اجتهاد الخليفة في الخمر وآياتها











اجتهاد الخليفة في الخمر وآياتها



1- قال الزمخشري في ربيع الابرار في باب اللهو واللذات والقصف واللعب[1] و شهاب الدين الابشيهي في «المستطرف » 2 ص 291: قد أنزل الله تعالي في الخمر ثلاث آيات: ألاولي قوله تعالي: يسألونک عن الخمر والميسر قل فيهما إثم کبير ومنافع للناس. الآية[2] فکان من المسلمين من شارب ومن تارک إلي أن شرب رجل فدخل في الصلاة فهجر فنزل قوله تعالي: يا أيها الذين آمنوا لاتقربوا الصلاة وأنتم سکاري حتي تعلموا ما تقولون[3] فشربها من شربها من المسلمين وترکها من ترکها حتي شربها عمر رضي الله عنه فأخذ بلحي بعير وشج به رأس عبدالرحمن بن عوف ثم قعد ينوج علي قتلي بدر بشعر الاسود بن يعفر


يقول: وکائن بالقليب قليب بدر
من الفتيان والعرب الکرام


وکائن بالقليب قليب بدر
من الشيزي المکلل بالسنام[4] .


أيوعدني ابن کبشة أن سنحيي
وکيف حياة أصداء وهام؟


أيعجز أن يرد الموت عني
وينشرني إذا بليت عظامي؟


ألا من مبلغ الرحمن عني
بأني تارک شهر الصيام؟


فقل لله: يمنعني شرابي
وقل لله: يمنعني طعامي


فبلغ ذلک رسول الله صلي الله عليه وسلم فخرج مغضبا يجر رداءه فرفع شيئا کان في يده فضربه به فقال: أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فأنزل الله تعالي: إنما يريد الشيطان أن يوقع بينکم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدکم عن ذکر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون[5] فقال عمر رضي الله عنه: إنتهينا انتهينا.

[صفحه 252]

ورواه الطبري في تفسيره 2 ص 203 بتغيير في أبياته غير أن فيه مکان عمر في الموضع الاول (رجل)

2- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما نزل تحريم الخمر قال عمر: أللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في البقرة: يسألونک عن الخمر والميسر. قال فدعي عمر فقرأت عليه فقال: أللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في النساء: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سکاري. فکان منادي رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا اقيمت الصلاة ينادي: ألا لا يقربن الصلاة سکران. فدعي عمر فقرأت عليه فقال: أللهم بين لنا بيانا شافيا. فنزلت: إنما يريد الشيطان أن يوقع بينکم العداوة والبغضاء في الخمرو الميسر ويصدکم عن ذکر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون. قال عمر: إنتهينا، إنتهينا.

أخرجه أبوداود في سننه 2 ص 128، وأحمد في المسند 2 ص 53، والنسائي في السنن 8 ص 287، والطبري في تاريخه 7 ص 22، والبيهقي في سننه 8 ص 285، والجصاص في أحکام القرآن 2 ص 245، والحاکم في المستدرک 2 ص 278، وصححه وأقره الذهبي في تلخيصه، والقرطبي في تفسيره 5 ص 200، وابن کثير في تفسيره 1 ص 500 و 255، وج 2 ص نقلا عن أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه وعلي بن المديني وقال: قال علي بن المديني: إسناد صالح صحيح وذکر تصحيح الترمذي وقرره. ويوجد في تيسير الوصول 1 ص 124، وتفسير الخازن 1 ص 513، وتفسير الرازي 3 ص 458، وفتح الباري 8 ص 225، والدر المنثور 1 ص 252 نقلا عن ابن أبي شيبة، وأحمد، وعبد بن حميد، وأبي داود، والترمذي، والنسائي. وأبي يعلي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس في ناسخه، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والحاکم، والبيهقي، والضياء المقدسي في المختارة.

3- عن سعيد بن جبير: کان الناس علي أمر جاهليتهم حتي يؤمروا أو ينهوا فکانوا يشربونها أول الاسلام حتي نزلت: يسألونک عن الخمر والميسر قل فيها إثم کبير و منافع للناس. قالوا: نشربها للمنفعة لا للاثم فشربها رجل[6] فتقدم يصلي بهم فقرأ:

[صفحه 253]

قل يا أيها الکافرن أعبد ما تعبدون. فنزلت: يا أيها الذين آمنوا لاتقربوا الصلاة وأنتم سکاري. فقالوا: نشربها في غير حين الصلاة. فقال عمر: أللهم أنزل علينا في الخمر بيانا شافيا فنزلت: إنما يريد الشيطان. الآية. فقال عمر. إنتهينا. إنتهينا. تفسير القرطبي 5 ص 200

4- عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر رضي الله عنه: أللهم بين لنا في الخمر.

فنزلت: يا أيها الذين آمنوا لاتقربوا الصلاة وأنتم سکاري حتي تعلموا ما تقولون ألآية. فدعا النبي صلي الله عليه وسلم عمر فتلاها عليه فکأنها لم توافق من عمر الذي أراد فقال: أللهم بين لنا في الخمر فنزلت: ويسألونک عن الخمر والميسر قل فيهما إثم کبير ومنافع للناس الآية. فدعا النبي صلي الله عليه واله وسلم عمر فتلاها عليه فکأنها لم توافق من عمر الذي أراد فقال: أللهم بين لنا في الخمر فنزلت: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه. حتي انتهي إلي قوله: فهل أنتم منتهون. فدعا النبي صلي الله عليه وسلم عمر فتلاها عليه فقال عمر: إنتهينا يارب.

أخرجه الحاکم في «المستدرک » 4 ص 143 وصححه هو والذهبي في تلخيصه، والترمذي في صحيحه 2 ص 176 من طريق عمروبن شرحبيل، وذکره الآلوسي في «روح المعاني» 7 ص 15 طبع المنيرية.

5- وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت يسألونک عن الخمر والميسر قل فيهما إثم کبير ومنافع للناس. شربها قوم لقوله: منافع للناس. وترکها قوم لقوله: إثم کبير. منهم عثمان بن مظعون[7] حتي نزلت الآية التي في النساء لاتقربوا الصلاة وأنتم سکاري فترکها قوم وشربها قوم يترکونها بالنهار حين الصلاة ويشربونها بالليل حتي نزلت الآية التي في المائدة: إنما الخمر والميسر. الآية، قال عمر: أقرنت بالميسر والانصاب والازلام؟ بعدا وسحقا فترکها الناس.

وأخرج الطبري عن سعيد بن جبير مايقرب منه وفي آخره: حتي نزلت: إنما الخمر والميسر. الآية، فقال عمر: ضيعة لک اليوم قرنت بالميسر.

[صفحه 254]

وأخرج إبن المنذر عن محمد بن کعب القرظي حديثا فيه: ثم نزلت الرابعة التي في المائدة فقال عمر بن الخطاب: إنتهينا ياربنا.[8] .

قال الاميني: لم نرم بسرد هذه الاحاديث إثبات شرب الخمر علي الخليفة أيام الجاهلية إذالاسلام يجب ما قبله، وليس علي الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، والله يحب المحسنين- سورة المائدة- بل الغاية المتوخاة إيقاف القارئ علي مبلغ علم الخليفة بالکتاب، وحد عرفانه مغازي آيات الله وانه لم يکن يعرف الحظر من قوله تعالي: يسألونک عن الخمر والميسر قل فيهما إثم کبير. وقد نزل بيانا للنهي عنها، وعرفته الصحابة منه وقالت عائشة: لما نزلت سورة البقرة نزل فيها تحريم الخمر فنهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن ذلک[9] ولايکون بيان شاف في مقام الاعراب عن الخطر والحظر أولي منها ولاسيما بملاحظة أمثال قوله تعالي: إنما حرم ربي الفواحش ماظهر منها ومابطن والاثم والبغي. من الآيات الواردة في الاثم فقد حرمت بکل صراحة الاثم الذي هتفت الآية الاولي بوجوده في الخمر، والاثم: الذنب، والآثم والاثيم الفاجر. وقد يطلق علي نفس الخمرة کقول الشاعر:


نشرب الاثم بالصواع جهارا
وتري المسک بيننا مستعارا


وقول الآخر:


شربت الاثم حتي ضل عقلي
کذاک الاثم تذهب بالعقول[10] .


وليست منافع الخمر إلا أثمانها قبيل تحريمها وما يصلون إليه بشربها من اللذة وقد نص علي هذا کما في تفسير الطبري 2 ص 202.

وقال الجصاص في أحکام القرآن 1 ص 380: هذه الآية قد اقتضت تحريم الخمر، لولم يرد غيرها في تحريمها لکانت کافية مغنية، وذلک لقوله: «قل فيهما إثم کبير» والاثم کله محرم بقوله تعالي: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها ومابطن والاثم.

[صفحه 255]

فاخبر ان الاثم محرم ولم يقتصر علي إخباره بأن فيها إثما حتي وصفه بأنه کبير تأکيدا لحظرها. وقوله: منافع للناس. لا دلالة فيه علي إباحتها لان المراد منافع الدنيا. وإن في سائر المحرمات منافع لمرتکبيها في دنياهم إلا أن تلک المنافع لاتفي بضررها من العقاب المستحق بارتکابها، فذکره لمنافعها غير دال علي إباحتها لاسيما وقد أکد حظرها مع ذکر منافعها بقوله في سياق الآية «وإثمهما أکبر من نفعهما» يعني ان ما يستحق بهما من العقاب أعظم من النفع العاجل الذي ينبغي منهما.

فإن قيل: ليس في قوله تعالي «فيهما إثم کبير» دلالة علي تحريم القليل منها لان مراد الآية ما يلحق من المآثم بالسکر وترک الصلاة والمواثبة والقتال فإذا حصل المأثم بهذه الامور فقد وفينا ظاهر الآية مقتضاها من التحريم ولا دلالة فيه علي تحريم القليل منها.

قيل له: معلوم ان في مضمون قوله: فيهما إثم کبير. ضمير شربها لان جسم الخمر هو فعل الله تعالي ولا مأثم فيها وإنما المأئم مستحق بأفعالنا فيها، فإذا کان الشرب مضمرا کان تقديره في شربها وفعل الميسر إثم کبير فيتناول ذلک شرب القليل منها والکثير کما لو حرمت الخمر لکان معقولا ان المراد به شربها والانتفاع بها فيقتضي ذلک تحريم قليلها کثيرها. اه.

فهذه کلها عزبت عن الخليفة وکان يتطلب البيان الشافي بعد هذه الآية وآية النساء بقوله: أللهم بين لنا بيانا شافيا. وما انتهي عنها إلا بعد لاي من عمر الدهر بعد نزول قوله تعالي: فهل أنتم منتهون. قال القرطبي في تفسيره 6 ص 292: لما علم عمر رضي الله عنه أن هذا وعيد شديد زايد علي معني انتهوا قال: انتهينا.

وقال ابن جزي الکلبي في تفسيره 1 ص 187: فيه توقيف يتضمن الزجر والوعيد و لذلک قال عمر لما نزلت: إنتهينا إنتهينا.

وقال الزمخشري في الکشاف 1 ص 433: من أبلغ ما ينهي به کأنه قيل: قد تلي عليکم مافيها من أنواع الصوارف والموانع فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون؟ أم أنتم علي ما کنتم عليه کأن لم توعظوا ولم تزجروا؟.

وقال البيضاوي في تفسريه 1 ص 357: في قوله (فهل أنتم منتهون) ايذانا بأن الامر

[صفحه 256]

في المنع والتحذير بلغ الغاية وان الاعذار قد انقطعت.

وما کان ذلک التأويل من الخليفة وطلب البيان بعد البيان، وعدم الانتهاء قبل الزجر والوعيد إلا لحبه لها وکونه أشرب الناس في الجاهلية کما ينم عنه قوله فيما أخرجه ابن هشام في سيرته 1 ص 368: کنت للاسلام مباعدا، وکنت صاحب خمر في الجاهلية احبها وأشربها وکان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة[11] عند دور عمربن عبد بن عمران المخزومي فخرجت ليلة اريد جلسائي أولئک في مجلسهم ذلک فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحدا فقلت: لو أني جئت فلانا الخمار وکان بمکة يبيع الخمر لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها. ألحديث.

وفيما أخرجه البيهقي في السنن الکبري 10 ص 214 عن عبدالله بن عمر من قول والده في أيام خلافته: إني کنت لاشرب الناس لها في الجاهلية وانها ليست کالزنا[12] .

ومن هنا خص الخليفة بالدعوة وقراءة النبي الاعظم عليه الآيات النازلة في الخمر وکان ممن يأولها ولم ينتهي عنها إلي أن نزل الزجر والوعيد بآية المائدة وهي آخر سورة نزلت من القرآن[13] ومنها ما نزل في حجة الوداع[14] وفي الدر المنثور 2 ص 252 عن محمد بن کعب القرظي انه قال: نزلت سورة المائدة علي رسول الله في حجة الوداع فيما بين مکة والمدينة وهو علي ناقته. ويروي: ان النبي صلي الله عليه واله وسلم قرأ سورة المائدة في حجة الوداع وقال: يا أيها الناس إن سورة المائدة آخر مانزل فأحلوا حلالها وحرموا حرامها (تفسير القرطبي 6 ص 31).

وبعد هذه کلها لم يکن الخليفة يعلم أن شرب الخمر من أعظم الکبائر کما تعرب عنه صحيحة الحاکم عن سالم بن عبدالله قال: إن أبابکر وعمر وناسا جلسوا بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم فذکروا أعظم الکبائر فلم يکن عندهم فيها علم فارسلوني إلي عبدالله بن

[صفحه 257]

عمر وأسأله فأخبرني ان أعظم الکبائر شرب الخمر فأتيتهم فأخبرتهم فأنکروا ذلک ووثبوا جميعا حتي أتوه في داره فأخبرهم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إن ملکا من ملکوک بني اسرائيل أخذ رجلا فخيره بين أن يشرب الخمر أو يقتل نفسا أو يزني أو يأکل لحم خنزير أو يقتلوه فاختار الخمر وانه لما شربه لم يمتنع من شيئ أراده منه.

مستدرک الحاکم 4 ص 147، الترغيب والترهيب 3 ص 105، الدر المنثور 2 ص 323. ولاعتياده بها منذ مدة غير قصيرة إلي نزول آية المائدة في حجة الوداع طفق يشرب النبيذ الشديد بعد نزول ذلک الوعيد، وبعد قوله: انتهينا انتهينا. وکان يقول: إنا نشرب هذا الشراب الشديد لنقطع به لحوم الابل في بطوننا أن تؤذينا فمن رابه من شرابه شئ فليمزجه بالماء[15] .

وقال: إني رجل معجار البطن أو مسعار البطن وأشرب هذا النبيذ الشديد فيسهل بطني. أخرجه إبن أبي شيبة کما في کنز العمال 3 ص 109.

وقال: لا يقطع لحوم هذه الابل في بطوننا إلا النبيذ الشديد.

(جامع مسانيد إبي حنيفة 2 ص 215 و 190)

م- وکان يشرب النبيذ الشديد إلي آخر نفس لفظه قال عمرو بن ميمون: شهدت عمر حين طعن اتي بنبيذ شديد فشربه. طب 6 ص 156.

وکان حدة شرابه وشدته بحيث لو شرب غيره منه لسکر وکان يقيم عليه الحد غير أن الخليفة کان لم يتأثر منه لاعتياده أو کان يکسره ويشربه قال الشعبي: شرب أعرابي من أداوة عمر فاغشي فحده عمر: ثم قال: وإنما: حده للسکر لا للشرب

(ألعقد الفريد 3 ص 416)

وفي لفظ الجصاص في أحکام القرآن 2 ص 565: إن أعرابيا شرب من شراب عمر فجلده عمر الحد فقال الاعرابي: إنما شربت من شرابک. فدعا عمر شرابه فکسره بالماء ثم شرب منه وقال: من رابه شرابه شئ فليکسره بالماء ثم قال الجصاص: ورواه إبراهيم النخعي عن عمر نحوه وقال فيه: إنه شرب منه بعد ماضرب الاعرابي.

[صفحه 258]

وفي جامع مسانيد أبي حنيفة 2 ص 192 قال: هکذا فاکسروه بالماء إذا غلبکم شيطانه. وکان يحب الشراب الشديد.

وعن ابن جريج: إن رجلا عب في شراب نبذ لعمر بن الخطاب بطريق المدينة فسکر فترکه عمر حتي أفاق فحده ثم أوجعه عمر بالماء فشرب منه[16] .

وعن أبي رافع: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إذا خشيتم من نبيذ شدته فاکسروه بالماء. أخرجه النسائي في سننه 8 ص 326 وعده مما احتج به من أباح شرب المسکر.

م- وأخرج القاضي أبويوسف في کتاب الآثار 226 من طريق ابي حنيفة عن ابراهيم أبي عمران الکوفي التابعي قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ رجلا سکرانا فأراد أن يجعل له مخرجا فأبي إلا ذهاب عقل، فقال: احبسوه فإذا صحا[17] فاضربوه ثم أخذ فضل اداوته فذاقه فقال: اوه هذا عمل بالرجال العمل ثم صب فيه ماء فکسره فشرب وسقي أصحابه وقال: هکذا اصنعوا بشرابکم إذا غلبکم شيطانه.

ومن العجيب حد من شرب من أداوة عمر فسکر لانه إن کان لا يعلم أن ما في الاداوة مسکر وشرب فلا حد عليه کما أخرجه أبوعمر في « العلم» 2 ص 86 ومر ص 174 عن الخليفة نفسه من قوله: ما الحد إلا من علمه. وإن کان ذلک فإن له في شرابه اسوتا بالخليفة، والفرق بينهما بأنه أسکره ولم يکن يسکر الخليفة لاعتياده به تافه، فکأن المدار عند الخليفة في حلية الاشربة والحد عليها علي الاسکار وعدمه بالاضافة إلي شخص کل شارب وينبأ عنه قوله: ألخمر ما خامر العقل[18] والحد و الحرمة مطلقان لکل مسکر وإن قورنت صفة الاسکار بمانع من خصوصيات الامزجة أو لقلة في الشرب فالصفة صلتها بالمشروب فحسب لا الشارب ويدل علي ذلک أحاديث جمة صحيحة تدل علي أن القليل الذي لا يسکر مما يسکر کثيرة حرام مثل قوله صلي الله عليه واله وسلم: أنهاکم عن قليل ما أسکر کثيره.

أخرجه الدارمي في سننه 2 ص 113، والنسائي في سننه 8 ص 301، والبيهقي

[صفحه 259]

في سننه 8 ص 296.

وقوله صلي الله عليه واله وسلم من طريق جابر. وابن عمر. وابن عمرو: ما أسکر کثيرة فقليله حرام. أخرجه أبوداود في سننه 2 ص 129، وأحمد في مسنده 2 ص 167، ج 3 ص 343. والترمذي في صحيحه 1 ص 342، وابن ماجة في سننه 2 ص 332، والنسائي في سننه 8 ص 300، والبيهقي في سننه 8 ص 296، والبغوي في مصابيح السنة 2 ص 67، والخطيب في تاريخ بغداد 3 ص 327.

وقوله صلي الله عليه واله وسلم: کل مسکر حرام وما أسکر منه الفرق[19] فمل ء الکف منه حرام وفي لفظ آخر: ما أسکر منه الفرق فالحسوة منه حرام.

أخرجه أبوداود في سننه 2 ص 130، والترمذي في صحيحه 1 ص 342، والبيهقي في سننه 8 ص 296، والبغوي في مصابيح السنة 2 ص 67، والخطيب البغدادي في تاريخه 6 ص 229، وابن الاثير في جامع الاصول کما في التيسير 2 ص 173.

وعن سعد: ان النبي صلي الله عليه واله وسلم نهي عن قليل ما أسکر کثيره.

أخرجه النسائي في سننه 8 ص 301.

وقال السندي في شرح سنن النسائي: أي ما يحصل السکر بشرب کثيرة فهو حرام قليله وکثيره وإن کان قليله غير مسکر وبه أخذ الجمهور وعليه الاعتماد عند علمائنا الحنفية والاعتماد علي القول بأن المحرم هو الشربة المسکرة وما کان قبلها فحلال قد رده المحقوق کما رده المصنف رحمه الله تعالي.

وفي تفسير الطبري 2 ص 104 عن قتادة: جاء تحريم الخمر في آية سورة المائدة، قليلها وکثيرها ما أسکر منها وما لم يسکر. وأخرجه عبد بن حميد کما في الدر المنثور 2 ص 316.

أخرج أبوحنيفة[20] باسناده عن رسول الله صلي الله عليه واله وسلم قوله: حرمت الخمر لعينها القليل منها والکثير، والمسکر من کل شراب.

م- ورواه الخطيب في تاريخه 3 ص 190 عن ابن عباس ولفظه، حرمت الخمرة بعينها،

[صفحه 260]

قليلها وکثيرها والمسکر من کل شراب.

وإنما أحل عمر الطلاء حين طبخ وذهب ثلثاه ولما قدم الشام شکواله وباء الارض إلي أن قالوا: هل لک أن تجعل لک من هذا الشراب شيئا لا يسکر؟ قال: نعم فطبخوه حتي ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأمرهم عمر أن يشربوه وکتب إلي عماله أن يرزقوا الناس الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه.[21] .

وقال محمود بن لبيد الانصاري: إن عمر بن الخطاب حين قدم الشام شکا إليه أهل الشام وباء الارض وثقلها. وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر: اشربوا هذا العسل. قالوا: لا يصلحنا العسل. فقال رجل من أهل الارض: هل لک أن نجعل لک من هذا الشراب شيئا لا يسکر؟ قال: نعم. فطبخوه حتي ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر فادخل فيه عمر إصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط، فقال: هذا الطلاء هذا مثل طلاء الابل فأمرهم عمر أن يشربوه، فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها والله، فقال عمر: کلا والله: أللهم إني لا احل لهم شيئا حرمته عليهم، ولا احرم عليهم شيئا أحللته لهم. أخرجه إمام المالکية مالک في الموطأ 2 ص 180 في جامع تحريم الخمر.

فحج أبومسلم الخولاني فدخل علي عائشة زوج النبي صلي الله عليه وسلم فجعلت تسأله عن الشام وعن بردها فجعل يخبرها فقالت: کيف تصبرون علي بردها؟ فقال: يا ام المؤمنين إنهم يشربون شرابا لهم يقال له: الطلاء. فقالت: صدق الله وبلغ حبي سمعت حبي رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: إن اناسا من امتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها.[22] .

م- وقال صلي الله عليه واله وسلم: إن القوم سيفتنون بعدي بأموالهم، ويمنون بدينهم علي ربهم و يتمنون رحمته، ويأمنون سطوته، ويستحلون حرامه بالشبهات الکاذبة، والاهواء الساهية، فيستحلون الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدية، والربا بالبيع. نهج البلاغة 2: 65.

وسئل ابن عباس عن الطلاء فقال: وما طلاؤکم هذا إذ سألتموني؟ فبينوا لي الذي تسألوني عنه. قالوا: هو العنب يعصر ثم يطبخ ثم يجعل في الدنان. قال: وما الدنان؟

[صفحه 261]

قالوا: ادنان مقيرة. قال: مزفته؟ قالوا: نعم. قال: أيسکر؟ قالوا: إذا اکثر منه أسکر قال: فکل مسکر حرام.

وقبل هذه کلها قول رسول الله صلي الله عليه واله وسلم اجتنب کل مسکرينش[23] قليله وکثيره. أخرجه النسائي في سننه 8 ص 324، وحکاه عنه ابن الديبع في تيسير الوصول 2 ص 172. هذه آراء من شتي النواحي في باب الاشربة تخص بالخليفة لا تساعده فيها البرهنة الشرعية من الکتاب والسنة بل هي فتنة ولکن أکثرهم لا يعلمون.


صفحه 252، 253، 254، 255، 256، 257، 258، 259، 260، 261.








  1. وقفنا من الکتاب علي عدة نسخ في مکتبات العراق وايران.
  2. سورة البقرة 219.
  3. سورة النساء 43.
  4. هذا البيت لايوجد في المستطرف.
  5. سورة المائدة آية 91.
  6. هو عبدالرحمن بن عوف في صلاة المغرب. أخرج حديثه الجصاص في أحکام القرآن 2 ص 245، والحاکم في المستدرک 4 ص 142 وقال في ج 2 ص 307: ان الخوارج تنسب هذا السکر وهذه القراءة إلي امير المؤمنين علي بن ابي طالب دون غيره وقد برأه الله منها فانه راوي هذا الحديث.
  7. هذا افتراء علي ذلک الصحابي لعظيم وقد نص أئمة التاريخ والحديث علي انه ممن حرم علي نفسه الخمر في الجاهلية وقال: لا أشرب شرابا يذهب عقلي، ويضحک بي من هو أدني مني، ويحملني علي أن أنکح کريمتي. راجع الاستيعاب 2: 482، والدر المنثور 315:2.
  8. ألدر المنثور 2 ص 318 و 317 و 315.
  9. أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 8 ص 358، وحکاه عنه السيوطي في الدر المنثور 1 ص 252.
  10. لسان العرب 14 ص 272، تاج العروس 8 ص 179.
  11. الحزورة: کانت سوقا من أسواق مکة وهي الان جزء المسجد.
  12. وراجع سيرة عمر لابن الجوزي ص 98، کنز العمال 3 ص 107، منتخب الکنز بهامش مسند أحمد 2 ص 428، الخلفاء الراشدون لعبد الوهاب النجار ص 238.
  13. مستدرک الحاکم 2 ص 311، جامع الترمذي 2 ص 178، الدر المنثور 2 ص 252، نقلا عن احمد، والترمذي، والحاکم، وابن مردويه، والبيهقي، وسعيد بن منصور، وابن المنذري.
  14. تفسير القرطبي 6 ص 30، وارشاد الساري 7 ص 95.
  15. السنن الکبري 8 ص 299، محاضرات الراغب 1 ص 319، کنز العمال 2 ص 109 نقلا عن ابن ابي شيبة.
  16. حاشية سنن البيهقي لابن الترکماني 8 ص 306، کنز العمال 3 ص 310.
  17. صحا السکران صحوا: زال سکره.
  18. اخرجه الخمسة من ائمة الصحاح الست کما في تيسير الوصول 2 ص 174.
  19. الفرق بفتح الراء وسکونها: اناء يسع ستة عشر رطلا. والحسوة: الجرعة من الماء.
  20. جامع مسانيد ابي حنيفة 2 ص 183.
  21. سنن البيهقي 8 ص 301 و 300، سنن النسائي 8 ص 329، سنن سعيد بن منصور کما في کنز العمال 3 ص 110 و 109، تيسير الوصول 2 ص 178، جامع مسانيد ابي حنيفة 2 ص 191.
  22. وفي لفظ أبي نعيم: ستشرب امتي من بعدي الخمر يسمونها بغيراسمها يکون عونهم علي شربها امراءهم. الاصابة 3 ص 546.
  23. ينش: أي يغلي.