القصيدة 01











القصيدة 01



ذهب الصبا وتصرم العمر
ودنا الرحيل وقوض السفر


ووهت قواعد قوتي وذوي
غصن الشبيبة وانحني الظهر


وبکت حمايم دوحتي أسفا
لما ذوت عذباتها الخضر


وخلت من الينع الجني فلا
قطف بها يجني ولا زهر


وتبدلت لذهاب سندسها
ذهبية أوراقها الصفر


وتغيبت شمس الضحي فخلي
للبيض عن أوطاني النفر


وجفونني بعد الوصال فلا
هدي يقربني ولا نحر


وهجرن بيتي أن يطفن به
ولهن في هجرانه عذر

[صفحه 367]

ذهبت نضارة منظري وبدا
في جنح ليل عذاري الفجر


وإذا الفتي ذهبت شبيبته
فيما يضر فربحه خسر


وعليه ما اکتسبت يداه إذا
سکن الضريح وضمه القبر


وإذا اتقضي عمر الفتي فرطا
في کسب معصية فلا عمر


ما العمر إلا ما به کثرت
حسناته وتضاعف الاجر


ولقد وقفت علي منازل من
أهوي وفيض مدامعي غمر


وسألتها لو أنها نطقت
أم کيف ينطق منزل قفر؟


: يا دار هل لک بالاولي رحلوا
خبر؟ وهل لمعالم خبر؟


أين البدور بدور سعدک يا
مغني؟ وأين الانجم الزهر؟


أين الکفاة ومن أکفهم
في النايبات لمعسر يسر؟


أين الربوع المخصبات إذا
عفت السنون وأعوز البشر


أين الغيوث الهاطلات إذا
بخل السحاب وأنجم القطر؟


ذهبوا فما وأبيک بعدهم
للناس نيسان ولا غمر


تلک المحاسن في القبور علي
مر الدهور هوامد دثر


أبکي اشتياقا کلما ذکروا
وأخو الغرام يهيجه الذکر


ورجوتهم في منتهي أجلي
خلفا فأخلف ظني الدهر


فأنا الغريب الدار في وطني
وعلي اغترابي ينقضي العمر


يا واقفا في الدار مفتکرا
مهلا فقد أودي بک الفکر


إن تمس مکتئبا لبينهم
فعقيب کل کآبة وزر[1] .


هلا صبرت علي المصاب بهم؟
وعلي المصيبة يحمد الصبر


وجعلت رزءک في الحسين ففي
رزء ابن فاطمة لک الاجر


مکروا به أهل النفاق وهل
لمنافق يستبعد المکر؟


بصحايف کوجوهم وردت
سودا وفحو کلامهم هجر


حتي أناخ بعقر ساحتهم
ثقة تأکد منهم الغدر

[صفحه 368]

وتسارعوا لقتاله زمرا
ما لا يحيط بعده حصر


طافوا بأروع[2] في عرينته
يحمي النزيل ويأمن الثغر


جيش لهام يوم معرکة
وليوم سلم واحد وتر


فکأنهم سرب قد اجتمعت
إلفا فبدد شملها صقر


أو حاذر ذو لبدة وجمت
لهجومه في مرتع عفر[3] .


يا قلبه وعداه من فرق
فرق وملؤ قلوبهم ذعر


أمن الصلاب الصلب أم زبر
طبعت وصب خلالها قطر


وکأنه فوق الجواد وفي متن
الحسام دماؤهم هدر


أسد علي فلک وفي يده
المريخ قاني اللون محمر


حتي إذا قرب المدي وبه
طاف العدي وتقاصر العمر


أردوه منعفرا تمج دما
منه الظبي والذبل السمر


تطأ الخيول إهابة وعلي ال
خد التريب لوطيها أثر


ظام يبل اوام غلته
ريا يفيض نجيعه النحر


تأباه إجلالا فتزجرها
فئة يقود عصاتها شمر


فتجول في صدر أحاط علي
علم النبوة ذلک الصدر


بأبي القتيل ومن بمصرعه
ضعف الهدي وتضاعف الکفر


بأبي الذي أکفانه نسجت
من عثير وحنوطه عفر


ومغسلا بدم الوريد فلا
ماء اعد له ولا سدر


بدر هوي من سعده فبکا
لخمود نور ضياءه البدر


هوت النسور عليه عاکفة
وبکاه عند طلوعه النسر


سلبت يد الطلقاء مغفرة
فبکي لسلب المغفر العفر


وبکت ملائکة السماء له
حزنا ووجه الارض مغبر

[صفحه 369]

والدهر مشقوق الرداء ولا
عجب يشق رداءه الدهر


والشمس ناشرة ذوائبها
وعليه لا يستقبح النشر


برزت له في زي ثاکلة
أثيابها دموية حمر


وبکت عليه المعصرات دما
فأديم خد الارض محمر


لا عذر عندي للسماء وقد
بخلت وليس لباخل عذر


تبکي دما لما قضي عطشا
لم لا بکي حبا له القطر


وکريمة المقتول يوجد من
دمه علي أثوابها أثر


بأبي کريمات «الحسين» وما
من دونهن لناظر ستر


لا ظل سجف يکتنفن به
عن کل أفاک ولا خدر


ما بين حاسرة وناشرة برزت
يواري شعرها[4] العشر


يندبن أکرم سيد ظفرت
لاقل أعبده به ظفر


ويقلن جهرا للجواد وقد
أم الخيام: عقرت يا مهر


ما بال سرجک يا جواد من الن
دب الجواد أخي العلا صفر؟


آها لها نار تأجج في
صدري فلا يطفي لها حر


أيموت ظمآنا «حسين» وفي
کلتا يديه من الندي بحر؟


وبنوه في ضيق القيود ومن
ثقل الحديد عليهم وقر


حملوا علي الاقتاب عارية
شعثا وليس لکسرهم جبر


تسري بهم خوض الرکاب
وللطلقاء في أعقابها زجر


لا راحم لهم يرق ولا
فيما أصابهم له نکر


ويزيد في أعلا القصور له
تشدو القيان وتسکب الخمر


ويقول جهلا والقضيب به
تدمي شفاة (حسين) والثغر


: ياليت أشياخي الاولي شهدوا
لسراة هاشم فيهم بدر


شهدوا الحسين وشطر اسرته
أسري ومنهم هالک شطر

[صفحه 370]

إذ لاستهلوا فيهم فرحا
کأبي غداة غزاهم[5] بسر


ويقول وزرا إذ بطشت بهم
لا خف عنه ذلک الوزر


زعموا بأن سنعود ثانية
وأبيک لا بعث ولا نشر


يابن الهداة الاکرمين ومن
شرف الفخار بهم ولا فخر


قسما بمثواک الشريف وما
ضمت مني والرکن والحجر[6] .


فهم سواء في الجلالة إذ بهم
التمام يحل والقصر


تعنو له الالباب تلبية
ويطوف ظاهر حجره الحجر


ما طائر فقد الفراخ فلا
يؤويه بعد فراخه وکر


بأشد من حزني عليک ولا
الخنساء جدد حزنها صخر[7] .


ولقد وددت بأن أراک وقد
قل النصير وفاتک النصر


حتي أکون لک الفداء کما
کرما فداک بنفسه الحر[8] .


ولئن تفاوت بيننا زمن
عن نصرکم وتقادم العصر؟


فلابکينک ما حييت أسي
حتي يواري أعظمي القبر


ولامنحنک کل نادبة
يعنو لنظم قريضها الشعر


أبکار فکري في محاسنها
نظم وفيض مدامعي نثر


ومصاب يومک يابن فاطمة
ميعادنا وسلونا الحشر


أو فرحة بظهور قائمکم
فيها لنا الاقبال والبشر


يوما ترد الشمس ضاحية
في الغرب ليس لعرفها نکر


وتکبر الاملاک مسمعة
إلا لمن في اذنه وقر


: ظهر الامام العالم العلم
البر التقي الطاهر الطهر


من رکن بيت الله حاجبه
عيسي المسيح وأحمد الخضر

[صفحه 371]

في جحفل لجب يکاد بهم
من کثرة يتضايق القطر


فهم النجوم الزاهرات بدا
في تمه من بينها البدر


عجل قدومک يابن فاطمة
قد مس شيعة جدک الضر


علماؤهم تحت الخمول فلا
نفع لانفسهم ولا ضر


يتظاهرون بغير ما اعتقدوا
لا قوة لهم ولا ظهر


استعذبوا مر الاذي فحلا
لهم ويحلو فيکم المر


فهم الاقل الاکثرون ومن
رب العباد نصيبهم وفر


أعلام دين رسخ لهم
في نشر کل فضيلة صدر


فکفاهم فخرا إذا افتخروا
ما دام حيا فيهم الفخر


وصلوا نهارهم بليلهم
نظرا وما لوصالهم هجر


وطووا علي مضض سرائرهم
صبرا وليس لطيها نشر


حتي يفض ختامها وبکم
يطفي بعيد شرارها الشر


يا غائبين متي بقربکم
من بعدوهن يجبر الکسر


ألفئ مقتسم لغيرکم
وأکفکم من فيئکم صفر


والمال حل للعصاة ويحر
مه الکرام السادة الغر


فنصيبهم منه الاعم. علي
عصيانهم ونصيبکم نزر


يمسون في أمن وليس لهم
من طارق[9] يغتالهم حذر


ويکاد من خوف ومن جزع
بکم يضيق البر والبحر


ويقول بعد سبعة أبيات:


وإذا ذکرتم في محافلهم
فوجوههم مربدة صفر


يتميزون لذکرکم حنقا
وعيونهم مزورة خزر


وعلي المنابر في بيوتکم
لاولي الضلالة والعمي ذکر


حال يسوء ذوي النهي وبه
يستبشر المتجاهل الغمر


ويصفقون علي أکفهم
فرحا إذا ما أقبل العشر

[صفحه 372]

جعلوه من أهني مواسمهم
لا مرحبا بک أيها الشهر


تلک الانامل من دمائکم
يوم الطفوف خضيبة حمر


فتوارث الهمج الخضاب فمن
مکفر تولد ذلک الکفر


نبکي فيضحکهم مصابکم
وسرورهم بمصابکم نکر


تالله ماسروا النبي ولا لو
صيه بسرورهم سروا


فإلي م هذا الانتظار وفي
لهواتنا من صبرنا صبر[10] .


لکنه لابد من فرج
والامر يحدث بعده الامر


أبني المفاخر والذين علا
لهم علي هام السها قدر


أسماؤکم في الذکر معلنة
يجلو محاسنها لنا الذکر


شهدت بها الاعراف معرفة
والنحل والانفال والحجر


وبراءة شهدت بفضلکم
والنور والفرقان والحشر


وتعظم التوراة قدرکم
فإذا انتهي سفر حکي سفر


ولکم مناقب قد أحاط بها ال
إنجيل حار لوصفها الفکر


ولکم علوم الغايبات فمن
ها الجامع المخزون والجفر


هذا ولو شجر البسيطة أقلا
م وسبعة أبحر حبر


وفسيح هذي الارض مجملة
طرس فمنها السهل والوعر


والانس والاملاک کاتبة
والجن حتي ينقضي العمر


ليعددوا ما فيه خصکم
ذوالعرش حتي ينفد الدهر


لم يذکروا عشر العشير وهل
يحصي الحصا أويحصر الذر؟


فأنا المقصر في مديحکم
حصرا فما لمقصر عذر


ولقد بلوت من الزمان ولي
في کل تجربة بهم خبر


فوجدت رب الفقر محتقرا
وأخو الغني يزهو به الکبر


فقطعت عما خولوا أملي
ولذي الجلال الحمد والشکر

[صفحه 373]

وثنيت نحوکم الرکاب فلا
زيد نؤمله ولا عمرو


حتي إذا أمت جنابکم
ومن القريض حمولها در


آبت من الحسنات مثقلة
فأنا الغني بکم ولا فقر


سمعا بني الزهراء سائغة
ألفاظها من رقة سحر


عبقت مناقبکم بها فذکي
في کل ناحية لها عطر


يرجو «علي» بها النجاة إذا
مد الصراط وأعوز العبر


أعددتها يوم القيامة لي
ذخرا ونعم لديکم الذخر


فتقبلوها من وليکم
بکرا فنعم الغادة البکر


فقبولکم نعم القرين لها
وهي العروس فبورک الصهر


لکم علي کمال زينتها
ولي الجنان عليکم مهر


أنا عبدکم والمستجير بکم
وعلي من مرح الصبا اصر


فتعطفوا کرما علي وقد
يتفضل المتعطف البر


وتفقدوني في الحساب کما
فقد العبيد المالک الحر


صلي الاله عليکم أبدا
ما جن ليل أو بدا فجر


وعليکم مني التحية ما
مسح الحيا وتبسم الزهر


صفحه 367، 368، 369، 370، 371، 372، 373.








  1. الوزر بفتح الواو وتاليها: الملجأ.
  2. الاروع: من يعجب الناس بحسنه أو شجاعته.
  3. ألحاذر: المتأهب المستعد. اللبدة بالکسر والضم: الشعر المجتمع بين کتفي الاسد الوجم والوجوم: السکوت والعجز من الغيظ أو الخوف والامساک عن أمر کرها. العفر بالکسر والضم: الخنزير. الشجاع.الغليظ الشديد.
  4. وفي بعض النسخ: نشرها.
  5. اشار إلي حزب صفين، وبسرهو ابن اوطاة أحد الرجلين اللذين کشفا عن سوءتهما يوم ذاک من بأس اميرالمومنين وتخلصا من سطوته کما مر حديثه في ج 2 ص 156.
  6. وفي بعض النسخ: والخفيف. بدل الرکن.
  7. صخر بن عمرو بن الشريد کانت الخنساء اخته ملهوفة القلب علي موته ولم تزل ترثيه و تبکيه حتي عميت.
  8. الحر بن يزيد الرياحي، اول قتيل سعيد بين يدي الامام السبط يوم کربلا.
  9. في بعض النسخ: من طارق يغشاهم خدر.
  10. لهوات جمع لهات وهي: اللحمة المشرفة علي الحلق في اقصي سقف الفم. الصبر بالفتح: عصارة شجر مر.