فصل و زيادة
علي أن من ذهب في تأويل الخبر إلي معني الولاء في الدين و النصرة، فقوله داخل في قول من حمله علي الإمامة و الرئاسة، لأن إمام العالمين تجب موالاته في الدين، و تتعين نصرته علي کافة المسلمين، و ليس من حمله علي الموالاة في الدين و النصرة يدخل في قوله ما ذهبنا إليه من وجوب الإمامة، فکان المصير إلي قولنا اولي. [صفحه 54] و أما الذين غلطوا فقالوا: إن السبب في ما قاله رسول الله صلي الله عليه و آله يوم الغدير انما هو کلام جري بين أميرالمؤمنين و بين زيد بن حارثة، فقال علي عليه السلام لزيد: أتقول هذا و أنا مولاک؟! فقال له زيد: لست مولاي، إنما مولاي رسول الله صلي الله عليه و آله، فوقف يوم الغدير فقال: من کنت مولاه فعلي مولاه، إنکارا علي زيد، و اعلاماً له أن عليا مولاه[3] ! فإنهم قد فضحهم العلم بأن زيدا قتل مع جعفر بن أبي طالب عليه السلام في أرض مؤته[4] من بلاد الشام قبل يوم غدير خم بمدة طويلة من الزمان[5] ، و غدير خم إنما کان قبل وفاة النبي صلي الله عليه و آله بنحو الثمانين يوماً، و ما حملهم علي هذا الدعوي إلا عدم معرفتهم بالسير والأخبار[6] . و لما رأت الناصبة غلطها في هذه الدعوي رجعت عنها، وزعمت أن الکلام کان [صفحه 55] بين أميرالمؤمنين عليه السلام و بين اسامة بن زيد[7] ، والذي قدمناه من الحجج يبطل ما زعموه و يکذبهم فيما ادعوه، و يبطله ايضا ما نقله الفريقان من أن عمر بن الخطاب قام في يوم الغدير فقال: بخ بخ لک يا أبا الحسن، أصبحت مولاي و مولي کل مؤمن و مؤمنة[8] ، ثم مدح حسان بن ثابت في الحال بالشعر المتضمن رئاسته و إمامته علي الأنام، و تصويب النبي صلي الله عليه و آله له في ذلک[9] . ثم احتجاج أميرالمؤمنين عليه السلام به في يوم الشوري، فلو کان ما ادعاه المنتحلون حقا، لم يکن لاحتجاجه عليهم به معني، و کان لهم أن يقولوا: أي فضل لک بهذا علينا؟! و إنما سببه کذا و کذا. و قد احتج له أميرالمؤمنين عليه السلام دفعات، و اعتده في مناقبه الشراف و کتب يفتخر به في جملة افتخاره إلي معاوية بن أبي سفيان في قوله: و أوجب لي الولاء معا عليکم [صفحه 56] و هذا الأمر لا لبس فيه: و اما الذين اعتمدوا علي أن خبر الغدير لو کان موجيا للامامة لأوجبها لأمير المؤمنين عليه السلام في کل حال، إذ لم يخصصها النبي صلي الله عليه و آله بحال دون حال، و قولهم: إنه کان يجب أن يکون مستحقا لذلک في حياة رسول الله صلي الله عليه و آله، فإنهم جهلوا معني الاستخلاف و العادة المعهودة في هذا الباب. و جوابنا ان نقول لهم: قد أوضحنا الحجة علي أن النبي صلي الله عليه و آله استخلف عليا عليه السلام في ذلک المقام، و العادة جارية فيمن يستخلف أن يخصص له الاستحقاق في الحال، و التصرف بعد الحال، ألا ترون أن الإمام اذا نص علي حال له قوم بالامر بعد، أن الأمر يجري في استحقاقه و تصرفه علي ما ذکرناه؟! و لو قلنا: إن أميرالمؤمنين عليه السلام يستحق بهذا النص التصرف و الامر و النهي في جميع الأوقات علي العموم و الاستيعاب إلا ما استثناه الدليل- و قد استثنت الأدلة في زمان حياة رسول الله صلي الله عليه و آله الذي لا يجوز أن يکون فيه متصرف في الأمة (غيره)[11] و لا آمرناه لهم سواه- لکان هذا أيضا من صحيح الجواب. فإن قال الخصم: إذا جاز أن تخصصوا بذلک زمانا دون زمان، فما أنکرتم أن يکون إنما يستحقها بعد عثمان؟ [صفحه 57] قلنا له: أنکرنا ذلک من قبل ان القائلين بأنه استحقها بعد عثمان مجمعون علي انها لم تحصل له في ذلک الوقت بيوم الغدير و لا بغيره من وجوه النص عليه، و إنما حصلت له بالاختيار، و کل من أوجب له الإمامة بالنص أوجبها بعد رسول الله صلي الله عليه و آله من غير تراخ في الزمان، و الحمدلله. حدثني القاضي أبوالحسن أسد بن ابراهيم السلمي الحراني رحمه الله قال: أخبرني أبوحفص عمر بن علي العتکي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن هارون الحنبلي، قال: حدثنا حسين بن الحکم، قال: حدثنا حسن بن حسين قال: حدثنا أبوداود الطهوي، عن عبدالأعلي الثعلبي، عن عبدالرحمن بن أبي ليلي، قال: قام علي عليه السلام خطيباً في الرحبة و هو يقول: «أنشد الله امرأ شهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم آخذا يدي و رفعهما إلي السماء و هو يقول: يا معشر المسلمين ألست أولي بکم من أنفسکم؟ فلما قالوا: بلي، قال: فمن کنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه، و انصر من نصره و اخذل من خذله، إلا قام فشهد بها». فقام بضعة عشر بدريا فشهدوا بها[12] ، و کتم أقوام فدعا عليهم، فمنهم من برص، و منهم من عمي، و منهم من نزلت به بلية في الدنيا، فعرفوا بذلک حتي فارقوا الدنيا[13] . [صفحه 58] و مما حفظ عن قيس بن سعد بن عبادة أنه کان يقول و هو بين يدي أمير المؤمنين صلوات الله عليه و آله بصفين و معه الراية، في قطعة له أولها: قلت لما بغي العدو علينا حسبنا ربنا الذي فتح البص و علي إمامنا و أمام يوم قال النبي: من کنت مو إنما قاله النبي علي الأًم
فأما الذين ادعوا أن رسول الله صلي الله عليه و آله إنما قصد بما قاله في أميرالمؤمنين عليه السلام يوم الغدير ان يؤکد ولاءه في الدين، و يوجب نصرته علي المسلمين، و ان ذلک علي معني قوله سبحانه: (و المؤمنين و المؤمنات بعضهم أولياء بعض)[1] و إن الذي أوردناه من البيان علي ان بلفظة «مولي» يجب أن تطابق معني ما تقدم به التقرير في الکلام، و أنه لا يسوغ حملها علي غير ما يقتضي الإمامة من الأقسام، يدل علي بطلان ما ادعوه في هذا الباب، و لم يکن أميرالمؤمنين عليه السلام بخامل الذکر فيحتاج إلي أن يقف به في ذلک المقام يؤکد ولاءه علي الناس، بل قد کان مشهورا، و فضائله و مناقبه و ظهور علوّ مرتبته و جلالته قاطعا للعذر في العلم بحاله عند الخاص و العام[2] .
خليلي يوم دوح غدير خم[10]
حسبنا ربنا ونعم الوکيل
رة بالامس و الحديث يطول
لسوانا أتي به التنزيل
لاه فهذا مولاه خطب جليل
ة حتم ما فيه قال و قيل[14] .
صفحه 54، 55، 56، 57، 58.
و ليت شعري أني يذهب البغض بذوي الرؤوس الخاوية لينهجوا هذا النهج من المطل و المماراة و الالتفاف حول کلمة الحق، ألا رجعوا إلي أنفسهم فسألوها و ماذا أراد رسول الله صلي عليه و آله و سلم بذلک و قد جمع له الحجيج من بقاع الارض المختلفة بهذا الجو اللاهب والشوق العارم للعودة إلي الأهل و الخلان بعد أداء فرض الله تعالي و بعد و عثاء السفر، ألا لا مناص من الإجابة بأن الأمر أعظم و أشد مما ذهبوا إليه، بل و هل هي إلا الوصية و الخلافة التي يعرفونها کما يعرفون أبناءهم و لکنهم ينکرون حتي تکون حجة عليهم يوم القيامة حين يحق الحق و يبطل الباطل، و عندئذ يخسر المبطلون. انظر: معجم البلدان 219:5. انظر: تأريخ الامم و الملوک- للطبري - 36:3، الکامل في التأريخ- لابن الاثير-،مروج الذهب- للمسعودي 1493:30:3، المغازي- للواقدي- 755:2، السيرة النبوية-لابن هشام- 15:4، السيرة النبوية- لابن کثير- 455:3، معجم البلدان- للحموي- 219:5. و لا أجد لذلک تفسيرا إلا أن الله تعالي شاء أن يفضح اُولئک الذين أعماهم الحقد عن رؤية شمس الحق. و تالله إن الأمر ليبدو أوضح من أن يلتبس به أحد، فکتب الحديث و السنن التي نقلت هذه الواقعة تشير نصاً إلي انها کانت في حجة الوداع. کما ان کل کتب التأريخ نذکر أن هذه الحجة کانت في السنة العاشرة من الهجرة النبوية، و هي لا تختلف أيضا في أن وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم کانت في السنة الحادية عشر، فأين هذه من تلک؟!. يناديهم يوم الغدير نبيهم فقال: فمن مولاکم و وليکم؟ إلهک مولانا و أنت نبينا فقال له: قم يا علي فأنني فمن کنت مولاه فهذا وليه هناک دعا: اللهم وال وليه فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: يا حسان، لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نافحت عنا بلسانک. انظر: کفاية الطالب: 64، المناقب- للخوارزمي-: 80 و 94، فرائد السمطين 39:72:1. محمد النبي اخي و صهري و جعفر الذي يمسي و يضحي و بنت محمد سکني و عرسي و سبطا أحمد ولداي منها سبقتکم إلي الإسلام طرا فأوصاني النبي لدي اختيار و اوجب لي الولاء معا عليکم فويل ثم ويل ثم ويل فلما وقف معاوية علي الکتاب قال: اخفوه لئلا يسمع أهل الشام. انُظر: مسند أحمد 84:1 و88 و336:5 ،119، أُسد الغابة 233:2 و 93:3 و 307 و 276:5 حلية الأولياء 26:5، أنساب الاشراف 169:156:1، البداية و النهاية 211 -210:5، کفاية الطالب: 63، فرائد السمطين 34:68:1، المناقب- للخوارزمي-: 95، شرح نهج البلاغة: لابن أبي لحديد- 217:19. انظر: أنساب الأشراف 169:156:2، شرح نهج البلاغة- لابن أبي الحديد المعتزلي- 217:19، السيرة الحليبة 274:3.
بخم فأسمع بالرسول مناديا
فقالوا ولم يبدوا هناک التعاميا
و لم تلق منا في الولاية عاصيا
رضيتک من بعدي إماما و هاديا
فکونوا له أنصار صدق مواليا
و کن للذي عادي عليا معاديا
و حمزة سيد الشهداء عمي
يطير مع الملائکة ابن أمي
مسوط لحمها بدمي و لحمي
فمن منکم له سهم کسهمي
صغيرا ما بلغت أوان حلمي
رضي منه لأمته بحکمي
خليلي يوم دوح غدير خم
لمن يرد القيامة و هو خصمي