اجتهاد عمر في تشطير أموال عماله وهو أول من قاسم العمال...











اجتهاد عمر في تشطير أموال عماله وهو أول من قاسم العمال وشاطرهم أموالهم[1]



.

1- عن أبي هريرة قال: استعملني عمر بن الخطاب رضي الله عنه علي البحرين فاجتمعت لي إثنا عشر ألفا فلما عزلني وقدمت علي عمر قال لي: يا عدو الله وعدو المسلمين- أو قال وعدو کتابه- سرقت مال الله؟ قال: قلت: لست بعدوالله ولا للمسلمين- أو قال لکتابه- ولکني عدو من عاداهما ولکن خيلا تناتجت وسهاما اجتمعت. قال: فأخذ مني إثنا عشر ألفا فلما صليت الغداة قلت: أللهم اغفر لعمر. حتي إذا کان بعد ذلک. قال: ألا تعمل يا أبا هريرة؟ قلت: لا. قال:ولم؟ قد عمل من هو خير منک يوسف، قال: إجعلني علي خزائن الارض؟ فقلت: يوسف نبي ابن نبي وأنا أبوهريرة ابن اميمة وأخاف منکم ثلاثا وإثنين قال: فهلا قلت خمسا؟ قلت: أخشي أن تضربوا ظهري، وتشتموا عرضي، وتأخذوا مالي، وأکره أن أقول بغير حلم، وأحکم بغير علم.

دعا عمر أبا هريرة فقال له: علمت أني استعملتک علي البحرين وأنت بلا نعلين ثم بلغني أنک ابتعت أفراسا بألف دينار وستمائة دينار؟ قال: کانت لنا أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت. قال: قد حسبت لک رزقک ومؤنتک وهذا فضل فأده. قال: ليس لک. قال: بلي والله أرجع ظهرک. ثم قام إليه بالدرة فضربه حتي أدماه ثم قال: إئت بها. قال: إحتسبتها عند الله. قال: ذلک لو أخذتها من حلال وأديتها طائعا، أجئت من أقصي حجر البحرين يجبي الناس لک لا لله ولا للمسلمين؟ وما رجعت بک اميمة إلا لرعية الحمر.- واميمة ام أبي هريرة-

2- کان سعد بن أبي وقاص يقال له: المستجاب. لقول النبي صلي الله عليه وسلم: إتقوا دعوة

[صفحه 272]

سعد فلما شاطره عمر قال له سعد: لقد هممت. قال له عمر: بأن تدعو علي؟ قال: نعم. قال إذا لا تجدني بدعاء ربي شقيا.

وأخرج البلاذري في فتوح البلدان ص 286 عن إبن إسحاق قال: إتخذ سعد بن أبي وقاص بابا مبوبا من خشب وخص علي قصره خصا من قصب فبعث عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة الانصاري حتي أحرق الباب والخص وأقام سعدا في مساجد الکوفة فلم يقل فيه إلا خيرا.

وقال السيوطي: أمر عمر عما له فکتبوا أموالهم منهم سعد بن أبي وقاص فأخذ نصف مالهم.

3- لما عزل أبا موسي الاشعري عن البصرة شاطره عما له.

4- کتب عمر بن الخطاب إلي عمر وبن العاصي وکان عامله علي مصر: من عبدالله عمر بن الخطاب إلي عمر وبن العاصي: سلام عليک فإنه بلغني أنه فشت لک فاشية من خيل وإبل وغنم وبقر وعبيد، وعهدي بک قبل ذلک أن لا مال لک فاکتب إلي من أين أصل هذا المال؟ ولا تکتمه.

فکتب إليه عمرو بن العاصي: إلي عبدالله أميرالمؤمنين سلام عليک فإني أحمد إليک الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإنه أتاني کتاب أميرالمؤمنين يذکر فيه ما فشالي وإنه يعرفني قبل ذلک لا مال لي وإني اعلم أميرالمؤمنين أني في أرض ألسعر فيه رخيص، وإني اعالج من الحرفة والزراعة ما يعالج أهله، وفي رزق أميرالمؤمنين سعة، والله لو رأيت خيانتک حلالا ما خنتک، فاقصر أيها الرجل فإن لنا أحسابا هي خير من العمل لک إن رجعنا إليها عشنابها، ولعمري إن عندک من تذم معيشته ولا تذم له، فأني کان ذلک ولم يفتح قفلک ولم نشرکک في عملک.

فکتب إليه عمر:

أما بعد: فإني والله ما أنا من أساطيرک التي تسطر، ونسقک الکلام في غير مرجع لا يغني عنک أن تزکي نفسک، وقد بعثت إليک محمد بن سلمة فشاطره مالک، فإنکم ايها الامراء جلستم علي عيون المال لم يزعکم عذر تجمعون لابنائکم، وتمهدون لانفسکم، أماإنکم تجمعون العار، وتورثون النار، والسلام.

[صفحه 273]

فلما قدم عليه محمد بن سلمة صنع له عمر وطعاما کثيرا فأبي محمد بن سلمة أن يأکل منه شيئا فقال له عمرو: أتحرموا طعامنا؟ فقال: لو قدمت إلي طعام الضيف أکلته ولکنه قدمت إلي طعاما هو تقدمة شر والله لا أشرب عندک ماء فاکتب لي کل شيئ هو لک ولا تکفه، فشاطره ماله بأجمعه حتي بقيت نعلاه فأخذ إحداهما وترک الاخري، فغضب عمرو ابن العاصي فقال: يا محمد بن سلمة قبح الله زمانا عمروبن العاصي لعمر بن الخطاب فيه عامل، والله إني لاعرف الخطاب يحمل فوق رأسه حزمة من الحطب، وعلي ابنه مثلها، وما منهما إلا في نمرة لا تبلغ رسغيه،والله ما کان العاصي بن وائل يرضي أن يلبس الديباج مزر را بالذهب. قال له محمد: اسکت والله عمر خير منک وأما أبوک وأبوه ففي النار، والله لولا الزمان الذي سبقته فيه لا ألفيت معقل شاة يسرک غزرها ويسرک بکرها. فقال عمرو: هي عندک بأمانة الله فلم يخبربها عمر.

5- زار أبوسفيان معاوية فلما رجع من عنده دخل علي عمر فقال: أجزنا أبا سفيان قال: ما أصبنا شيئا فنجيزک به. فأخذ عمر خاتمه فبعث به إلي هند وقال للرسول: قل لها يقول لک أبوسفيان انظري الخرجين اللذين جئت بهما فاحضريهما فما لبث عمر أن اتي بخرجين فيهما عشرة آلاف درهم فطرحهما عمر في بيت المال، فلما ولي عثمان ردهما عليه فقال أبوسفيان: ما کنت لآخذ مالا عابه علي عمر.

6- لما ولي عمر بن الخطاب عتبة بن أبي سفيان الطائف وصدقاتها ثم عزله تلقاه في بعض الطريق فوجد معه ثلاثين ألفا فقال: أني لک هذا؟ قال: والله ما هو لک ولا للمسلمين ولکنه مال خرجت به لضيعة اشتريها. فقال عمر: عاملنا وجدنا معه مالا ما سبيله إلا بيت المال، ورفعه فلما ولي عثمان قال لابي سفيان: هل لک في هذا المال؟ فإني لم أر لاخذ إبن الخطاب فيه وجها، قال: والله إن بنا إليه حاجة ولکن لا ترد فعل من قبلک فيرد عليک من بعدک.

7- مر عمر يوما ببناء يبني بحجارة وجص فقال: لمن هذا؟ فقالوا لعامل من عمالک بالبحرين فقاسمه ماله وکان يقول: لي علي کل خائن أمينان: ألماء. والطين.

8- أرسل عمر إلي أبي عبيدة: إن أکذب خالد نفسه فهو أمير علي ما کان عليه، وإن لم يکذب نفسه فهو معزول فانتزع عمامته وقاسمه نصفين. فلم يکذب نفسه

[صفحه 274]

فقاسمه أبوعبيدة ماله حتي أخذ إحدي نعليه وترک له الاخري وخالد يقول: سمعا وطاعة لاميرالمؤمنين.

بلغ عمر أن خالدا أعطي الاشعث بن قيس عشرة آلاف وقد قصده ابتغاء احسانه فأرسل لابي عبيدة أن يصعد المنبر ويوقف خالدا بين يديه وينزع عمامته وقلنسوته ويقيده بعمامته لان العشرة آلاف إن کان دفعها من ماله فهو سرف، وإن کان من مال المسلمين فهي خيانة، فلما قدم خالد رضي الله عنه علي عمر رضي الله عنه قال له: من أين هذا اليسار الذي تجيز منه بعشرة آلاف؟ فقال: من الانفال والسهمان. قال: ما زاد علي التسعين ألفا فهو لک ثم قوم أمواله وعروضه وأخذ منه عشرين ألفا ثم قال له: والله إنک علي لکريم وإنک لحبيب ولم تعمل لي بعد اليوم علي شيئ. وکتب رضي الله عنه إلي الامصار: إني لم أعزل خالد عن مبخلة[2] ولا خيانة ولکن الناس فتنوا به فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع.

قال الحلبي في السيرة 3 ص 220: وأصل العداوة بين خالد وسيدنا عمر رضي الله عنهما علي ما حکاه الشعبي انهما وهما غلامان تصارعا وکان خالد إبن خال عمر فکسر ساق عمر فعولجت وجبرت ولما ولي سيدنا عمر رضي الله تعالي عنه الخلافة أول شيئ بدأ به عزل خالد وقال: لا يلي لي عملا أبدا، ومن ثم أرسل إلي أبي عبيدة إن أکذب خالد إلخ. وذکره إبن کثير في تاريخه 7 ص 115.

وأخرج الطبري في تاريخه عن سليمان بن يسار قال: کان عمر کلما مر بخالد قال: يا خالد أخرج مال الله من تحت إستک. فيقول: والله ما عندي من مال، فلما أکثر عليه عمر قال له خالد: يا أميرالمؤمنين ما قيمة ما أصبت في سلطانکم أربعين ألف درهم؟ فقال عمر: قد أخذت ذلک منک بأربعين ألف درهم. قال: هو لک، قال: قد أخذته ولم يکن لخالد مال إلا عدة ورقيق فحسب ذلک فبلغت قيمته ثمانين ألف درهم فناصفه عمر ذلک فأعطاه أربعين ألف وأخذ المال فقيل له: يا أميرالمؤمنين لو رددت علي خالد ماله؟ فقال: إنما أنا تاجر للمسلمين والله لا أرده عليه أبدا فکان عمر يري انه قد اشتفي من خالد حين صنع به ذلک.

وفي تاريخ إبن کثير 7 ص 117: إن عمر قال لعلي- بعد موت خالد-: ندمت علي

[صفحه 275]

ما کان مني. وقال عمر: رحم الله أبا سليمان لقد کنا نظن به امورا ما کانت

م- وذکر إبن کثير في تاريخه 7 ص 115 عن محمد بن سيرين قال: دخل خالد علي عمر وعليه قميص حرير فقال عمر: ما هذا يا خالد؟ فقال: وما بأس يا أميرالمؤمنين؟ أليس قد لبسه عبدالرحمن بن عوف؟ فقال: وأنت مثل إبن عوف؟ ولک مثل مالا بن عوف؟ عزمت علي من بالبيت إلا أخذ کل واحد منهم بطائفة مما يليه.قال: فمزقوه حتي لم يبق منه شيئ.

وذکر البلاذري جمعا من عمال شاطرهم عمربن الخطاب أموالهم حتي أخذ نعلا وترک نعلا وهم:

9- أبوبکرة نفيع بن الحرث بن کلدة الثقفي.

10- نافع بن الحرث بن کلدة الثقفي أخو أبي بکرة.

11- ألحجاج بن عتيک الثقفي وکان علي الفرات.

12- جزء بن معاوية عم الاحنف کان علي سرق.

13- بشربن المحتفز کان علي جندي سابور.

14- إبن غلاب خالد بن الحرث من بني دهمان کان علي بيت المال باصبهان.

15- عاصم بن قيس بن الصلت السلمي کان علي مناذز.

16- سمرة بن جندب کان علي سوق الاهواز.

17- ألنعمان بن عدي بن نضلة الکعبي کان علي کور دجلة.

18- مجاشع بن مسعود السلمي صهربني غزوان کان علي أرض البصرة وصدقاتها.

19- شبل بن معبد البجلي ثم الاحمسي کان علي قبض المغانم.

20- أبومريم بن محرش الحنفي کان علي رام هرمز.

وهؤلاء ذکرهم أبوالمختار يزيد بن قيس بن يزيد في شعر قدمه إلي عمر بن الخطاب قال:


أبلغ أميرالمؤمنين رسالة
فأنت أمين الله في النهي والامر


وأنت أمين الله فينا ومن يکن
أمينا لرب العرش يسلم له صدري


فلا تدعن أهل الرساتيق والقري
يسيغون مال الله في الادم والوفر

[صفحه 276]

فأرسل إلي الحجاج فاعرف حسابه
وأرسل إلي جزء وأرسل إلي بشر


ولا تنسين النافعين کليهما
ولا ابن غلاب من سراة بني نصر


وما عاصم منها بصفر عيابه
وذاک الذي في السوق مولي بني بدر


وأرسل إلي النعمان واعرف حسابه
وصهر بني غزوان إني لذو خبر


وشبلا فسله المال وابن محرش
فقد کان في أهل الرساتيق ذاذکر


فقاسمهم أهلي فداؤک إنهم
سيرضون إن قاسمتهم منک بالشطر


ولا تدعوني للشهادة إنني
أغيب ولکني أري عجب الدهر


نؤوب إذا آبوا ونغزوا إذا غزوا
فأني لهم وفر ولسنا أولي وفر


إذا التاجر الداري جاء بفارة
من المسک راحت في مفارقهم تجري


م - فقاسم عمر هؤلاء القوم فأخذ شطر أموالهم نعلا بنعل، وکان فيهم أبوبکرة فقال إني لم آل لک شيئا فقال: اخوک علي بيت المال وعشور الابلة فهو يعطيک المال تتجربه فأخذ منه عشرة آلاف ويقال: قاسمه فأخذ شطر ماله

21- وصادر الحرث بن وهب أحد بني ليث بکر بن کنانة وقال له: ما قلاص وأعبد بعتها بمائة دينار؟ قال: خرجت بنفقة لي فاتجرت فيها. قال: وإنا والله ما بعثناک للتجارة، أدها. قال: أما والله لا أعمل لک بعدها. قال: أنا والله لا أستعملک بعدها.

راجع فتوح البلدان للبلاذري ص 392 و 226 و 90، تاريخ الطبري 4 ص 205 و 56، ألعقد الفريد 1 ص 21 -18، معجم البلدان 2 ص 75، صبح الاعشي 6 ص 477 و 386، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 ص 58، ج 3 ص 104، سيرة عمر لابن الجوزي ص 44، تاريخ ابن کثير 7 ص 115 و 18، وج 8 ص 113، ألسيرة الحلبية 3 ص 220، الاصابة 3 ص 676 و 384، قتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 96، الفتوحات الاسلامية 2 ص 480.

قال الاميني: أنا لا أدري إن قامت البينة عند الخليفة علي أن تلک الاموال مختلسة من بيت مال المسلمين، فلم لم يصادر کلها، وإن کان يحسي أن هناک أموالا مملوکة لهم فهل من المعقول أن يقدر ذلک في الجميع بنصف ما بأيديهم حتي النعل والنعل؟ وقد عد ذلک سيرتا له، قال سعيد بن عبدالعزيز: کان عمر يقاسم عماله نصف ما أصابوا[3] وإن لم

[صفحه 277]

تقم البينة علي ذلک فکيف رفع أيدي القوم عما کان في حيازتهم ورفض دعاويهم بأنها من ربح تجارة، أو نتاج خيل، أو منافع زرع، أو ثمن ضيعة؟ ولم لم يحاکمهم في الامر باحضار الشهود والتدقيق في القضية وغرم قبل ذلک بمجرد الظنة والتهمة؟ ويد المسلم من إمارات الملک ودعواه له بلا معارض مسموع منه وإلا لما قام للمسلمين سوق. علي أن ظاهر حال هؤلاء الصحابة المغرمين بمقتضي فقه الخليفة انهم لصوص بأقبح التلصص لان السارق في الغالب لا يسرق إلا من واحد أو اثنين أو أکثر يعدون بالانامل لکن هؤلاء بحکم تلک المشاطرة سراق من مال المسلمين جميعا، وکان قد ائتمنهم قبل ذلک وبعده علي نفوس المسلمين وأعراضهم وأموالهم وأحکامهم باستعمالهم علي البلاد، والعباد، غير أنه کان فيهم من تنصل عن العمل بعد التغريم، أصحيح انهم کانوا هکذا؟ أنا لا أدري. أصحيح أنهم کلهم عدول؟ أيضا لا أدري.


صفحه 272، 273، 274، 275، 276، 277.








  1. شرح ابن أبي الحديد 3 ص 113.
  2. في تاريخ الطري: عن سخطة.
  3. الاصابة 2 ص 410.