حادث شوه صحايف التأليف











حادث شوه صحايف التأليف



هناک فکرة غير صالحة، وإن شئت قلت: بدعة سيئة فتحت علي الامة باب التقول بمصراعيه، وعنها تتشعب شجنة الافک في الحديث، وينبعث القول المزور: وإليها يستند کل بهرجة وسفسطة. ألاوهي: هذه الخطة الحديثة في التأليف، واتخاذ هذا الاسلوب الحديث الذي يروق بسطاء الامة ويسمونه تحليلا، ويرونه حسنا في الکتابة.

هذه الفکرة هي التي خفت بها وطأة التأليف، وطأة حزونته، وکثر بذلک المؤلفون فجاء لفيف من الناس يؤلف وکل منهم سلک وادي تضلل[1] ولا يخفق علي جرته[2] ويرمي القول علي عواهنه، وينشر في الملا ماليس للمجتمع فيه درک، فيتحکم في آراءه، ويکذب في حديثه، ويخون في نقله، ويحرف الکلم عن مواضعه، و يقذف من خالف نحلته، وينسبه إلي ماشائه هواه، ويسلقه بالبذاء، ولايکفف عنه لغبه.

هذه الفکرة هي التي جرت علي الامة شية العار، ووصمة الشنار، ورمتها بثالثة الاثافي، ومدت يد الفحشآء علي التأليف، وأبدت في صفحاته وصمات سوء، فراح شرف الاسلام، وأدب الدين، وأمانة النقل، ومکانة الصدق، ضحية الميول والشهوات، ضحية الاهواء والنزعات الباطلة، ضحية الاقلام المستأجرة.

هذه الفکرة هي التي شوهت وجه التأليف، وجنت بها الاقلام، وولدت في القلوب ضغاين، فجاء المفسر يأول القرآن برأيه، والمحدث يختلق حديثا يوافق ذوقه، و المتکلم يذکر فرقا مفتعلة، والفقيه يفتي بما يحبذه، والمؤرخ يضع في التاريخ ما يرتضيه، کل ذلک قولا بلا دليل، وتحکما بلا بينة، وتکلما بلامأخذ، ودعوي بلا برهان، وتقولا بلا مصدر، وکذبا بلا مبالاة، وإفکا بلا تحاشي، فويل لهم مما کتبت أيديهم وويل لهم مما يکسبون.

[صفحه 28]

والقارئ يجد مثال هذه کلها نصب عينيه في طي کتاب الصراع بين الاسلام و الوثنية، والوشيعة في الرد علي الشيعة، وفجر الاسلام وضحاه وظهره، والجولة في ربوع الشرق الادني، والمحاضرات للخضري، والسنة والشيعة، والاسلام الصحيح، والعقيدة في الاسلام، وخلفاء محمد، وحياة محمد لهيکل، وفي مقدمها کتاب «حياة محمد» لاميل در منغم.

فخلو تأليف الشرقي المسلم عن ذکر المصادر نساية للکتاب والسنة، وإضاعة لاصول العلم، وجناية علي السلف، وتفويت لمآثر الاسلام، وعمل مخدج، وسعي أبتر، وليس من صالح الامة، ولا من صلاح المجتمع الاسلامي، وسيأتيه يوم و هو يقرع سن نادم.

وإن تأليفا هو هکذا لايمثل في علومه ومعارفه إلا نفسية مؤلفه وأنظاره ولايراه القارئ إلا کرواية لاتقوم إلا بقائلها.

خذ إليک في موضوع واحد کتابين هما مثالان لاکثرما ارتأينا في هذا البحث ألا وهما:

1- کتاب الامام علي تأليف الاستأذ أبي نصر عمر.

2- کتاب الامام علي تأليف الاستأذ عبد الفتاح عبد المقصود.

فهما علي وحدة الموضوع والنزعة والبيئة والدراسة والهوي السائد طالما اختلفا في الابحاث والنظريات، فهذا الاستاذ أبونصر أخذ آراء الخضري الاموية ومن يضاهيه فيها، وصبها في بوتقة تأليفه، فجاء في کتابه بکل شنئاء شوهاء إلتقت بها حلقة البطان.

وأما الاستاذ عبد الفتاح فإنه جد وثابر علي جهود جبارة، وأخذ زبدة المخض من الحقايق الناصعة، غير أنه ضيع أتعابه بإهمال المصادر، فلم يأت کتابه إلا کنظرية شخصية، ولو ازدان تأليفه بذکر هافي التعاليق وارداف ذلک النقل الواضح بما ارتئاه من الرأي السديد لکان أبلغ في تمثيل أفکار الجامعة، والاعراب عن نظريات الملا الديني، وإن کان ماثابره الآن مشفوعا بشکر جزيل.

ولوأنهم فعلوا ما يوعظون به لکان خيرا لهم وأشد تثبيتا (سورة النساء 66)

[صفحه 29]


صفحه 28، 29.








  1. مثل يضرب لمن عمل شيئا فاخطأ فيه.
  2. مثل يضرب لمن يعجز عن کتمان مافي نفسه.