اجتهاد الخليفة في السؤال عن مشكلات القرآن











اجتهاد الخليفة في السؤال عن مشکلات القرآن



1- عن سليمان بن يسار. إن رجلا يقال له: صبيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل فقال: من أنت؟ قال: أنا عبدالله صبيغ: فأخذ عمر عرجونا من تلک العراجين فضربه وقال: أنا عبدالله عمر. فجعل له ضربا حتي دمي رأسه فقال: يا أميرالمؤمنين! حسبک قد ذهب الذي کنت أجد في رأسي.

[صفحه 291]

وعن نافع مولي عبدالله: إن صبيغ العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتي قدم مصر فبعث به عمرو بن العاص إلي عمر بن الخطاب فلما أتاه الرسول بالکتاب فقرأه فقال: أين الرجل؟ فقال: في الرحل. قال عمر: أبصر أن يکون ذهب فتصيبک مني العقوبة الموجعة. فأتاه به فقال عمر: تسأل محدثة؟ فأرسل عمر إلي رطائب من جريد فضربه بها حتي ترک ظهره دبرة[1] ثم ترکه حتي برأ، ثم عاد له ثم ترکه حتي برأ فدعا به ليعود له قال: صبيغ: إن کنت تريد قتلي؟ فاقتلني قتلا جميلا، وإن کنت تريد أن تداويني؟ فقد والله برئت. فأذن له إلي أرضه وکتب إلي أبي موسي الاشعري: أن لا يجالسه أحد من المسلمين. فاشتد ذلک علي الرجل فکتب أبوموسي عمر: أن قد حسنت توبته، فکتب عمر: أن يأذن الناس بمجالسته.

وعن السائب بن يزيد قال: اتي عمر بن الخطاب فقيل: يا أميرالمؤمنين إنا لقينا رجلا يسأل عن تأويل مشکل القرآن فقال عمر: أللهم مکني منه. فبينما عمر ذات يوم جالسا يغدي الناس إذ جاء (الرجل) وعليه ثياب وعمامة صفدي حتي إذا فرغ قال: يا أميرالمؤمنين والذاريات ذروا فالحاملات وقرا؟ فقال عمر: أنت هو؟ فقام إليه وحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتي سقطت عمامته فقال: والذي نفس عمر بيده لو وجدتک محلوقا لضربت رأسک ألبسوه ثيابا واحملوه علي قتب وأخرجوه حتي تقدموا به بلاده ثم ليقم خطيب ثم يقول: إن صبيغا ابتغي العلم فأخطأه. فلم يزل وضيعا في قومه حتي هلک وکان سيد قومه.

وعن أنس: إن عمر بن الخطاب جلد صبيغا الکوفي في مسألة عن حرف من القرآن حتي اضطربت الدماء في ظهره. وعن الزهري: إن عمر جلد صبيغا لکثرة مساءلته عن حروف القرآن حتي اضطربت الدماء في ظهره.[2] .

[صفحه 292]

قال الغزالي في الاحياء 1 ص 30: و (عمر) هو الذي سد باب الکلام والجدل وضرب صبيغا بالدرة لما أورد عليه سؤالا في تعارض آيتين في کتاب الله وهجره وأمر الناس بهجره. ه.

وصبيغ هذا هو صبيغ بن عسل. ويقال: إبن عسيل. ويقال: صبيغ بن شريک من بني عسيل.

2- عن أبي العديس قال: کنا عند عمر بن الخطاب فأتاه رجل فقال: يا أميرالمؤمنين ما الجوار الکنس؟ فطعن عمر بمخصرة معه في عمامة الرجل فألقاها عن رأسه فقال عمر: أحروري؟ والذي نفس عمر بن الخطاب ببده لو وجدتک محلوقا لانحيت القمل عن رأسک.

کنز العمال 1 ص 229 نقلا عن الکني للحاکم، الدر المنثور 6 ص 3. 321- عن عبدالرحمن بن يزيد: إن رجلا سأل عمر عن فاکهة وأبا فلما رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرة.[3] .

قال الاميني: أحسب أن في مقول العراجين، ولسان المخصرة، ومنطق الدرة الجواب الفاصل عن کل ما لا يعلمه الانسان، وإليه يوعز قول الخليفة: نهينا عن التکلف. في الجواب عن أبسط سؤال يعلمه کل عربي صميم الاوهو معني الاب المفسر في نفس الکتاب المبين بقوله تعالي: متاعا لکم ولانعامکم.

وأنا لا أعلم أن السائلين بماذا استحقوا الادماء والايجاع بمحض السؤال عما لا يعلمونه من مشکل القرآن أو ما غاب عنهم من لغته؟ وليس في ذلک شئ مما يوجب الالحاد، لکن القصص جرت علي ماتري.

ثم ماذنب المجيبين بعلم عن السؤال عن الاب؟ ولماذا أقبل عليهم الخليفة بالدرة؟ وهل تبقي قائمة لاصول التعليم والتعلم والحالة هذه؟ ولعل الامة قد حرمت ببرکة تلک الدرة عن التقدم والرقي في العلم بعد أن آل أمرها إلي أن هاب مثل ابن عباس أن يسأل الخليفة عن قوله تعالي: وإن تظاهرا عليه[4] وقال: مکثت سنتين اريد أن

[صفحه 293]

أسأل عمر بن الخطاب عن حديث ما منعني منه إلا هيبته[5] وقال: مکثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب رضوان الله عليه عن آية فلا أستطيع أن أسأله هيبة.[6] .


صفحه 291، 292، 293.








  1. في سنن الدارمي: وبرة وفي حاشيته: أي ذات فروج: وفي لفظ ابن عساکر والسيوطي دبرة. وهو الصحيح والمعني واضح.
  2. سنن الدارمي 1 ص 55 و 54، تاريخ ابن عساکر 6 ص 384، سيرة عمر لابن الجوزي ص 109، تفسير ابن کثير 4 ص 232، اتقان السيوطي 2 ص 5، کنز العمال 1 ص 229 و 228 نقلا عن الدارمي. ونصر المقدسي. والاصبهابي. وابن الانباري. والالکلائي. وابن عساکر، الدر المنثور 6 ص 111، فتح الباري 8 ص 17، الفتوحات الاسلامية 2 ص 445.
  3. فتح الباري 13 ص 230، الدر المنثور 6 ص 317.
  4. مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 5 ص 8.
  5. کتاب العلم لابي عمر ص 56.
  6. سيرة عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص 118.