كلمات في ان عليا أول من أسلم و الاجماع عليه











کلمات في ان عليا أول من أسلم و الاجماع عليه



وقال أبوجعفر الاسکافي المعتزلي المتوفي 240 في رسالته: قدروي الناس کافة إفتخار علي عليه السلام بالسبق إلي الاسلام، وإن النبي صلي الله عليه وآله استنبئ يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء. وإنه کان يقول: صليت قبل الناس سبع سنين وانه مازال يقول: أنا أول من أسلم. ويفتخر بذلک ويفتخر له به أولياؤه ومادحوه وشيعته في عصره وبعد وفاته، والامر في ذلک أشهر من کل شهير، وقد قدمنا منه طرفا وما علمنا أحدا من الناس فيما خلا إستخف بإسلام علي عليه السلام ولاتهاون به، ولازعم انه أسلم إسلام حدث غرير وطفل صغير، ومن العجب أن يکون مثل العباس وحمزة ينتظران أبا طالب وفعله ليصدوا عن رأيه، ثم يخالفه علي إبنه لغير رغبة ولارهبة يؤثر القلة علي الکثرة، والذل علي العزة من غير علم ولامعرفة بالعاقبة، وکيف ينکر الجاحظ والعثمانية ان رسول الله صلي الله عليه وآله دعاه إلي الاسلام وکلفه التصديق ؟!

وروي في الخبر الصحيح[1] انه کلفه في مبدأ الدعوة قبل ظهور کلمة الاسلام

[صفحه 238]

وانتشارها بمکة: أن يصنع له طعاما وأن يدعو له بني عبدالمطلب. فصنع له الطعام ودعاهم له فخرجوا ذلک اليوم ولم ينذرهم صلي الله عليه وآله وسلم لکلمة قالها عمه أبولهب فکلفه اليوم الثاني: أن يصنع مثل ذلک الطعام وأن يدعوهم ثانية. فصنعه ودعاهم فأکلوا ثم کلمهم صلي الله عليه وآله فدعاهم إلي الدين ودعاه معهم لانه من بني عبدالمطلب، ثم ضمن لمن يوازره منهم وينصره علي قوله أن يجعله أخاه في الدين ووصيه بعد موته وخليفته من بعده، فأمسکوا کلهم وأجابه هو وحده وقال: أنا أنصرک علي ماجئت به و اوازرک وابايعک. فقال لهم لما رأي منهم الخذلان ومنه النصر، وشاهد منهم المعصية ومنه الطاعة، وعاين منهم الاباء ومنه الاجابة: هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي. فقاموا يسخرون ويضحکون ويقولون لابي طالب: أطع ابنک فقد أمره عليک.

فهل يکلف عمل الطعام ودعاء القوم صغير غير مميز؟ وغر غير عاقل؟ وهل يؤتمن علي سر النبوة طفل إبن خمس سنين أو إبن سبع؟ وهل يدعي في جملة الشيوخ و الکهول إلا عاقل لبيب؟ وهل يضع رسول الله صلي الله عليه وسلم يده في يده ويعطيه صفقة يمينه بالاخوة والوصية والخلافة إلا وهو أهل لذلک، بالغ حد التکليف، محتمل لولاية الله وعداوة أعدائه؟[2] .

وقال الحاکم النيسابوري صاحب (المستدرک) علي الصحيحين في کتاب (المعرفة) ص 22: ولا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ ان علي بن أبي طالب رضي الله عنه أولهم إسلاما وإنما اختلفوا في بلوغه.

وقال إبن عبدالبر في الاستيعاب 2 ص 457: إتفقوا علي ان خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدقه فيما جاء به ثم علي بعدها.

وقال المقريزي في الامتاع ص 16 ماملخصه: وأما علي بن أبي طالب: فلم يشرک بالله قط، وذلک ان الله تعالي أراد به الخير فجعله في کفالة ابن عمه سيد المرسلين محمد صلي الله عليه وسلم فعند ماأتي رسول الله صلي الله عليه وسلم الوحي وأخبر خديجة وصدقت، کانت هي وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة يصلون معه، (إلي أن قال:) فلم يحتج علي رضي الله عنه أن يدعي، ولا کان مشرکا حتي يوحد فيقال: أسلم، بل کان عندما

[صفحه 239]

أوحي الله إلي رسوله صلي الله عليه وسلم عمره ثماني سنين، وقيل: سبع. وقيل: إحدي عشرة سنة، و کان مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في منزله بين أهله کأحد أولاده يتبعه في جميع أحواله. إلخ.

وأنت تجد أولية امير المؤمنين في الاسلام في شعر کثير من السلف مثل قول مسلم بن الوليد الانصاري.


أذکرت سيف رسول الله سنته
وسيف أول من صلي ومن صاما؟!


قال أبوالفلاح الحنبلي في شذراته ج 1 ص 308: يعني عليا رضي الله عنه إذ کان هو الضراب به بسيف النبي.

هذا مااقتضته المسالمة مع القوم في تحديد مبدء إسلامه عليه السلام، وأما نحن فلا نقول: إنه أول من أسلم بالمعني الذي يحاوله إبن کثير وقومه لان البدئة به تستدعي سبقا من الکفر ومتي کفر أميرالمؤمنين حتي يسلم؟ ومتي أشرک بالله حتي يؤمن؟ و قد انعقدت نطفته علي الحنيفية البيضاء، واحتضنه حجر الرسالة، وغذته يد النبوة، وهذبه الخلق النبوي العظيم، فلم يزل مقتصا أثر الرسول قبل أن يصدع بالدين الحنيف وبعده، فلم يکن له هوي غير هواه، ولا نزعة غير نزعته، وکيف يمکن الخصم أن يقذفه بکفر قبل الدعوة؟! وهو يقول (وإن لم نرصحة مايقول): إنه کان يمنع امه من السجود للصنم وهو حمل[3] أيکون إمام الامة هکذا في عالم الاجنة ثم يدنسه درن الکفر في عالم التکليف؟ فلقد کان صلوات الله عليه مؤمنا جنينا ورضيعا و فطيما ويافعا وغلاما وکهلا وخليفة.


ولولا أبوطالب وابنه
لما مثل الدين شخصا وقاما


بل نحن نقول: إن المراد من إسلامه وايمانه وأو ليته فيهما وسبقه إلي النبي في الاسلام هو المعني المراد من قوله تعالي عن إبراهيم الخليل عليه السلام: وأنا أول المسلمين.

وفيما قال سبحانه عنه: إذ قال ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين. وفيما قال سبحانه عن موسي عليه السلام: وأنا أول المؤمنين. وفيما قال تعالي عن نبيه الاعظم: آمن الرسول بما انزل إليه من ربه. وفيما قال: قل إني امرت أن أکون أول من أسلم. وفي قوله: و امرت أن اسلم لرب العالمين.

[صفحه 240]

وفي وسع الباحث أن يتخذ دروسا راقية حول مانرتأيه من خطبة لامير المؤمنين عليه السلام وقد ذکرها الشريف الرضي في نهج البلاغة ج 1 ص 392 ألاوهي:

أنا وضعت في الصغر بکلاکل العرب؟ وکسرت نواجم قرون ربيعة ومضر، وقد علمتم موضعي من رسول الله صلي الله عليه وآله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد يضمني إلي صدره، ويکنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وکان يمضغ الشيئ ثم يلقمنيه، وما وجد لي کذبة في قول، ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به صلي الله عليه وآله من لدن أن کان فطيما أعظم ملک من ملائکته يسلک به طريق المکارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد کنت أتبعه اتباع الفصيل أثر امه، يرفع لي في کل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به، ولقد کان يجاور في کل سنة بحراء فأراه ولايراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله صلي الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما، أري نور الوحي والرسالة، و أشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلي الله عليه وآله فقلت: يا رسول الله؟ ماهذه الرنة؟ وقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنک تسمع ماأسمع، وتري ما أري، إلا أنک لست بنبي، ولکنک وزير، وإنک لعلي خير.

وأما الکلام في إسلام أبي بکر فلايسعنا أن أحوم حول هذا الموضوع وبين يدي صحيحة محمد بن سعد بن أبي وقاص التي أخرجها الطبري في تاريخه 2 ص 215 بإسناد صحيح رجاله ثقات قال إبن سعد: قلت لابي: أکان أبوبکر أولکم إسلاما؟! فقال: لا. ولقد أسلم قبله أکثر من خمسين، ولکن کان أفضلنا إسلاما.

وماعساني أن أقول وأبوجعفر الاسکافي المعتزلي البعيد عن عالم التشيع يقول: أما مااحتج به الجاحظ بإمامة أبي بکر بکونه أول الناس. فلو کان هذا إحتجاجا صحيحا؟ لاحتج به أبوبکر يوم السقيفة وما رأيناه صنع ذلک لانه أخذ بيد عمر ويد أبي عبيدة بن الجراح، وقال للناس: قد رضيت لکم أحد هذين الرجلين فبايعوا منهما من شئتم. ولو کان هذا إحتجاجا صحيحا؟ لما قال عمر: کانت بيعة أبي بکر فلتة وقي الله شرها. ولو کان احتجاجا صحيحا؟ لادعي واحد من الناس لابي بکر الامامة في عصره أو بعد عصره بکونه سبق إلي الاسلام، وما عرفنا أحدا ادعي له ذلک، علي

[صفحه 241]

أن جمهور المحدثين ثم يذکروا أن أبابکر أسلم إلا بعد عدة من الرجال منهم: علي بن أبي طالب، وجعفر أخوه، وزيد بن حارثة، وأبوذر الغفاري، وعمرو بن عنبسة السلمي، وخالد بن سعيد بن العاص، وخباب بن الارت، واذا تأملنا الروايات الصحيحة والاسانيد القوية الوثيقة وجدناها کلها ناطقة بأن عليا عليه السلام أول من أسلم.

فأما الرواية عن إبن عباس: أن أبا بکر أولهم إسلاما. فقد روي عن إبن عباس خلاف ذلک بأکثر مما رووا وأشهر فمن ذلک مارواه يحيي بن حماد ثم ذکر أحاديث صحيحة مما مر عن إبن عباس فقال: فهذا قول إبن عباس في سبق علي عليه السلام إلي الاسلام وهو أثبت من حديث الشعبي وأشهر، علي أنه قد روي عن الشعبي خلاف ذلک من حديث أبي بکر الهذلي. ثم ذکر حديثه وأحاديث اخري مما ذکر نقلا عن الکتب الصحاح والاسانيد الموثوق بها.[4] هذا. ومن أظلم ممن افتري علي الله کذبا أو کذب بالحق لما جاءه.


صفحه 238، 239، 240، 241.








  1. مر هذا الحديث لصحيح بالفاظه وطرقه في ج 2 ص 274 - 278.
  2. مرت جملة من بقية الکلام ج 2 ص 287.
  3. ذکر حديثه في السيرة الحلبية 1 ص 285، سيرة زيني دحلان، نور الابصار 76، نزهة المجالس 2 ص 210.
  4. مرت بقية الکلام ج 2 ص 287. وللاسکافي في المقام کلمات ضافية نحيل الحيطة بها إلي رسالته في الر: علي الجاحظ.