تخطأة الحسين في نهضته والجواب عنها











تخطأة الحسين في نهضته والجواب عنها



قال: وعلي الجملة فإن الحسين أخطأ خطأ في خروجه هذا الذي جر علي الامة وبال الفرقة والاختلاف، وزعزع عماد الفتها إلي يومنا هذا، وقد أکثر الناس من الکتابة في هذه الحادثة لايريدون بذلک إلا أن تشتعل النيران في القلوب فيشتد تباعدها، غاية ما في الامر ان الرجل طلب أمرا لم يهيأ له، ولم يعد له عدته، فحيل بينه وبين مايشتهي وقتل دونه، وقبل ذلک قتل أبوه، فلم يجد من

[صفحه 259]

أقلام الکاتبين ومن يبشع أمر قتله ويزيد به نار العداوة تأجيجا، وقد ذهب الجميع إلي ربهم يحاسبهم علي مافعلوا؟ والتاريخ يأخذ من ذلک عبرة وهي: انه لاينبغي لمن يريد عظائم الامور أن يسير إليها بغير عدتها الطبيعية، فلا يرفع سيفه إلا إذا کان معه من القوة مايکفل النجاح أو يقرب من ذلک، کما انه لابد أن تکون هناک أسباب حقيقية لمصلحة الامة، بأن يکون جور ظاهر لايحتمل، وعسف شديد ينوء الناس بحمله، أما الحسين فإنه خالف يزيد وقد بايعه الناس، ولم يظهر منه ذلک الجور ولا العسف عند إظهار هذا الخلاف 129 - 130. وقبل هذه الجمل يبرر ساحة يزيد عن الظلم والجور ويراه قرب علي بن الحسين إليه وأکرمه ونعمه.

جواب: ليت الرجل کتب ماکتب بعد الحيطة بشئون الخلافة الاسلامية و شروطها، وما يجب أن يکتنفه الخليفة من حنکة لتدبير الشئون، وملکة لتهذيب النفوس، ونزاهة عن الرذائل ليکون قدوة للامة، ولاينقض مايدعو إليه ببوائقه، إلي أمثالها من غرائز يجب أن يکون حامل ذلک العب ء الثقيل متحليا بها، لکنه کتب وهو يجهل ذلک کله، وکتبه علي حين انه لم يحمل إلا نفسا ضئيلة تقتنع بما يحسبه دعة تحت نير الاضطهاد، وعلي حين أن ضعف الرأي ودقة الخطر يحبذان له راحة مزعومة في ظل الاستعباد، فلا نفس کبيرة تدفعه إلي الهرب من حياة الذل، ولا عقل سليم يعرفه مناخ الضعة، ولا إحاطة بتعاليم الاسلام تلقنه دروس الاباء والشهامة، ولامعرفة بعناصر الرجال ليعلم من نفسياتهم الکم والکيف، فلا عرف يزيد الطاغية حتي يعلم أنه لامقيل له في مستوي الخلافة. ولاعرف حسين السؤدد والشرف والاباء و والشهامة، حسين المجد والامامة، حسين الدين واليقين، حسين الفضل والعظمة، حسين الحق والحقيقة، حتي يخبت إلي أن من يحمل نفسا کنفسه لايمکنه البخوع ليزيد الخلاعة والمجون، يزيد الاستهتار والفسوق، يزيد النهمة والشره، يزيد الکفر والالحاد.

لم ينهض بضعة المصطفي إلا بواجبه الديني، فإن کل معتنق للحنيفية البيضاء يري في أول فرايضه أن يدافع عن الدين بجهاد من يريد أن يعبث بنواميسه، ويعيث في طقوسه، ويبدل تعاليمه، ويعطل أحکامه، وان أظهر مصاديق کلي ينطبق عليه هذه الجمل هو: يزيد الجور والفجور والخمور، الذي کان يعرف بها علي عهد أبيه کما قال مولانا الحسين

[صفحه 260]

عليه السلام لمعاوية لما أراد أخذ البيعة له: تريد أن توهم الناس؟! کأنک تصف محجوبا، أو تنعت غائبا، أو تخبر عما کان مما أحتويته بعلم خاص، وقد دل يزيد من نفسه علي موقع رأيه فخذ يزيد فيما أخذبه من إستقرائه الکلاب المهارشة[1] عند التحارش، والحمام السبق لاترابهن، والقينات ذوات المعازف[2] وضروب الملاهي، تجده ناصرا، دع عنک ماتحاول، فما أغناک أن تلقي الله بوزر هذا الخلق بأکثر مما أنت لاقيه[3] .

وقال عليه السلام لمعاوية ايضا: حسبک جهلک آثرت العاجل علي الآجل. فقال معاوية: وأما ماذکرت من: أنک خيرمن يزيد نفسا. فيزيد والله خير لامة محمد منک. فقال الحسين: هذا هو الافک والزور، يزيد شارب الخمر ومشتري اللهو خير مني؟[4] .


صفحه 259، 260.








  1. المهارشة، تحريش بعضها علي بعض.
  2. المعازف ج معزف: الات يضرب بها کالعود.
  3. الامامة والسياسة 1 ص 153.
  4. الامامة والسياسة 1 ص 155.