ترجمة ابوالقاسم الزاهي
وفي فهم المعني الذي لايبارح الخلافة والامامة من لفظ المولي من مثل الزاهي العارف بمعاريض الکلام، والمتسالم علي تضلعه في اللغة والادب العربي، وبثه في نظمه لحجة قوية علي الصواب الذي ترتأيه الشيعة في الاستدلال بحديث الغدير علي إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام. ولد (الزاهي) يوم الاثنين لعشر ليال بقين من صفر سنة 318 کما نص به إبن خلکان نقلا عن (طبقات الشعراء) لعميد الدولة. وتوفي ببغداد يوم الاربعاء لعشر بقين من جمادي الاولي سنة 352 في رواية عميد الدولة ودفن في مقابر قريش. أو بعد سنة 360 فيما قاله الخطيب نقلا عن التنوخي. وأرخه السمعاني کذلک نقلا عن الخطيب. ولما لم يکن في المعاجم عناية بشعره المذهبي الراقي فنحن نذکر منه شطرا فمن ذلک قوله يمتدح به أميرالمؤمنين عليه السلام: ياسادتي يا آل ياسين فقط لو لاکم لم يقبل الفرض ولا [صفحه 392] أنتم ولاة العهد في الذر ومن ما أحد قايسکم بغيرکم إلا کمن ضاهي الجبال بالحصا صنو النبي المصطفي والکاشف ال أول من صام وصلي سابقا مکلم الشمس ومن ردت له وراکض الارض ومن أنبع للعسکر بحر لديه کل بحر جدول وليث غاب کل ليث عنده باسط علم الله في الارض ومن سيف لو أن الطفل يلقي سيفه يخطو إلي الحرب به مدرعا قوله: مکلم الشمس أشاربه إلي ماروي عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إنه قال لعلي: ياأبا الحسن کلم الشمس فإنها تکلمک. قال علي عليه السلام: ألسلام عليک أيها العبد المطيع لله ورسوله. فقالت الشمس: وعليک السلام يا أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين ياعلي أنت وشيعتک في الجنة، ياعلي أو من تنشق عنه الارض محمد ثم أنت، وأول من يحيي محمد ثم أنت، وأول من يکسي محمد ثم أنت. فسجد علي عليه السلام لله تعالي وعيناه تذرفان بالدموع، فانکب عليه النبي فقال: ياأخي وحبيبي إرفع رأسک فقد باهي الله بک أهل سبع سماوات. أخرجه شيخ الاسلام الحموئي في (فرائد المطين) ب 38. والخوارزمي في (المناقب) ص 68. والقندوزي في (الينابيع) ص 140. قوله: ومن ردت له ببابل [صفحه 393] حديث رد الشمس لعلي عليه السلام ببابل أخرجه نصر بن مزاحم في کتاب صفين ص 152 ط مصر بإسناده عن عبد خير[3] قال کنت مع علي. أسير في أرض بابل و حضرت الصلاة صلاة العصر قال: فجعلنا لانأتي مکانا إلا رأيناه أفيح من الآخر. قال: حتي أتينا علي مکان أحسن مارأينا وقد کادت الشمس أن تغيب. قال: فنزل علي ونزلت معه قال: فدعا الله فرجعت الشمس کمقدارها من صلاة العصر قال: فصلينا العصر ثم غابت الشمس. قوله: ومن أنبع للعسکر ماء العين أشار به إلي مارواه نصر بن مزاحم في کتاب صفين ص 162 بإسناده عن أبي سعيد التيمي التابعي المعروف بعقيصا انه قال: کنا مع علي في مسيره إلي الشام حتي إذا کنا بظهر الکوفة من جانب هذا السواد، عطش الناس واحتاجوا إلي الماء، فانطلق بنا علي حتي أتي بنا علي صخرة ضرس من الارض کأنها ربضة عنز فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا ماء، فشرب الناس منه وارتووا، قال: ثم أمرنا فأکفأناها عليه. قال وسار الناس حتي إذا مضينا قليلا قال علي: منکم أحد يعلم مکان هذا الماء الذي شربتم منه؟ قالوا: نعم ياأمير المؤمنين. قال: فانطلقوا إليه. قال فانطلق منا رجال رکبانا و مشاة فاقتصصنا الطريق حتي انتهينا إلي المکان الذي نري أنه فيه. قال: فطلبناها[4] فلم نقدر علي شئ حتي إذا عيل علينا انطلقنا إلي دير قريب منا فسألناهم: أين الماء الذي هو عندکم؟ قالوا: ماقربنا ماء. قالوا: بلي، إنا شربنا منه. قالوا: أنتم شربتم منه؟ قلنا: نعم. قال (صاحب الدير): مابني هذا الدير إلا بذلک الماء، وما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي. وأخرجه الخطيب في تاريخه 12 ص 305. ومن قصيدته الطائية قوله: وهو لکل الاوصياء آخر باطن علم الغيب والظاهر في أحيي بحد سيفه الدين کما [صفحه 394] مفقه الامة والقاضي الذي والنبأ الاعظم والحجة والمحنة حبل إلي الله وباب الحطة الفاتح والقدم الصدق الذي سيط به ونهر طالوت وجنب الله والعين والاذن الواعية الصماء عن حسن مآب عند ذي العرش ومن قوله: ألاذن الواعية إشارة إلي ماأخرجه الحافظ أبونعيم في (حلية الاولياء) 1 ص 62 عن رسول الله صلي الله عليه وآله انه قال: ياعلي إن الله عزوجل أمرني أن ادنيک واعلمک لتعي وانزلت هذه الآية: وتعيها اذن واعية. فأنت اذن واعية لعلمي. وأخرجه جمع من الحفاظ وقال القاضي عضد الايجي في (المواقف) 3 ص 276: أکثر المفسرون (في قوله تعالي): وتعيها اذن واعية انه علي. وله في مدح مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام قوله: وال عليا واستضئ مقباسه فمن تولاه نجا ومن عدا أول من قد وحد الله وما فدي النبي المصطفي بنفسه بات علي فرش النبي آمنا حتي إذا ماهجم القوم علي ثار إليهم فتولوا مزقا مکسر الاصنام في البيت الذي رقي علي الکاهل من خير الوري ونکس اللات وألقي هبلا وقام مولاي علي البيت وقد [صفحه 395] واقتلع الباب اقتلاعا معجزا کأنه شرارة لموقد من قد ثني عمرو بن ود ساجيا من هبط الجب ولم يخش الردي من أحرق الجن برجم شهبه حتي انثنت لامره مذعنة بيان: أشار بقوله: من هبط الجب. إلي ماأخرجه الامام أحمد في المناقب عن علي عليه السلام قال: لما کان ليلة بدر قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من يستقي لنا من الماء؟ فاحجم الناس عنه فقام علي فاعتصم بالقربة ثم أتي بئرا بعيدة القعر مظلمة فانحدر فيها فأوحي الله إلي جبرائيل وميکائيل واسرافيل: تأهبوا لنصر محمد وحزبه. فهبطوا من السماء لهم لفظ يزعر من سمعه فلما مروا بالبئر سلموا عليه من أولهم إلي آخرهم إکراما له وتبجيلا. شرح إبن أبي الحديد 1 ص 450. وله في مدحه صلوات الله عليه قوله: هذا الذي أردي الوليد وعتبة هذا الذي هشمت يداه فوارسا في کل منبت شعره من جسمه وله فيه سلام الله عليه قوله: أبا حسن جعلتک لي ملاذا فکن لي شافعا في يوم حشري لاني لم أکن من نعثلي وله مادحا أهل البيت الطاهر قوله: يالائمي في الولا هل أنت تعتبر قوم لو أن البحار تنزف بالا قلام [صفحه 396] والانس والجن کتاب لفضلهم لم يکتبوا العشر بل لم يعد جهدهم أهل الفخار وأقطاب المدار ومن هم آل أحمد والصيد الجحاجحة والبيض من هاشم والاکرمون اولوا فافطن بعقلک هل في القدر غيرهم؟ اعطوا الصفا نهلا اعطوا النبوة من وتوجوا شرفا مامثله شرف حسبي بهم حججا لله واضحة هم دوحة المجد والاوراق شيعتهم وله في رثاء أهل البيت قوله: ياآل أحمد ماذا کان جرمکم؟ تلفي جموعکم شتي مفرقة وتستباحون أقمارا منکسة ألستم خير من قام الرشاد بکم ووحد الصمد الاعلي بهديکم ما للحوادث لاتجري بظالمکم؟ منکم طريد ومقتول علي ظمأ وهارب في أقاصي الغرب مغترب ومقصد من جدار ظل منکدرا ومن محرق جسم لايزار له وإن نسيت فلا أنسي الحسين وقد فجسمه لحوامي الخيل مطرد وله في رثائهم سلام الله عليهم قوله: [صفحه 397] بنو المصطفي تفنون بالسيف عنوة ظلمتم وذبحتم وقسم فيئکم فما بقعة في الارض شرقا ومغربا وله في رثاء الامام السبط الشهيد عليه السلام قوله: اعاتب عيني إذا أقصرت لذکراکم يابني المصطفي لکم وعليکم جفت غمضها امثل أجسادکم بالعراق امثلکم في عراص الطفوف غدت أرض يثرب من جمعکم وأضحي بکم کربلا مغربا کأني بزينب حول الحسين تمرغ في نحره وجهها وفاطمة حملها؟؟ طاير وللسبط فوق الذي جثة وفتيته فوق وجه الثري وأرؤسهم فوق سمر القنا ورأس الحسين أمام الرفاق وله في رثائه صلوات الله عليه قوله: ابکي ياعين ابکي آل رسول الله وتقلب ياقلب في ضرم الحزن فهم النخل باسقات کما قال وهم في الکتاب زيتونة النور وبأسمائهم إذا ذکر الله غادرتهم حوادث الدهر صرعي [صفحه 398] لست أنسي الحسين في کربلاء ساجد يلثم الثرا وعليه يطلب الماء والفرات قريب يابني الغدر من قتلتم؟ لعمري وله في أهل البيت الطاهر سلام الله عليهم: قوم سماؤهم السيوف وأرضهم يستمطرون من العجاج سحائبا وحنادس الفتن التي إن أظلمت ملکوا الجنان بفضلهم فرياضها وإذا الذنوب تضاعفت فبحبهم تلک النجوم الزهر في أبراجها أخذنا ترجمة (الزاهي) من تاريخ بغداد 11 ص 350. يتيمة الدهر 1 ص 198. أنساب السمعاني. مناقب إبن شهر اشوب ومعالمه. تاريخ إبن خلکان 1 ص 390. مرآة الجنان 2 ص 349. مجالس المؤمنين 459. بحار الانوار 10 ص 255 ألکني والالقاب 2 ص 257. دائرة المعارف للبستاني 9 ص 161. ألاعلام للزرکلي 2 ص 659 [صفحه 399]
أبوالقاسم علي بن إسحاق بن خلف القطان البغدادي النازل بالکرخ في قطيعة الربيع[1] الشهير بالزاهي[2] شاعر عبقري تحيز من شعره إلي أهل بيت الوحي، ودان بمذهبهم، وأدي يمودتهم أجر الرسالة، فکان أکثر شعره الواقع في أربعة أجزاء فيهم مدحا ورثاءا بحيث عد في (معالم العلماء) في طبقة المجاهدين من شعرائهم وصافا، فلم يزل فيه يکافح عنهم ويناطح، وينازل ويناضل، ولذلک لم يلف نشورا بين من کان يناوئهم أولا يقول بأمرهم، فحسبوه مقلا من الشعر کما في (تاريخ بغداد) وغيره، غير ان جزالة شعره، وجودة تشبيهه، وحسن تصويره، لم يدع لارباب المعاجم منتدحا من إطراءه.
عليکم الوحي من الله هبط
رحنا لبحر العفو من أکرم شط
هواهم الله علينا قد شرط
ومازج السلسل بالشرب اللمط
أو قايس الابحر جهلا بالنقط
غماء عنه والحسام المخترط
إلي المعالي وعلي السبق غبط
ببابل والغرب منها قد قبط
ماء العين في الوادي القحط
يغرف من تياره إذا اغتمط
بنظره العقل صغيرا إذ قلط
بحبه الرحمن للرزق بسط
بکفه في يوم حرب لشمط
فکم به قد قد من رجس وقط
بضبطه التوحيد في الخلق انضبط
کشف الاشارات وقطب المغتبط
أمات ماأبدع أرباب اللغط
أحاط من علم الهدي مالم يحط
والمصباح في الخطب الورط
بالرشد مغاليق الخطط
قلب امرأ بالخطوات لم يسط
التي بنورها العقل خبط
کل خنا يغلط فيه من غلط
لولا أياديه لکنا نختبط
تدخل جنانا ولتسقي کأسه
ماعرف الدين ولا أساسه
ثني إلي الاوثان يوما رأسه
إذ ضيقت أعداؤه أنفاسه
والليل قد طافت به أحراسه
مستيقظ بنصله أشماسه
يمنعهم عن قربه حماسه
ازيح عن وجه الهدي غماسه
والدين مقرون به أنباسه
مهشما يقلبه انتکاسه
طهره إذ قد رمي أرجاسه
يسمع في دويه ارتجاسه
أخرجها من ناره مقباسه
إذ جزع الخندق ثم جاسه
والماء منحل السقا فجاسه
أشواظه يقدمها نحاسه
ومنهم بالعوذ إحتراسه
والعامري وذا الخمار ومرحبا
قسرا ولم يک خائفا مترقبا
أسد يمد إلي الفريسة مخلبا
ألوذ به ويشملني الزماما
وتجعل دار قدسک لي مقاما
ولا أهوي عتيق ولا دماما
بمن يوالي رسول الله أو يذر؟
مشقا وأقلام الدنا شجر[5] .
والصحف مااحتوت الآصال والبکر
في ذلک الفضل إلا وهو محتقر
أضحت لامرهم الايام تأتمر
الزهر الغطارفة العلوية الغرر
الفضل الجليل ومن سادت بهم مضر
قوم يکاد إليهم يرجع القدر
قبل المزاج فلم يحلق بهم کدر
وقلدوا خطرا مامثله خطر
يجري الصلاة عليهم أينما ذکروا
والمصطفي الاصل والذرية الثمر[6] .
فکل أرواحکم بالسيف تنتزع
بين العباد وشمل الناس مجتمع
تهوي وأرؤسها بالسمر تقترع
وقوضت سنن التضليل والبدع؟!؟!
إذ کنتم علما للرشد يتبع؟
ما للمصائب عنکم ليس ترتدع
ومنکم دنف بالسمر منصرع
ودارع بدم اللبات مندرع
وآخر تحت ردم فوقه يقع
قبر ولا مشهد يأتيه مرتدع
مالت إليه جنود الشرک تقترع
ورأسه لسنان السمر مرتفع
ويسلمني طيف الهجوع فأهجع؟
وجار عليکم من لکم کان يخضع
وإلا لکم فيه قتيل ومصرع
وأفني دموعي إذا ماجرت
دموعي علي الخط قد سطرت
جفوني عن النوم واستشعرت
وفيها الاسنة قد کسرت
بدورا تکسف إذ أقمرت
کخط الصحيفة إذ أقفرت
کزهر النجوم إذا غورت
ومنها الذوائب قد نشرت
وتبدي من الوجد ما أضمرت
إذ السوط في جنبها أبصرت
بفيض دم النحر قد عقرت
کمثل الاضاحي إذ اجزرت
کمثل الغصون إذا أثمرت
کغرة صبح إذا أسفرت
حتي تخد منک الخدود
فما في الشجا لهم تفنيد
سوام لهن طلع نضيد
وفيها لکل نار وقود
بأسمائه اقتران أکيد
کل شهم بالنفس منه يجود
وهو ظام بين الاعادي وحيد
قضب الهند رکع وسجود
ويري الماء وهو عنه بعيد
قد قتلتم من قام فيه الوجود
أعداؤهم ودم النحور بحورها
صوب الحتوف علي الزحوف مطيرها
فشموسها آرائهم وبدورها
طرا لهم وخيامها وقصورها
يعطي الامان أخا الذنوب غفورها
ومن السنين بهم تتم شهورها
صفحه 392، 393، 394، 395، 396، 397، 398، 399.