ليلة الغار و مبيت علي علي الفراش











ليلة الغار و مبيت علي علي الفراش



و کما فدا ابو طالب النبي «ص» بولده علي فکان يقيم النبي من مرقده خوفا عليه من اغتيال المشرکين و ينيم ولده عليا مکانه ليکون فداء له لو قصده المشرکون باغتيال کما مر، کذلک فدا علي النبي «ص» بنفسه بعد وفاة ابيه فنام علي فراش النبي «ص» ليلة الغار و فداه بنفسه و سن له ابوه في حياته في المحافظة علي النبي «ص» الي حد الفداء بالنفس سنة اتبعها علي بعد وفاة ابيه و وطن نفسه عليها و استهان بالموت في سبيلها، و ذلک ان قريشا ائتمرت برسول الله «ص» في دار الندوة لما أعياهم امره و رأوا دعوته لا تزداد الا انتشارافأجمع رأيهم علي اغتياله ليلا و هو في فراشه و انتخبوا من قبائلهم العشر من کل قبيلة رجلا شجاعا ليهجموا عليه ليلا فيقتلوه و يضيع دمه في القبائل و يرضي قومه بالدية، و مر ذلک مفصلا في الجزء الثاني في السيرة النبوية و نعيد هنا جملة مما ذکرناه هناک مما يتعلق بعلي عليه السلام و ان لزم بعض التکرار ثم نتبعه ببعض ما ورد فيه من الروايات مما لم نذکره هناک: فنقول:

روي الشيخ الطوسي في اماليه بسنده و رواه غيره انه لما اشتد البلاء علي المؤمنين بمکة من المشرکين اذن لهم النبي «ص» بالهجرة الي المدينة فهاجروا فلما رأي ذلک المشرکون اجتمعوا في دار الندوة و ائتمروا في رسول الله «ص» فقال العاص بن وائل و امية بن خلف نبني له بنيانا نستودعه فيه حتي يموت (فقال) صاحب رأيهم لئن صنعتم ذلک ليسمعن الحميم و المولي الحليف ثم لتأتين المواسم و الاشهر الحرم بالامن فلينتزعن من ايديکم (فقال) عتبة و ابو سفيان نرحل بعيرا صعبا و نوثق محمدا عليه ثم نقصع البعير باطراف الرماح فيقطعه اربا اربا (فقال) صاحب رأيهم ارأيتم ان خلص به البعير سالما الي بعض الافاريق فأخذ بقلوبهم بسحره و بيانه فصبا القوم اليه و استجابت القبائل له فيسيرون اليکم بالکتائب و المقانب فلتهلکن کما هلکت اياد (فقال) ابو جهل لکني اري لکم رأيا سديدا و هو ان تعمدوا الي قبائلکم العشر فتنتدبوا من کل قبيلة رجلا نجدا ثم تسلحوه حساما عضبا حتي اذا غسق الليل اتوا ابن ابي کبشة فقتلوه فيذهب دمه في قبائل قريش فلا يستطيع بنو هاشم و بنو المطلب مناهضة قريش فيرضون بالدية (فقال) صاحب رأيهم اصبت يا ابا الحکم هذا هو الرأي فلا تعدلوا به رأيا و کموا في ذلک افواهکم، فسبقهم الوحي بما کان من کيدهم و هو قوله تعالي (و اذ يمکر بک الذين کفروا ليثبتوک او يقتلوک او يخرجوک و يمکرون و يمکر الله و الله خير الماکرين) فدعا رسول الله «ص» عليا عليه السلام و اخبره بذلک و قال له اوحي الي ربي ان اهجر دار قومي و انطلق الي غار ثور تحت ليلتي هذه و ان آمرک بالمبيت علي فراشي ليخفي بمبيتک عليهم امري، و اشتمل ببردي الحضرمي (و کان له برد حضرمي اخضر او احمر ينام فيه) ثم ضمه النبي «ص» الي صدره و بکي وجدا به فبکي علي جزعا لفراق رسول الله «ص». و في اسد الغابة:

بسنده عن ابن اسحق قال: اقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ينتظر الوحي بالاذن له في الهجرة الي المدينة حتي اذا اجتمعت قريش فمکرت بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم فدعا علي بن ابي طالب فامره ان يبيت علي فراشه و يتسجي ببرد له اخضر ففعل ثم خرج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي القوم و هم علي بابه، قال ابن اسحق و تتابع الناس في الهجرة و کان آخر من قدم المدينة من الناس و لم يفتن في دينه علي بن ابي طالب و ذلک ان رسول الله «ص» أخره بمکة و أجله ثلاثا و امره ان يؤدي الي کل ذي حق حقه ففعل ثم لحق برسول الله «ص». ثم روي بسنده عن ابي رافع في هجرة النبي «ص» انه خلف عليا يخرج اليه باهله و امره ان يؤدي عنه امانته و وصايا من کان يوصي اليه و ما کان يؤتمن عليه من مال فادي علي امانته کلها و امره ان يضطجع علي فراشه ليلة خرج و قال ان قريشا لا يفقدوني ما رأوک فاضطجع علي فراشه و کانت قريش تنظر الي فراش النبي صلي الله عليه و آله و سلم فيرون عليه عليا فيظنونه النبي صلي الله عليه و آله و سلم حتي اذا اصبحوا رأوا عليه عليا فقالوا لو خرج محمد لخرج بعلي معه فحبسهم الله بذلک عن طلب النبي صلي الله عليه و آله و سلم حين رأوا عليا.

و في مبيت علي عليه السلام علي الفراش ليلة الغار يقول شاعر اهل البيت الحاج هاشم ابن الحاج حردان الکعبي من قصيدة علوية حسينية:


و مواقف لک دون احمد جاوزت
بمقامک التعريف و التحديدا


فعلي الفراش مبيت ليلک و العدي
تهدي اليک بوارقا و رعودا


فرقدت مثلوج الفؤاد کأنما
يهدي القراع لسمعک التغريدا


فکفيت ليلته و قمت معارضا
بالنفس لا فشلا و لا رعديدا


و استصبحوا فرأوا دوين مرادهم
جبلا أشم و فارسا صنديدا


رصدوا الصباح لينفقوا کنز الهدي
او ما دروا کنز الهدي مرصودا


و في ذلک يقول المؤلف ايضا من قصيدة


و ما زلت للمختار ردءا و ناصرا
صبيا و کهلا ما استمر به العمر


ففي ليلة الغار التي شاع ذکرها
و کان لجمع من قريش بها مکر


أباتک خير الخلق فوق فراشه
تقيه الردي ما مسک الخوف و الذعر


الي غار ثور قد مضي مع صاحب
له و هم جاثون بالباب لم يدروا


بقوا يرقبون الفجر کي يفتکوا به
و قد خابت الآمال مذ طلع الفجر


رأوا نائما في برده متلفعا
و ظنوا النبي المصطفي فيه فاغتروا


من الباب اسراعا اليک تواثبوا
فلما رأوا ليث الشري دونهم فروا


قبضت بکف العزم ساعد خالد
فأبدي قماصا مثلما تقمص البکر


لک الفخر يوم الغار دون مشارک
و في کل مسعاة لک الفخر و الذکر


و فيه يقول السيد الحميري في قصيدته المذهبة:


باتوا و بات علي الفراش ملفعا
و يرون ان محمدا لم يذهب


حتي اذا طلع الشميط کأنه
في الليل صفحه خدادهم مغرب


ثاروا لأخذ أخي الفراش فصادفت
غير الذي طلبت ألف الخيب


فتراجعوا لما رأوه و عاينوا
اسد الاله و عصبوا في منهب


ثم قال الشيخ الطوسي في تتمة الخبر السابق: و امر رسول الله «ص» ابا بکر و هند ابن ابي هالة ان يقعدا له بمکان ذکره لهما و لبث مع علي يوصيه و يأمره بالصبر حتي صلي العشاءين ثم خرج في فحمة العشاء الآخرة و الرصد من قريش قد أطافوا بداره ينتظرون الي ان ينتصف الليل حتي أتي الي ابي بکر و هند فنهضا معه حتي وصلوا الي الغار فدخلا الغار و رجع هند الي مکة لما امره به رسول الله «ص» فلما اغلق الليل ابوابه و انقطع الاثر اقبل القوم علي علي يقذفونه بالحجارة و لا يشکون انه رسول الله، حتي اذا قرب الفجر هجموا عليه و کانت دور مکة يومئذ لا ابواب لها، فلما بصر بهم علي قد انتضوا السيوف و اقبلوا بها اليه امامهم خالد بن الوليد وثب علي فهمز يده فجعل خالد يقمص قماص البکر و يرغو رغاء الجمل و اخذ سيف خالد و شد عليهم به فاجفلوا امامه اجفال النعم الي ظاهر الدار و بصروه فاذا هو علي فقالوا انا لم نردک فما فعل صاحبک قال لا علم لي به. و امهل علي حتي اذا اعتم من الليلة القابلة انطلق هو و هند بن ابي هالة حتي دخلا علي رسول الله «ص» في الغار فأمر رسول الله «ص» هندا ان يبتاع له و لصاحبه بعيرين فقال صاحبه قد اعددت لي و لک يا نبي الله راحلتين فقال اني لا آخذهما و لا احداهما الا بالثمن قال فهما لک بذلک، فأمر عليا فأقبضه الثمن ثم وصي عليا بحفظ ذمته و أداء امانته، و کانت قريش تدعو محمدا «ص» في الجاهلية الامين و تودعه اموالها و کذلک من يقدم مکة من العرب في الموسم، و جاءته النبوة و الامر کذلک فأمر عليا ان يقيم مناديا بالابطح غدوة و عشية، أ لا من کانت له قبل محمد أمانة فليأت لتؤدي اليه امانته، و قال انهم لن يصلوا اليک بما تکرهه حتي تقدم علي، فأد أمانتي علي أعين الناس ظاهرا، و اني مستخلفک علي فاطمة ابنتي و مستخلف ربي عليکما، و امره ان يبتاع رواحل له و للفواطم و من اراد الهجرة معه من بني هاشم و غيرهم و قال له اذا قضيت ما امرتک به فکن علي اهبة الهجرة الي الله و رسوله و انتظر قدوم کتابي اليک و لا تلبث بعده، و اقام رسول الله «ص» في الغار ثلاث ليال ثم سار نحو المدينة حتي قاربها فنزل في بني عمرو ابن عوف بقبا، و اراده صاحبه علي دخول المدينة فقال ما انا بداخلها حتي يقدم ابن عمي و ابنتي يعني عليا و فاطمة، ثم کتب الي علي مع ابي واقد الليثي يأمره بالمسير اليه و کان قد ادي اماناته و فعل ما اوصاه به، فلما اتاه الکتاب ابتاع رکائب و تهيأ للخروج و امر من کان معه من ضعفاء المؤمنين ان يتسللوا ليلا الي ذي طوي.