء في الصحاح والمسانيد من طريقه في علي عليه السلام من قوله صلي الله عليه وآله: علي مني بمنزلة هارون من موسي، إلا أنه لا نبي بعدي

وقوله صلي الله عليه وآله يوم خيبر: لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله

وقوله صلي الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم: من کنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه

وقوله صلي الله عليه وآله: ما اکتسب مکتسب مثل فضل علي، يهدي صاحبه إلي الهدي، ويرد عن الردي

وقوله صلي الله عليه وآله: لو أن السماوات السبع والارضين السبع وضعت في کفة ووضع ايمان علي في کفة لرجح ايمان علي[9] .

ألم تکن آي المباهلة والتطهير والولاية إلي أمثالها الکثير الطيب النازل في الثناء علي سيد العترة تساوي عند عمر تلکم الموضوعات المختلقة في أولئک الذين تمني حياتهم؟!

والخطب الفظيع ان عمر کان يري مثل سالم بن معقل- أحد الموالي مولي بني حذيفة وکان من عجم الفرس- أهلا للخلافة وصاحبها الوحيد، ويتمني حياته لما طعن بقوله:

[صفحه 364]

لو کان سالم حيا ما جعلتها شوري[10] .

هلا عزيز علي رسول الله صلي الله عليه وآله أن لا يعادل صنوه أميرالمؤمنين حتي الموالي والعبيد من امته بعد تلکم النصوص الواردة فيه کتابا وسنة؟ ألم يکن عمر نفسه محتجا يوم السقيفة علي الانصار بقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: ألائمة من قريش فلماذا نسيه وکيف يري لمولي بني حذيفة قسطا من الخلافة

ألم يکن عمر هو الذي ألح علي أبي بکر في خالد بن الوليد أن يعزله ويرجمه و يقتله لما قتل مالک بن نويرة، ونزي علي حليلته، وقتل أصحابه المسلمين، وفرق شمله، وأباد قومه، ونهب أمواله، أنسي قوله لابي بکر: إن في سيف خالد رهقا أم قوله فيه: عدو الله عدا علي امرئ مسلم فقتله ثم نزا علي امرأته؟ أم قوله لخالد: قتلت امرءا مسلما ثم نزوت علي امرأته، والله لارجمنک بأحجارک؟.

نعم: ألسياسة الشاذة عن مناهج الصلاح تتحف صاحبها کل حين لسانا ومنطقا يختصان به، وهذه الخواطر والآراء والاماني واللهجة الملهوجة هي نتاج السياسة المحضة تضاد نداء کتاب الله ونداء الصادع الکريم، وهي التي جرت الشقاء والشقاق علي امة محمد صلي الله عليه وآله حتي اليوم.

14- وما أخرجه البلاذري في «أنساب الاشراف» 16:5 عن إبن عباس قال. قال عمر: لا أدري ما أصنع بامة محمد- وذلک قبل أن يطعن- فقلت: ولم تهتم وأنت تجد من تستخلفه عليهم قال: أصاحبکم يعني عليا؟ قلت: نعم هو أهل لها في قرابته برسول الله وصهره وسابقته وبلائه. فقال عمر: إن فيه بطالة وفکاهة. قلت: فأين أنت عن طلحة قال: فأين الزهو والنخوة قلت: عبدالرحمن بن عوف قال: هو رجل صالح علي ضعف. قلت: فسعد؟ قال: ذاک صاحب مقنت وقتال لا يقوم بقرية لو حمل أمرها. قلت: فالزبير قال: لقيس مؤمن الرضي کافر الغضب شحيح، إن هذا الامر لا يصلح إلا لقوي في غير عنف، رفيق في غير ضعف، جواد في غير سرف، قلت:فأين أنت عن عثمان قال: لو وليها لحمل بني أبي معيط علي رقاب الناس ولو فعلها لقتلوه.

[صفحه 365]

15- وما صح عن علي أميرالمؤمنين من انه خطب يوم الجمل فقال: أما بعد: إن هذه الامارة لم يعهد إلينا رسول الله صلي الله عليه وسلم فيها عهدا يتبع أثره، ولکن رأيناها تلقاء أنفسنا، استخلف أبوبکر فأقام واستقام، ثم استخلف عمر فأقام واستقام، ثم ضرب الدهر بجرانه، أخرجه الحاکم في «المستدرک» 3 ص 104، وإبن کثير في تاريخه 5 ص 250، وإبن حجر في «الصواعق» نقلا عن أحمد.

16- وما صح عن أبي وائل قال: قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا تستخلف علينا؟ قال: ما استخلف رسول الله صلي الله عليه وسلم فأستخلف، ولکن إن يرد الله بالناس خيرا فسيجمعهم بعدي علي خيرهم کما جمعهم بعد نبيهم علي خيرهم.

أخرجه الحاکم في «المستدرک» 3 ص 79 وصححه هو والذهبي، وأخرجه البيهقي في سننه 149:8، وابن کثير في تاريخه 251:5 وقال: إسناد جيد، وذکره إبن حجر في «الصواعق» ص 27 عن البزار وقال: رجاله رجال الصحيح.

17- وما أخرجه أحمد عن عبدالله بن سبع في حديث قالوا لعلي: إن کنت علمت ذلک-يعني القتل-؟ فاستخلف إذا. قال: لا، أکلکم إلي ما وکلکم رسول الله صلي الله عليه وسلم[11] .

وأخرجه البيهقي بلفظ: أترککم کما ترککم رسول الله. يه 6 ص 219. وبهذا اللفظ ذکره ابن حجر في «الصواعق» ص 27 وقال: أخرجه جمع کالبزار بسند حسن، والامام أحمد وغيرهما بسند قوي کما قال ده الذهبي.

18- وما صح عن عائشه قالت:لو کان رسول الله مستخلفا لاستخلف أبا بکر وعمر. أخرجه مسلم في صحيحه کما في «الرياض» 26:1، والحاکم في «المستدرک» 78:3.

19- وما ورد في إحتجاج ام سلمة علي عائشة من قولها: کنت أنا وأنت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في سفر له وکان علي يتعاهد نعلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فيخصفهما ويتعاهد أثوابه فيغسلها فنقبت له نعل فأخذها يومئذ يخصفها وقعد في ظل شجرة وجاء أبوک و معه عمر فأستأذنا عليه فقمنا إلي الحجاب ودخلا يحادثانه فيما أرادا ثم قالا: يا رسول الله إنا لا ندري قدر ما تصحبنا فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليکون لنا بعدک مفزعا فقال لهما: أما إني قد أري مکانه ولو فعلت لتفرقتم عنه کما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون

[صفحه 366]

بن عمران. فسکتا ثم خرجا فلما خرجنا إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم قلت له وکنت أجرأ عليه منا: من کنت يا رسول الله مستخلفا عليهم؟ فقال: خاصف النعل. فنزلنا فلم نر أحدا إلا عليا فقلت: يا رسول الله: ما أري إلا عليا. فقال: هو ذاک. فقالت عائشة: نعم أذکر ذلک. أعلام النساء 2 ص 789.

20- وما روي من خطبة لعايشة خطبتها بالبصرة: أيها الناس! والله ما بلغ ذنب عثمان أن يستحل دمه ، ولقد قتل مظلوما، غضبنا لکم من السوط والعصا ولا نغضب لعثمان من القتل وان من الرأي أن تنظروا إلي قتلة عثمان فيقتلوا به، ثم يرد هذا الامر شوري علي ما جعله عمر بن الخطاب. فمن قائل يقول: صدقت. وآخر يقول:کذبت. فلم يبرح الناس يقولون ذلک حتي ضرب بعضهم وجوه بعض- قال الاميني: کضرب. هذه الاحاديث بعضها وجوه بعض- أعلام النساء 2 ص 796.

21- وما عن حذيفة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله لو استخلفت علينا؟ قال: إن أستخلف عليکم خليفة فتعصوه ينزل بکم العذاب. قالوا: لو استخلفت علينا أبا بکر قال إن أستخلفه عليکم تجدوه قويا في أمر الله ضعيفا في جسده. قالوا: لو استخلفت علينا عمر قال: إن أستخلفه عليکم تجدوه قويا أمينا لا تأخذه في الله لومة لائم. قالوا: لو استخلفت علينا عليا قال: إنکم لا تفعلوا وإن تفعلوا تجدوه هاديا مهديا يسلک بکم الطريق المستقيم. أخرجه الحاکم في «المستدرک» 3 ص 70، وأبونعيم في «حلية الاولياء» 1 ص 64 وليس فيه استخلاف أبي بکر وعمر ومنه يظهر تحريف يد الامانة الحديث.

م 22- وما روي عن ابن عباس قال: قالوا للنبي صلي الله عليه وسلم: يا رسول الله استخلف علينا بعدک رجلا نعرفه وننهي إليه أمرنا، فإنا لا ندري ما يکون بعدک. فقال: إن استعملت عليکم رجلا فأمرکم بطاعة الله فعصيتموه کان معصيته معصيتي ومعصيتي معصية الله عز وجل، وإن أمرکم بمعصية الله فأطعتموه کانت لکم الحجة علي يوم القيامة، ولکن أکلکم إلي الله عزوجل. أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 160:13.

23- ثم إن صحت تلکم النصوص وکانت الخلافة عهدا من الله سبحانه وجاء به جبريل وارتجت دونه السماوات، وهتفت به الملائکة، وصدع به النبي الکريم، وأبي الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بکر فما المبرر له مما صح عنه في صحيح البخاري

[صفحه 367]

في باب فضل أبي بکر من قوله يوم السقيفة مخاطبا الحضور: فباي دعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة الجراح؟

وفي تاريخ الطبري 3 ص 209: قال أبوبکر: هذا عمر وهذا أبوعبيدة فايهما شئتم فبايعوا.

وفي ص 201، ومسند أحمد 1 ص 56: إني قد رضيت لکم أحد هذين الرجلين فايهما شئتم: عمر أو أبا عبيدة, في الامامة والسياسة 1 ص 7: إنما أدعوکم إلي أبي عبيدة أو عمر وکلاهما قد رضيت لکم ولهذا الامر وکلاهما له أهل. وفي ص 10 قال: إني ناصح لکم في أحد الرجلين: أبي عبيدة بن الجراح أو عمر، فبايعوا من شئتم منهما.

قال الاميني: بخ بخ. حسب النبي الاعظم مجدا وشرفا، والاسلام عزا ومنعة، والمسلمين فخرا وکرامة استخلاف مثل أبي عبيدة الجراح ولم يکن إلا حفارا مکيا يحفر القبور بالمدينة، وکان فيها حفاران[12] ليس إلا وهما: أبوعبيدة وأبوطلحة. فما أسعد حظ هذه الامة أن يکون في حفاري قبورها من يشغل منصة النبي صلي الله عليه وآله بعده، ويسد ذلک الفراغ، ويکون هو مرجع العالم في أمر الدين والدنيا، وأي وازع أبا عبيدة من أن يکون خليفة لائتمانه بعدما کاد معاوية بن أبي سفيان أن يکون نبيا و يبعث لائتمانه وعلمه کما مر في ص 308.

غير أني لست أدري ما کانت الحالة يوم ذاک في السماوات عند ايهاب أبي بکر الخلافة الاسلامية لابي عبيدة وهي کانت ترتج والملائکة تهتف والله يأبي إلا أبابکر مهما سئلها النبي صلي الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام وقد أنزله منزلة نفسه نصا من الله العزيز. نعم: کان حقا علي السماوات أن يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا.

24- وما الذي جوز لابي بکر قوله لعمر بعد قوله له:- أبسط يدک يا أبا بکر فلابايعک أنت يا عمر فأنت أقوي لها مني وکان کل واحد منهما يريد صاحبه

[صفحه 368]

يفتح يده يضرب عليها، ففتح عمر يد أبي بکر وقال: إن لک قوتي مع قوتک[13] .

25- وکيف کان يري أبوبکر الامر للمهاجرين ويجعل للانصار الوزارة ويقول: منا الامراء ومنکم الوزراء تاريخ الطبري 208 و 199:3، الرياض: 1622 و 163.

26- وما الذي سوغ لابي بکر قوله: إني وليت هذا الامر وأنا له کاره، والله لوددت أن بعضکم کفانيه صفة الصفوة 99:1.

کيف کان يکره أمرا جعله الله له، وجاء به جبريل، وأخبر به النبي الطاهر ثم کيف کان يود أن يکفيه غيره؟ وقد حيل؟؟ ن النبي وبين أمله مهما سأله الله لعلي، ولم يجعل الله لمشيئة نبيه في الامر قيمة، وأبي إلا أبا بکر.

27- وما المسوغ لابي بکر في استقالته الخلافة من الناس وقوله مرة بعد اخري: أقيلوني أقيلوني لست بخيرکم؟[14] وقوله: لا حاجة لي في بيعتکم أقيلوني بيعتي[15] فکيف کان يري للناس في إقالته إختيارا، ولرده ما شاء الله وعهده لنبيه مساغا

28- وما کان وجه إحتجابه عن الناس ثلاثا يشرف عليهم کل يوم يقول: أقلتکم بيعتي فبايعوا من شئتم؟[16] أو يخير الناس سبعة أيام کيف کان يري لنفسه خيارا في حل عقد بيعته عن رقاب الناس وإقالتهم وقد أبي الله والمؤمنون إلا إياه ثم کيف يکل أمر الامة إلي مشيئتها وقد ردت مشيئة النبي صلي الله عليه وآله في ذلک ووقع في السماوات ما وقع يوم أعرب صلي الله عليه وآله عن امنيته.

29- وما کان عذره في قوله من خطبة له: أيها الناس هذا علي بن أبي طالب لا بيعة لي في عنقه وهو بالخيار من أمره، ألا وأنتم بالخيار جميعا في بيعتکم، فان رأيتم لها غيري فأنا أول من يبايعکم ألسيرة ألحلبية 389:3.

لعل الحرية في الرأي حول البيعة حدثت بعدما وقع دونها ما وقع في السماوات والارض. م- بعدما هرول عمر بين يدي أبي بکر ونبر حتي أزبد شدقاه. بعدما قيل لحباب بن المنذر البدوي مخالف تلک البيعة: إذن يقتلک الله. بعدما حطم أنف الحباب وضرب

[صفحه 369]

يده. بعدما نودي علي سعد أمير الخزرج: اقتلوه قتله الله إنه منافق. بعدما أخذ قيس بن سعد لحية عمر قائلا: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيک واضحة.

بعدما قال الزبير وقد سل سيفه: لا أغمده حتي يبايع علي. بعدما قال عمر: عليکم الکلب- يعني الزبير- فاخذ السيف من يده وضرب به علي الحجر. بعدما دافعوا مقدادا في صدره. بعد التهاجم علي دار النبوة، وکشف بيت فاطمة، وإخراج من کان فيه للبيعة عنوة. بعد ما أقبل عمر بقبس من نار إلي دار فاطمة. بعد ما قال عمر: لتخرجن إلي البيعة أو لاحرقنها علي من فيها. بعد ما خرجت بضعة المصطفي عن خدرها وهي تبکي و تنادي بأعلي صوتها: يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدک من إبن الخطاب وابن أبي قحافة بعد ما قادوا عليا عليه السلام إلي البيعة کما يقاد الجمل المخشوش. بعد ما قيل له: بايع والا تقتل. بعدما لاذ بقبر أخيه المصطفي صلي الله عليه وآله باکيا قائلا: يا بن ام إن القوم استضعفوني و کادوا يقتلونني. بعد، بعد، إلي مائة بعد[17] .

ولعل تلک الشدة في إباءة الله وملائکته والمؤمنين خلافة أي أحد إلا أبابکر کانت مکذوبة علي الله وعلي رسوله والمؤمنين، أو کانت صحيحة غير أنها مقيدة بإرادة أبي بکر نفسه ومشيئته. لاها الله کانت مکذوبة ليس إلا.

30- وما المجوز لعمر قوله لابي عبيدة الجراح لما قبض رسول الله صلي الله عليه وآله: ابسط يدک فلابايعک فأنت أمين هذه الامة علي لسان رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال أبوعبيدة لعمر: ما رأيت لک فهة[18] مثلها منذ أسلمت، أتبايعني وفيکم الصديق وثاني اثنين

مسند أحمد 1 ص 35، طبقات ابن سعد 3 ص 128، نهاية ابن الاثير 3 ص 247، صفة الصفوة 97:1، ألسيرة الحلبية 386:3، ألصواعق 7.

فما الذي دعاه إلي ذلک الخلاف الفاحش علي تلکم النصوص وما کان ذلک الاستبداد بالرأي تجاه النص المؤکد من الله العزيز نعم: وکم له من نظير.

31-وکيف کان عمر يري الامر شوري بين المسلمين ويقول: من بايع أميرا من غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا بيعة للذي بايعه تغرة أن يقتلا؟

[صفحه 370]

مسند أحمد 56:1، تاريخ ابن کثير 246:5.

م 32- وأخرج مسلم في صحيحه في کتاب الفرايض 2 ص 3، وأحمد في مسنده ج 1 ص 48 عن عمر انه قام خطيبا فقال: إني رأيت رؤيا کأن ديکا نقرني نقرتين،ولا أري ذلک إلا لحضور أجلي وإن ناسا يأمرونني أن أستخلف وإن الله عزوجل لم يکن ليضيع خلافته ودينه ولا الذي بعث به نبيه صلي الله عليه وسلم فإن عجل بي أمر فالخلافة شوري في هؤلاء الرهط الستة. ألحديث.

وأخرجه البيهقي في سننه 8 ص 150 فقال: أخرجه مسلم في الصحيح من حديث إبن أبي عروبة وغيره. وحکاه عن مسلم الحافظ ابن الديبع في تيسير الوصول 49:2

33- وما الذي أباح لعمر أو لغيره من الصحابة قولهم في خلافة أبي بکر: إنها کانت فلتة وقي الله شرها[19] أو: فلتة کفلتات الجاهلية[20] فمن عاد إلي مثلها فاقتلوه[21] .

کيف تسمي تلک الخلافة فلتة بعد؟ لکم البشارات والانباءات المتواصلة طيلة حياة النبي الاعظم صلي الله عليه وآله، وبعد إعلامه أصحابه بها مرة بعد اخري إلي أن لفظ نفسه الاخير و کان صلي الله عليه وآله وسلم- بنص من تلکم الروايات- لم ير فيها حاجة إلي وصية بکتاب، ولم يترقب فيها خلاف أي أحد علي أبي بکر، وکيف يري فيها الشر والحالة هذه والصحابة کلهم عدول، وأبي الله والمؤمنون إلا أبا بکر، وأبي الله أن يختلف عليه کما مر حديثه.

م 34- وما الذي سوغ لعمر عرضه علي عبدالرحمن بن عوف أن يستخلفه و يجعله ولي عهده ، فقال عبدالرحمن: أتشير علي بذلک إذا استشرتک؟ فقال: لا والله. فقال عبدالرحمن: إذا لا أرضي أن أکون خليفة بعدک. ألفتوحات الاسلامية 2 ص 427.

35-وما بال الانصار بأسرها قد تخلفت عن البيعة[22] واجتمعت علي خلاف ما في

[صفحه 371]

تلکم النصوص، وأبت بيعة أبي بکر وقالت: لا نبايع إلا عليا؟ أو قالت: منا أمير ومنکم امير[23] وکيف تقاعس عنها طلحة والزبير والمقداد وسلمان وعمار وأبوذر وخالد بن سعيد ورجال من المهاجرين؟[24] وأبوا إلا عليا واجتمعوا في داره عليه السلام وأخرجتهم يد السياسة الوقتية إلي البيعة عنوة ونودي؟ ليهم: والله لاحرقن عليکم أو لتخرجن إلي البيعة وما شأن الصحابي العظيم سعد بن عبادة يأنف من بيعة أبي بکر ويقول: أيم الله لو ان الجن اجتمعت لکم مع الانس ما بايعتکم حتي اعرض علي ربي وأعلم ما حسابي؟ وکان لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع معهم ويحج ولا يفيض معهم بافاضتهم. تاريخ الطبري 198:3 و 200 و 207 و 210. وما عذر العباس عم النبي الطاهر وبني هاشم في تخلفهم عن تلک البيعة والصفح عن تلکم العهود المؤکدة

36- وقبل هذه کلها إباية علي أميرالمؤمنين تلک البيعة الانتخابية وحجاجه المفحم علي أهلها، قال إبن قتيبة: ثم إن عليا کرم الله وجهه اتي به إلي أبي بکر وهو يقول: أنا عبدالله، أخو رسول الله. فقيل له: بايع أبا بکر. فقال: أنا أحق بهذا الامر منکم لا ابايعکم وأنتم أولي بالبيعة لي، أخذتم هذا الامر من الانصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلي الله عليه وسلم وتأخذوه منا أهل البيت غصبا، ألستم زعمتم للانصار انکم أولي بهذا الامر منهم لما کان محمد منکم! فاعطوکم المقادة وسلموا إليکم الامارة، فإذا أحتج عليکم بمثل ما احتججتم علي الانصار، نحن أولي برسول الله حيا وميتا فانصفونا إن کنتم تؤمنون، وإلا فبووا بالظلم وأنتم تعلمون. فقال له عمر: إنک لست متروکا حتي تبايع، فقال له علي: إحلب حلبا لک شطره، وشد له اليوم يمدده عليک غدا. ثم قال: والله يا عمر لا أقبل قولک ولا ابايعه. فقال أبوبکر: فان لم تبايع فلا اکرهک- فقال أبوعبيدة بن الجراح کرم الله وجهه: يا ابن عم إنک حديث السن وهؤلاء مشيخة قومک، ليس لک مثل تجربتهم و معرفتهم بالامور، ولا أري أبا بکر إلا أقوي علي هذا الامر منک، وأشد احتمالا واستطلالا، فسلم لابي بکر هذا الامر، فإنک إن تعش ويطل بک بقاء فأنت لهذا الامر خليق و حقيق في فضلک ودينک وعلمک وفهمک وسابقتک ونسبک وصهرک.

[صفحه 372]

فقال علي کرم الله وجهه: ألله ألله يا معشر المهاجرين ألا تخرجوا سلطان محمد في العرب من داره وقعر بيته إلي دورکم وقعور بيوتکم، وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين! لنحن أحق الناس به لانا أهل البيت ونحن أحق بهذا الامر منکم، ما کان فينا القارئ لکتاب الله، ألفقيه في دين الله، ألعالم بسنن رسول الله، ألمتطلع لامر الرعية، ألدافع عنهم الامور السيئة، ألقاسم بينهم بالسوية، والله إنه لفينا، فلا تتبعوا الهوي فتضلوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحق بعدا.

قال بشير بن سعد الانصاري: لو کان هذا الکلام سمعته الانصار منک يا علي قبل بيعتها لابي بکر ما اختلفت عليک

قال: وخرج علي کرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم علي دابة ليلا في مجالس الانصار تسألهم النصرة. فکانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو ان زوجک وابن عمک سبق الينا قبل أبي بکر ما عدلنا به، فيقول علي کرم الله وجهه: أفکنت أدع رسول الله صلي الله عليه وسلم في بيته لم أدفنه وأخرج انازع الناس سلطانه فقالت فاطمة: ما صنع أبوالحسن إلا ما کان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم.

وقال: إن أبا بکر رضي الله عنه تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي کرم الله وجهه فبعث اليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب و قال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لاحرقنها علي من فيها. فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة. قال: وإن. فخرجوا فبايعوا إلا عليا فإنه زعم انه قال: حلفت أن لا أخرج ولا ثوبي أضع علي عاتقي حتي أجمع القرآن، فوقفت فاطمة رضي الله عنها علي بابها فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوء محضرا منکم، ترکتم رسول الله صلي الله عليه وسلم جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمرکم بينکم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقا. فأتي عمر أبا بکر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنک بالبيعة؟ فقال أبوبکر لقنفذ وهو مولي له: إذهب فادع لي عليا. فذهب إلي علي فقال: ما حاجتک؟ فقال: يدعوک خليفة رسول الله. فقال علي: لسريع ما کذبتم علي رسول الله. فرجع فأبلغ الرسالة قال: فبکي أبوبکر طويلا فقال عمر الثانية: أن لا تمهل هذا المتخلف عنک بالبيعة فقال أبوبکر رضي الله عنه

[صفحه 373]

لقنفذ: عد إليه فقل له: أميرالمؤمنين يدعوک لتبايع، فجاءه قنفذ فأدي ما امر به، فرفع علي صوته فقال: سبحان الله؟ لقد ادعي ما ليس له. فرجع قنفذ فابلغ الرسالة فبکي أبوبکر طويلا ثم قام عمر فمشي معه جماعة حتي أتوا باب فاطمة فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلي صوتها: يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدک من إبن الخطاب وابن أبي قحافة. فلما سمع القوم صوتها وبکاءها انصرفوا باکين وکادت قلوبهم تتصدع وأکبادهم تتفطر، وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليا فمضوا به إلي أبي بکر فقالوا له: بايع. فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقک. قال: إذا تقتلون عبدالله وأخا رسوله. قال عمر: أما عبدالله فنعم وأما أخو رسوله فلا[25] وأبوبکر ساکت لا يتکلم فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرک؟ فقال: لا أکرهه علي شئ ما کانت فاطمة إلي جنبه، فلحق علي بقبر رسول الله صلي الله عليه وسلم يصيح ويبکي وينادي: يا بن امي إن القوم استضعفوني وکادوا يقتلونني الامامة والسياسة 1 ص 12 -14.

37- وما الذي سوغ لابي بکر وعمر وأبي عبيدة أن يجعلوا للعباس عم النبي صلي الله عليه وآله وسلم بايعاز من مغيرة بن شعبة نصيبا في الامر يکون له ولعقبه من بعده قال ابن قتيبة في الامامة والسياسة ج 15:1: فأتي المغيرة بن شعبة فقال: أتري يا أبا بکر أن تلقوا العباس فتجعلوا له في هذا الامر نصيبا يکون له ولعقبه وتکون لکما الحجة علي علي وبني هاشم إذا کان العباس معکم؟ قال: فانطلق أبوبکر وعمر وأبوعبيدة حتي دخلوا علي العباس رضي الله عنه، فحمد الله أبوبکر وأثني عليه ثم قال: إن الله بعث محمدا صلي الله عليه وسلم نبيا وللمؤمنين وليا فمن الله تعالي بمقامه بين أظهرنا حتي اختار له الله ما عنده فخلي علي الناس أمرهم ليختاروا لانفسهم في مصلحتهم متفقين لا مختلفين فاختاروني عليهم واليا ولامورهم راعيا، وما أخاف بحمد الله وهنا ولا حيرة ولا جبنا، وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم، عليه توکلت وإليه انيب، وما زال يبلغني عن طاعن يطعن بخلاف

[صفحه 374]

ما اجتمعت عليه عامة المسلمين ويتخذونکم لحافا، فأحذروا أن تکونوا جهد المنيع فإما دخلتم فيما دخل فيه العامة، أو دفعتموهم عما مالوا إليه، وقد جئناک ونحن نريد أن نجعل لک في هذا الامر نصيبا يکون لک ولعقبک من بعدک إذ کنت عم رسول الله، وإن کان الناس قد رؤا مکانک ومکان أصحابک فعدلوا الامر عنکم، علي رسلکم بني عبدالمطلب فإن رسول الله منا ومنکم.

ثم قال عمر: اي والله واخري: إنا لم نأتکم حاجة منا إليکم، ولکنا کرهنا أن يکون الطعن منکم فيما اجتمع عليه العامة، فتفاقم الخطب بکم وبهم، فانظروا. فتکلم العباس فحمد الله وأثني عليه ثم قال: إن الله بعث محمدا کما زعمت نبيا و للمؤمنين وليا فمن الله بمقامه بين أظهرنا حتي اختار له ما عنده فخلي الناس أمرهم ليختاروا لانفسهم مصيبين للحق لا مائلين عنه بزيغ الهوي، فإن کنت برسول الله طلبت فحقنا أخذت، وإن کنت بالمؤمنين طلبت؟ فنحن منهم متقدمون فيهم، وإن کان هذا الامر إنما يجب لک بالمؤمنين فما وجب إذ کنا کارهين، فأما ما بذلت لنا فإن يکن حقا لک فلا حاجة لنا فيه، وإن يکن حقا للمؤمنين فليس لک أن تحکم عليهم، وإن کان حقنا لم نرض عنک فيه ببعض دون بعض.

وأما قولک: إن رسول الله منا ومنکم فإنه قد کان من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها.

38- وما عذر من استشکل علي أبي بکر في استخلافه عمرا علي الصحابة قالت عايشة رضي الله عنها لما ثقل أبي دخل عليه فلان وفلان فقالوا: يا خليفة رسول الله ماذا تقول لربک غدا إذا قدمت عليه وقد استخلفت علينا إبن الخطاب؟ قالت: فأجلسناه فقال: أبالله ترهبوني أقول: استخلفت عليهم خيرهم. سنن البيهقي 8 ص 149.

39- وما الذي أقعد عليا أميرالمؤمنين عن بيعة عثمان يوم الشوري بعد ما بايعه عبدالرحمن بن عوف وزملائه وکان علي قائما فقعد، فقال له عبدالرحمن: بايع و إلا ضربت عنقک، ولم يکن مع أحد يومئذ سيف غيره، فيقال: إن عليا خرج مغضبا فلحقه أصحاب الشوري وقالوا: بايع وإلا جاهدناک. فأقبل معهم حتي بايع عثمان. ألانساب للبلاذري 22:5.

[صفحه 375]

قال الطبري في تاريخه 41:5. جعل الناس يبايعونه وتلکا علي فقال عبدالرحمن: ومن نکث فإنما ينکث علي نفسه، ومن أوفي بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما. فرجع علي يشق الناس حتي بايع وهو يقول: خدعة وأيما خدعة.

وفي الامامة والسياسة 1 ص 25 قال عبدالرحمن: لا تجعل يا علي سبيلا إلي نفسک فإنه السيف لا غيره. وفي صحيح البخاري 208:1: لا يجعلن علي نفسک سبيلا.

قال الاميني: کان قتل المتخلف عن البيعة في ذلک الموقف وصية من عمر بن الخطاب کما أخرجه الطبري في تاريخه 5 ص 35 قال وقال- عمر- لصهيب: صل بالناس ثلاثة أيام وأدخل عليا وعثمان والزبير وسعدا وعبدالرحمن بن عوف وطلحة- إن قدم-[26] وأحضر عبدالله بن عمر ولا شئ له من الامر وقم علي رؤسهم فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلا وأبي واحد فاشدخ رأسه.أو: اضرب رأسه بالسيف. وإن اتفق أربعة فرضوا رجلا منهم وأبي إثنان فاضرب رؤسهما، فإن رضي ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحکموا عبدالله بن عمر فأي الفريقين حکم له فليختاروا رجلا منهم، فإن لم يرضوا بحکم عبدالله بن عمر فکونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس. وذکره البلاذري في «الانساب» 5 ص 18 و 16، وابن قتيبة في «الامامة والسياسة» 1 ص 23. وابن عبد ربه في «العقد الفريد» 257:2.

أفمن هذا الحديث تعجبون، وتضحکون ولا تبکون

(ألنجم 59)

[صفحه 376]


صفحه 358، 359، 360، 361، 362، 363، 364، 365، 366، 367، 368، 369، 370، 371، 372، 373، 374، 375، 376.








  1. تاريخ الطبري 4 ص 53. العقد الفريد 2 ص 254. يأتي الکلام حول هذا الحديث وصحته في الجزء السابع.
  2. تيسير الوصول للحافظ ابن الدبيع 2 ص 48.
  3. هاض العظم: کسره بعد الحبور.
  4. تاريخ الطبري 4 ص 52، العقد الفريد 2 ص 254، تهذيب الکامل 1 ص 6، اعجاز القرآن ص 116.
  5. تأتي مصادر هذا الحديث وما قبله في الجزء السادس في نوادر الاتر.
  6. أخرجه الخمسة من مؤلفي الصحاح الست غير النسائي، تيسير الوصول 50:2، و أخرجه احمد في مسنده 1 ص 47، والخطيب في تاريخه 1 ص 258، ورواه جمع کثير من الحفاظ و أئمة الحديث.
  7. أخرجه الشيخان البخاري ومسلم وهذا لفظهما، وابوداود والترمذي مختصرا، واحمد في مسنده ج 1 ص 46 و 43، والبيهقي في سننه 8 ص 148، وتجده في تيسير الوصول 49:2، تاريخ ابن کثير 5 ص 50.
  8. يأتي الکلام حول هذه الخطبة وصحتها في الجزء السادس.
  9. هذه الاحاديث جاءت کلها من طريق عمر بن الخطاب کما يأتي تفصيله.
  10. طبقات ابن سعد 248:3، التمهيد للباقلاني 204، الاستيعاب 561:2، طرح التثريب 49:1.
  11. الرياض النضرة 1 ص 159، وج 2 ص 245.
  12. الطبقات الکبري لابن سعد ص 815 تا 819، سيرة ابن هشام 343:4، تاريخ الطبري 204:3. الامتاع للمقريزي ص 548، تاريخ ابن کثير 266:5 و 268، السيرة الحلبية 393:3.
  13. تاريخ الطبري 199:3، السيرة الحلبية 386:3، الصواعق ص 7.
  14. الصواعق المحرقة ص 30.
  15. الامامة والسياسة 1 ص 14.
  16. الامامة والسياسة 1 ص 16، الرياض النضرة 1 ص 175.
  17. تأتي مصادر هذه الجمل کلها في الجزء السابع.
  18. الفهة: العي، الغفلة، والسقطة.
  19. صحيح البخاري في باب رجم الحبلي من الزنا اذا احصنت في الجزء الاخير، ج 10 ص 44، مسند احمد 1 ص 55، تاريخ الطبري 200:3، أنساب البلاذري 5 ص 15، سيرة ابن هشام 4 ص 338، تيسير الوصول 2 ص 44 و 42، کامل ابن الاثير 135:2، نهاية ابن الاثير 238:3 الرياض النضرة 161:1، تاريخ ابن کثير 246:5، السيرة الحلبية 392 و 388:3، الصواعق المحرقة 5 و 8 وقال: سند صحيح، تمام المتون للصفدي ص 137، تاج العروس 1 ص 568.
  20. تاريخ الطبري 210:3.
  21. الصواعق المحرقة ص 21.
  22. مسند احمد 1 ص 55.
  23. مسند أحمد 1 ص 405.
  24. الرياض النضرة 1 ص 167.
  25. اسلفنا في الجزء الثالث ص 112 -125 خمسين حديثا في المواخاة بين رسول الله و امير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما ومنها ما هو المتواتر الصحيح الثابت، أخرجه الحفاظ عن جمع من الصحابة ومنهم عمر بن الخطاب، وحديث المواخاة من المتسالم عليه عند الامة الاسلامية، وعمر احد رواته کما جاء بطريق صحيح، غير ان السياسة الوقتية سوغت لعمر انکارها يوم ذاک.
  26. کان غائبا في ماله بالسراة.