اخلاقيّة الكتابة











اخلاقيّة الکتابة



حرصت «الموسوعة» علي أن تلتزم في کتاباتها الأدب العلمي بدقّة، وتراعي اُصول البحث في مداها الأقصي.

إنّ من يتأمّل تاريخ الإسلام بعمق، ويرمي ببصره تلقاء مصنّفات مختلف علماء النِّحَل في دائرة الثقافة الإسلاميّة، يلمس کم احتوي ميراث اُولئک - قدماء ومحدثين - من ظلم للتشيّع، وأيّ حيف أصاب قمّته العلياء الشاهقة!

کما يدرک الصدود الذي أحاط إمام المجاهدين، وما نزل بصحبه الأبرار الذين أخلصوا له الولاء، سواء عن طريق کتمان الحقائق أو من خلال قلب وقائع التاريخ.

هذه اُمور جليّة لم تخف علي أحدٍ، يعرفها جميع باحثي التاريخ

[صفحه 52]

الإسلامي، کما نعرفها نحن أيضاً، وقد تبدّت أمامنا بأبعاد مهولة عند کتابة «الموسوعة».

بيد أن ذلک کلّه لم يجرّنا إلي موقف مماثل عند تدوين «الموسوعة» لا بدءاً، وتأسيساً، ولا بصيغة الردّ بالمثل. فها هي ذي التحليلات والإيضاحات ووجهات النظر والمداخل نقيّة لم يشبْها لوث، وها هو ذا القلم عفّ ولم يهبط قط إلي الشتيمة ولغة التجريح والکلام النابي وکَيل التُّهم والمطاعن.

وفي الحقيقة جعلنا المشروع يفي ء بجميع أجزائه في ظلال «الأدب العلوي»؛ هذا الأدب الذي يأخذ مثاله الرفيع مما علّمه الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام صاحبيه حجر بن عدي وعمرو بن الحمق. فهذان الحواريّان يتوقّدان عزماً، ويفيضان رسوخاً، وهما مملوءان حماساً وغيرة؛ فأنّي لهما أن يصبرا علي أباطيل العدوّ وزخرفه، وما صار يستجيشه من ضوضاء هائجة؟

لقد راحا يدمدمان بألسنتهما ضدَّ العدو، فما کان من أميرالمؤمنين عليه السلام إلّا أن علّمهما أدب المواجهة، فقال لهما بعد أن ذکّرهما بأنّهم علي الحقّ وأن عدوّهم علي الباطل:

«کرهت لکم أن تکونوا لعّانين؛ تشتمون وتتبرّؤون، ولکن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم: مِن سيرتهم کذا وکذا، ومِن عملهم کذا وکذا، کان

[صفحه 53]

أصوب في القول، وأبلغ في العذر».[1] .

واضح إذن أنّ ذِکر شخص وفعاله وتحليل سلوکه، أو تسليط أضواء کاشفة علي ما يلفّ فعال بعضِ مَن تنکّب عن الحقّ والصواب وما صدر عنه من سلوک شائن - لا يمکن أن يُعدّ إساءة نابية، بل هو من الوعي التاريخي والدفاع عن الحقّ بالصميم. ومن ثَمّ إذا ما احتوت «الموسوعة» شيئاً من هذا فهو تعبير عن واقعٍ لا أنّه ينمّ عن إساءة جارحة.

ومع ذاک سعينا أن ننظر إلي المسائل برؤية الاُسلوب التحليلي والبحث العلمي وليس من خلال العناد والتعصّب الأعمي المقيت. ومِن ثَمّ لم يتمّ التوهين بمقدّسات أيّ نحلة، ولم نطعن بشخص قط.

علي هذا نأمل أن تجي ء «الموسوعة» خطوة علي طريق التقريب بين المذاهب، وأن يکون شخوص «الأدب العلوي» وتبلوره فيها سبباً لانتفاع الجميع، ويهيّئ الأجواء لوحدة کلمة المؤمنين.



صفحه 52، 53.





  1. وقعة صفين: 103.