فكرة معاوية في اختيار يزيد











فکرة معاوية في اختيار يزيد



قال: نقول إن فکر معاوية في إختيار الخليفة بعده حسن جميل، وإنه

[صفحه 255]

مادام لم توضع قاعدة لانتخاب الخلفاء، ولم يعين أهل الحل والعقد الذين يرجع إليهم، فأحسن مايفعل هو أن يختار الخليفة ولي عهد قبل أن يموت، لان ذلک يبعد الاختلاف الذي هو شر علي الامة من جور إمامها. ص 119.

وقال: ومما انتقد الناس معاوية انه اختار ابنه للخلافة وبذلک سن في الاسلام سنة الملک المنحصر في اسرة معينة بعد أن کان أساسه الشوري ويختار من عامة قريش وقالوا: إن هذه الطريقة التي سنها معاوية تدعو في الغالب إلي انتخاب غير الافضل الاليق من الامة، وتجعل في اسرة الخلافة الترف والانغماس في الشهوات والملاذ والرفعة علي سائر الناس.

أما رأينا في ذلک فإن هذا الانحصار کان أمرا حتما لابد منه لصلاح أمر المسلمين والفتهم ولم شعثهم، فإنه کلما اتسعت الدائرة التي منها يختار الخليفة کثر الذين يرشحون أنفسهم لنيل الخلافة، وإذا انضم إلي ذلک اتساع المملکة الاسلامية، وصعوبة المواصلات بين أطرافها، وعدم وجود قوم معينين يرجع إليهم الانتخاب، فإن الانتخاب واقع، ونحن نشاهد انه مع تفوق بني عبد مناف علي سائر قريش، واعتراف الناس لهم بذلک وهم جزء صغير من قريش فإنهم تنافسوا الامر وأهلکوا الامة بينهم، فلو رضي الناس عن اسرة ودانوا لها بالطاعة واعترفوا باستحقاق الولاية لکان هذا خير مايفعل لضم شعث المسلمين ص 124.

إن أعظم من ينتقد معاوية في تولية إبنه هم الشيعة مع أنهم يرون إنحصار ولاية الامر في آل علي، ويسوقون الخلافة في بنيه، بترکها الاب منهم للابن، وبنو العباس أنفسهم ساروا علي هذه الخطة.

جواب: لم ينتقد معاوية من ينتقده لمحض اختياره وإنما انتقده من ناحيتين: ألاولي عدم لياقته للتفرد وهو کما قال أميرالمؤمنين في کلام له: لم يجعل الله عزوجل له سابقة في الدين، ولاسلف صدق في الاسلام، طليق إبن طليق، حزب من هذه الاحزاب لم يزل لله عزوجل ولرسوله صلي الله عليه وسلم وللمسلمين عدوا هو وأبوه دخلا في الاسلام کارهين[1] وفي الامة أهل الحل والعقد الذين اختاروا خلافة أبي بکر، ثم وافقوا

[صفحه 256]

علي الوصية إلي عمر وأقروها، وأصفقوا مع أهل الشوري علي خلافة عثمان، وأطبقوا علي البيعة طوعا ورغبة لمولانا أميرالمؤمنين فثبتت خلافته، ووجبت طاعته، ولزمت معاوية بيعته، فکان هؤلاء موجودين بأعيانهم أو بنظرائهم وهم الذين نقموا علي معاوية ذلک العقد المشوم.

ألثانية: عدم لياقة من عينه من بعده وهو ذلک الماجن المتخلع المتظاهر بالفجور إن لم نقل بالکفر والالحاد.

أما عدم تعيين أهل الاختيار فإن أراد عدم تعينهم فذلک بهتان عظيم لان الموجودين في الصدر الاول في عاصمة الاسلام المدينة المنورة الذين تصدوا لتعيين الخليفة هم أهل الحل والعقد، وکان أکثرهم موجودين إلي ذلک العهد، وأما من توفي منهم فقد قيضت الظروف من بعدهم من يد مسدهم، فإن يکن هؤلاء مفوضا إليهم أمر الخلافة بادء بدء فهم المفوض إليهم أمرها مهما تناقلت الخلافة، فليس لاحد أن يختار من دون رضا منهم، وإن هؤلاء القوم تعينهم الظروف والاحوال والمقتضيات المکتنفة بهم، ولا يعينهم نص من الکتاب أو السنة.

وإن أراد عدم تعيين هؤلاء الخليفة من بعد معاوية فإن ظرف التعيين ساعة موت الخليفة لاقبله. نعم: قد تنعقد الضمائر علي انتخاب من يرون له الاهلية في أبان الانتخاب، وما أدري معاوية انهم سوف يهملون أمر الامة ساعة هلاکه؟ ولماذا تفرد بالانتخاب من دون رضي منهم؟ ولماذا خضع أفرادا من القوم بالتخويف وآخرين بالتطميع؟ ومتي أبعد إنتخابه الاختلاف الذي هو شر علي الامة؟ وفي الملا الديني امم ينقمون منه ذلک، وجموع ينتقدونه، وشراذم يضمرون السخط ويتظاهرون به حذار بادرته. نعم: هناک زعانفة اشتروا رضي المخلوق بسخط الخالق، وأعمتهم الصرر والبدر، فأبدوا الرضا.

ولو کانت هذه الفکرة حسنة جميلة فلماذا فاتت رسول الله صلي الله عليه وآله حين دنت منه الوفاة؟ فلم يرحض عن امته معرة الخلاف، وترک المراجل تغلي حتي اليوم. وهل تري لوکان أوصي إلي معين من امته بالخلافة يوجد هناک لاحد مطمع غير المنصوص عليه؟ ودعي سعد بن عبادة إلي نفسه؟ وقال قائل الانصار منا أمير، ومنکم أمير؟ وهتف

[صفحه 257]

هاتف أنا جذيلها المحکک وعذيقها المرجب؟ وازدلف المهاجرون إلي أبي بکر؟ واجتمع ناس إلي العباس؟ وبنو هاشم ومن يمت بهم وينتمي إليهم يقولون: إنها لامير المؤمنين صلوات الله عليه؟ هذه أسئلة حافلة ليس للخضري عنها جواب إلا أن يدعي ان معاوية کان أشفق بالامة من رسول الله صلي الله عليه وآله.

وأي خلاف رفعه تعيين يزيد وعلي عهده کانت واقعة الطف، وتلاها فاجعة الحرة، وأعقبهما أمر ابن الزبير، وقصة البيت المعظم؟! کل ذلک من جراء ذلک الاختيار، وثمرة تلک الفکرة الفاسدة، وفي الناقمين سبط النبوة حسين العظمة صلوات الله. عليه وبقية بني عبد مناف وعامة المهاجرين والانصار في المدينة المنورة.

ثم إن کان معاوية لم يجد بدا من الاختيار فلماذا لم يختر صالحا من صلحاء الصحابة؟ وفي مقدمهم سبط رسول الله ألامام الطاهر، ولامعدل عنه في حنکة أوعلم أو تقوي أو شرف.

وکيف راق (الخضري) أن يري هذا الاختيار حسنا جميلا صالح الامة ولم يره حيفا وجناية عليها وعلي إسلامها ورسولها وکتابها وسنتها؟! ورسول الله صلي الله عليه وآله يوقظ شعور امته قبل ذلک بأعوام بقوله: إن أول من يبدل سنتي رجل من بني امية[2] وقوله: لايزال هذا الامر معتدلا قائما بالقسط حتي يثلمه رجل من بني امية يقال له يزيد[3] .

وأخرج إبن أبي شيبة وأبويعلي: ان يزيد لما کان أبوه أمير الشام غزا المسلمون فحصل لرجل جارية نفيسة فأخذها منه يزيد فاستعان الرجل بأبي ذر فمشي معه إليه وأمره بردها ثلاث مرات وهو يتلکأ فقال: أما والله لئن فعلت فقد سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: أول من يبدل سنتي لرجل من بني امية: ثم ولي، فتبعه يزيد فقال: اذکرک بالله أنا هو؟ فقال: لا أدري، وردها يزيد.

قال إبن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق ص 145: لاينافي هذا ألحديث

[صفحه 258]

المذکور المصرح بيزيد إما لانه بفرض کلام أبي ذر علي حقيقته لکون أبي ذر لم يعلم بذلک المبهم، فقوله: لاأدري. أي في علمي وقد بين إبهامه في الرواية الاولي، و المفسر يقضي علي المبهم. وإما لان أبا ذر علم أنه يزيد ولکنه لم يصرح له بذلک خشية الفتنة، لاسيما وأبوذر کان بينه وبين بني امية امور تحملهم علي انهم ينسبونه إلي التحامل عليهم.

وأما رأيه في حصر الخلافة باسرة فإنا لانناقشه إلا من عدم جدارة الاسرة التي يجنح إليها (الخضري) للخلافة. نعم: لا بأس به إذا حصرت باسرة کريمة تتحلي باللباقة والحذق من الناحية الدينية والسياسية، ونحن لانقول بلزوم الحصر المذکور مع عدم اللياقة، فإنه غير واف لقم جذور الفساد، وقمع حذوم الاختلاف، فالامة متي وجدت من خليفتها الحيف والجنف تثور عليه وتخلعه، وبطبع الحال يطمع في الخلافة عندئذ من هو أزکي منه نفسا، وأطيب ارومة، وأکرم خلقا، وحتي من يساويه في الغرائز، فأي مفسدة اکتسحها حصر الخلافة والحالة هذه؟!

جير: إذا حصرت بمن ذکرناه وشاهدت الامة منهم التأهل، فإن فيه منقطع أطماع الخارجين عن الاسرة من ناحية خروجهم عن البيت المعين لها، ودحض معاذير الثوار والمشاغبين من ناحية عدم وجود أحداث توجب الثورة والخروج، وعندئذ تتأکد خضوع الامة لخليفة شأنه ما ذکرناه، فتعظم شوکته، وتتسق اموره، وتمتثل أوامره، فلا يدع معرة إلا اکتسحها، ولا صلاحا إلا بثه، والشيعة لاتقول بحصر الخلافة في آل علي عليهم السلام إلا بعد إخباتها إلي سريان ناموس العصمة في رجالات بيتهم المعينين للخلافة المدعومة بالنصوص النبوية المتواترة راجع ص 79 - 82 من هذا الجزء.


صفحه 255، 256، 257، 258.








  1. تاريخ الطبري 6 ص 4.
  2. الخصايص الکبري 2 ص 139، تطهير الجنان في هامش الصواعق ص 145.
  3. الخصايص الکبري 2 ص 139، تطهير الجنان في هامش الصواعق ص 145 وقال: مسند رجاله رجال الصحيح الا ان فيه انقطاعا.