احاديث المنزلة











احاديث المنزلة



من بين أعظم الصفات التي نَحَل بها النبيّ صلي الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ومن أکثر العناوين النبويّة ألَقاً- ممّا أطلقه النبيّ علي الإمام أميرالمؤمنين- هو عنوان «المنزلة»، حيث ساوي النبيّ عليّاً بنفسه، ووصفه أنّه مثله في القيادة. هذه المجموعة من الأحاديث النبويّة تشتهر بين العلماء والمحدّثين بأحاديث المنزلة، وذلک انسجاماً مع صريح ما يقضي به الکلام النبوي في هذا المضمار.

لقد عبّر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عن هذا الموقع الرفيع الذي يحظي به الإمام أميرالمؤمنين بصيغ متعدّدة، مثل قوله: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبيّ بعدي».

کما صدع بهذه الحقيقة وأعلنها علي المسلمين مرّات ومرّات؛ ليکون بذلک قد أوضح للجميع- وللتاريخ أيضاً- مساواة عليّ ومماثلته له في القيادة. وکان من بين المواضع التي أعلن فيها النبيّ هذا الکلام المعجز حول عليّ، غزوة تبوک.

ففي ظلّ أوضاع صعبة ومُضنية جهّز النبيّ جيشاً کبيراً، ثمّ خرج من المدينة قاصداً أن يقاتل به الروم. لقد کانت تبوک هي أقصي نقطة قصدها رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في حروبه، وأبعدها عن المدينة جغرافيّاً. وفي المدينة حيث کان يعيش النبيّ استطاع النفاق أن يتبلور آنئذٍ في إطار حرکة منظّمة، راحت تترصّد الوضع بصدور موبوءة بالحقد والضغينة، وتخطّط بخفاء کي تنقضّ علي المجتمع الإسلامي الفتيّ بضربة قاصمة.

لقد غادر النبيّ المدينة في سفر طويل، وهو يتوجّس خيفة من فتن المنافقين وکيد الحاقدين، فماذا يفعل؟ وکيف يؤمّن وضع المدينة ويطمئنّ عليها؟ اختار صلي الله عليه و آله أن يُبقي عليّاً في المدينة، يخلفه في أهله، ويصون له دار هجرته ومن

[صفحه 30]

بقي من قومه. هکذا مضي الأمر.

وعندما رآي المنافقون والذين في قلوبهم مرض، أنّ خطّتهم تلاشت بوجود عليّ کما تتلاشي خيوط العنکبوت، وأحلامهم ضاعت ببقاء الإمام أميرالمؤمنين في المدينة، راحوا يُرجفون بأنّ النبيّ ما ترک عليّاً في المدينة إلّا لموجدة عليه، وأ نّه لو کان له به غرض لما خلفّه علي النساء والصبيان!

راحت شائعات حرکة النفاق تزحم أجواء المدينة، وصارت أراجيفهم تحاصر عليّ بن أبي طالب- ليث الوغي وفارس ساحات الجهاد- وتنهال عليه من کلّ حدب وصوب، فماذا هو فاعل أميرالمؤمنين؟

سرعان ما لحق برسول اللَّه صلي الله عليه و آله وقصّ عليه أراجيف المنافقين، فما کان من النبيّ الأقدس إلّا أن تحدّث إلي عليّ بما يکشف عن حظوة کبيرة عند النبيّ، ومکانة لا تُدانيها مکانة أحد من العالمين، فقال له بفيض حنان: «ارجع يا أخي إلي مکانک؛ فإنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بک؛ فأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي وقومي، أما ترضي أن تکون منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟».

بصراحة لا يشوبها لبس سجّل النبيّ صلي الله عليه و آله لعليّ بن أبي طالب عليه السلام جميع ما له من مناصب ومواقع ومسؤوليّات ما خلا النبوّة، وأوضح دون أدني شائبة أنّ الإمام أميرالمؤمنين هو الذي يجسّد عمليّاً ديمومة الخطّ النبوي، وينهض بمسؤوليّات النبيّ عند غيابه، في زعامة الاُمّة وقيادتها، وممارسة المرجعيّة الفکريّة والعلميّة للرسالة الإسلاميّة.

تسجّل بعض النصوص التاريخيّة أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله خاطب عليّاً بهذه الجملة صراحة: «إنّه لابدّ من إمام وأمير؛ فأنا الإمام، وأنت الأمير».[1] .

[صفحه 31]



صفحه 30، 31.





  1. راجع: أحاديث المنزلة.