الكتابه











الکتابه



ورد ذکر الکتابه في القرآن الکريم، ومن ذلک قوله تعالي: (يا ايها الذين آمنوا اذا تداينتم بدين الي اجل مسمي فاکتبوه وليکتب بينکم کاتب بالعدل ولا ياب کاتب ان يکتب کما علمه اللّه فليکتب وليملل الذي عليه الحق وليتق اللّه ربه ولا يبخس منه شيئا (...) ولا تساموا ان تکتبوه صغيرا او کبيرا الي اجله ذلکم اقسط عند اللّه واقوم للشهاده وادني الا ترتابوا).[1] .

فالتعامل بالدين، وفقا لهذا النص الشريف، يلزم کتابته حفاظا علي الحق من الانکار او النسيان وغيره من دون اشتراط مقدار لهذا الدين، قل او کثر، فحکمه واحد. اما التجاره فلا يشترط في معاملاتها الکتابه کما تدلنا عليه بقيه الايه، فقد جاء فيها (الا ان تکون تجاره حاضره تديرونها بينکم، فليس عليکم جناح الا تکتبوها واشهدوا اذا تبايعتم..). ويدخل في قائمه الدين الصداق في عقد النکاح، مع ملاحظه ان الکتابه المخالفه لاحکام الشريعه لا يمکن الرکون اليها، فقد قضي امير المومنين في رجل تزوج امراه واصدقته هي واشترطت عليه ان يکون بيدها الجماع والطلاق قضي ببطلان شرطها هذا لمخالفته احکام الشريعه الغراء وحکم علي الرجل بالنفقه وبيده الجماع والطلاق.[2] .

والحقيقه ان الکتابه، في المنظور الاسلامي، لا تمثل بذاتها دليل اثبات -کما هو عليه الحال في القانون الوضعي- ذلک لان المدعي عليه ان اعترف بالحق المثبت عليه في المحرر الکتابي دخلت هذه الکتابه في باب الاقرار واتصلت به وان انکره، وکان المحرر معززا بتواقيع شهود يشهدون بصدورها منه کانت شهاده ودخلت في بابها، واتصلت بها کما تدلنا اقوال الفقهاء المسلمين واعلامهم الافاضل.[3] .

فالاقرار بالکتابه هو بمنزله الاقرار بالکلام، اما الکتابه بالشهود فهي شهاده للتوثيق علي ما جاء في المحرر الکتابي، واذا ما خلت الکتابه من الشهاده، ووقع عليها الانکار، رغم التوقيع او الختم، فان الاسلوب الحديث في التحقق من عائديه التوقيع او الختم هو طريق المضاهاه، اذ توخذ نماذج من خطوط او المنکر او توقيعه او ختمه بغرض مقارنتها من لدن خبراء مختصين بالخط او التوقيع او الختم الذي وقع عليه الانکار، للتثبت من کونها تعود لشخص واحد او اکثر. وخبره الخبير هنا تقوم مقام الشاهد في اثبات کون الخطوط او بصمه الابهام او التوقيع المثبت في المحرر الکتابي يعود للمنکر ام لا، اذ کثيرا ما يقع التزوير علي المحرر الکتابي او انکار عائديته لصاحبه، فالتحقق منه يتم عن طريق الخبراء، وقد ورد في القرآن الکريم قوله تعالي: (فاسال به خبيرا).[4] .

ومن السوابق القضائيه نذکر قضيه الشخص الذي زور ختم الخلافه -وهو محرر کتابي من دون ادني شک- ايام الخليفه عمربن الخطاب، واصاب به مالا من خراج الکوفه، فجي ء به الي عامله في الکوفه المغيره بن شعبه الذي قيد يديه بالجامعه الي عنقه وامر بحبسه، فهرب من الحبس وتوجه الي عمر واعلن توبته، فقال عمر (رض) للناس بعد ادائه الصلاه: ما تقولون به؟ فقال قائل: اقطع يده، وقال آخر: اصلبه، والامام علي (ع) ساکت -حيث کان حاضرا- ثم التفت اليه الخليفه قائلا: ماذا تقول يا ابا الحسن؟ فقال: هذا رجل کذب کذبه عقوبته عنها بدنه، فضربه عمر ضربا مبرحا، ثم امر بحبسه مده واطلق سراحه بعدها[5] وهذه العقوبه من باب التعزير.[6] .

وجاء، في سوره النور، الايه: 33، ذکر للکتابه، ايضا حيث يقول تعالي: (والذين يبتغون الکتاب مما ملکت ايمانکم فکاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا). والخطاب في هذه الايه موجه حسب آراء المفسرين[7] - للرجل في ان يکاتب عبده او مملوکه قبل ان يعطيه مبلغا من المال للتکسب به، خلال مده معينه، فان اوفي لسيده صار حرا. ومن قضاء الامام علي (ع) في هذا المورد نذکر قضيه المکاتبه التي توفيت، وقد قضت عامه ما عليها، فولدت ولدا في مکاتبتها، فقضي في ولدها ان يعتق من سيدها مثل الذي عتق منها، ويرق منه مثل الذي رق منها،[8] وکان (ع) يستسعي المکاتب لانهم لم يکونوا يشترطون ان عجز فهو رق. وفي قضيه رجل کاتب مملوکه واشترط عليه ان ميراثه له، فرفع ذلک الي علي، فقضي بابطال الشروط وقال: شرط اللّه قبل شرطک.[9] .

فالکتابه اذن تدخل في قائمه طرق الاثبات، او وسائله، في قضاء الامام علي بن ابي طالب (ع). ومن الامور التي اورد الفقهاء ذکرها، في هذا المقام، الزام الورثه بالمکتوب في الوصيه[10] ووفقا لضوابطها وما الي غير ذلک. وقد کبر حجم المحررات الکتابيه ودورها في المعاملات بين الناس -بفعل تطور الحياه وتعقدها- واضحت الکتابه اکثر اهميه في عصرنا الراهن، لا في المسائل الجزائيه فحسب بل في المسائل المدنيه ايضا، بفعل کثره تزوير المحررات الکتابيه وتزييف العمله الورقيه واعطاء صکوک من دون ارصده، وما الي ذلک من الجرائم، وخصوصا المستحدثه منها.









  1. سوره البقره، الايه: 282في تفسير هذه الايه راجع تفسير التبيان، المجلد الثاني، ص 381ورشيد رضا، تفسير المنار، ج 2ص 126.
  2. التستري، قضاء امير المومنين، ص 5.
  3. انظر مثلا الشيخ محمد حسين کاشف الغطاء، تحرير المجله، ج 4ص 70والشيخ خيراللّه الرملي، الفتاوي الخيريه، ج 2ص 67ومحمد جواد مغنيه، فقه الامام، ج 6ص 62.
  4. سوره الفرقان، آيه: 59.
  5. قدامه بن جعفر، الخراج وصناعه الکتابه، ص 86بغداد 1981.
  6. فالحادث هنا لم يکن سرقه وانما تزوير انصب علي الکذب کون الختم ليس الختم الحقيقي، لهذا عقوبته التعزير والمعلوم ان اول جريمه تزوير او تزييف حصلت في دراهم فضيه من قبل عبيداللّهفبن زياد عام 64ه ينظر المناوي، النقود والمکاييل والموازين، ص 85و،109بغداد 1981وعباس العزاوي، تاريخ النقود العراقيه، ص 107بغداد 1958.
  7. تفسير التبيان، المجلد السابع، ص 383وزبده التفسير، ص 462.
  8. من لا يحضره الفقيه، ج 3ص 75.
  9. المرجع السابق، ص 78.
  10. الشيخ مرتضي الانصاري، المتاجر، کتاب الوصايا، ص 376.