راي الخليفة في صوم الدهر











راي الخليفة في صوم الدهر



عن أبي عمر الشيباني قال: خبر عمر بن الخطاب رضوان الله عليه برجل يصوم الدهر فجعل يضربه بمخفقته[1] ويقول: کل يادهر يادهر[2] .

قال الاميني: لقد أربکني الموقف فلا أدري علي اي النقلين ألقي ثقتي؟ أعلي رواية ابن الجوزي هذه من حديث المخفقة؟ أم علي نقله الآخر في سيرة عمر ص 146 من أنه کان يصوم الدهر. وروي الطبري وجعفر الفريابي في السنن وحکي عنهما السيوطي في جمع الجوامع کما في ترتيبه 4 ص 332 من انه کان يسرد الصيام، وفي سنن البيهقي 4 ص 301: أن عمر بن الخطاب قد کان يسرد الصيام قبل أن يموت، وسرد عبدالله بن عمر في آخر زمانه، وذکره ابن کثير في تاريخه 7 ص 135 ورواه المحب الطبري في الرياض 2 ص 38 واستدل به علي أن سرد الصوم أفضل من صوم يوم وفطر يوم.

وليس هناک نهي عن ذلک في السنة الشريفة، وما يشعر بظاهره النهي عنه مثل قوله صلي الله عليه واله وسلم: لا صام من صام الابد. وقوله: من صام الابد فلا صام ولا أفطر. فهو منزل علي صوم الابد المستلزم بصوم الايام المحرمة صومها أو علي صورتي ايجابه الضعف أو تفويت الحق، وبدون هذه لا نهي عنه کما في صحيح مسلم 1 ص 319، وسنن البيهقي 4 ص 299، وکثير من کتب الفقه وشروح مجامع الحديث وأخرج ابن جرير عن ام کلثوم قالت قيل لعائشة: تصومين الدهر وقد نهي رسول الله صلي الله عليه واله وسلم عن صيام الدهر؟ قالت:

[صفحه 323]

نعم سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم ينهي عن صيام الدهر ولکن من أفطر يوم الفطر ويوم النحر فلم يصم الدهر.[3] .

وقال النووي في شرح صحيح مسلم هامش الارشاد 5 ص 51: وفي هذه الروايات المذکورة في الباب النهي عن صيام الدهر، واختلف العلماء فيه فذهب أهل الظاهر إلي منع صيام الدهر نظرا لظواهر هذه الاحاديث قال القاضي وغيره، وذهب جماهير العلماء إلي جوازه إذا لم يصم الايام المنهي عنها وهي العيدان والتشريق، ومذهب الشافعي و أصحابه أن سرد الصيام إذا أفطر العيدين والتشريق لاکراهة فيه بل هو مستحب بشرط أن لا يلحقه به ضرر ولايفوت حقا فإن تضرر أو فوت حقا فمکروه، واستدلوا بحديث حمزة بن عمرو وقد رواه البخاري ومسلم أنه قال: يارسول الله إني أسرد الصوم أفأصوم في السفر؟ فقال: إن شئت فصم. وهذا لفظ رواية مسلم فأقره صلي الله عليه وسلم علي سرد الصيام، ولوکان مکروها لم يقره لاسيما في السفر، وقد ثبت عن ابن عمر بن الخطاب انه کان يسرد الصيام، وکذلک أبوطلحة وعائشة وخلائق من السلف قد ذکرت منهم جماعة في شرح المهذب في باب صوم التطوع وأجابوا عن حديث لا صام من صام الابد بأجوبة أحدها: انه محمول علي حقيقته بأن يصوم معه العيدين والتشريق وبهذا أجابت عائشة رضي الله عنها.

والثاني: أنه محمول علي من تضرر به أو فوت به حقا، ويؤيده قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: فإنک لا تستطيع ذلک فصم وأفطر ونم وقم وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلک مثل صيام الدهر. والنهي کان خطابا لعبدالله بن عمرو بن العاص وقد ذکر مسلم عنه أنه عجز في آخر عمره وندم علي کونه لم يقبل الرخصة قالوا: فنهي ابن عمرو وکان لعلمه بأنه سيعجز، وأقر حمزة بن عمر ولعلمه بقدرته بلا ضرر.

والثالث: أن معني لا صام أنه يجد من مشقته مايجد ها غيره فيکون خبرا لادعاء.إلخ.

وقال في شرح حديث صم يوما وأفطر يوما: إختلف العلماء فيه فقال المتولي من أصحابنا وغيره من العلماء هو أفضل من السرد لظاهر هذا الحديث. وفي کلام غيره إشارة

[صفحه 324]

إلي تفضيل السرد وتخصيص هذا الحديث بعبدالله بن عمرو ومن في معناه، وتقديره لا أفضل من هذا في حقک، ويؤيد هذا أنه صلي الله عليه وسلم لم ينه حمزة بن عمرو وعن السرد وأرشده إلي يوم ويوم، ولو کان أفضل في حق کل الناس لارشده إليه وبينه له فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لايجوز. والله أعلم.

والباحث يجد کثيرا من هذه الکلمات في غضون التآليف لائمة الفقه وشراح الحديث. وممن يؤثر عنه صوم الدهر.

1- عثمان بن عفان المقتول 35. الاستيعاب 2 ص 477.

2- عبدالله بن مالک الازدي المتوفي 59 /56، يه 8 ص 99، صب 2 ص 364.

3- أسود بن يزيد النخعي المتوفي 75، يه 9 ص 12.

4- أبوبکر بن عبدالرحمن القرشي المتوفي 94، يه 9 ص 116.

5- ألفقيه أبوخالد مسلم المخزومي المتوفي 108، بق 1 ص 235.

6- سعد بن إبراهيم المدني المتوفي 125، صه 113، هب 1 ص 173.

7- وکيع بن الجراح المتوفي 196، طب 13 ص 470، بق 1 ص 282.

8- مصعب بن عبدالله بن الزبير المتوفي 233، م 3 ص 172.

9- محمد بن علي أبوالعباس الکرخي المتوفي 343، ظم 6 ص 376.

10- أبوبکر النجاد شيخ الحنابلة بالعراق المتوفي 348، ظم 6 ص 390، يه 11 ص 234.

11- أحمد بن إبراهيم النيسابوري المتوفي 386، يه 11 ص 319.

12- أبو القاسم عبدالله بن أحمد الحربي المتوفي 412، طب 10 ص 382، ظم 8 ص 4.

13- أبوالفرج المعدل أحمد بن محمد المتوفي 415، طب 5 ص 67، يه 12 ص 18، ظم 8 ص 17.

14- أبوالعباس أحمد الابيوري المتوفي 425، طب 5 ص 51.

15- أبوعبدالله الصوري محمد بن علي المتوفي 441، طب 3 ص 103، ظم 8 ص 143.

[صفحه 325]

16- عبدالملک بن الحسن المتوفي 472، يه 12 ص 120.

17- أبو البرکات يحيي الانباري المتوفي 552، يه 12 ص 237.

18- ألحافظ عبد الغني المقدسي المتوفي 600، يه 13 ص 39.

19- ألفقيه محمود البغدادي الحنبلي المتوفي 609، هب 5 ص 39.

20- ألشيخ محيي الدين النووي المتوفي 677، يه 13 ص 279.

21- عبدالعزيز بن دنف الحنبلي البغدادي. هب 5 ص 184[4] .

وليس هذا الاصفاق منهم إلا لما عرفوه من جوازه في شرع الاسلام، هذا کله ولکن للمخفقة شأنها، وللخليفة إجتهاده، ولعله کان يري إختصاص هذا الحکم به من دون الناس وإلا فما وجه ضرب الرجل المتعبد بالمخفقة؟

ان هذا لهو القصص الحق. ولقد جئنا هم بکتاب فصلناه علي علم ومالهم بذلک من علم ان هم الا يظنون وان الظن لا يغني من الحق شيئا

[صفحه 326]


صفحه 323، 324، 325، 326.








  1. المخفقة. الدرة التي يضرب بها.
  2. سيرة عمر لابن الجوزي ص 174.
  3. کنز العمال 4 ص 334.
  4. راجع في عرفان الرموز المذکورة مقدمة الجزء الخامس صحيفة ط، ي.