استشارة الخليفة في متسابين











استشارة الخليفة في متسابين



أخرج البيهقي في السنن الکبري 8 ص 252: ان رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب فقال أحدهما علي الآخر: والله ما أري أبي بزان ولا امي بزانية. فاستشار عمر الناس في ذلک فقال قائل: مدح أباه وامه. وقال آخرون. قد کان لابيه وامه مدح غير هذا نري أن تجلده الحد. فجلده عمر الحد ثمانين.

وذکره النيسابوري في تفسيره في سورة النور عند قوله تعالي: ألذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة.

[صفحه 145]

قال الاميني: أنا لا أدري لاي المصيبتين أنحب؟ أبقصور الخليفة عن حکم المسألة؟ أم بقصر المعلمين له عن حقيقته؟ وکل يفوه برأي ضئيل، والافظع جري العمل علي ما قالوه.

أما الحد فليس إلا بالقذف البين والنفي البين وهو المستفاد من قوله تعالي: والذين يرمون المحصنات[1] وعلي هذا کان عمل الصحابة والتابعين لهم بإحسان کما قال القاسم بن محمد: ما کنا نري الجلد إلا في القذف البين والنفي البين[2] وأما قول- ليس أبي بزان- فنناقش أولا في کونه تعريضا إذ لعله يريد طهارة منبته التي تزعه عن النزول إلي الدنايا من بذاؤة في القول، أو خسة في الطبع، أو حزازة في العمل، فمن الممکن أنه لا يريد إلا هذا فحسب، وهو الذي فهمه فريق من الصحابة فقالوا: إنه مدح أباه. وإن لم يجدوا لما أبدوه اذنا واعية وعلي فرض کونه تعريضا فإنما يوجب الحد إذا کانت دلالته مقطوعا بها، أو أن يعترف المعرض بأنه لم يقصد إلا القذف، والا فالحدود تدرأ بالشبهات. ألا تري سقوط الحکم عمن عرض بسب النبي صلي الله عليه واله وسلم ولم يصرح کما في الصحاح.

وإلي نفي الحد بالتعريض ذهب أبوحنيفة والشافعي وأبويوسف وزفر ومحمد بن شبرمة والثوري والحسن بن صالح وبين يديهم الحديث المذکور وما رواه الاوزاغي عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: کان عمر يضرب الحد في التعريض[3] .

قال أبوبکر الجصاص في «احکام القرآن» 3 ص 330: ثم لما ثبت أن المراد بقوله: والذين يرمون المحصنات، هو الرمي بالزنا لم يجز له ايجاب الحد علي غيره، إذ لا سبيل إلي إثبات الحدود من طريق المقاييس، وإنما طريقها الاتفاق أو التوقيف وذلک معدوم في التعريض، ومشاورة عمر الصحابة في حکم التعريض دلالة علي أنه لم يکن عندهم فيه توقيف وإنه قال اجتهادا ورأيا، وايضا فان التعريض بمنزلة الکناية المحتملة للمعاني وغير جائز ايجاب الحد بالاحتمال لوجهين: أحدهما أن القائل برئ الظهر من الجلد

[صفحه 146]

فلا نجلده بالشک والمحتمل مشکوک فيه، ألا تري أن يزيد بن رکانة لما طلق امرأته البتة استحلفه النبي صلي الله عليه وسلم (فقال): ما أردت إلا واحدة فلم يلزمه الثلاث بالاحتمال، ولذلک قال الفقهاء في کنايات الطلاق: انها لا تجعل طلاقا إلا بدلالة.

والوجه الآخر ما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم إنه قال: إدرؤا الحدود بالشبهات. و أقل أحوال التعريض حين کان محتملا للقذف وغيره أن يکون شبهة في سقوطه.

وايضا قد فرق الله تعالي بين التعريض باالنکاح في العدة وبين التصريح فقال: ولا جناح عليکم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أکننتم في أنفسکم علم الله انکم ستذکرونهن ولکم لا تواعدوهن سرا. يعني نکاحا فجعل التعريض بمنزلة الاضمار في النفس فوجب أن يکون کذلک حکم التعريض بالقذف، والمعني الجامع بينهما ان التعريض لما کان فيه احتمال کان في حکم الضمير لوجود الاحتمال فيه. اه.

م- هذه کلها کانت بمنتأي عن مبلغ الخليفة من العلم، غير أنه کان يستشير الناس کائنا من کان في کل مشکلة ثم يري فيه رأيه وافق دين الله أم خالفه.


صفحه 145، 146.








  1. سورة النور آية 4.
  2. السنن الکبري للبيهقي 8 ص 252.
  3. السنن الکبري 8 ص 252.