الخليفة وقوم من أحبار اليهود











الخليفة وقوم من أحبار اليهود



لما ولي أميرالمؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة أتاه قوم من أحبار اليهود فقالوا: يا عمر أنت ولي الامر بعد محمد صلي الله عليه وسلم وصاحبه وانا نريد أن نسألک عن خصال إن أخبرتنا بها علمنا أن الاسلام حق وأن محمدا کان نبيا، وإن لم تخبرنا به علمنا أن الاسلام باطل وأن محمدا لم يکن نبيا، فقال: سلوا عما بدالکم، قالوا: أخبرنا عن أقفال السموات ما هي؟ وأخبرنا عن مفاتيح السموات ماهي؟ وأخبرنا عن قبر سار بصاحبه ما هو؟ وأحبرنا عمن أنذر قومه لا هو من الجن ولا هو من الانس؟ وأخبرنا عن خمسة أشياء مشوا علي وجه الارض ولم يخلقوا في الارحام؟ وأخبرنا ما يقول الدراج في صياحه؟ وما يقول الديک في صراخه؟ ومايقول الفرس في صهيله؟ وما يقول الضفدع في نقيقه؟ ومايقول الحمارفي نهيقه؟ ومايقول القنبر في صفيره؟

قال: فنکس عمر رأسه في الارض ثم قال: لا عيب بعمر إذا سئل عما لايعلم أن يقول: لا أعلم، وأن يسئل عما لا يعلم. فوثبت اليهود وقالوا: نشهد أن محمدا لم يکن نبيا وأن الاسلام باطل، فوثب سلمان الفارسي وقال لليهود: قفوا قليلا ثم توجه نحو علي بن أبي طالب کرم الله وجهه حتي دخل عليه فقال: يا أبا الحسن أغث الاسلام. فقال: وماذاک؟ فأخبره الخبر فأقبل يرفل في بردة رسول الله صلي الله عليه وسلم فلما نظر إليه عمر وثب قائما فاعتنقه وقال: يا أبا الحسن أنت لکل معضلة وشدة تدعي فدعا علي کرم الله وجهه اليهود فقال: سلوا عما بدالکم فإن النبي صلي الله عليه وسلم علمني ألف باب من العلم فتشعب لي من کل باب ألف باب، فسألوه عنها فقال علي کرم الله وجهه: إن لي عليکم شريطة إذا أخبرتکم کما في توراتکم دخلتم في ديننا وآمنتم. فقالوا: نعم. فقال: سلوا عن خصلة خصلة. قالوا:

[صفحه 149]

أخبرنا عن أقفال السموات ماهي؟ قال. أقفال السموات ألشرک بالله لان العبد والامة إذا کانا مشرکين لم يرتفع لهما عمل. قالوا: فأخبرنا عن مفاتيح السموات ماهي؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. فجعل بعضهم ينظر إلي بعض ويقولون: صدق الفتي، قالوا: فأخبرنا عن قبر سار بصاحبه؟فقال ذلک الحوت الذي إلتقم يونس بن متي فسار به في البحار السبع. فقالوا: أخبرنا عمن أنذر قومه لا هو من الجن ولا هو من الانس؟ قال: هي نملة سليمان بن داود قالت: يا أيها النمل ادخلوا مساکنکم لا يحطمنکم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون. قالوا: فأخبرنا عن خمسة مشوا علي الارض ولم يخلقوا في الارحام؟ قال: ذلکم: آدم، وحواء. وناقة صالح. وکبش إبراهيم. وعصي موسي. قالوا: فأخبرنا ما يقول الدراج في صياحه؟ قال: يقول: ألرحمن علي العرش استوي. قالوا: فأخبرنا ما يقول: الديک في صراخه؟ قال: يقول: اذکروا الله يا غافلين. قالوا: أخبرنا ما يقول الفرس في صهيله؟ قال: يقول إذا مشي المؤمنون إلي الکافرين إلي الجهاد: اللهم انصر عبادک المؤمنين علي الکافرين. قالوا: فأخبرنا ما يقول الحمار في نهيقه؟ قال: يقول لعن الله العشار وينهق في أعين الشياطين. قالوا: فأخبرنا ما يقول الضفدع في نقيقه؟ قال: يقول سبحان ربي المعبود المسبح في لجج البحار. قالوا: فأخبرنا ما يقول القنبو في صفيره؟ قال: يقول: أللهم العن مبغضي محمد وآل محمد.

وکان اليهود ثلاثة نفر قال اثنان منهم: نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. ووثب الحبر الثالث فقال: يا علي لقد وقع في قلوب أصحابي ما وقع من الايمان و التصديق وقد بقي خصلة واحدة أسالک عنها فقال: سل عما بدالک، فقال: أخبرني عن قوم في أول الزمان ماتوا ثلثمائة وتسع سنين ثم أحياهم الله فما کان من قصتهم؟ قال علي رضي الله عنه: يايهودي هؤلاء أصحاب وقد أنزل الله علي نبينا قرآنا فيه قصتهم وإن شئت قرأت عليک قصتهم؟ فقال اليهودي: ما أکثر ما قد سمعنا قراءتکم إن کنت عالما فاخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم، وأسماء مدينتهم، واسم ملکهم، واسم کلبهم، واسم جبلهم، واسم کهفهم وقصتهم من أولها إلي آخرها، فاحتبي علي ببردة رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم قال: يا أخا العرب حدثني حبيبي محمد صلي الله عليه وسلم أنه کان بأرض رومية مدينة يقال لها «أفسوس» ويقال هي «طرسوس» وکان اسمها في الجاهلية «أفسوس» فلما جاء الاسلام

[صفحه 150]

سموها «طرطوس» قال: وکان لهم ملک صالح فمات ملکهم وانتشر أمرهم فسمع به ملک من ملوک فارس يقال له: دقيانوس. وکان جبارا کافرا فأقبل في عساکر حتي دخل أفسوس فاتخذها دار ملکه وبني فيها قصرا.

فوثب اليهودي وقال: إن کنت عالما فصف لي ذلک القصر ومجالسه. فقال: يا أخا اليهودي ابتني فيها قصرا من الرخام طوله فرسخ وعرضه فرسخ واتخذ فيه أربعة آلاف اسطوانة من الذهب وألف قنديل من الذهب لها سلاسل من ا للجين تسرج في کل ليلة بالادهان الطيبة واتخذ لشرقي المجلس مائة وثمانين قوة، ولغربيه کذلک، و کانت الشمس من حين تطلع إلي حين تغيب تدور في المجلس کيفما دارت، واتخذ فيه سريرا من الذهب طوله ثمانون ذراعا في عرض أربعين ذراعا مرصعا بالجواهر، ونصب علي يمين السرير ثمانين کرسيا من الذهب فأجلس عليها بطارقته، واتخذ أيضا ثمانين کرسيا من الذهب عن يساره فأجلس عليها هراقلته، ثم جلس هو علي السرير ووضع التاج علي رأسه. فوثب اليهودي وقال: يا علي إن کنت عالما فاخبرني مم کان تاجه؟ قال: يا أخا اليهود کان تاجه من الذهب السبيک له تسعة أرکان علي کل رکن لؤلؤة تضئ کما يضئ المصباح في الليلة الظلماء، واتخذ خمسين غلاما من أبناء البطارقة فمنطقهم بمناطق الديباج الاحمر، وسرولهم بسراويل القز الاخضر، وتوجهم ودملجهم وخلخلهم وأعطاهم عمد الذهب وأقامهم علي رأسه، واصطنع ستة غلمان من أولاد العلماء وجعلهم وزرائه،فما يقطع أمرا دونهم وأقام منهم ثلاثة عن يمينه، وثلاثة عن شماله.

فوثب اليهودي وقال: يا علي إن کنت صادقا فأخبرني ماکانت أسماء الستة؟ فقال علي کرم الله وجهه: حدثني حبيبي محمد صلي الله عليه واله وسلم إن الذين کانوا عن يمينه أسمائهم: (تمليخا، ومکسلمينا، ومحسلمينا) وأما الذين کانوا عن يساره (فمرطليوس، وکشطوس، و سادنيوس)، وکان يستشيرهم في جميع اموره، وکان إذا جلس کل يوم في صحن داره واجتمع الناس عنده دخل من باب الدار ثلاثة غلمة في يد أحدهم جام من الذهب مملوء من المسک، وفي يد الثاني جام من فضة مملوء من ماء الورد، وعلي يد الثالث طائر فيصيح به فيطير الطائر حتي يقع في جام ماء الورد فيتمرغ فيه فينشف مافيه بريشه وجناحيه، ثم يصيح به الثاني فيطير فيقع في جام المسک فيتمرغ فيه فينشف مافيه بريشه وجناحيه، فيصيح

[صفحه 151]

به الثالث فيطير فيقع علي تاج الملک فينفض ريشه وجناحيه علي رأس الملک بما فيه من المسک وماء الورد، فمکث الملک في ملکه ثلاثين سنة من غير أن يصيبه صداع ولا وجع ولا حمي ولا لعاب ولا بصاق ولا مخاط، فلما رأي ذلک من نفسه عتا وطغي وتجبر واستعصي وادعي الربوبية من دون الله تعالي ودعا إليه وجوه قومه فکل من أجابه أعطاه وحباه وکساه وخلع عليه، ومن لم يجبه ويتابعه قتله، فأجابوه بأجمعهم فأقاموا في ملکه زمانا يعبدونه من دون الله تعالي، فبينما هو ذات يوم جالس في عيد له علي سريره والتاج علي رأسه إذ أتي بعض بطارقته فأخبره أن عساکر الفرس قد غشيته يريدون قتله فاغتم لذلک غما شديدا حتي سقط التاج عن رأسه وسقط هو عن سريره، فنظر أحد فتيته الثلاثة الذين کانوا عن يمينه إلي ذلک وکان عاقلا يقال له: تمليخا. فتفکر وتذکر في نفسه وقال: لو کان دقيانوس هذا إلها کما يزعم لما حزن ولما کان ينام ولما کان يبول و يتغوط، وليس هذه الافعال من صفات الاله، وکانت الفتية الستة يکونون کل يوم عند واحد منهم وکان ذلک اليوم نوبة «تمليخا» فاجتمعوا عنده فأکلوا وشربوا ولم يأکل تمليخا ولم يشرب فقالوا: يا تمليخا مالک لا تأکل ولاتشرب؟ فقال: يا إخواني قد وقع في قلبي شئ منعني عن الطعام والشراب والمنام. فقالوا: وما هو يا تمليخا؟ فقال: أطلت فکري في هذه السماء فقلت: من رفعها سقفا محفوظا بلا علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها؟ وما أجري فيها شمسها وقمرها؟ ومن زينها بالنجوم؟ ثم أطلت فکري في هذه الارض من سطحها علي ظهر اليم الزاخر ومن حبسها وربطها بالجبال الرواسي لئلا تميد، ثم أطلت فکري في نفسي فقلت: من أخرجني جنينا من بطن امي؟ ومن غذاني ورباني؟ إن لهذا صانعا ومدبرا سوي دقيانوس الملک، فانکبت الفتية علي رجليه يقبلونهما وقالوا: يا تمليخا لقد وقع في قلوبنا ما وقع في قلبک، فأشر علينا. فقال: يا إخواني ما أجد لي ولکم حيلة إلا الهرب من هذا الجبار إلي ملک السماوات والارض. فقال: ألرأي مارأيت فوثب تمليخا فابتاع تمرا بثلاثة دراهم وسرها في ردائه ورکبوا خيولهم وخرجوا فلما ساروا قدر ثلاثة أميال من المدينة قال لهم تمليخا: يا إخوتاه قد ذهب عنا ملک الدنيا وزال عنا أمره، فانزلوا عن خيولکم وامشوا علي أرجلکم لعل الله يجعل من أمرکم فرجا ومخرجا. فنزلوا عن خيولهم ومشوا علي أرجلهم سبع فراسخ حتي

[صفحه 152]

صارت أرجلهم تقطر دما لانهم لم يعتادوا المشي علي أقدامهم فاستقبلهم رجل راع فقالوا: أيها الراعي أعندک شربة ماء أولبن؟ فقال: عندي ما تحبون ولکني أري وجوهکم وجوه الملوک وما أظنکم إلا هرابا فاخبروني بقصتکم. فقالوا: يا هذا إنا دخلنا في دين لا يحل لنا الکذب أفينجينا الصدق؟ قال: نعم. فأخبروه بقصتهم فانکب الراعي علي أرجلهم يقبلهما ويقول: قد وقع في قلبي ما وقع في قلوبکم فقفوا إلي ههنا حتي أرد الاغنام إلي أربابها وأعود إليکم. فوقفوا له حتي ردها وأقبل يسعي فتبعه کلب له.

فوثب اليهودي قائما وقال: يا علي إن کنت. عالما فأخبرني ماکان لون الکلب واسمه؟ فقال: يا أخا اليهود حدثني حبيبي محمد صلي الله عليه وسلم إن الکلب کان أبلق بسواد وکان اسمه «قطمير» قال: فلما نظر الفتية إلي الکلب قال بعضهم لبعض: إنا نخاف أن يفضحنا هذا الکلب بنبيحه فألحوا عليه طردا بالحجارة فلما نظر إليهم الکلب وقد ألحوا عليه بالحجارة والطرد أقعي علي رجليه وتمطي وقال بلسان طلق ذلق: يا قوم لم تطردونني وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريک له، دعوني أحرسکم من عدوکم وأتقرب بذلک إلي الله سبحانه وتعالي. فترکوه ومضوا فصعد بهم الراعي جبلا وانحط بهم أعلي کهف.

فوثب اليهودي وقال: يا علي ما إسم ذلک الجبل؟ وما إسم الکهف؟ قال أميرالمؤمنين: يا أخا اليهود إسم الجبل «ناجلوس» وإسم الکهف «الوصيد» وقيل:خيرم قال: وإذا بفناء الکهف أشجار مثمرة وعين غزيرة، فأکلوا من الثمار وشربوا من الماء وجنهم الليل فآووا إلي الکهف وربض الکلب علي باب الکهف ومد يديه عليه، وأمر الله ملک الموت بقبض أرواحهم، ووکل الله تعالي بکل رجل منهم ملکين يقلبانه من ذات اليمين إلي ذات الشمال، ومن ذات الشمال إلي ذات اليمين، قال: وأوحي الله تعالي إلي الشمس فکانت تزاور عن کهفهم ذات اليمين إذا طلعت، وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال، فلما رجع الملک «دقيانوس» من عيده سأل عن الفتية فقيل له: إنهم اتخذوا إلها غيرک وخرجوا هاربين منک فرکب في ثمانين ألف فارس وجعلوا يقفوا آثارهم حتي صعد الجبل وشارف الکهف فنظر إليهم مضطجعين فظن أنهم نيام، فقال لاصحابة: لو أردت أن اعاقبهم بشئ ما عاقبتهم بأکثر مما عاقبوا به أنفسهم فآتوني بالبنائين فأتي

[صفحه 153]

بهم فردموا عليهم باب الکهف بالجبس والحجارة ثم قال لاصحابه: قولوا لهم يقولوا لالهم الذي في السماء إن کانوا صادقين يخرجهم من هذا الموضع. فمکثوا ثلثمائة و تسع سنين، فنفخ الله فيهم الروح وهموا من رقدتهم لما بزغت الشمس، فقال بعضهم لبعض: لقد غفلنا هذه الليلة عن عبادة الله تعالي قوموا بنا إلي العين، فإذا بالعين قد غارت والاشجار قد جفت فقال بعضهم لبعض: أنا من أمرنا هذا لفي عجب مثل هذه العين قد غارت في ليلة واحدة، ومثل هذه الاشجار قد جفت في ليلة واحدة، فألقي الله عليهم الجوع فقالوا: أيکم يذهب بورقکم هذه إلي المدينة فليأتنا بطعام منها ولينظر أن لا يکون من الطعام الذي يعجن بشحم الخنازير وذلک قوله تعالي: فابعثوا أحدکم بورقکم هذه إلي المدينة فلينظر أيها أزکي طعاما. أي أحل وأجود وأطيب فقال لهم تمليخا: يا اخوتي لا يأتيکم أحد بالطعام غيري ولکن أيها الراعي ادفع لي ثيابک وخذ ثيابي. فلبس ثياب الراعي ومر وکان يمر بمواضع لايعرفها وطريق ينکرها حتي أتي باب المدينة، فاذا عليه علم أخضر مکتوب عليه: لا إله إلا الله عيسي روح الله صلي الله علي نبينا وعليه وسلم فطفق الفتي ينظر إليه ويمسح عينيه ويقول: أراني نائما فلما طال عليه ذلک دخل المدينة فمر بأقوام يقرؤن الانجيل واستقبله أقوام لايعرفهم حتي انتهي إلي السوق فإذا هو بخباز فقال له: يا خباز ما أسم مدينتکم هذه؟ قال: أفسوس. قال وما اسم ملککم؟ قال: عبدالرحمن. قال تمليخا: إن کنت صادقا فإن أمري عجيب إدفع إلي بهذه الدراهم طعاما وکانت دراهم ذلک الزمان الاول ثقالا کبارا فعجب الخباز من تلک الدراهم.

فوثب اليهودي وقال: يا علي إن کنت عالما فأخبرني کم کان وزن الدرهم منها؟ فقال: يا أخا اليهود: أخبرني حبيبي محمد صلي الله عليه وسلم وزن کل درهم عشرة دراهم وثلثا درهم فقال له الخباز: يا هذا إنک قد أصبت کنزا فاعطني بعضه وإلا ذهبت بک إلي الملک. فقال تمليخا ما أصبت کنزا وإنما هذا من ثمن ثمر بعته بثلاثة دراهم منذ ثلاثة أيام وقد خرجت من هذه المدينة وهم يعبدون دقيانوس الملک. فغضب الخباز وقال: ألا ترضي أن أصبت کنزا أن تعطيني بعضه؟ حتي تذکر رجلا جبارا کان يدعي الربوبية قد مات منذ ثلثمائة سنة وتسخر بي ثم أمسکه واجتمع الناس ثم إنهم أتوا به إلي الملک وکان عاقلا عادلا فقال لهم: ما قصة هذا الفتي؟ قالوا: أصاب کنزا. فقال له الملک: لا

[صفحه 154]

تخف فإن نبينا عيسي عليه السلام أمرنا أن لا نأخذ من الکنوز إلا خمسها فادفع إلي خمس هذا الکنز وامضي سالما. فقال: أيها الملک تثبت في أمري ما أصبت کنزا وإنما أنا من أهل هذه المدينة فقال له: أنت من أهلها؟ قال: نعم. قال أفتعرف فيها أحدا؟ قال: نعم. قال: فسم لنا فسمي له نحوا من ألف رجل فلم يعرفوا منهم رجلا واحدا قالوا: يا هذا ما نعرف هذه الاسماء، وليست هي من أهل زماننا، ولکن هل لک في هذه المدينة دارا؟ فقال: نعم أيها الملک، فابعث معي أحدا، فبعث معه الملک جماعة حتي أتي بهم دارا أرفع في المدينة وقال: هذه داري ثم قرع الباب فخرج لهم شيخ کبير قد استرخا حاجباه من الکبر علي عينيه وهو فزع مرعوب مزعور فقال: أيها الناس مابالکم؟ فقال له رسول الملک: إن هذا الغلام يزعم أن هذه الدار داره فغضب الشيخ والتفت إلي تمليخا وتبينه وقال له: ما أسمک؟ قال: تمليخا بن فلسين. فقال له الشيخ: أعد علي. فأعاد عليه فانکب الشيخ علي يديه ورجليه يقبلهما وقال: هذا جدي ورب الکعبة وهو أحد الفتية الذين هربوا من «دقيانوس» الملک الجبار إلي جبار السموات والارض ولقد کان عيسي عليه السلام أخبرنا بقصتهم وانهم سيحيون. فأنهي ذلک إلي الملک وأتي إليهم وحضرهم فلما رأي الملک تمليخا نزل عن فرسه وحمل تمليخا علي عاتقه فجعل الناس يقبلون يديه ورجليه ويقولون له: يا تمليخا ما فعل بأصحابک؟ فأخبرهم إنهم في الکهف. وکانت المدينة قد وليهارجلان ملک مسلم وملک نصراني فرکبا في أصحابهما وأخذا تمليخا فلما صاروا قريبا من الکهف قال لهم تمليخا: ياقوم إني أخاف أن اخوتي يحسون بوقع حوافر الخيل والدواب وصلصلة اللجم والسلاح فيظنون أن «دقيانوس» قد غشهم فيموتون جمعيا فقفوا قليلا حتي أدخل إليهم فاخبرهم. فوقف الناس ودخل عليهم تمليخا فوثب إليه الفتية واعتنقوه وقالوا: ألحمد لله الذي نجاک من «دقيانوس». فقال: دعوني منکم ومن «دقيانوس» کم لبثتم؟ قالوا: لبثنا يوما، أو بعض يوم. قال: بل لبثتم ثلثمائة وتسع سنين. وقد مات «دقيانوس» وانقرض قرن بعد قرن وآمن أهل المدينة بالله العظيم وقد جاءکم. فقالوا له: يا تمليخا تريد أن تصيرنا فتنة للعالمين؟ قال: فماذا تريدون؟ قالوا: ارفع يدک ونرفع أيندينا فرفعوا أيديهم وقالوا: أللهم بحق ما أريتنا من العجائب في أنفسنا إلا قبضت أرواحنا ولم يطلع علينا أحد. فأمر الله ملک الموت فقبض أرواحهم وطمس الله باب الکهف

[صفحه 155]

وأقبل الملکان يطوفان حول الکهف سبعة أيام فلا يجدان له بابا ولا منفذا ولا ملکا فأيقنا حينئذ بلطيف صنع الله الکريم وأن أحوالهم کانت عبرة أراهم الله إياها. فقال المسلم: علي ديني ماتوا وأنا أبني علي باب الکهف مسجدا. وقال النصراني: بل ماتوا علي ديني فأنا أبني علي باب الکهف ديرا. فاقتتل الملکان فغلب المسلم النصراني فبني علي باب الکهف مسجدا، فذلک قوله تعالي: قال الذين غلبوا علي أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا وذلک يا يهودي ماکان من قصتهم، ثم قال علي کرم الله وجهه لليهودي: سألتک بالله يا يهودي أوافق هذا مافي توراتکم؟ فقال اليهودي مازدت حرفا ولا نقصت حرفا يا أبا الحسن لا تسمني يهويا أشهد أن لا إله الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإنک أعلم هذه إلامة

م- قال الاميني: هذه هي سيرة أعلم الامة، وعند الامتحان يکرم المرء أو يهان والقصة ذکرها أبوإسحاق الثعلبي المتوفي 37-427 في کتابه «ألعرائس» ص 232 تا 239.


صفحه 149، 150، 151، 152، 153، 154، 155.