نهي الخليفة عن الحديث











نهي الخليفة عن الحديث



وأردف الحادثين في مشکل القرآن والسؤال عما لم يقع، بثالث أفظع وهو نهي الخليفة عن الحديث عن رسول الله صلي الله عليه واله وسلم أو عن إکثاره، وضربه وحبسه وجوه الصحابة بذلک.

قال قرظة بن کعب لما سيرنا عمر إلي العراق مشي معنا عمر وقال: أتدرون لم شيعتکم؟ قالوا: نعم مکرمة لنا. قال: ومع ذلک إنکم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن کدوي النحل فلا تصدوهم بالاحاديث فتشغلوهم جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وأنا شريککم. فلما قدم قرظة بن کعب قالوا: حدثنا. فقال: نهانا عمر رضي الله عنه.[1] .

وفي لفظ أبي عمر: قال قرظة: فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي لفظ الطبري: کان عمر يقول: جردوا القرآن ولا تفسروه واقلوا الرواية عن رسول الله وأنا شريککم.[2] .

م- ولما بعث أبا موسي إلي العراق قال له: إنک تأتي قوما لهم في مساجدهم دوي بالقرآن کدوي النحل فدعهم علي ماهم عليه ولا تشغلهم بالاحاديث وأنا شريکک في ذلک. ذکره ابن کثير في تاريخه 8 ص 107 فقال: هذا معروف عن عمر رضي الله عنه.

وأخرج الطبراني عن إبراهيم بن عبدالرحمن إن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود. وأبا الدرداء. وأبا مسعود الانصاري، فقال: قد أکثرتم الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، حبسهم بالمدينة حتي اشتشهد.[3] .

وفي لفظ الحاکم في المستدرک 1 ص 110:

إن عمر بن الخطاب قال لابن مسعود ولابي الدرداء ولابي ذر: ما هذا الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ وأحسبه حبسهم بالمدينة حتي اصيب.

[صفحه 295]

وفي لفظ جمال الدين الحنفي:

إن عمر حبس أبا مسعود وأبا الدرداء وأباذر حتي اصيب. وقال: ما هذا الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ ثم قال: ومما روي عنه ايضا أن عمر قال لابن مسعود وأبي ذر: ما هذا الحديث؟ قال: أحسبه حبسهم حتي اصيب. فقال:

وکذلک فعل بأبي موسي الاشعري مع عدله عنده (المعتصر 1 ص 459).

وقال عمر لابي هريرة: لتترکن الحديث عن رسول الله أو لالحقنک بأرض دوس.[4] .

م- وقال لکعب الاحبار: لتترکن الحديث عن الاول أو لالحقنک بأرض القردة تاريخ ابن کثير 8 ص 106.

وأخرج الذهبي في التذکرة 1 ص 7 عن أبي سلمة قال: قلت لابي هريرة: أکنت تحدث في زمان عمر هکذا؟ فقال: لو کنت احدث في زمان عمرمثل ما احدثکم لضربني بمخفقته.

وأخرج أبوعمر عن أبي هريرة: لقد حدثتکم بأحاديث لو حدثت بها زمن عمر بن الخطاب لضربني عمر بالدرة (جامع بيان العلم 2 ص 121).

م- وفي لفظ الزهري: أفکنت محدثکم بهذه الاحاديث وعمر حي أما والله إذا لايقنت أن المخفقة ستباشر ظهري. وفي لفظ ابن وهب: إني لاحدث أحاديث لو تکلمت بها في زمان عمر أو عند عمر لشج رأسي. تاريخ ابن کثير 8 ص 107

فمن جراء هذا الحادث قال الشعبي: قعدت مع ابن عمر سنتين أو سنة ونصفا فما سمعت يحدث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا حديثا[5] .

وقال السائب بن يزيد: صحبت سعد بن مالک من المدينة إلي مکة فما سمعته يحدث بحديث واحد (سنن ابن ماجة 1 ص 16).

وقال أبوهريرة: ما کنا نستطيع أن نقول: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم حتي قبض عمر.

[صفحه 296]

تاريخ ابن کثير 8 ص 107.

قال الاميني: هل خفي علي الخليفة أن ظاهر الکتاب لا يغني الامة عن السنة، وهي لا تفارقه حتي يردا علي النبي الحوض، وحاجة الامه إلي السنة لا تقصر عن حاجتها إلي ظاهر الکتاب؟ والکتاب کما قال الاوزاعي ومکحول: أحوج إلي السنة من السنة إلي الکتاب (جامع بيان العلم 2 ص 191)

أو رأي هناک اناسا لعبوا بها بوضع أحاديث علي النبي الاقدس- وحقا رأي- فهم قطع جراثيم التقول عليه صلي الله عليه واله وسلم، وتقصير تلکم الايدي الاثيمة عن السنة الشريفة؟ فان کان هذا أو ذاک فما ذنب مثل أبي ذر المنوه بصدقه بقول النبي الاعظم: ما أظللت الخضراء، ولا أقلت الغبراء علي رجل أصدق لهجة من أبي ذر[6] أو مثل عبدالله بن مسعود صاحب سر رسول الله، وأفضل من قرء القرآن، وأحل حلاله، وحرم حرامه، ألفقيه في الدين، ألعالم بالسنة[7] أو مثل أبي الدرداء عويمر کبير الصحابة صاحب رسول الله صلي الله عليه واله وسلم[8] فلماذا حبسهم حتي اصيب؟ ولماذا هتک أولئک العظماء في الملا الديني وصغرهم في أعين الناس؟ وهل کان أبوهريرة وأبوموسي الاشعري من أولئک الوضاعين حتي استحقا بذلک التعزير والنهر والحبس والوعيد؟ أنا لا أدري.

نعم: هذه الآراه کلها أحداث السياسية الوقتية سدت علي الامة أبواب العلم، وأوقعتها في هوة الجهل ومعترک الاهواء وإن لم يقصد ها الخليفة، لکنه تترس بها يوم ذاک، وکافح عن نفسه قحم المعضلات، ونجابها عن عويصات المسائل.

م- وبعد نهي الامة المسلمة عن علم القرآن، وإبعادها عما في کتابها من المعاني الفخمة والدروس العالية من ناحية العلم والادب والدين والاجتماع والسياسة والاخلاق والتاريخ، وسد باب التعلم والاخذ بالاحکام والطقوس ما لم يتحقق ويقع موضوعها، والتجافي عن التهيؤ للعمل بدين الله قبل وقوع الواقعة، ومنعها عن معالم السنة الشريفة والحجز عن نشرها في الملا، فبأي علم ناجع، وبأي حکم وحکم تترفع وتتقدم

[صفحه 297]

الامة المسکينة علي الامم؟ وبأي کتاب وبأية سنة نتأتي لها سيادة العالم التي أسسها لها صاحب الرسالة الخاتمة؟ فسيرة الخليفة هذه ضربة قاضية علي الاسلام وعلي امته وتعاليمها وشرفها وتقدمها وتعاليها علم بها هو أولم يعلم،ومن ولايد تلک السيرة الممقوتة حديث کتابة السنن، ألا وهو:


صفحه 295، 296، 297.








  1. سنن الدارمي 1 ص 85، سنن ابن ماجة 1 ص 16، مستدرک الحاکم 1 ص 102، جامع بيان العلم 2 ص 120، تذکرة الحفاظ 1 ص 3.
  2. شرح ابن ابي الحديد 3 ص 120.
  3. تذکرة الحفاظ 1 ص 7، مجمع الزوائد 1 ص 149 وصححه محشي الکتاب فقال: هذا صحيح عن عمر من وجوه کثيرة وکان عمر شديدا في الحديث.
  4. أخرجه ابن عساکر کما في کنز العمال 5 ص 239، واخرجه ابوزرعة کما في تاريخ ابن کثير 8 ص 106.
  5. سنن الدارمي 1 ص 84، سنن ابن ماجة 1 ص 15.
  6. مستدرک الحاکم 3 ص 344 و 342، وياتي تفصيل هذا الحديث ومصادره.
  7. مستدرک الحاکم 3 ص 315 و 312.
  8. مستدرک الحاکم 3 ص 337.