اجتهاد الخليفة في صلاة الميت











اجتهاد الخليفة في صلاة الميت



عن أبي وائل قال: کانوا يکبرون علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم سبعا وخمسا وستا أو قال أربعا فجمع عمر بن الخطاب أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم فأخبر کل رجل بما رأي فجمعهم عمر رضي الله عنه علي أربع تکبيرات کأطول الصلاة.

وعن سعيد بن المسيب يحدث عن عمر رضي الله عنه قال: کان التکبير أربعا وخمسا فجمع عمر الناس علي أربع التکبير علي الجنازة.[1] .

وقال ابن حزم في «المحلي» احتج من منع أکثر من أربع بخبر رويناه من طريق وکيع عن سفيان الثوري عن عامر بن شقيق عن أبي وائل قال جمع عمر بن الخطاب الناس فاستشارهم بالتکبير علي الجنازة فقالوا: کبر النبي صلي الله عليه وسلم سبعا وخمسا وأربعا فجمعهم عمر علي أربع تکبيرات. ه

وأخرج الطحاوي عن إبراهيم قال قبض رسول الله صلي الله عليه وسلم والناس مختلفون في التکبير علي الجنازة لا تشاء أن تسمع رجلا يقول سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يکبر سبعا. وآخر يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يکبر خمسا. وآخر يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يکبر أربعا. إلا سمعته فاختلفوا في ذلک فکانوا علي ذلک حتي قبض أبوبکر رضي الله عنه فلما ولي عمر رضي الله عنه ورأي اختلاف الناس في ذلک شق عليه جدا فأرسل إلي رجال من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: إنکم معاشر أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم متي تختلفون علي الناس يختلفون من بعدکم، ومتي تجتمعون علي أمر يجتمع الناس عليه،

[صفحه 245]

فانظروا أمرا تجتمعون عليه فکأنما أيقظهم فقالوا: نعم ما رأيت يا أمير المؤمنين فأشر علينا. فقال عمر رضي الله عنه: بل أشيروا علي فإنما أنا بشر مثلکم، فتراجعوا الامر بينهم فاجمعوا أمرهم علي أن يجعلوا التکبير علي الجنائز مثل التکبير في الاضحي والفطر أربع تکبيرات فأجمع أمرهم علي ذلک.( عمدة القاري 4 ص 129)

وقال العسکري في اولياته، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 93، والقرماني في تاريخه- هامش الکامل- 1 ص 203: إن عمر أول من جمع الناس في صلاة الجنائز علي أربع تکبيرات.

قال الاميني: ألذي ثبت من السنة وعمل الصحابة اختلاف العدد في التکبير علي الجنازة المحمول علي مراتب الفضل في الميت أو الصلاة نفسها، وذلک يکشف عن إجزاء کل من تلک الاعداد، فاختيار الواحد منها والجمع عليه والمنع عن البقية کما يمنع عن البدع رأي غير مدعوم بشاهد، واجتهاد تجاه السنة والعمل.

ومن الواضح الجلي بعد تلاوة ما وقع من المفاوضة بين الخليفة والصحابة انه لم يکن هناک نسخ وإنما ذکر کل منهم ما شاهده علي العهد النبوي، فدعوي النسخ وتأخر التکبير بالاربع عن هاتيک الاعداد زور من القول، ولذلک لم يحتج به أحد ممن يعبأ بحجاجه، وإنما حصروا الدليل علي تعيين عمر ومنعه بعد تزييف ما قيل من دليل المنع کما سمعت من ابن حزم، وهو کما تري رأي يخص بقائله لا تقاوم السنة الثابتة وهي لا تترک بقول الرجال.

ويوهن ذلک الجمع والمنع صفح الصحابة عنهما، أخرج أحمد في مسنده 4 ص 370 عن عبدالاعلي قال: صليت خلف زيد بن أرقم علي جنازة فکبر خمسا فقام إليه أبوعيسي عبدالرحمن بن أبي ليلي فأخذ بيده فقال: نسيت؟ قال: لا ولکن صليت خلف أبي القاسم خليلي صلي الله عليه وسلم فکبر خمسا فلا أترکها أبدا.

وروي البغوي من طريق أيوب بن النعمان انه قال: شهدت جنازة سعد بن حبتة فکبر عليه زيد بن أرقم خمسا (الاصابة 22: 2)

وأخرج الطحاوي عن يحيي بن عبدالله التيمي قال: صليت مع عيسي مولي حذيفة ابن اليمان علي جنازة فکبر عليها خمسا ثم التفت إلينا فقال: ما وهمت ولا نسيت ولکني

[صفحه 246]

کبرت کما کبر مولاي وولي نعمتي- يعني حذيفة بن اليمان- صلي علي جنازة فکبر عليها خمسا ثم التفت إلينا فقال: ما وهمت ولا نسيت ولکني کبرت کما کبر رسول الله صلي الله عليه وسلم کبر خمسا. (عمدة القاري 4 ص 129)

قال ابن القيم الجوزية في زاد المعاد:[2] کان صلي الله عليه وسلم يأمر باخلاص الدعاء الميت وکان يکبر أربع تکبيرات وصح عنه انه کبر خمسا[3] وکان الصحابة بعده يکبرون أربعا وخمسا وستا فکبر زيد بن أرقم خمسا، وذکر أن النبي صلي الله عليه وسلم کبرها ذکره مسلم[4] وکبر الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه علي سهل بن حنيف ستا[5] .

وکان يکبر علي أهل بدر ستا وعلي غيرهم من الصحابة خمسا وعلي سائر الناس أربعا، ذکره الدار قطني[6] وذکر سعيد بن منصور علي الحکم عن ابن عيينة انه قال: کانوا يکبرون علي أهل بدرخمسا وستا وسبعا، وهذه آثار صحيحة فلا موجب للمنع منها والنبي صلي الله عليه وسلم لم يمنع مما زاد علي الاربع بل فعله هو وأصحابه من بعده، و الذين منعوا من الزيادة علي الاربع منهم من احتج بحديث ابن عباس: ان آخر جنازة صلي عليها النبي صلي الله عليه وسلم کبر أربعا قالوا: وهذا آخر الامرين وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعله صلي الله عليه وسلم هذا، وهذا الحديث قد قال الخلال في العلل: أخبرني حارث قال سأل الامام احمد عن حديث أبي المليح عن ميمون عن ابن عباس فذکر الحديث فقال أحمد: هذا کذب ليس له أصل إنما رواه محمد بن زيادة الطحان وکان يضع الحديث، واحتجوا بأن ميمون بن مهران روي عن ابن عباس: ان الملائکة لما صلت علي آدم عليه الصلاة والسلام کبرت عليه أربعا وقالوا: تلک سنتکم يا بني آدم. وهذا الحديث قد قال فيه الاثرم: جري ذکر محمد بن معاوية النيسابوري الذي کان بمکة فسمعت أبا عبدالله قال: رأيت أحاديثه موضوعة، فذکر منها عن أبي المليح عن ميمون بن مهران عن ابن

[صفحه 247]

عباس: ان الملائکة لما صلت علي آدم فکبرت عليه أربعا. واستعظمه أبوعبدالله و قال: أبوالمليح کان أصح حديثا وأتقي لله من أن يروي مثل هذا. واحتجوا بما رواه البيهقي من حديث يحيي عن ابي عن النبي صلي الله عليه وسلم: ان الملائکة لما صلت علي آدم فکبرت عليه أربعا وقالت هذه سنتکم يا بني آدم. وهذا لا يصح. وقد روي مرفوعا وموقوفا. وکان أصحاب معاذ يکبرون خمسا قال علقمة: قلت لعبد الله: إن ناسا من أصحاب معاذ قدموا من الشام فکبروا علي الميت لهم خمسا. فقال عبدالله: ليس علي الميت في التکبير وقت، کبر ما کبر الامام فإذا انصرف الامام فانصرف.

هذا نص کلام ابن القيم وفيه فوائد.


صفحه 245، 246، 247.








  1. سنن البيهقي 4 ص 37، فتح الباري 3 ص 157 وقال في الحديث الثاني: اسناد صحيح وفي الحديث الاول. اسناد حسن، ارشاد الساري 2 ص 417.
  2. ج 1 ص 145، وفي ط هامش شرح المواهب للزرقاني 2 ص 70.
  3. أخرجه ابن ماجة في سننه 1 ص 458.
  4. واخرجه ابوداود في سننه 2 ص 67، وابن ماجة في سننه 1 ص 458، واحمد في مسنده 4 ص 371 و 368، والبيهقي في السنن الکبري 4 ص 36، فتح الباري 3 ص 157.
  5. اخرجه البيهقي في السنن الکبري 4 ص 36.
  6. واخرجه البيهقي في السنن 4 ص 37، وذکره ابن حجر في فتح الباري 3 ص 157 نقلا عن ابن المنذر.