جهل الخليفة بالسنة











جهل الخليفة بالسنة



م أخرج ابن المبارک قال: حدثنا أشعث عن الشعبي عن مسروق قال: بلغ عمر: ان امرأة من قريش تزوجها رجل من ثقيف في عدتها فأرسل إليها ففرق بينهما وعاقبهما وقال: لاينکحها أبدا وجعل الصداق في بيت المال وفشا ذلک بين الناس فبلغ عليا کرم الله وجهه فقال: رحم الله أميرالمؤمنين ما بال الصداق وبيت المال؟ إنهما جهلا فينبغي للامام أن يردهما إلي السنة قيل: فما تقول أنت فيها؟ قال: لها الصداق بما استحل من فرجها، ويفرق بينهما، ولا جلد عليهما، وتکمل عدتها من الاول ثم تکمل العدة من الآخر، ثم يکون خاطبا. فبلغ ذلک عمر فقال: يا أيها الناس ردوا الجهالات إلي السنة. وروي ابن أبي زائدة عن أشعث مثله وقال فيه: فرجع عمر إلي قول علي

أحکام القرآن للجصاص 504: 1.

وفي لفظ عن مسروق: اتي عمر بإمرأة قد نکحت في عدتها ففرق بينهما وجعل مهرها في بيت المال وقال: لايجتمعان أبدا، فبلغ عليا فقال إن کان جهلا فلها المهر بما استحل من فرجها، ويفرق بينهما، فاذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب. فخطب عمر وقال: ردوا الجهالات إلي السنة. فرجع إلي قول علي.

وفي لفظ الخوارزمي: ردوا قول عمر إلي علي. وفي التذکرة: فقال عمر: لولا علي لهلک عمر.

وأخرج البيهقي في سننه عن مسروق قال: قال عمر رضي الله عنه في امرأة تزوجت في عدتها: ألنکاح حرام، والصداق حرام، وجعل الصداق في بيت المال وقال: لا يجتمعان ماعاشا.

وأخرج عن عبيد بن نضلة (نضيلة) قال: رفع إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة تزوجت في عدتها فقال لها: هل علمت أنک تزوجت في العدة؟ قالت: لا. فقال لزوجها: هل علمت؟ قال: لا. قال: لوعلمتما لرجمتکما فجلدهما أسياطا وأخذ المهر فجعله صدقة في سبيل الله قال: لا اجيز مهرا، لا اجيز نکاحه. وقال: لاتحل لک أبدا

[صفحه 114]

صورة اخري للبيهقي:

اتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة تزوجت في عدتها فأخذ مهرها فجعله في بيت المال وفرق بينهما وقال: لا يجتمعان. وعاقبهما، فقال علي رضي الله عنه: ليس هکذا ولکن هذه الجهالة من الناس، ولکن يفرق بينهما، ثم تستکمل بقية العدة من الاول، ثم تستقبل عدة اخري، وجعل لها علي رضي الله عنه المهر بما استحل من فرجها، قال: فحمد الله عمر رضي الله عنه وأثني عليه ثم قال: يا أيها الناس ردوا الجهالات إلي السنة.[1] .

قال الاميني: لماذا جلدهما الخليفة؟ ولماذا أخذ المهر؟ وبأي کتاب أم بأية سنة جعل الصداق في بيت المال وصيره صدقة في سبيل الله؟ ولم وبم حرم المرأة علي الرجل؟ أنا لا أدري فأسألوا أهل الذکر إن کنتم لاتعلمون.

وليت الخليفة لا ينسي نفسه ويأخذ بقوله: ردوا الجهالات إلي السنة. قبل قضاءه بالاقضية الشاذة عن الکتاب والسنة.

م- وإن تعجب فعجب قول الجصاص في أحکام القرآن 505: 1: وأما ماروي عن عمر انه جعل المهر في بيت المال فإنه ذهب إلي انه مهر حصل لها من وجه محظور فسبيله أن يتصدق به فلذلک جعله في بيت المال ثم رجع فيه إلي قول علي رضي الله عنه، ومذهب عمر في جعل مهرها لبيت المال إذ قد حصل لها ذلک من وجه محظور يشبه ماروي عن النبي صلي الله عليه وسلم في الشاة المأخوذة بغير إذن مالکها قدمت إليه مشوية فلم يکد يسيغها حين أراد الاکل منها فقال: إن هذه الشاة تخبرني انها اخذت بغير حق فأخبروه بذلک فقال: أطعموها الاساري. ووجه ذلک عندنا انما صارت لهم بضمان القيمة فأمرهم بالصدقة بها لانها حصلت لهم من وجه محظور ولم يکونوا قد أدوا القيمة إلي أصحابها. اه.

أعمي الجصاص حب الخليفة فرام أن يدافع عنه ولو بما يسمه بسمة الجهل، ألا مسائل هذا المدافع الوحيد عن المال المحصل من وجوه الحظرمتي کان سبيله

[صفحه 115]

أن يتصدق به حتي يتخذه الخليفة مذهبا وإن لم يکن الموضوع من مصاديقه ؟ ولماذا لايرد إلي صاحبه ولا يحل مال امرء إلا بطيب نفسه؟ ثم ماوجه الشبه بين مال استحقت به المرأة بما استحل من فرجها، وبين شاة حللته اليد لرسول الله، وسوغت له التصرف فيها؟ غيران حسن الوقوف عند الشبهات وإن علمت من غير طريق عادي دعاه صلي الله عليه واله وسلم إلي الکف عنها، من دون ترتب أحکام الغصب عليها من ردها إلي صاحبها عرف أو لم يعرف، فلاصلة بين الموضوعين، علي أن جهل الخليفة في المسألة ليس من ناحية جعل الصداق في بيت المال فحسب حتي يرقع، وإنما خالف السنة من شتي النواحي کما عرفت.


صفحه 114، 115.








  1. السنن الکبري للبيهقي 7 ص 442 و 441، الموافقات لابن السمان، کتاب العلم لابي عمر 2 ص 187، الرياض النضرة 2 ص 196، ذخاير العقبي ص 81، مناقب الخوارزمي ص 57، تذکرة السبط ص 87.