نادرة تعلم عمر سورة البقره











نادرة تعلم عمر سورة البقره



أخرج الخطيب في رواة مالک، والبيهقي في شعب الايمان، والقرطبي في تفسيره باسناد صحيح عن عبدالله بن عمر قال: تعلم عمرسورة البقرة في اثنتي عشرة سنة فلما ختمها نحر جزورا[1] .

وقال القرطبي في تفسيره 1 ص 132: تعلمها عمر رضي الله عنه بفقهها وما تحتوي عليه في اثنتي عشرة سنة.

[صفحه 197]

قال الاميني: هذا يتم إما عن عدم انعطاف الخليفة علي القرآن واهتمامه به مع أنه أهم اصول الاسلام، وقد انطوي فيه مهمات علومه حتي أنه تبطأ في تعلم سورة منه إلي غاية ذلک الامد المتطاول، ولعله کان قد ألهاه عن ذلک الصفق بالاسواق کما ورد في غير واحد من هذه الآثار، واعتذر به هو وغيره من الصحابة، وإما عن قصور في فطنته و ذکاءه وجمود في القريحة يأبي عن انعکاس ما يلقي إليه فيها فيحتاج إلي تکرار ومثابرة کثيرة وترديد حتي ينتقش ما هم بتعلمه في الذاکرة.

وقد يؤکد الثاني ما مر في صحيفة 116 من قول رسول الله صلي الله عليه واله وسلم له: إني أظنک تموت قبل أن تعلم ذلک، وما ذکر في ص 128 من قوله صلي الله عليه واله وسلم له لحفصة. ما أري أباک يعلمها. وقوله: ما أراه يقيمها.

ويساعد هذا ما في الکتب من أن عمر کان أعلم وأفقه من عثمان ولکن کان يعسر عليه حفظ القرآن[2] .

وأيا ما کان فإن مدة التعلم هذه لا يمکن أن تکون علي العهد النبوي، فإن سورة البقرة نزلت بالمدينة عند جميع المفسرين غيرآيات نزلت في حجة الوداع، وقالت عائشة: ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده صلي الله عليه وسلم[3] وتوفي رسول الله صلي الله عليه واله وسلم في ربيع الاول- علي ماذهب إليه القوم- من السنة الحادية عشر من مهاجرته، ومع ذلک لم يؤثر تعلمه من رسول الله صلي الله عليه واله وسلم، فلا بد أن يکون تعلمه عند أحد الصحابة أو عند لفيف منهم وهم الذين يقول القائل: فإن الخليفة کان أعلمهم علي الاطلاق.

ويشهد هذا أيضا علي خلو الرجل من أکثر علوم القرآن الموجودة في بقية السور فإن تعلمها علي هذا القياس يستدعي أکثر من مائة وثلاثين عاما حسب أجزاء القرآن الکريم، فيفتقر الخليفة علي هذا الحساب في تعلم جميع القرآن إلي ما يقرب من مائة وخمسين عاما، ولا يفي بذلک عمر الخليفة، علي أن الاحکام في غير البقرة من السور أکثر مما فيها، فکان خليفة ومتعلما- والخليفة، هو معلم الناس لا المتعلم منهم- ولهذا کان لا يهتدي إلي جملة من الاحکام الموجودة في القرآن، کان يحسب أبسط شئ

[صفحه 198]

من معانيه تعمقا وتکلفا ويدعي أنه نهي عنه[4] وکان يقول: من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت ابي بن کعب. إلي آخر مامر عنه ص 161.

هذا شأن الخليفة قبل طرو النسيان عليه وأما بعده فروي محمد بن سيرين أن عمر في آخر أيامه اعتراه نسيان حتي کان ينسي عدد رکعات الصلاة فجعل أمامه رجلا يلقنه فإذا أومأ إليه أن يقوم أو يرکع فعل[5] .

وإن تعجب فعجب أنه مع ذلک کله ما کان يتنصل عن الحکم، ولا يرعوي عن الافتاء،وإن کان يظهر خطأه في کثير منها

وبأبه اقتدي عدي في الکرم.

أخرج مالک في الموطأ 1 ص 162: إن عبدالله بن عمر مکث علي سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها، وذکره القرطبي في تفسيره 1 ص 34، وقال العيني في عمدة القاري 2 ص 732: حفظ عبدالله بن عمر سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة، وفي طبقات إبن سعد کما في تنوير الحالک في شرح الموطأ لمالک 1 ص 162: إن إبن عمر تعلم سورة البقرة في أربع سنين. قال الباجي لانه کان يتعلم فرائضها وأحکامها وما يتعلق بها.


صفحه 197، 198.








  1. تفسير القرطبي 1 ص 34، سيرة عمر لابن الجوزي ص 165، شرح ابن ابي الحديد 3 ص 111، الدر المنثور 1 ص 21.
  2. عمدة القاري 2 ص 733 نقلا عن النهاية.
  3. فتح الباري 8 ص 130.
  4. راجع صحيفة 100 و 99 من هذا الجزء.
  5. سيرة عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص 135، شرح ابن أبي الحديد 3 ص 110.