راي الخليفة في جلد المغيرة











راي الخليفة في جلد المغيرة



عن عبدالرحمن بن أبي بکر: إن أبا بکر وزيادا ونافعا وشبل بن معبد کانوا

[صفحه 138]

في غرفة والمغيرة في أسفل الدار فهبت ريح ففتحت الباب ورفعت الستر فاذا المغيرة بين رجليها فقال بعضهم لبعض: قد ابتلينا. قال فشهد أبوبکرة ونافع وشبل وقال زياد: لا أدري نکحها أم لا فجلدهم عمر رضي الله عنه إلا زيادا فقال أبوبکرة رضي الله عنه: أليس قد جلدتموني؟ قال: بلي. قال: فأنا أشهد لقد فعل. فأراد عمر أن يجلده أيضا فقال علي: إن کانت شهادة أبي بکرة شهادة رجلين فارجم صاحبک وإلا فقد جلدتموه، يعني لا يجلد ثاينا بإعادة القذف.

وفي لفظ آخر: فهم عمر أن يعيد عليه الحد فنهاه علي رضي الله عنه وقال: إن جلدته فارجم صاحبک، فترکه ولم يجلده.

وفي لفظ ثالث: فهم عمر بضربه فقال علي: لئن ضربت هذا فارجم ذاک.[1] .

صورة مفصلة:

عن أنس بن مالک: إن المغيرة بن شعبة کان يخرج من دار الامارة وسط النهار، وکان أبوبکرة- نفيع الثقفي- يلقاه فيقول له: أين يذهب الامير؟ فيقول. إلي حاجة، فيقول له: حاجة ما؟ إن الامير يزار ولا يزور، قال: وکانت المرأة- ام جميل بنت الافقم- التي يأتيها جارة لابي بکرة، قال: فبينا أبوبکرة في غرفة له مع أصحابه وأخويه نافع وزياد ورجل آخر يقال له: شبل بن معبد، وکانت غرفة تلک المرأة بحذاء غرفة أبي بکرة فضربت الريح باب غرفة المرأة ففتحته فنظر القوم فإذا هم بالمغيرة ينکحها فقال أبوبکرة: هذه بلية ابتليتم بها فانظروا. فنظروا حتي أثبتوا فنزل أبوبکرة حتي خرج عليه المغيرة من بيت المرأة فقال له: إنه قد کان من أمرک ما قد علمت فاعتزلنا، قال: وذهب ليصلي بالناس الظهر فمنعه أبوبکرة وقال له: والله لا تصلي بنا وقد فعلت ما فعلت. فقال الناس: دعوه فليصل فإنه الامير واکتبوا بذلک إلي عمر. فکتبوا إليه فورد کتابه أن يقدموا عليه جميعا المغيرة والشهود.

قال مصعب بن سعد: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلس ودعا بالمغيرة والشهود فتقدم أبوبکرة فقال له، أرأيته بين فخذيها؟ قال: نعم والله لکأني أنظر تشريم جدري بفخذيها، فقال له المغيرة: لقد ألطفت النظر، فقال له: ألم أک قد أثبت ما يخزيک الله به؟

[صفحه 139]

فقال له عمر: لا والله حتي تشهد لقد رأيته يلج المرود في المکحلة. فقال: نعم أشهد علي ذلک، فقال له: اذهب مغيرة ذهب ربعک، ثم دعا نافعا فقال له: علام تشهد؟ قال: علي مثل شهادة أبي بکرة. قال: لا حتي تشهد أنه يلج فيه ولوج المرود في المکحلة، فقال: نعم حتي بلغ قذذه. فقال: إذهب مغيرة ذهب نصفک، ثم دعا الثالث فقال: علام تشهد؟ فقال: علي مثل شهادة صاحبي. فقال له: اذهب مغيرة ذهب ثلاثة أرباعک ثم کتب- عمر- إلي زياد فقدم علي عمر فلما رآه جلس له في المسجد واجتمع له رؤس المهاجرين والانصار فقال المغيرة: ومعي کلمة قد رفعتها لاحلم القوم قال: فلما رآه عمر مقبلا قال: إني لاري رجلا لن يخزي الله علي لسانه رجلا من المهاجرين. فقال: يا أميرالمؤمنين أما أن الحق ما حق القوم فليس ذلک عندي ولکني رأيت مجلسا قبيحا ، وسمعت أمرا حثيثا وانبهارا، ورأيته متبطنها، فقال له: أرأيته يدخله کالميل في المکحلة؟ فقال: لا.

وفي لفظ قال: رأيته رافعا برجليها، ورأيت خصيتيه تترددان بين فخذيها، و رأيت خفزا شديدا، وسمعت نفسا عاليا.

وفي لفظ الطبري قال: رأيته جالسا بين رجلي إمرأة، فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان، وإستين مکشوفتين، وسمعت خفزانا شديدا.

فقال له: أرأيته يدخله کالميل في المکحلة؟ فقال: لا، فقال عمر: ألله أکبر قم إليهم فاضربهم، فقام إلي أبي بکرة فضربه ثمانين وضرب الباقين وأعجبه قول زياد ودرأ عن المغيرة الرجم فقال أبوبکرة بعد أن ضرب: فإني أشهد أن المغيرة فعل کذا وکذا. فهم عمر بضربه فقال له علي عليه السلام: إن ضربته رجمت صاحبک ونهاه عن ذلک.[2] .

قال الاميني: لو کان للخليفة قسط من حکم هذه القضية لما هم بجلد أبي بکرة ثانيا، ولا عزب عنه حکم رجم المغيرة إن جلد.

وإن تعجب فعجب ايعاز الخليفة إلي زياد لما جاء يشهد بکتمان الشهادة بقوله: إني لاري رجلا لن يخزي الله علي لسانه رجلا من المهاجرين[3] أو بقوله: أما اني أري وجه

[صفحه 140]

رجل أرجوأن لا يرجم رجل من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم علي يده ولا يخزي بشهادته[4] أو بقوله: إني لاري غلاما کيسا لا يقول إلا حقا ولم يکن ليکتمني شيئا[5] أو بقوله: إني أري غلاما کيسا لن يشهد إن شاء الله إلا بحق[6] وهو يوعز إلي أن الذين تقدموه أغرار شهدوا بالباطل، وعلي أي فقد استشعر زياد ميل الخليفة إلي درأ الحد عن المغيرة فأتي بجمل لا تقصر عن الشهادة، ولکنه تلجلج عن صراح الحقيقة لما انتهي إليه، و کيف يصدق في ذلک؟ وقدرئا إستاها مکشوفة، وخصيتين مترددتين بين فخذي ام جميل، وقدمين مخضوبتين مرفوعتين، وسمع خفزانا شديدا ونفسا عاليا، ورئاه متبطنا لها، وهل تجد في هذا الحد مساغا لان يکون الميل في خارج المکحلة؟ أو أن يکون قضيب المغيرة جامحا عن فرج ام جميل؟.

نعم کان في القضية تأول واجتهاد أدي إلي أهمية درأ الحد في المورد خاصة، وإن کان الخليفة نفسه جازما بصدق الخزاية کما يعرب عنه قوله للمغيرة: والله ما أظن أبا بکرة کذب عليک، وما رأيتک إلا خفت أن ارمي بالحجارة من السماء. قاله لما وافقت ام جميل عمر بالموسم والمغيرة هناک فسأله عنها فقال: هذه ام کلثوم بنت علي فقال عمر: أتتجاهل علي؟ والله ما أظن. إلخ.[7] .

وليت شعري لماذا کان عمر يخاف أن يرمي بالحجارة من السماء؟ ألرده الحد حقا؟ وحاشا الله أن يرمي مقيم الحق، أو لتعطيله الحکم؟ أو لجلده مثل أبي بکرة الذي عدوه من خيار الصحابة وکان من العبادة کالنصل؟ أنا لا أدري.

وکان علي أميرالمؤمنين عليه السلام يصافق عمر علي ماظن أو جزم به فخاف أن يرمي بالحجارة، وينم عن ذلک قوله عليه السلام: لئن لم ينته المغيرة لاتبعنه أحجاره. أو قوله: لئن أخذت المغيرة لاتبعنه أحجاره.[8] .

وقد هجاه حسان بن ثابت في هذه القصة بقوله:

[صفحه 141]

لو أن اللوم ينسب کان عبدا
قبيح الوجه أعور من ثقيف


ترکت الدين والاسلام لما
بدت لک غدوة ذات النصيف


وراجعت الصبا وذکرت لهوا
من القينات في العمر اللطيف[9] .


ولا يشک إبن أبي الحديد المعتزلي في أن المغيرة زني بام جميل وقال: إن الخبر بزناه کان شايعا مشهورا مستفيضا بين الناس[10] غير أنه لم يخطي عمر بن الخطاب في درأ الحد عنه ويدافع عنه بقوله: لان الامام يستحب له درأ الحد وإن غلب علي ظنه أنه قد وجب الحد عليه.

عزب علي ابن أبي الحديد أن درأ الحد بالشبهات لا يخص بالمغيرة فحسب بل للامام رعاية حال الشهود ايضا ودرأ الحد عنهم، فأني للامام درأ الحد عمن يقال: إنه کان أزني الناس في الجاهلية فلما دخل في الاسلام قيده الاسلام وبقيت عنده منه بقية ظهرت في أيام ولايته بالبصرة؟[11] أني له رفع اليد عن مثل الرجل وقد غلب علي ظنه وجوب الحد عليه، وحکمه بالحد علي أبزياء ثلاثة يشک في الحد عليهم وفيهم من يعد من عباد الصحابة؟ وأني يتأتي الاحتياط في درأ الحد عن واحد مثل المغيرة برمي ثلاثة بالکذب والقذف وتشويه سمعتهم في المجتمع الديني وتخذيلهم بإجراء الحد عليهم؟.

ثم هلا اجتمعت کلمة الشهود الاربعة علي ما شهد به زياد من معاصي المغيرة دون ايلاج المرود في المکحلة؟ فلماذا لم يعزره علي ما اقترفه من الفاحشة؟ أولم تکن المعاصي تستوجب تعزيرا؟ أولم يکن من رأي الخليفة جلد صائم اخذ علي شراب کما يأتي في نادرة 72.

أولم يکن من رأيه ضرب خمسين علي من وجد مع امرأة في لحافها علي فراشها؟[12] .

أولم يکن مقررا حکم عبدالله بن مسعود في رجل وجد مع امرأة في لحاف فضرب عبدالله کل واحد منهما أربعين سوطا وأقامهما للناس فذهب أهل المرأة وأهل الرجل

[صفحه 142]

فشکوا ذلک إلي عمر بن الخطاب فقال عمر لابن مسعود: ما يقول هؤلاء؟ قال: قد فعلت ذلک. قال: أورأيت ذلک؟ قال: نعم. فقال: نعم ما رأيت. فقالوا: أتيناه نستأذنه فإذا هو يسأله[13] .

نعم: للقارئ أن يفرق بين ما نحن فيه وبين تلکم المواقف التي حکم فيها بالتعزير بأن الحکم هناک قد دار مدار اللحاف ولم يکن لحاف علي المغيرة وام جميل في فحشائهما: والقول بمثل هذه الخزاية أهون من تلکم الکلم التي توجد في الدفاع عن الخليفة حول هذه القضية ولدتها.

هذا مغيرة وهذا إلي أمثالها بوائقه، وکان يعرف بها في إسلامه وقبله، وقد أتي أميرالمؤمنين عليه السلام عند ما تولي الخلافة يظهر بزعمه النصح له باقرار معاوية في ولايته علي الشام ردحا ثم يفعل به ما أراد، وبما أن أميرالمؤمنين عليه السلام لم يکن ممن يداهن ويجامل أعداء الله في أمرالدين ولا يؤثر الدهاء علي حکم الشريعة، وکان يري أن مفاسد إبقاء معاوية علي الامر لا تکافئ مصلحة إغفاله عن المقاومة، فإنه غير صالح لتولي أمر المسلمين فيومه لدة سنته، وساعته کمثل عمره في الفساد، رفض ذلک الرأي المغيري، ولم يکن بالذي يتخذ المضلين عضدا فبهض ذلک المغيرة فولي عنه منشدا:


نصحت عليا في ابن هند نصيحة
فردت فلم اسمع لها الدهر ثانية


وقلت له: أوجز عليه بعهده
وبالامر حتي يستقر معاويه


وتعلم أهل الشام أن قد ملکته
وأن اذنه صارت لامرک واعيه


فتحکم فيه ما تريد فإنه
لداهية فارفق به أي داهية


فلم يقبل النصح الذي قد نصحته
وکانت له تلک النصيحة کافيه[14] .


وأجاب عنها العلامة الاوردبادي بقوله:

أتيت إمام المسلمين بغدرة
فلم تلف نفسا منه للغدر صاغيه


وأسمعته إدا من القول لم يصخ
له إذ رأي منه الخيانة باديه

[صفحه 143]

رغبت إليه في ابن هند ولاية
أبي الدين إلا أن تري عنه نائيه


أيؤتمن الغاوي علي إمرة الهدي؟
تعاد علي الدين المعرة ثانيه


ويرعي القطيع الذئب والذئب کاسر
ويأمن منه في الاويقة عاديه؟


وهل سمعت اذناک قل لي هنيهة
بزوبعة هبت فلم تعد سافيه؟


وهل يأمن الافعي السليم سويعة
ومن شدقها قتالة السم جاريه؟


فيوم ابن هند ليس إلا کدهره
فصفقته کانت من الخير خاليه


وللشر منه والمزنم جروه
ووالده شيخ الفجور زبانيه


متي کان للتقوي علوج امية؟
وللغي منهم کل باغ وباغيه


وللزور والفحشاء منهم زبائن
وللجور منهم کل دهياء داهيه


هم أرهجوها فتنة جاهلية
إذ انتهزوا للشر أجواء صافيه


فماذا علي حلف التقي وهو لايري
يراوغ في أمر الخلافة طاغيه؟


وشتان في الاسلام هذا وهذه
فدين (علي) غير دنيا معاويه


أتنقم منه إن شرعة (أحمد)
تجذ يمينا لابن سفيان عاديه؟


وتحسب أن قد فاته الرأي عنده
کأنک قد أبصرت ما عنه خافيه


ولولا التقي ألفيت صنو (محمد)
لتدبير أمر الملک أکبر داهيه


عرفناک يا أزني ثقيف ووغدها
عليک بيوميک الشنار سواسيه


وإنک في الاسلام مثلک قبله
وام جميل للخزاية راويه


وکان المغيرة في مقدم اناس کانوا ينالون من أميرالمؤمنين عليه السلام قال إبن الجوزي قدمت الخطباء إلي المغيرة بن شعبة بالکوفة فقام صعصعة بن سوحان فتکلم، فقال المغيرة: أخرجوه فأقيموه علي المصطبة فليلعن عليا. فقال: لعن الله من لعن الله ولعن علي بن أبي طالب، فأخبره بذلک فقال: اقسم بالله لتقيدنه فخرج فقال: إن هذا يأبي إلا علي بن أبي طالب فالعنوه لعنه الله. فقال المغيرة: أخرجوه أخرج الله نفسه. رسائل الجاحظ ص 92، الاذکياء ص 98.

وأخرج أحمد في مسنده 4 ص 369 عن قطبة بن مالک قال: نال المغيرة بن شعبة من علي فقال زيد بن أرقم: قد علمت أن رسول الله صلي الله عليه وسلم کان ينهي عن سب الموتي

[صفحه 144]

فلم تسب عليا وقد مات.

وأخرج في المسند أيضا ج 1 ص 188 أحاديث نيله من أميرالمؤمنين عليه السلام في خطبته واعتراض سعيد بن زيد عليه.


صفحه 138، 139، 140، 141، 142، 143، 144.








  1. السنن الکبري للبيهقي 8 ص 235.
  2. الاغاني لابي الفرج الاصبهاني 14 ص 146، تاريخ الطبري 4 ص 207، فتوح البلدان للبلاذي ص 352، تاريخ الکامل لابن الاثير 2 ص 228، تاريخ ابن خلکان 2 ص 455، تاريخ ابن کثير 7 ص 81، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 3 ص 161، عمدة القاري 6 ص 340.
  3. الاغاني کما مر.
  4. فتوح البلدان للبلاذري ص 353.
  5. سنن اليبهقي 8 ص 235.
  6. کنز العمال.
  7. الاغاني 14 ص 147. شرح النهج 3 ص 162.
  8. الاغاني 14 ص 147.
  9. الاغاني 14 ص 147. شرح بن ابي الحديد 3 ص 163.
  10. شرح نهج البلاغة 3 ص 163.
  11. شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 3 ص 163 نقلا عن المدايني.
  12. أخرجه امام الشافعية في کتاب الام 7 ص 170.
  13. أخرجه الطبراني والهيثمي في مجمع الزوائد 6 ص 270 وقال: رجاله رجال الصحيح.
  14. مروج الذهب 16: 2، تاريخ الطبري 160: 5، تاريخ ابن کثير 128: 8، الاستيعاب 251: 1، تاريخ أبي الفداج 172: 1.