غزوة بدر الكبري











غزوة بدر الکبري



وهي أول معرکة يحارب فيها الإمام عليٌّ عليه السلام کما أنَّ معرکة بدر هي أول حروب نبيُّ الله صلي الله عليه وآله وسلم.

وبدر اسم بئر کانت لرجل يدعي بدراً، وتقع في مکان بين مکَّة والمدينة وتبعد عنها 160 کم علي التقريب[1] .

وقيل: بين بدر والمدينة ثمانية بُرُد وميلان[2] .

وکانت هذه الوقعة يوم الجمعة، لثلاث عشرة بقين من شهر رمضان[3] ، أي في السابع عشر منه، وقيل: يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت منه علي رأس تسعة عشر شهراً من مهاجره[4] ، وقيل: في التاسع عشر من شهر رمضان المبارک السنة الثانية من الهجرة[5] .

وجاء في سبب هذه الغـزوة: أنَّ أبا سفيان قدم من الشام بقافلة قريش، تحمل أموالاً طائلة، فخرج الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ليقطع الطريق عليها رداً

[صفحه 67]

علي تحدِّياتها وتحرُّشاتها التي کانت تقوم بها بين الفينة والأُخري، وشاءت الأقدار أن يعرف أبو سفيان بأمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فغيَّر طريق القافلة ونجا بها، وأرسل إلي قريش يعلمها بالأمر..

فاستبشرت لقتال محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم وخرجت بجيش قوامه ألف رجل ـ علي أصحِّ التقادير ـ وأخرجوا معهم القيان والدفوف، وبلغت النبيَّ صلي الله عليه وآله وسلم أخبارها واستعدادها للقتال، فاستشار أصحابه في الأمر وأحبَّ أن يکونوا علي بصيرة من أمرهم، فوقف عمر بن الخطَّاب يحذِّره من قريش، إذ يقول: والله إنَّها ما ذلَّت منذ عزَّت، ولا آمنت منذ کفرت، والله لا تسلِّم عزَّها أبداً ولتقاتلک، فتأهَّب لذلک أهبته وأعدَّ له عدَّته.

ووقف بعده المقداد فقال: يا رسول الله امضِ لأمر الله فنحن معک، ولا نقول لک، کما قالت بنو اسرائيل لموسي: (فَاذْهَبْ أنْتَ وَرَبُّکَ فَقَاتِلأ إنَّا هَا هُنَا قَاعِدُون)، بل نقول لک: اذهب أنت وربُّک فقاتلا إنَّا معکم مقاتلون، والذي بعثک بالحقِّ لو سرت بنا إلي برک الغماد[6] لسرنا معک، فدعا له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

ومضي نبيُّ الله صلي الله عليه وآله وسلم في طريقه إلي بدر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وقيل بأقل من ذلک، منهم من المهاجرين واحد وثمانون، ومن الأنصار مائتان واثنان وثلاثون رجلاً[7] ، وکان معهم فرسان وسبعون بعيراً، فبعث عليَّاً عليه السلام وسعد بن أبي وقَّاص وبسبس بن عمرو يتجسَّسون له الأخبار،

[صفحه 68]

وقال: «أرجو أن تجدوا الخبر عند القليب التي تلي هذا الضريب» فاندفعوا باتجاهه فوجدوا علي القليب روايا قريش، فأسروا ثلاثة منهم، واستطاع الفرار رجل اسمه عجير فأخبر قريشاً، بخبر محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم وأصحابه..

وقبل أن يقع القتال أنزل الله علي نبيِّه: (وَإن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا)[8] فوقف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بين الطرفين يخاطب قريشاً بأُسلوب يلهب المشاعر: «ارجعوا، فلأن يلي هذا الأمر منِّي غيرکم أحبُّ إليَّ من أن تلوه أنتم».

فأصاب کلامه مکاناً في نفس عتبة بن ربيعة، أحد قادتهم وأبطالهم، فقال لقريش: ما ردَّ هذا قومٌ قط وأفلحوا، يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدهر، إنَّ محمَّداً له آل وذمَّة وهو ابن عمِّکم فخلُّوه والعرب، فإن يک صادقاً فأنتم أعلي عيناً به، وإن يک کاذباً کفتکم ذؤبان العرب أمره. لکنَّ أبا جهل أبي الا القتال، ووصف موقف عتبة بالجبن والخوف، وظلَّ يلاحق عتبة حتَّي استفزَّه.

ودفع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم رايته إلي عليٍّ، وکان عمره يوم ذاک 25 سنة، وبرز عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة بن ربيعة، ودعوا المسلمين إلي البراز، فبرز إليهم ثلاثة من فتيان الأنصار: وهم من بني عفراء: معاذ ومعوذ وعوف[9] ، فلمَّا وقفوا في مقابل عتبة وأخيه وولده، ترفَّعوا عن مقاتلتهم، وطلب عتبة من النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم أن يرسل له الأکفَّاء من قريش.

فالتفت نبيُّ الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي بني عمومته، وأحبَّ أن تکون الشوکة ببني

[صفحه 69]

عمِّه وقومه وقال: «قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا حمزة بن عبدالمطَّلب، قم يا عليَّ بن أبي طالب» فقاموا مسرعين، يهرولون بين الجيشين علي أقدامهم، بقلوب ثابتة، عامرة بالإيمان، ووقفوا أمام القوم، فقال عتبة: تکلَّموا نعرفکم، وکان عليهم البيض، فقال حمزة: أنا حمزة بن عبدالمطَّلب: أسد الله، وأسد رسوله، فقال عتبة: کُفءٌ کريم، وأنا أسد الحلفاء، من هذا معک؟ قال: عليُّ بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث، قال: کُفآن کريمان[10] .

فبرز عبيدة بن الحارث ـ وکان عمره سبعين سنة ـ إلي عتبة بن ربيعة ـ وقيل شيبة[11] ـ فضربه علي رأسه وضرب عتبة عبيدة علي ساقه فقطعها، وسقطا معاً، وحمل عليٌّ عليه السلام علي الوليد ـ وکانا أصغر القوم سنَّاً ـ فضربه عليُّ بن أبي طالب عليه السلام علي حبل عاتقه، فخرج السيف من أبطه، وحمل حمزة علي شيبة فتضاربا بالسيف حتي انثلما، فاعتنق کلُّ واحد صاحبه، وکان حمزة أطول من شيبة، فصاح المسلمون: يا علي، أما تري الکلب قد بهر عمَّک، فأقبل عليهما، فقال عليٌّ: «طأطأ رأسک يا عم» فأدخل حمزة رأسه في صدر شيبة، فضربه الإمام علي عنقه فقطعها، ثُمَّ کرَّ عليٌّ عليه السلام وحمزة علي عتبة فأجهزا عليه، وحملا عبيدة فألقياه بين يدي ابن عمِّه الرسول، فاستعبر وقال: «ألستُ شهيداً يا رسول الله؟» قال: «نعم».

قال: «لو رآني أبو طالب لعلم أنَّنا أحقُّ منه بقوله:

ونُسْلمه حتَّي نصرَّع حولــهُ * ونذهل عن أبنائنا والحلائلِ»[12] .

[صفحه 70]

ولم يلبث بعدها إلاّ يسيراً، وهو أول شهيد من المسلمين في تلک المعرکة.

وبرز بعدهما حنظلة بن أبي سفيان إلي عليِّ بن أبي طالب عليه السلام، فلمَّا دنا منه ضربه عليٌّ بالسيف، فسالت عيناه، وسقط کالذبيح علي رمال بدر، ثُمَّ أقبل العاص بن سعيد بن العاص يطلب البراز، فبرز إليه عليٌّ عليه السلام وقتله.

ولمَّا رأت مخزوم کثرة القتلي من المشرکين، أحاطوا بأبي جهل خوفاً عليه، وألبسوا لأمة حربه عبدالله بن المنذر، فصمد له عليٌّ عليه السلام وقتله، ثُمَّ ألبسوها الفاکه بن المغيرة، فقتله حمزة وهو يظنُّه أبا جهل، وألبسوها بعدهما حرملة بن عمرو فقتله عليٌّ عليه السلام أيضاً، وأبي أن يلبسها أحد بعدما رأوا صنيع عليٍّ وحمزة..

ثمَّ التحم الجيشان، ودار بينهما أعنف قتال، فتساقطت الرؤوس وتهاوت الأجسام.

وقَتَلَ عليٌّ عليه السلام ـ فيمن قتله يوم ذاک ـ نوفل بن خويلد، وکان من شياطين قريش، وکان النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد قال فيه: «اللَّهمَّ اکفني ابن العدوية» وخرج نبيُّ الله صلي الله عليه وآله وسلم من العريش، ولم يبقَ فيه غير أبي بکر، ولم يرد له ولعمر بن الخطَّاب ذکر مع الذين اشترکوا في القتال..

واشترک النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم مع المسلمين، وکبرياء مشرکي قريش تتهاوي تحت الأقدام، ثمَّ أخذ کفَّاً من التراب ورمي به إلي جهة المشرکين قائلاً: «شاهت الوجوه، اللَّهمَّ ارعب قلوبهم» فانهزموا تارکين أمتعتهم وأسلحتهم، وانجلت المعرکة عن مقتل سبعين رجلاً من مشرکي قريش، وکانوا سادات قريش وأبطالها، وأُسر منهم سبعون رجلاً، وفقد المسلمون أربعة عشر شهيداً.. ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار.

[صفحه 71]

وانطوت صفحة التاريخ معربة عن أول انتصار حقَّقه المسلمون علي صعيد المعارک، وتجلَّت هذه الانتصارات ببطولات بني هاشم لا سيَّما الإمام علي عليه السلام، الذي کان متعطِّشاً لحصد أشواک الشرک وإلقائها تحت الأقدام..

أحصت بعض مصادر التاريخ من قتلهم عليٌّ 35 رجلاً، ذکرتهم بعض المصادر بأسمائهم[13] .

ومن کلام الإمام عليه السلام لمعاوية: «وعندي السيف الذي اعضضته بجدک وخالک وأخيک في مقام واحد»[14] !



صفحه 67، 68، 69، 70، 71.





  1. فضائل الإمام علي، محمَّد جواد مغنية: 96.
  2. طبقات ابن سعد 2: 9.
  3. أي بعد قدومه المدينة بثمانية عشر شهراً، أنظر الکامل في التاريخ 2: 14.
  4. الطبقات الکبري 2: 8.
  5. فضائل الإمام علي: 96.
  6. برک الغماد: مدينة الحبشة، تبعد عن مکَّة مسيرة خمس ليال من وراء الساحل. انظر سيرة الأئمة الاثني عشر، الجزء الأول.
  7. تاريخ اليعقوبي 2: 45، الکامل في التاريخ 2: 16.
  8. سورة الأنفال: 61.
  9. ذکر ابن الأثير في تاريخه 2: 125 عوف ومعوَّذ ابنا عفراء، وعبدالله بن رواحة، کلَّهم من الأنصار.
  10. طبقات ابن سعد 2: 12.
  11. ارشاد المفيد 1: 68.
  12. الکامل في التاريخ 2: 22.
  13. انظر إرشاد المفيد 1: 70ـ 71.
  14. نهج البلاغة، الکتاب: 64.