راي الخليفة في الكتب











راي الخليفة في الکتب



أضف إلي الحوادث الاربعة: حادث مشکلات القرآن. وحادث السؤال عما لم يقع. وحادث الحديث عن رسول الله. وحادث کتابة السنن. رأي الخليفة واجتهاده حول الکتب والمؤلفات. أتي رجل من المسلمين إلي عمر فقال: إنا لما فتحنا المداين أصبنا کتابا فيه علم من علوم الفرس وکلام معجب. فدعا بالدرة فجعل يضربه بها ثم قرأ نحن نقص عليک أحسن القصص ويقول: ويلک أقصص أحسن من کتاب الله؟ إنما هلک من کان قبلکم لانهم اقبلوا علي کتب علمائهم وأساقفتهم وترکوا التوراة والانجيل حتي درسا وذهب ما فيهما من العلم.

صورة اخري:

عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال: أتي عمر بن الخطاب رضوان الله عليه رجل فقال:

[صفحه 298]

يا أميرالمؤمنين إنا لما فتحنا المدائن أصبت کتابا فيه کلام معجب، قال: أمن کتاب الله؟ قال: لا. فدعي بالدرة فجعل يضربه بها فجعل يقرأ: الر تلک آيات الکتاب المبين. إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلکم تعقلون. إلي قوله تعالي: وإن کنت من قبله لمن الغافلين. ثم قال: إنما أهلک من کان قبلکم أنهم أقبلوا علي کتب علمائهم وأساقفتهم وترکوا التوراة والانجيل حتي درسا وذهب ما فيهما من العلم.

وأخرج عبدالرزاق، وابن الضريس في فضائل القرآن والعسکري في المواعظ، والخطيب عن إبراهيم النخعي قال: کان بالکوفة رجل يطلب کتب دانيال وذلک الضريبة فجاء فيه کتاب من عمر بن الخطاب أن يرفع إليه فلما قدم علي عمر علاه بالدرة ثم جعل يقرأ عليه: الر تلک آيات الکتاب المبين- حتي بلغ- الغافلين. قال: فعرفت ما يريد فقلت: يا أميرالمؤمنين دعني فوالله لا أدع عندي شيئا من تلک الکتب إلا أحرقته فترکه.

راجع سيرة عمر لابن الجوزي ص 107، شرح إبن أبي الحديد 3 ص 122، کنز العمال 1 ص 95.

وجاء في تاريخ مختصر الدول لابي الفرج الملطي المتوفي 684 ص 180 من طبعة بوک في اوکسونيا سنة 1663 م ما نصه:

وعاش (يحيي الغراما طيقي) إلي أن فتح عمروبن العاص مدينة الاسکندرية ودخل علي عمرو وقد عرف موضعه من العلوم فأکرمه عمرو وسمع من ألفاظه الفلسفية التي لم تکن للعرب بها أنسة ما هاله ففتن به وکان عمرو عاقلا حسن الاستماع صحيح الفکر فلازمه وکان لا يفارقه ثم قال له يحيي يوما: إنک قد أحطت بحواصل الاسکندرية وختمت علي کل الاصناف الموجودة بها، فمالک به انتفاع فلا نعارضک فيه، وما لا انتفاع لک به فنحن أولي به. فقال له عمرو: ما الذي تحتاج إليه؟ قال: کتب الحکمة التي في الخزائن الملوکية. فقال عمرو: هذا ما لا يمکنني أن آمر فيه إلا بعد استئذان أميرالمؤمنين عمر بن الخطاب. فکتب إلي عمر وعرفه قول يحيي فورد عليه کتاب عمر يقول فيه: وأما الکتب التي ذکرتها فإن کان فيها ما وافق کتاب الله؟ ففي کتاب الله عنه غني، وإن کان فيها ما يخالف کتاب الله؟ فلا حاجة إليه فتقدم باعدامها. فشرع عمروبن العاص في تفريقها علي حمامات الاسکندرية وإحراقها في مواقدها فاستنفدت في مدة ستة أشهر

[صفحه 299]

فاسمع ماجري واعجب.

هذه الجملة من کلام الملطي ذکرها جرجي زيدان في تاريخ التمدن الاسلامي 3 ص 40 برمتها فقال في التعليق عليها: ألنسخة المطبوعة في مطبعة الآباء اليسوعيين في بيروت قد حذفت منها هذه الجملة کلها لسبب لا نعلمه.

وقال عبد اللطيف البغدادي المتوفي 629 الهجري في الافادة والاعتبار ص 28: رأيت أيضا حول عمود السواري من هذه الاعمدة بقايا صالحة بعضها صحيح وبعضها مکسور ويظهر من حالها انها کانت مسقوفة والاعمدة تحمل السقف وعمود السواري عليه قبة هو حاملها. وأري انه الرواق الذي کان يدرس فيه ارسطوطاليس وشيعته من بعده وأنه دار المعلم التي بناها الاسکندر حين بني مدينته، وفيها کانت خزانة الکتب التي أحرقها عمرو بن العاص بإذن عمر رضي الله عنه.

صورة مفصلة:

وقال القاضي الاکرم جمال الدين أبوالحسن علي بن يوسف القفطي المتوفي 646 في کتابه تراجم الحکماء المخطوط[1] في ترجمة يحيي النحوي:

وعاش (يحيي النحوي) إلي أن فتح عمروبن العاص مصر والاسکندرية ودخل علي عمرو وقد عرف موضعه من العلم واعتقاده وما جري له مع النصاري فأکرمه عمرو ورأي له موضعا وسمع کلامه في إبطال التثليث فأعجبه وسمع کلامه أيضا في انقضاء الدهر ففتن به وشاهد من حججه المنطقية وسمع من ألفاظه الفلسفية التي لم يکن للعرب بها أنسة ما هاله، وکان عمرو عاقلا حسن الاستماع صحيح الفکر فلازمه وکاد لا يفارقه، ثم قال له يحيي يوما: إنک قد أحطت بحواصل الاسکندرية وختمت علي کل الاجناس الموصوفة الموجودة بها، فأما مالک به انتفاع فلا اعارضک فيه،وأما مالا نفع لکم به فنحن أولي به، فأمر بالافراج عنه. فقال له عمرو: وما الذي تحتاج إليه؟ قال: کتب الحکمة في الخزائن الملوکية وقد أوقعت الحوطة عليها ونحن محتاجون إليها ولا نفع لکم بها. فقال له: ومن جمع هذه الکتب وما قصتها؟ فقال له يحيي: إن

[صفحه 300]

بطولو ماوس فيلادلفوس من ملوک الاسکندرية لما ملک حبب إليه العلم والعلماء وفحص عن کتب العلم وأمر بحمعها وأفرد لها خزائن فجمعت وولي أمرها رجلا يعرف بابن زمرة (زميرة) وتقدم اليه بالاجتهاد في جمعها وتحصيلها والمبالغة في أثمانها وترغيب تجارها ففعل واجتمع من ذلک في مدة خمسون ألف کتابا ومائة وعشرون کتابا، ولما علم الملک باجتماعها وتحقق عدتها قال لزميرة: أتي بقي في الارض من کتب العلم مالم يکن عندنا؟ فقال له زميرة: قد بقي في الدنيا شئ في السند والهند وفارس وجرجان والارمان وبابل والموصل وعند الروم. فعجب الملک من ذلک وقال له: دم علي التحصيل فلم يزل علي ذلک إلي أن مات، وهذه الکتب لم تزل محروسة محفوظة يراعيها کل من يلي الامر من الملوک واتباعهم إلي وقتنا هذا، فاستکثر عمرو ما ذکره يحيي وعجب منه وقال له: لا يمکنني أن آمر بأمر إلا بعد استئذان أميرالمؤمنين عمر بن الخطاب. وکتب إلي عمر وعرفه بقول يحيي الذي ذکر، واستأذنه ما الذي يصنعه فيها؟ فورد عليه کتاب عمر يقول فيه: وأما الکتب التي ذکرتها فإن کان فيها ما يوافق کتاب الله؟ ففي کتاب الله عنه غني، وإن کان فيها ما يخالف کتاب الله تعالي؟ فلا حاجة إليها فتقدم باعدامها. فشرع عمرو بن العاص في تفريقها علي حمامات الاسکندرية وإحراقها في مواقدها وذکرت عدة الحمامات يومئذ وأنسيتها، فذکروا انها استنفدت في مدة ستة أشهر، فاسمع ما جري واعجب. اه.

وفي فهرست إبن النديم المتوفي 385 إيعاز إلي تلک المکتبة المحروقة قال في صحيفة 334: وحکي إسحاق الراهب في تاريخه ابن بطولوماوس فيلادلفوس من ملوک الاسکندرية لما ملک فحص عن کتب العلم وولي أمرها رجلا يعرف بزميرة فجمع من ذلک علي ما حکي أربعة وخمسين ألف کتاب ومائة وعشرين کتابا. وقال له: أيها الملک قد بقي في الدنيا شئ کثير في السند والهند وفارس وجرجان والارمان وبابل والموصل وعند الروم. اه.

ومؤسس تلک المکتبة هو بطليموس الاول وهو الذي بني مدرسة الاسکندرية المعروفة باسم الرواق وجمع فيها جميع علوم تلک الازمان من فلسفة ورياضيات وطب وحکمة وآداب وهيئة وکانت المدرسة توصل للقصر الملکي، وبويع لولده بطليموس

[صفحه 301]

الثاني- الملقب بفيلادلفوس (أي محب أخيه)- بالملک حياة أبيه قبل موته بسنتين سنة خمس وثمانين ومائتين قبل الميلاد أي سنة سبع وتسعمائة قبل الهجرة وله من العمر أربع وعشرون سنة ومات سنة ست وأربعين ومائتين قبل الميلاد أي سنة ثمان وستين وثمانمائة قبل الهجرة فکانت مدة حکمه ثمانيا وثلاثين سنة، وکان علي سيرة أبيه في حب العلم وأهله والعناية بخزانة کتب الاسکندرية وجمع الکتب فيها.[2] .

وکان رأي الخليفة هذا عاما علي جميع الکتب في الاقطار التي فتحتها يد الاسلام قال صاحب «کشف الظنون» 1 ص 446: إن المسلمين لما فتحوا بلاد فارس وأصابوا من کتبهم کتب سعد بن أبي وقاص إلي عمر بن الخطاب يستأذنه في شأنها وتنقيلها للمسلمين فکتب إليه عمر رضي الله عنه: أن اطرحوها في الماء، فإن يکن ما فيها هدي؟ فقد هدانا الله تعالي بأهدي منه، وإن يکن ضلالا؟ فقد کفانا الله تعالي. فطرحوها في الماء أو في النار فذهبت علوم الفرس فيها.

وقال في ج 1 ص 25 في أثناء کلامه عن أهل الاسلام وعلومهم: إنهم أحرقوا ما وجدوا من الکتب في فتوحات البلاد.

وقال إبن خلدون في تاريخه 1 ص 32: فالعلوم کثيرة والحکماء في امم النوع الانساني متعددون، وما لم يصل إلينا من العلوم أکثر مما وصل، فأين علوم الفرس التي أمر عمر رضي الله عنه بمحوها عند الفتح؟.

قال الاميني: ليس النظر في کتب الاولين علي إطلاقه محظورا ولا سيما إذا کانت کتبا علمية أو صناعية أو حکمية أو أخلاقية أو طبية أو فلکية أو رياضية إلي أمثالها، وأخص منها ما کان معزوا إلي نبي من الانبياء عليهم السلام کدانيال إن صحت النسبة ولم يطرقه التحريف، نعم: إذا کان کتاب ضلال من دعاية إلي مبدء باطل، أودين منسوخ، أو شبهة موجهة إلي مبادئ الاسلام يحرم النظر فيه للبسطاء القاصرين عن الجواب والنقد، وأما من له منة الدفع أو مقدرة الحجاج فإن نظره فيه لابطال الباطل وتعريف الناس بالحق الصراح من أفضل الطاعات.

ولا منافاة بين کون القرآن أحسن القصص وبين أن يکون في الکتب علم ناجع،

[صفحه 302]

أوحکمة بالغة، أوصناعة تفيد المجتمع، أو علوم يستفيد بها البشر، وإن کان ما في القرآن أبعد من ذلک مغزي، وأعمق منتهي، وأحکم صنعا، غير أن قصر الافهام عن مغازي القرآن الکريم ترک الناس لا يستنبطون تلک العلوم، مع إخباتهم إلي انه لا يغادر صغيرة ولا کبيرة إلا أحصاها، ولا رطب ولا يابس إلا في کتاب مبين، فالمنع عن النظر في تلک الکتب جناية علي المجتمع وإبعاد عن العلوم، وتعزير الناظر فيها لا يساعده قانون الاسلام العام کتابا وسنة.

والله يعلم ما خسره المسلمون بابادة تلک الثروة العلمية في الاسکندرية وتشتيتها في بلاد الفرس من حضارة راقية، وصنايع مستطرفة لا ترتبطان بهدي أو ضلال کما حسبه الخليفة في کتب الفرس، ولا تناطان بموافقة الکتاب أو مخالفته کما زعمه في أمر مکتبة الاسکندرية العامرة، وما کان يضر المسلمين لو حصلوا علي ذلک الثراء العلمي؟ فأوقفهم علي ثروة مالية ، وبسطة في العلم، وتقدم في المدنية، ورقي في العمران، وکمال في الصحة، وکل منها يستتبع قوة في الملک، وهيبة عند الدول، وبذخا في العالم کله، وسعة في أديم السلطة، فهل يفت شئ من ذلک في عضد الهدي؟ أو يثلم جانبا من الدين؟ نعم أعقب ذلک العمل الممقوت تقهقرا في العلوم، وفقرا في الدنيا، وسمعة سيئة لحقت العروبة والاسلام، وفي النقاد من يحسبه توحشا، وفيهم من يعده من عمل الجاهلين، ونحن نکل الحکم فيه إلي العقل السليم، والمنطق الصحيح.

علي أن الخليفة کان يسعه أن ينتقي من هذه الکتب ما أوعزنا إليه مما ينجع المجتمع البشري، ويتلف ما فيه الالحاد والضلال، لکنه لم يفعل ومضي التاريخ کما وقعت القصة.


صفحه 298، 299، 300، 301، 302.








  1. توجد نسخة في دار الکتب الخديوية مکتوبة سنة 1197 کما في تاريخ التمدن الاسلامي 3 ص 42.
  2. راجع الکافي في تاريخ مصر 1 ص 210 -208.