تكذيب حديث المناقب العشر وجوابه











تکذيب حديث المناقب العشر وجوابه



قال الرافضي (يعني العلامة الحلي): وعن عمرو بن ميمون قال:لعلي بن أبي طالب عشر فضايل ليست لغيره قال النبي صلي الله عليه وسلم: لابعثن رجلا لايخزيه الله أبدا، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. فاستشرف إليها من إستشرف فقال:أين علي بن أبي طالب؟ قالوا: هو أرمد في الرحايطحن، وماکان أحدهم يطحن قال:فجاء وهو أرمد لايکاد أن يبصر، قال: فنفث في عينيه ثم هز الراية ثلاثا وأعطاها إياه فجاء بصفية بنت حي. قال: ثم بعث أبا بکر بسورة براءة فبعث عليا خلفه فأخذها منه، وقال: لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه. وقال لبني عمه: أيکم يواليني في الدنيا والآخرة. قال: وعلي جالس معهم فأبوا فقال علي: أنا اواليک في الدنيا والآخرة. قال: فترکه ثم أقبل علي رجل رجل منهم فقال: أيکم يواليني في الدنيا والآخرة؟ فأبوا فقال علي: أنا اواليک في الدنيا والآخرة. فقال: أنت وليي في الدنيا والآخرة. قال: وکان علي أول من أسلم من الناس بعد خديجة. قال: وأخذ

[صفحه 196]

رسول الله صلي الله عليه وسلم ثوبه فوضعه علي علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت ويطهرکم تطهيرا. قال: وشري علي نفسه ولبس ثوب رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم نام مکانه وکان المشرکون يرمونه بالحجارة. و خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم بالناس في غزأة تبوک فقال له علي: أخرج معک؟ فقال:لا. فبکي علي. فقال له: أما ترضي أن تکون مني بمنزلة هارون من موسي؟! إلا انک لست بنبي، لاينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. وقال له رسول الله صلي الله وعليه وسلم: أنت وليي في[1] کل مؤمن بعدي. قال: وسد أبواب المسجد إلا باب علي. قال: وکان يدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره. وقال له: من کنت مولاه فعلي مولاه ج 3 ص 8 ثم قال ماملخصه:

ألجواب: إن هذا ليس مسندا بل هو مرسل لو ثبت عن عمر وبن ميمون و فيه ألفاظ هي کذب علي رسول الله صلي الله عليه وسلم کقوله: لاينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي فإن النبي صلي الله عليه وآله ذهب غير مرة وخليفته علي المدينة غير علي. ثم ذکر عدة من ولاته علي المدينة فقال: وعام تبوک ماکان الاستخلاف إلا علي النساء والصبيان، ومن عذر الله وعلي الثلاثة الذين خلفوا أومتهم بالنفاق وکانت المدينة آمنة لايخاف علي أهلها ولايحتاج المستخلف إلي جهاد.

وکذلک قوله: وسد الابواب کلها إلا باب علي. فإن هذا مما وضعته الشيعة علي طريق المقابلة فإن الذي في الصحيح عن أبي سعيد عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال في مرضه الذي مات فيه: إن أمن الناس علي في ماله وصحبته أبوبکر، ولو کنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بکر خليلا، ولکن اخوة الاسلام ومودته، لايبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بکر، ورواه إبن عباس ايضا في الصحيحين.

ومثل قوله: أنت وليي في کل مؤمن بعدي. فإن هذا موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث. ثم أردفه بخرافات وتافهات في بيان عدم اختصاص علي بهذه المناقب.

[صفحه 197]

جواب: کان الاحري بالرجل أن يحرج علي العلماء النظر في کتابه فيختص خطابه بالرعرة الدهماء ممن لايعقل أي طرفيه أطول، لان نظر العلماء فيه يکشف عن سوءته، ويوضح للملا إعوازه في العلم، وإنحيازه عن الصدق والامانة. ويظهر تدجيله وتزويره وتمويهه علي الحقايق، ومن المحتمل جدا أنه قد غالي في عظمة نفسه يوم خوطب بشيخ الاسلام، فحسب أن الامة تأخذما يقوله کاصول مسلمة لاتناقشه فيه الحساب، وإذ أخفق ظنه وأکدي أمله، فهلم معي نمعن النظرة في هملجته حول هذا الحديث وماله فيه من جلبة وسخب.

فأول مايتقول فيه: انه مرسل وليس بمسند.

فکأن عينيه في غشاوة عن مراجعة المسند لامام مذهبه أحمد بن حنبل فإنه أخرجه في ج 1 ص 331 عن يحيي بن حماد عن أبي عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن إبن عباس[2] .

ورجال هذا السند رجال الصحيح غير أبي بلج وهو ثقة عند الحفاظ کما مرت في ترجمته ج 1 ص 71.

وأخرجه بسند صحيح رجاله کلهم ثقات ألحافظ النساتي في الخصايص 7، و الحاکم في المستدرک 3 ص 132 وصححه هو والذهبي، والطبراني کما في المجمع للحافظ الهيثمي وصححه، وأبويعلي کما في البداية والنهاية، وإبن عساکر في الاربعين الطوال، وذکره إبن حجر في الاصابة 2 ص 509 وجمع آخرون اسلفناهم في الجزء الاول ص 51.

فما عذر الرجل في نسبة الارسال إلي مثل هذا الحديث؟! وإنکار سنده المتصل الصحيح الثابت؟! أهکذا يفعل بواديع النبوة؟! أهکذا تلعب يد الامانة بالسنة و العلم والدين؟!

والاعجب: انه عطف بعد ذلک علي فقرات من الحديث وهو يحاول تفنيدها ويحسبها من الاکاذيب منها قوله صلي الله عليه وآله: لاينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. فارتآه کذبا مستدلا بأن النبي صلي الله عليه وآله ذهب غير مرة وخليفته علي المدينة غير علي

[صفحه 198]

ومن استشف الحقيقة من هذا الموقف علم أنها قضية شخصية لاتعد قصة تبوک لما کان صلي الله عليه وآله يعلمه من عدم وقوع الحرب فيها، وکانت حاجة المدينة إلي خلافة مثل أميرالمؤمنين عليها مسيسة لما تداخل القوم من عظمة ملک الروم (هرقل) و تقدم جحفله الجرار، وکانوا يحسبون ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وحشده الملتف به لاقبل لهم به، ومن هنا تخلف المتخلفون من المنافقين، فکان أقرب الحالات في المدينة بعد غيبة النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن يرجف بها المنافقون للفت في عضد صاحب الرسالة، والتزلف إلي عامل بلاد الروم الزاحف، فکان من واجب الحالة عندئذ أن يخلف عليها أميرالمؤمنين عليه السلام المهيب في أعين القوم، والعظيم في النفوس الجامحة، وقد عرفوه بالبأس الشديد، والبطش الصارم، إتقاء بادرة ذلک الشر المترقب. وإلا فأمير المؤمنين عليه السلام لم يتخلف عن مشهد حضره رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلا تبوک[3] وعلي هذا إتفق علماء السير کما قال سبط إبن الجوزي في (التذکرة) ص 12.

وفي وسع الباحث أن يستنتج مابيناه من قوله صلي الله عليه وآله وسلم لعلي: کذبوا ولکن خلفتک لما ورائي. فيما أخرجه إبن اسحق بإسناده عن سعد بن أبي وقاص قال: لما نزل رسول الله الجرف طعن رجال من المنافقين في إمرة علي وقالوا: إنما خلفه استثقالا فخرج علي فحمل سلاحه حتي أتي النبي صلي الله عليه وآله بالجرف فقال: يارسول الله؟ ماتخلفت عنک في غزأة قط قبل هذه قد زعم المنافقون إنک خلفتني استثقالا. فقال:کذبوا ولکن خلفتک لما ورائي. ألحديث[4] ومما صح عنه صلي الله عليه وآله حين أراد أن يغزو انه قال: ولا بد من أن اقيم أو تقيم. فخلفه[5] .

إذا عرفت ذلک کله فلا يذهب عليک ان قوله صلي الله عليه وآله وسلم: لاينبغي أن أذهب إلا و أنت خليفتي. ليس له مغزي إلا خصوص هذه الواقعة، وليس في لفظه عموم يستوعب

[صفحه 199]

کل ماغاب صلي الله عليه وآله عن المدينة، فمن الباطل نقض الرجل باستخلاف غيره علي المدينة في غير هذه الواقعة، حيث لم تکن فيه ما أوعزنا إليه من الارجاف، وکانت حاجة الحرب أمس إلي وجود أميرالمؤمنين عليه السلام حيث لم يکن غيره کمثله يکسر صولة الابطال، و يغير في وجوه الکتائب. فکان صلي الله عليه وآله وسلم في أخذ أميرالمؤمنين معه إلي الحروب واستخلافه في مغيبه يتبع أقوي المصلحتين.

ثم: إن الرجل حاول تصغيرا لصورة هذه الخلافة فقال: وعام تبوک ماکان الاستخلاف. إلخ. غير أن نظارة التنقيب لاتزال مکبرة لها من شتي النواحي.


صفحه 196، 197، 198، 199.








  1. کذا. والصحيح المحفوظ في اصول الحديث: أنت ولي کل مؤمن بعدي.
  2. مر بلفظه 1 ص 50.
  3. ألاستيعاب 3 ص 34 هامش الاصابه، شرح التقريب 1 ص 85، ألرياض النضرة 2 ص 163، ألصواعق 72، الاصابة 2 ص 507، ألسيرة الحلبية 3 ص 148، ألاسعاف 149.
  4. ألرياض النضرة 2 ص 162، الامتاع للمقريزي 449، عيون الاثر 2 ص 217، ألسيرة الحلبية 3 ص 148، شرح المواهب للزرقاني 3 ص 69، سيرة زيني دحلان 2 ص 338.
  5. أخرجه الطبراني بطريق صحيح کما في مجمع الزوائد 9 ص 111.