خطبة الخليفة في الجابية











خطبة الخليفة في الجابية



عن علي بن رباح اللخمي قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس فقال: من اراد أن يسأل عن القرآن فليأت ابي بن کعب، ومن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت،ومن

[صفحه 192]

أراد أن يسأل عن المال فليأتني فإني له خازن. وفي لفظ: فإن الله تعالي جعلني خازنا[1] وقاسما

م- أخرجه أبوعبيد المتوفي 224 في کتابه «الاموال » ص 223 بإسناد رجاله کلهم ثقات، والبيهقي في «السنن الکبري» 210: 6، والحاکم في «المستدرک» 272 و 271: 3، ويذکر في العقد الفريد 132: 2، وسيرة عمر لابن الجوزي ص 87، وأشير إليه في «معجم البلدان» 33: 3 فقال: في الجابية خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطبته المشهورة. وجاء في ترجمة کثيرين: انهم سمعوا خطبة عمر في الجابية.

إسناده من طريق أبي عبيد:

1- ألحافظ عبدالله بن صالح بن مسلم العجلي أبوصالح الکوفي المتوفي 221 وثقه إبن معين، وابن خراش، وابن بکر الاندلسي، وابن حبان، وهو من مشايخ البخاري في صحيحه[2] .

2- موسي بن علي بن رباح اللخمي أبوعبدالرحمن المصري المتوفي 163، وثقه أحمد،وابن سعد، وابن معين، والعجلي، والنسائي، وأبوحاتم، وابن شاهين، واحتج به أربعة من أئمة الصحاح الست[3] .

3- علي بن رباح اللخمي التابعي أبوعبدالله- أبوموسي- المولود سنة 10 والمتوفي 7 /114 وثقه إبن سعد، والعجلي، ويعقوب بن سفيان، والنسائي، وابن حبان، واحتج به أربعة من أئمة الصحاح[4] .

في هذه الخطبة الثابتة المروية عن الخليفة بطرق صحيحة کل رجالها ثقات، وصححها الحاکم والذهبي، اعتراف بأن المنتهي إليه في العلوم الثلاثة أولئک النفر المذکورين فحسب، وليس للخليفة إلا أنه خازن مال الله، وهل تري من المعقول أن يکون خليفة رسول الله صلي الله عليه واله وسلم علي امته في شرعه ودينه وکتابه وسنته وفرائضه فاقدا لهاتيک العلوم؟

[صفحه 193]

ويکون مرجعه فيها لفيفا من الناس کما تنبأ عنه سيرته، فعلام هذه الخلافة؟ وهل تستقر بمجرد الامانة، وليست بعزيزة في امة محمد صلي الله عليه واله وسلم؟ وما وجه الاختصاص به؟ نعم: وقع النص عليه ممن سبقه في الخلافة علي غير طريقة القوم في الخليفة الاول.

وشتان بين هذا القاتل وبين من لم يزل يعرض نفسه لعويصات المسائل ومشکلات العلوم فيحلها عند السؤال عنها من فوره، ويرفع عقيرته علي صهوات المنابر بقوله سلام الله عليه: سلوني قبل أن لاتسألوني ولن تسألوا بعدي مثلي. أخرجه الحاکم في المستدرک 2 ص 466 وصححه هو والذهبي في تلخيصه.

وقوله: عليه السلام: لا تسألوني عن آية في کتاب الله تعالي ولا سنة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا أنبأتکم بذلک. أخرجه إبن کثير في تفسيره 4 ص 231 من طريقين وقال: ثبت ايضا من غير وجه.

وقوله عليه السلام: سلوني والله لا تسألوني عن شئ يکون إلي يوم القيامة إلا أخبرتکم، وسلوني عن کتاب الله فو الله مامن آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل.

أخرجه أبوعمر في جامع بيان العلم 1 ص 114، والمحب الطبري في الرياض 2 ص 198،ويوجد في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 124، والاتقان 2 ص 319، تهذيب التهذيب 7 ص 338، فتح الباري 8 ص 485، عمدة القاري 9 ص 167، مفتاح السعادة 1 ص 400.

وقوله عليه السلام: ألا رجل يسأل فينتفع وينفع جلسائه.

أخرجه أبوعمر في جامع بيان العلم 1 ص 114، وفي مختصره ص 57.

وقوله عليه السلام: والله مانزلت آية إلا وقد علمت فيم انزلت، وأين انزلت، إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا سؤولا.

أخرجه أبونعيم في حلية الاولياء 1 ص 68، وذکره صاحب مفتاح السعادة 1 ص 400

وقوله عليه السلام سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن کتاب الله، وما من آية إلا وأنا أعلم حيث انزلت بحضيض جبل أو سهل أرض، وسلوني عن الفتن فما من فتنة إلا وقد علمت من کسبها ومن يقتل فيها.

أخرجه إمام الحنابلة أحمد وقال: روي عنه نحو هذا کثيرا (ينابيع المودة ص 274).

وقوله عليه السلام وهو علي منبر الکوفة وعليه مدرعة رسول الله صلي الله عليه واله وسلم وهو متقلد بسيفه،

[صفحه 194]

ومتعمم بعمامته صلي الله عليه واله وسلم، فجلس علي المنبر وکشف عن بطنه فقال: سلوني قبل أن تفقدوني فإنما بين الجوانح مني علم جم، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله صلي الله عليه واله وسلم هذا مازقني رسول الله صلي الله عليه واله وسلم زقا زقا، فو الله لوثنيت لي وسادة فجلست عليها لافتيت أهل التوراة بتوراتهم، وأهل الانجيل بانجيلهم، حتي ينطق الله التوراة والانجيل فيقولان: صدق علي قد أفتاکم بما انزل في وأنتم تتلون الکتاب أفلا تعقلون.

أخرجه شيخ الاسلام الحمويي في «فرائد السمطين» عن أبي سعيد.

وقال سعيد بن المسيب: لم يکن أحد من الصحابة يقول: سلوني. إلا علي بن أبي طالب[5] وکان إذا سئل عن مسألة يکون فيها کالسکة المحماة ويقول:


إذا المشکلات تصدين لي
کشفت حقائقها بالنظر


فإن برقت في مخيل الصوا
ب عمياء لا يجتليها البصر


مقنعة بغيوب الامور
وضعت عليها صحيح الفکر


لسانا کشقشقة الارحبي
أو کالحسام اليماني الذکر


وقلبا إذا استنطقته الفنو
ن أبر عليها بواه درر


ولست بامعة في الرجا
ل يسائل هذا وذاما الخبر؟


ولکنني مذرب الاصغرين[6] .
أبين مع ما مضي ما غبر


أخرجها أبوعمر في العلم 2 ص 113، وفي مختصره ص 170، والحافظ العاصمي في زين الفتي شرح سورة هل أتي، والقالي في أماليه، والحصري القيرواني في زهر الآداب 1 ص 38، والسيوطي في جمع الجوامع کما ترتيبه 5 ص 242، والزبيدي الحنفي في تاج العروس 5 ص 268 نقلا عن الامالي. وذکر منها البيتين الاخيرين الميداني في مجمع الامثال. 358: 2.


صفحه 192، 193، 194.








  1. کتاب الاموال لابي عبيد ص 223، مستدرک الحاکم 3 ص 272 و 271، ألعقد الفريد 2 ص 132، سنن البيهقي 6 ص 210، مجمع الزوائد 1 ص 135.
  2. تهذيب التهذيب 261: 5، خلاصة الکمال ص 170.
  3. تهذيب التهذيب 363: 10، خلاصة الکمال ص 336.
  4. تهذيب التهذيب 318: 7، خلاصة الکمال ص 231.
  5. أخرجه احمد في المناقب، والبغوي في المعجم، وأبوعمر في العلم 1 ص 114 وفي مختصره ص 58، والمحب الطبري في الرياض 2 ص 198، وابن حجر في الصواعق ص 76.
  6. قال ابوعمر: المذرب، الحاد. واصغراه: قلبه ولسانه.